إعداد: فرحان عبدالله الفرحان - القبس
لو حركت حجرا هنا أو هناك لوجدت تحته أو حوله قصة أو قصصاً ويكفي أن منقبي الآثار الذين ينقبون هنا وهناك في أرض الكويت يجدون في كل مرة دلائل وآثارا تدل على السابقين الذين تركوا بصمات في هذه البقعة من أرض الجزيرة العربية.. هذه هي الكويت.
أمام هذه التنقيبات الآثارية كان بودنا ان نتعرف على السابقين الذين وطئت أقدامهم الكويت، ان نتعرف على قبور من أقاموا وقضوا في هذه الأرض.
لكن لو عدنا إلى الماضي لوجدنا هنا وهناك بعض الشخصيات التي سجل لها التاريخ رفاتا في هذه الديار الكويت اليوم ومن هؤلاء الاشخاص:
أولاً: العلاء بن عبدالله الحضرمي، وهنا أنقل قصته كما أوردتها في كتابي «تاريخ المواقع والأمكنة» كالتالي:
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الثاني وبعد ان تسلم الخلافة من سلفه أبي بكر الصديق رضي الله عنه قام باجراء تنقلات وتعديلات على القيادة فاستبدل أبا عبيدة بن الجراح بخالد بن الوليد في القصة المشهورة في كتب التاريخ، وكذلك سلم القيادة في اليمن إلى أبي موسى الأشعري، والرسالة التي تتعلق بالقضاء مشهورة في هذا الخصوص وأرسلها عمر إلى أبي موسى ومن ضمن هذه التعديلات نقل الوالي العلاء الحضرمي من البحرين إلى البصرة وعلى هذا الأساس من هو العلاء الحضرمي.
«هو الصحابي الجليل العلاء بن عبدالله الحضرمي من رجال الفتوح في صدر الإسلام أصله من حضرموت سكن أبوه مكة فولد فيها العلاء ونشأ وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم البحرين سنة 8 هـ، وجعل له جباية الصدقة واعطاه كتابا فيه فرائض الصدقة وأمره بان يأخذ الصدقة من أغنيائهم ويردها إلى فقرائهم وبعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام وأقره أبو بكر الصديق واقره عمر بن الخطاب برهة من الزمن بعد ذلك وفي المراجعة التي اجرى فيها التعديلات في الحكم طلب منه الانتقال الى البصرة.
امتثل العلاء لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب وسار من البحرين الاحساء حاليا وهو يقطع المنطقة المعروفة بالخط حتى اقترب من منطقة العدان فأخذ يبتعد مع ركبه ومرافقيه عن جهة الساحل نظرا لأن المياه في هذه المنطقة غير صالحة للشرب بخلاف منطقة الاحساء حيث المياه العذبة وفيرة على مقربة من الساحل، واثناء السير كانوا يبتعدون عن ساحل البحر حتى وصلوا الى الوفرة وبالتحديد قرب «ضليعات التياس» كتب الله لهذا الصحابي الجليل ان ينتقل الى الدار الآخرة في سنة 21 للهجرة الموافق 642 للميلاد وان يتوفاه الله في هذه المنطقة وان يدفن في تياس او اللتياس والا تكتمل رحلته حيث عمله الجديد في البصرة، لقد انتقل الى رحمة الله وكتب الله في حكمته أن يدفن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض الكويت.
وفي كتاب «المعجم الجغرافي لشرقي الجزيرة» للشيخ حمد الجاسر صفحة (298-299) يقول التالي:
1) موضع يقع شرق الجزيرة بين البحرين وبين البصرة.
2) ويقول في كتاب «بلاد العرب» للحسن بن لغدة الاصفهاني بعد ذكر النحيحيه من مياه السيدان وهي عن يمينك حين تجوز النحيحيه منحدرا إلى البصرة جبل يقال له «تياس». وقريبا منه شمد يقال له الفارس وفيه يقول الشاعر:
«لولا تياس ضلت الجرد الثمن»
وتياس هي التي نطلق عليها اليوم «اللتياس» في الوفرة، اذا في هذه التياس او اللتياس في الوفرة يرقد او يرفل الصحابي الجليل العلاء بن عبدالله الحضرمي في ارض الكويت.
ثانيا: غالب بن صعصعة التميمي والد الفرزدق الشاعر المشهور، ولولا ان الفرزدق لم يشر بكرم والده وحفاوته واطعامه للضيف ما اخذ هذه الشهرة بالاضافة الى انقاذه وأد البنات الصغيرات.
كانت ارض الكويت هي سكن آل الفرزدق، لهذا اثرى الفرزدق في شعره ذكر هذه المرابع، وهو الذي حفظ لنا الشيء الكثير من اسماء هذه الاماكن في شعره ولولا شعره لما عرفناها ومنها «كاظمة ومقرها» التي تضم رفات والده الذي مجده في شعره، وبدلا من ان نسترسل في قصته نترك شعر الفرزدق يحدثنا بذلك، حيث يقول:
إذ المرء لم يحقن دما لابن عمه
بمخلولة من ماله او بمقحم
فليس بذي حق يهاب لحقه
ولا ذي حريم تتقيه لمحرم
فخل عن الحيات إن نهدت له
ولا تدعون يوما به عند معظم
أبى حكم من ماله ان يعيننا
على حل حبل الابيضي بدرهم
وقلت له: مولاك يدعو يقوده
إليك، بحبل، ثائر غير منعم
بكى بين ظهري رهطه بعدما دعا
ذوي المخ من احسابهم والمطعّم
فقال لهم: راخوا خناقي واطلقوا
وثاقي فإني بين قتْل ومغرم
ومن حوله رهط أصاب أخاهم
بهاز.مة تحت الفراش المحطم
بنو علة مستبسلون قد التوت
قواهم بثأر في المريرة مسلم
ولم يدع حتى ما له عند طارق
ولا سائر الابناء من مُتلوم
فقالوا: استغث بالقبر او اسمع ابنه
دعاءك يرجع ريق فيك الى الفم
فأقسم لا يختار حيا بغالب
ولو كان في الحد من الارض مظلم
دعا بين آرام المقر ابن غالب
وعاذ بقبر تحته خير اعظم
فقلت له أقريك عن قبر غالب
هُنيدة اذ كانت شفاء من الدم
هذه الابيات عندما تقرأها تعطينا بالدليل القاطع مكان رفات هذا الشخص الكبير، الذي مجده ابناه وخلد بشعر الفرزدق، ذلك هو غالب بن صعصعة الذي دفن في كاظمة.
كان الفاضل سلطان الدويش قد اخرج كتابا عن «كاظمة البحور» وهي دراسة تاريخية واثرية لموقع كاظمة جعلنا نتلمس اين يقع قبر غالب.
ثالثا: هناك في جزيرة فيلكا قبر لشيخ قريب دعي هكذا، كان رفاته في جزيرة فيلكا وكان هذا العالم الجليل من الذين احتفلوا بهم في هذه الجزيرة، واعطوه اهمية، نظرا لان جزيرة فيلكا كان فيها سكن وعمران منذ أمد بعيد.
رابعا: الوطية، وهي الموقع البحري مقابل المستشفى الاميركي سابقا، دار الاثار الاسلامية اليوم، لقد رأيت بعيني الصخور التي يبلغ عرضها متراً ونصف المتر وطولها كذلك وهي تعد اكثر من صخرة عليها علامات بارزة لموطئ اقدام.
كان كثير من الكويتيين يقولون انها موطئ لولي، والبعض يقول انها موطئ الخفر الذي كان في فيلكا، حيث وصل إلى مدينة الكويت قبل ان تكون الكويت.
كان بودي الاحتفاظ بهذه الصخور والاحجار الكبيرة نظرا لاهميتهاالتاريخية ودراسة هذه الوطأة الوطية، لكن للأسف قضي عليها وخسرنا جزءا من التاريخ.
اخيرا، فهذه قصة بعض الرفات والقبور التاريخية لاشخاص كان لهم ماض مسجل في تاريخ بلادنا، حيث تركوا بصمات في هذه البلاد العزيزة.