إطفاء حرائق آبار النفط (1991م).
لم تقتصر جرائم قوات الاحتلال العراقي على البشر بل طالت الحجر والبيئة أيضاً. ففي الساعة الرابعة من مساء يوم الخميس الموافق 21 فبراير عام 1991م بدأ جنود الاحتلال العراقي بتفجير آبار النفط الكويتية بهدف عرقلة قوات التحالف الدولي من دخول الكويت واتباع سياسة الأرض ا لمحروقة في حال انسحابهم, وليس بهدف توفير غطاء دخاني لانسحابهم كما أشيع.
وقد تمت عملية تلغيم آبار النفط بطريقة فنية نفذها مهندسون عراقيون متخصصون حيث قاموا بوضع عبوات تفجيرية من مادة/تي.إن.تي/ بحيث لايسلم أي بئر من التفجير, ووضعوا لهذا الغرض شبكات موقوته مرتبطة بكل خمسة آبار مجتمعةً تم توقيتها لتنفجر بعد تركيبها على مدى يتراوح بين ثلاث وست ساعات ومن ثم تسهيل عملية تفجير عدد هائل من الآبار في وقت قصير نسبيا. كما أن التفجير كان يتم في الصمامات الرئيسية في رأس البئر المتحكمة في الإنتاج. وتم توزيع خطة التفجير على عدة وحدات, بحيث تتولى كل وحدة خاصة تفجير خمسة آبار لضمان تدمير عدد كبير من الآبار.
وقد بلغ عدد آبار النفط التي قامت قوات الاحتلال العراقي بتفجيرها وتخريبها على نحو متعمد قبيل انسحابها من دولة الكويت (1120) بئراً موزعةً على أحد عشر حقلاً. وبلغ عدد الآبار المشتعلة منها والتي كانت تنفث سمومها في الهواء (639) بئراً. أما عدد الآبار التي كانت تنزف النفط فقط دون اشتعال فقد بلغ (42) بئراً, بينما بلغ عدد الآبار التي تم تدميرها بشكل كامل حوالي (439) بئراً. وقد شكلت الآبار التي تم تخريبها حوالي (72%) من إجمالي عدد الآبار التي تم حفرها في حقول الكويت النفطية المختلفة حتى الأول من أغسطس عام 1990م والتي كانت تبلغ (1558) بئراً, منها (861) بئراً منتجة, مما يعني أن نسبة الآبار المنتجة التي تعرضت للتخريب (المشتعلة والنازفة) بلغت حوالي (79%). وقُدِّرتْ خسائر القطاع النفطي بخمسة وسبعين مليار دولار, تشمل تدمير المنشآت النفطية وكمية النفط المهدور والمفقود, هذا بالإضافة إلى الخسائر الناجمة عن تلف البيئة برا وبحرا وجوا.. أما الآبار التي نجت من التفجير فقد قدر عددها بمئة وأربعة آبار, وهي الآبار التي أمكن تشغيلها بعد التحرير مباشرة.
ونظراً لهول الكارثة وضخامة وكثافة حرائق آبار النفط فقد توقع أكثر الخبراء العالميين تفاؤلاً أن تستغرق عملية إطفائها ثلاث سنوات على الأقل, ولكن أبناء الكويت كان لهم رأي آخر شكل بدوره الانطلاقة الحقيقية لمعجزة الإعمار في قطاع النفط.. فمن منطلق حرص القيادة الرشيدة على الحفاظ على الثروة الوطنية وبتوجيهات من حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح , وضعت الحكومة خطة استراتيجية للسيطرة على آبار النفط المشتعلة في زمن قياسي.. وقد اعتمدت هذه الخطة على إشراك أكبر عدد ممكن من الشركات والفرق التابعة لدول التحالف وإفساح المجال لأكبر عدد ممكن من الكوادر الكويتية حتى تتاح لهذه الكوادر الوطنية فرصة التدريب واكتساب الخبرة تمهيداً لإسهامها في عمليات الإطفاء بفرق مستقلة.
وقد بدأت عمليات إطفاء حرائق الآبار النفطية في يوم 11 مارس عام 1991م بعد أن تم تجنيد 4 شركات متخصصة ثلاث منها أمريكية وواحدة كندية. وتمت السيطرة على أول بئر مشتعلة وهي (بئر الأحمدي 24) في 30 مارس 1991م بواسطة فريق من شركة (رد أدير Red Adair) الكندية. وقد تم إطفاء آخر بئر في حقل الأحمدي وهي (بئر الأحمدي 74) في 10 أغسطس 1991م بواسطة فريق من شركة (وايلد ول كونترول Wild Well Control) الأمريكية. أما في حقل المقوع فقد تم إطفاء آخر بئر مشتعلة وهي (مقوع 46) بتاريخ 14 أغسطس 1991 م.
ومع حلول الذكرى الأولى للغزو العراقي البغيض بلغ عدد الآبار التي تمت السيطرة عليها 260 بئراً, إرتفع إلى 274 بئراً في 7 أغسطس 1991م, وإلى 292 بئراً في 14 أغسطس 1991 م.
وفي 10 سبتمبر 1991م تمت السيطرة الكاملة على كل الآبار المشتعلة في حقول المقوع والأحمدي والوفرة والمناقيش وأم قدير.
وكان أكبر عدد من الآبار التي تم إطفاؤها والسيطرة عليها في حقل برقان 25بئراً, يليه حقل المقوع 17 بئراً, ثم حقل الأحمدي فحقل الروضتين. أما أقل عدد من الآبار المشتعلة فقد كان في حقل خشمان (بئر واحدة), يليه حقل بحرة (5آبار).
وأشارت الإحصائيات إلى أنه أمكن السيطرة على ثلاث آبار في المتوسط كل يوم. وكان أكبر عدد من الآبار تمت السيطرة عليه في يوم واحد هو 13 بئراً, وكان هذا اليوم الميمون مصادفاً لزيارة سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح للفريق الكويتي وهو يقوم بإطفاء البئر (برقان 75) بتاريخ 14 أكتوبر 1991م .
وقد احتفلت دولة الكويت بإطفاء آخر بئر مشتعلة وهي بئر (برقان 118) في صباح يوم الأربعاء الموافق 6 نوفمبر 1991م وذلك تحت رعاية حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح وبحضور سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله الصباح رحمهما الله.
وقد شارك أكثر من عشرة آلاف شخص موزعين على 27 فريقاً في إطفاء حرائق آبار النفط, ساهمت خمس شركات أمريكية باثني عشر فريقاً متخصصاً قامت بإطفاء 428 بئراً أي حوالي 58.5% من مجموع الآبار المشتعلة. وساهمت ثلاث شركات كندية بستة فرق قامت بإطفاء 194 بئراً أي حوالي 27% من العدد الإجمالي للآبار المشتعلة.
أما الفريق الكويتي فقد ساهم بإطفاء حوالي ستة في المئة من مجموع الآبار المشتعلة رغم مشاركته في توقيت متأخر مقارنة مع الفرق الأخرى, حيث قام بإطفاء أول بئر في 14 سبتمبر 1991م وبلغ مجموع الآبار التي أطفأها 41 بئراً وضعته في المرتبة الثالثة بعد الفرق الأمريكية والكندية في التصنيف حسب الدولة وجنسية الشركات ... وقد كان الفريق الكويتي المؤلف من تسعة وعشرين عضواً من شركة نفط الكويت موضع إعجاب ومحل تقدير الفرق الأجنبية حيث أسهم وجود هذا الفريق في تقليص الفترة الزمنية اللازمة لإطفاء حرائق آبار النفط من خلال حسه الوطني العالي وعمله الدؤوب وتصديه للحرائق الأضخم مما أشاع تنافساً محموماً بين كافة الفرق الأخرى.
وقد وقف العالم كله مشدوها بنجاح الكويت في إطفاء حرائق النفط في سبعة أشهر وليس سنوات كما توقع الخبراء العالميون. وضرب فريق الإطفاء الكويتي أروع المثل في التضحية من أجل الوطن الغالي والحفاظ على ثروته ومن ثم استحقوا الإشادة والتقدير من أبناء الشعب الكويتي ومن بينهم الدكتورة/ حصة السيد زيد الرفاعي التي نظمت هذه الأبيات:
الحمدلله قد أطفأتم اللهبا
ونلتم اليوم مجداً طاول الشهبا
كنتم على العهد شجعاناً سواعدكم
ما أحجمت على ضرام أو شكت تعبا
شاهدتم النار في الآفاق فاشتعلت
عزائم في الليالي تصنع العجبا
حتى نزلتم إلى الميدان حينئذ
كان الصمود ونصر الله قد كتبا
فليجزي الله مسعاكم بني وطني
فأجركم بات عند الله محتسبا
في الحياة لكم فضل ومكرمة
وفي المآب لكم في الخلد ماوهبا
|