أحمد عبدالله أحمد الفهد
(1907 – 1983م) (1325 - 1404هـ)
المولد والنشأة:
ولد المحسن أحمد عبدالله الفهد في عام 1325هـ الموافق لعام 1907م، في منطقة القبلة بدولة الكويت، نشأ وترعرع في بيت والده وأسرته في تلك المنطقة بجوار المدرسة المباركية.
وكان والده السيد عبدالله أحمد الفهد - رحمه الله - عميد عائلة الفهد في الكويت، رزقه الله بسبعة من الأبناء، كبيرهم أحمد ثم يوسف، وعبدالمحسن، وسليمان، وإبراهيم، وعبدالعزيز، ومحمد، إضافة إلى بنتين. وينتمي أبناء الفهد هؤلاء إلى بيت من بيوتات الكويت العريقة، والمعروف عنهم أنهم أهل خير وإحسان، ولهم الكثير من المشاريع والأعمال الخيرية.صفاته وأخلاقه , نشأ المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - متديناً متمسكاً بأصول دينه الحنيف، وقد وضح ذلك في تربيته لأبنائه بعد ذلك، وكان من أهم ما يميز شخصيته - رحمه الله - صدقه وصراحته في معاملاته، إذ عُرف عنه قول الحق أمام الجميع، وأنه لا يخشى في ذلك إلا الله سبحانه وتعالى , كما كان - رحمه الله - دمث الخلق، ذا كرم وسخاء، وكان محبوباً من الجميع، مخلصاً لعائلته ومحباً لها، يصل أرحامه ويحث أبناءه على ذلك، وقد كان- رحمه الله - يربي أبناءه على حب الدين، واجتهد في ذلك حتى أكرمه الله في أولاده وبارك له فيهم من بعده، فكانوا خير خلف لخير سلف , وكان المرحوم أحمد الفهد اجتماعياً بطبعه كعادة معظم أهل الكويت الكرام، حيث كانت الديوانية - وما زالت - تشكل معلماً من معالم المجتمع الكويتي، فهي ملتقى للتعارف والتقارب والتآخي وتبادل الآراء، والتواصل بين أهل الحي والمنطقة والأقارب والأصدقاء , وقد كان للمحسن أحمد الفهد - رحمه الله - ثلة طيبة هم أبرز أصدقائه.. ومنهم: المرحوم عبداللطيف النصف، والمرحوم حمود النصف، والمرحوم صبيح براك الصبيح، والمرحوم يوسف الفليج، والمرحوم محمد عبدالمحسن الخرافي، والمرحوم عبدالله السدحان، والمرحوم عبدالله بن حسين الرومي، والمرحوم عبدالرحمن يوسف البدر، والمرحوم فهد حمد الخالد. ومن كان هؤلاء أصدقاءه فإنه – بلا شك – أحد وجهاء البلاد وأعيانها، كيف لا وقد شغلوا أعلى المنازل الاجتماعية والوظيفية في عصرهم؟
تعليمه:
بدأ المرحوم - بإذن الله تعالى - أحمد الفهد تعلّمه في الكُتّاب لفترة قصيرة، خرج بعدها إلى مدرسة الحياة العملية مبكراً، وكان محور تعليمه كالعادة القراءة والكتابة وحفظ آيات من القرآن الكريم، غير أنه نشط في مجال المحاسبة ومسك الدفاتر، ولكنه لم يُكمل تعليمه في مدارس أخرى، حيث كان التعليم في تلك الفترة يقتضي منه الارتباط وتقييد الحركة، واختار - رحمه الله - أن يبدأ حياته العملية مبكراً، فنال مراده بفضل الله تعالى وتوفيقه.
زواجه وأبناؤه:
لما بلغ المحسن أحمد عبدالله الفهد سن الشباب، واجتهد في السعي والعمل، ورزقه الله من فضله، سعى إلى الزواج عملاً بأمر النبي
: ﴿يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ﴾().
وقد تزوج - رحمه الله - من الأسرة الكريمة نفسها - أسرة الفهد - وكانت زوجته هي السيدة منيرة عبداللطيف الفهد، ورزقه الله تعالى منها ذرية صالحة: ستة من الذكور، وهم: عبدالرزاق وعبدالوهاب، وفيصل، وخالد، وجاسم، وناصر، وأربع بنات. وقد أحسن - رحمه الله - تربيتهم وأدبهم، فساروا على دربه في العمل والاجتهاد والإحسان والإنفاق في سبيل الله تعالى.عمله وتجارته:
اجتهاداً في السعي والعمل وطلب المعاش، عمل هو وأخوه يوسف، عند المرحوم عبدالرحمن البحر في التجارة بين العراق والهند ونقل البضائع، وظلا كذلك خمساً وثلاثين سنة، عملا خلالها بكل جد واجتهاد وأمانة.. عند ذلك التاجر المعروف في الكويت والخليج العربي، فكانا بصدق مثالين للمؤمنين المحبين للأكل من عمل أيديهما، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ﴾().
ولم يتوقفا – رحمهما الله - عن العمل إلا عندما افتتحا تجارتهما الخاصة،حيث اتجها إلى العمل في تجارة العقارات، وكذلك مقاولات البناء والتأجير، كما اتجها إلى تجارة الأسهم منذ البدايات الأولى لنشأة الأسهم في الكويت , وظل المحسن أحمد الفهد وأخوه يوسف - رحمهما الله - في عمل دؤوب حتى أصبحا دعامة قوية في الاقتصاد الوطني الكويتي، من خلال تأسيس الشركات الخاصة والمساهمة في المؤسسات الوطنية.
أوجه الإحسان في حياته
تعددت أوجه الإحسان والبر في حياة المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - وشملت بناء المساجد، والمستشفيات، ورعاية الأيتام، والتبرع لإعانة الدول الإسلامية في نكباتها، ووجوه أخرى من العطاء والخيرات سنأتي على ذكرها في هذه السيرة الطيبة، وكان هذا العطاء والإنفاق في سبيل الله، عملاًً بقوله تعالى: {..وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ..(177)}().
عمارة المساجد:
إن عمارة بيوت الله تعالى من أعظم القربات، فكم من راكع وساجد يقع ثوابه في ميزان حسنات من بنى المسجد وعَمّره، دون أن ينقص ذلك من أجره مقدار حبة من خردل، وكم من مخلص وجد مأواه في بيت الله، فتفرغت نفسه للعبادة والطاعة، وأجاب أمر الله تعالى: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ..(29)}().
ولذلك كانت نفس المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - تتوق إلى إعمار بيوت الله تعالى، وقد وفقه الله تعالى إلى تأسيس أربعة مساجد في كل من الكويت ومصر وباكستان واليمن، بالإضافة إلى أنه ساهم في إنشاء عدد من المساجد الأخرى، كما قام - رحمه الله - بتزويد عدد آخر من المساجد في كل من جمهورية مصر العربية واليمن بالمراوح وبرادات المياه، وساهم في إعادة تأثيثها وفرشها، وحرص – رحمه الله - على تقديم كل ما تتطلبه من نفقات، ويمكن بيان ذلك بشيء من التفصيل فيما يلي) مسجد الفهد بمنطقة القبلة:
يظهر مسجد الفهد شامخاً وسط منطقة المباركية (القبلة)، وتملأ جنباته أصوات المصلين ممن يؤمون أسواق المباركية، فيريحون قلوبهم ونفوسهم بإقامة الصلاة وتطمئن قلوبهم بذكر الحميد المجيد:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}().
ويتسع هذا المسجد لألف مصلٍ، وتقام به ولائم الإفطار طوال شهر رمضان، وقد تم بناؤه في عام 1960م وفق رواية ابنه موثق هذه السيرة , وقد جددته دائرة الأوقاف في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، وأعادت بناءه من جديد - المبنى الحالي - عام 1983م.(2) مسجد بالزقازيق بمصر:
أراد المحسن أحمد الفهد – رحمه الله - أن يمتد بذله وعطاؤه إلى خارج بلده الحبيب الكويت، فأمر ببناء مسجد لله تعالى في مصر أرض الكنانة، في محافظة الشرقية، حباً لأهلها، ورغبة في نيل رضا الله تعالى.. واختار - رحمه الله – مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية لبناء مسجد كبير يتسع لألفي مصل، وهو مكون من طابقين.
وقد تأسس هذا المسجد المبارك في عام 1965م في منطقة كانت بأمس الحاجة لهذا المسجد في مدينة الزقازيق عاصمة المحافظة.
ولم يكتف المحسن أحمد الفهد - رحمه الله – ببناء هذا المسجد المبارك وفرشه، بل ظل يراعي مصالحه، ويساهم في صيانته، وليس أدل على ذلك من أنه بعد مرور خمسة عشر عاماً على تأسيس هذا المسجد المبارك، وعندما علم أن المسجد ضاق بالمصلين الذين يفترشون الشوارع من حوله وقت الصلاة، وخاصة في أيام الجمع والأعياد، قام - رحمه الله - بعمل توسعات كبيرة لهذا المسجد عام 1980م، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات من وفاته - رحمه الله.(3) مسجد في مدينة لاهور بباكستان:
في مدينة لاهور التي تعتبر العاصمة الحضارية لباكستان، أنشأ المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - مسجداً كبيراً يتسع لحوالي 1500 مصلٍ في عام 1980م، بعدما علم بحاجة هذه المنطقة الماسة لمسجد يؤدي فيه أهلها صلواتهم، وتجتمع فيه قلوبهم على ذكر الله تعالى وتوحيده والتفقه في أمور دينهم، ومن الملاحظ أن تأسيس هذا المسجد تم في السنة نفسها التي كان يعمل فيها - رحمه الله - في توسعة مسجد الزقازيق بمصر، ليكون هذا الخير - إن شاء الله - في رصيد الآخرة الذي ادخره المحسن أحمد الفهد عند الله تعالى.(4) مسجد أحمد عبدالله الفهد في اليمن:
وبعد الفراغ من توسعة مسجد الزقازيق وبناء مسجده بمدينة لاهور في باكستان، تاقت نفس المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - واشتاقت إلى الاستزادة من عمل الخير والإنفاق في سبيل الله، وخاصة في مجال إعمار بيوت الله تعالى.
فأمر - رحمه الله - بإنشاء مسجد في محافظة حضرموت تلك المحافظة اليمنية العريقة، حيث المسلمون هناك كانوا بحاجة لمساجد يقيمون فيها الصلاة؛ خاصة أن المساجد القائمة لم تعد تفي بحاجة الأهالي الذين يزدادون يوماً بعد يوم، وقد تم بناء هذا المسجد المبارك وافتتاحه عام 1985م، أي بعد وفاته – رحمه الله - وهو يتسع لحوالي ألف مصل.
وقد تم بفضل الله تعالى إعادة تأثيث هذا المسجد في عام 1996م، على نفقة أبناء المحسن أحمد الفهد - رحمه الله.
إنشاء دور تحفيظ القرآن الكريم:
إن النفوس الطيبة تهفو لحفظ كتاب الله تعالى وقراءته لنيل الأجر والثواب، فالمسلم ينال بكل حرف قرأه حسنة والحسنة بعشر أمثالها، وخير المسلمين وأفضلهم من تعلم القرآن وعلمه، فكيف بمن هيأ الفرصة وأتاح المكان، وحقق لكل محب للقرآن ما يتمناه؟ إنه أيضاً من أهل القرآن الذين تتحقق فيهم البشرى النبوية، في قول النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ.. تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا)().
وبفضل الله تعالى فقد نال المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - هذا الفضل ببناء دار مباركة لتحفيظ القرآن الكريم في القاهرة بجمهورية مصر العربية عام 1966م، وهي تتسع لعدد مائتي (200) طالب، جعلها الله في صحائف أعماله يوم القيامة.
كما ساهم - رحمه الله - في إنشاء العديد من دور تحفيظ القرآن الكريم في أماكن أخرى، مما يعكس حرصه على توفير سبل حفظ كتاب الله تعالى ونشره بين أبناء المسلمين، وبفضل الله فقد خرجت هذه الدور عدداً لا بأس به من حملة كتاب الله، الذين يأتون يوم القيامة تضيء وجوههم يشهدون لمن ساهم في إنشاء هذه الدور بتقواه وصلاحه، ويدعون له في الدنيا برفع درجاته في عليين بصحبة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
طباعة المصاحف والكتب الدينية:
كان المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - يقوم بطباعة نسخ من القرآن الكريم، وطباعة الكتب الدينية، وكان يقوم بتوزيعها على المساجد داخل دولة الكويت وخارجها، وخصوصاً في الدول التي أسس فيها مساجد كمصر واليمن وباكستان وغيرها، حرصاً منه على نشر الثقافة الإسلامية بين عموم المسلمين، ليتعرفوا على أمور دينهم، ويغترفوا من فضائله بقراءة الدستور الإلهي والوحي السماوي الخاتم ألا وهو كتاب الله العزيز.
فطار الصائمين:
حرص المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - على نيل الثواب العظيم لولائم الإفطار، التي بين رسول الله
فضلها في قوله: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، إِلا أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ)().
لذا فقد كان المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - يعد وليمة تكفي لخمسمائة صائم يومياً طوال شهر رمضان المبارك وذلك في مسجد الفهد بمنطقة المباركية بالعاصمة.
وهكذا فقد قدم - بفضل الله - خمسة عشر ألف وجبة طوال هذا الشهر الكريم، قائماً على إعدادها هو وأهله وأولاده قربة إلى الله تعالى، راجياً أن يدخل من باب الريان في الجنة، وينادى تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم صاحب لواء الحمد يوم القيامة.
وما ضاق - رحمه الله - يوماً بكثرة القادمين إلى ولائم الإفطار وتعدد طلباتهم، بل كان يتذكر ثوابها وفضلها، فيهون عليه ما يبذله من جهد لقاء ما يناله من أجر عند الله تعالى يوم القيامة، وأولاده يساندونه في هذا الخير يد بيد، فهم أفنان مباركة في تلك الشجرة الطيبة , ولذلك فإن هذا العمل المبارك استمر بفضل الله تعالى بعد وفاته ولا يزال ممتداً إلى يومنا هذا من خلال قيام أبنائه بنفس الدور وتقديمهم وجبات الإفطار للصائمين في هذا المسجد المبارك مسجد الفهد، وصدق الله القائل في كتابه العزيز:
{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}().
كفالة الأيتام وطلبة العلم:
ما أجمل أن يكفل المرء يتيماً ويحسن إليه، لعظم الأجر الذي وعد به رسول الله
: ﴿أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا﴾ وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً، رواه البخاري.
والأجر إن شاء الله أعظم إذا كان هذا اليتيم طالب علم.. والأيتام محل رحمة الله تعالى، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكياً قسوة قلبه، فدله النبي
على أن يمسح على رأس يتيم. قال:﴿إذا أردت أن يلين قلبك فاطعم المسكين وامسح رأس اليتيم﴾(). فما أن يمسح المرء رأس يتيم، تتحرك بإذن الله في نفسه عوامل الرقة والإنابة إلى الله تعالى بتأمل حال اليتيم.
وقد حرص المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - على أن ينال أجر كفالة أيتام وطلاب علم في الوقت نفسه، فتكفل برعاية بعض طلاب العلم من الأيتام في جمهورية مصر العربية الشقيقة، بلغ عددهم 35 يتيماً ابتداء من طفولتهم وحتى تخرجهم من الدراسة.ذبح الأضاحي:
من تمام فرحة المرء بأداء طاعة الحج ذبح الأضاحي قربة لله تعالى، وإتباعاً لسنة النبي
ومشاركة للحجاج في مناسكهم، ولكي يتذكروا فداء إبراهيم لابنه إسماعيل عليهما السلام، قال تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}().
واستشعاراً لهذا الفضل العظيم آثر المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - أن يوزع الأضحيات في كل عيد بمصر، ليدخل السرور على قلوب الفقراء، كما كان يقدمها على شكل ولائم يدعون إليها المحتاجون والفقراء. وظل يداوم على ذلك منذ عام 1965م وحتى توفاه الله تعالى.
وبفضل الله تعالى فإن هذه السنة المباركة مستمرة إلى الآن على يد ابنه خالد أحمد الفهد.مساهمته الخيرية في مجال التعليم:
كان السيد أحمد الفهد - رحمه الله - دائم التشجيع على التفوق في مجال التعليم، وخصوصاً تعليم القرآن الكريم، وقد انعكس ذلك أولاً على حسن تربيته لأبنائه كما أشرنا.
كما انعكس ذلك على عمل الخير عنده حيث كان – رحمه الله - يحب الإنفاق على طلاب العلم في مختلف البلاد ومساعدتهم حتى إكمال تعليمهم.. وذلك في الكويت وبعض الدول العربية، ومنها مصر التي كان يحبها كثيراً، حتى إنه تبرع لمدارس أهلية وجمعيات خيرية تعمل في مجال تحفيظ القرآن الكريم بها، منذ الستينيات وفق شهادة ابنه خالد.
مساهمته الخيرية في المجال الصحي:
آثر المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - أن يخرج بأعماله الخيرية من إطارها التقليدي في بناء المساجد وإقامة الولائم وغيرها إلى أبواب للخير أوسع، وذلك بمساعدة الناس وخدمتهم في المجال الصحي , ولذا ساهم - بفضل الله تعالى - في تأسيس ثلاثة مستوصفات صحية بمصر: اثنان في مدينة الزقازيق، والثالث بمدينة الإسكندرية.
كما تبرع – رحمه الله – عام 1970 بمبلغ من المال لمعهد ناصر الصحي للعلاج والبحوث لأمراض السكر في مصر.
تبرعات لا تنقطع
كم بكت عيون على المسلمين الذين يعانون الفقر والجوع والمرض، في مشارق الأرض ومغاربها، ولكنه - رحمه الله - لم يكتف بالتأثر القلبي والوجداني، ولم يقف مكتوف اليدين، بل سعى للبذل والإنفاق في سبيل الله.
فمد يد العون من خلال اللجنة الشعبية لجمع التبرعات التي كان - السيد أحمد الفهد رحمه الله - عضواً فيها، وكان مقرها بغرفة التجارة والصناعة بدولة الكويت، وقد قدم من خلالها مساهمات كثيرة في مجال جمع التبرعات، لصالح منكوبي الكوارث الطبيعية أو الحروب في بلاد العالم الإسلامي، كما يلي:1- مساعدة أهل مصر عقب العدوان الثلاثي عام 1956م:
لم تكن الأخوة يوماً قاصرة على أخوة النسب، لأنها بمفهوم الإسلام ممتدة في الزمان حتى تشمل السابقين الأولين في الإسلام، ومن جاءوا بعدهم إلى يوم القيامة، وممتدة في المكان فتجمع تحت ظلالها جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ ولذلك لم تكن أرض الكنانة وآلامها بعيدة عن آلام الكويت وأهلها، ومنهم المحسن أحمد الفهد وأخوه يوسف اللذان كانا من السباقين إلى البذل والإنفاق في سبيل الله تعالى ونصرة إخوان العروبة والإسلام في مصر الشقيقة، حيث تبرعا بمبلغ (15000 روبية) خمسة عشر ألف روبية، ضمن القائمة الأولى من تجار الكويت التي نشرت في مجلة "الكويت اليوم" الرسمية في 11 نوفمبر 1956م.2- مساعدة المتضررين من الزلازل في اليمن والجزائر:
لما ضرب لواء ذمار في اليمن الشمالي زلزال ضخم في ظهيرة يوم 13 ديسمبر من عام 1982م، وبلغت شدته 6 درجات بمقياس ريختر، وخرب كثيراً من القرى وهلك فيه خلق كثيرون، ودمر حوالي 1500 قرية من قرى محافظة ذمار، وعدداً من المدارس والمستشفيات والمساجد والآبار، وغيرها من المرافق والمنشآت العامة مختلفة، وتسبب في وفاة أكثر من 1200 شخص، وتشريد أكثر من 265 ألف شخص.
ولما وقع ذلك الزلزال سارع أهل الخير في دولة الكويت بالتبرع لإغاثة إخوانهم في اليمن عملاً بقول النبي
: ﴿الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾().
وكان الأخوان أحمد ويوسف عبدالله الفهد - كعادتهما - في القائمة الأولى من المتبرعين لصالح متضرري الزلازل هناك، إذ تبرعا بمبلغ (10000 د.ك) عشرة آلاف دينار كويتي، وكان ذلك في شهر يناير من عام 1983م.
كما تبرع - رحمه الله – بمبلغ من المال للشعب الجزائري الشقيق عندما تعرض لزلزال مدمر عام 1980م في مدينة الشلف (الأصنام سابقاً)، وذلك بواسطة اللجنة الشعبية لجمع التبرعات في دولة الكويت.
تبرعات من وصيته:
وبعد وفاته – رحمه الله – لم يتوقف نهر الخير الذي أجراه، حيث أنفق أولاده من خلال وصيته الخيرية، بمشاركة أخيه يوسف الفهد – رحمه الله – في كافة وجوه الخير، كما يلي:1- دعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى:
حركت أحداث الانتفاضة الأولى في ديسمبر عام 1987م الوطن العربي كله والشعوب الإسلامية، وحولت أنظارها تجاه ثورة المساجد، وأطفال الحجارة في مواجهة العناد اليهودي المتطرف.. وفي مواجهة اليهود الذين أخذوا على أنفسهم عهداً ألا يتركوا مسلماً في فلسطين ينعم بالراحة ويأمن في وطنه، فهدموا بيوت أهلها وقتلوا الأطفال، وشردوا العائلات، ولم يتركوا الشباب إلا وهم مكبلون بالأصفاد في ظلمات المعتقلات.
رأى أبناء المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - هذه المشاهد التي تناقلتها الصحف ووسائل الإعلام، فعزمموا على نصرة إخوانه المسلمين هناك، وتقديم الدعم لهم فتبروا من وصية والدهم - يرحمه الله - في القائمة الأولى لدعم الانتفاضة، يوم 31/1/1988م بمبلغ (5000 د.ك) خمسة آلاف دينار، مستشعرين قول الحق سبحانه:
{.. وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272)}().
2- دعم الشعب العراقي وإغاثته وقت الحرب:من أطول الحروب التي عرفها التاريخ العربي القديم حرب البسوس التي دارت رحاها أربعين عاماً كاملة، ومن أطولها في القرن الماضي الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات، تحولت خلالها منطقة الخليج إلى مسرح للعمليات الحربية بين الدولتين، وكان الكويتيون، بحكم قربهم من العراق مكاناً وديناً ولغة، اليد الحانية والداعمة للشعب العراقي، وقد تبرع ورثة المحسن أحمد عبدالله الفهد - رحمه الله - من وصيته وباسمه بمبلغ (55000 دك) خمسة وخمسين ألف دينار كويتي، وقد شاركه في هذا التبرع أخوه يوسف() - يرحمه الله، ضمن القائمتين الأولى والتاسعة، من المتبرعين الذين سارعوا بالمساهمة في الحملة التي قادتها اللجنة الشعبية لجمع التبرعات عام 1986م، وكان ذلك عملاً بقول الحق سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ..(71)}().
3- مركز الفهد للعلاج الطبيعي بمستشفى الصليبخاتسعى أبناء المحسن أحمد عبدالله الفهد - رحمه الله - لتخفيف آلام ذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين من الكسور والعمليات الجراحية، فأنشأوا مركز العلاج الطبيعي بمستشفى الصليبخات، الذي تأسس بموجب وصيته - رحمه الله - وبمشاركة أخيه يوسف الفهد - رحمه الله - عام 1989م، حيث انتهت أعمال البناء في النصف الأول من عام 1990م، قبيل الغزو العراقي لدولة الكويت، وقد داهم المحتل الغاشم المركز ودمر أجزاء كبرى منه في تلك الفترة.
وقد تم بفضل الله تعالى إعادة تأهل المركز وتزويده بأحدث الأجهزة الطبية في مجال العلاج الطبيعي، بعد التحرير مباشرة، وبلغت تكاليف ذلك (300000 د.ك) ثلاثمائة ألف دينار كويتي ,ويقع المشروع ضمن مستشفى الطب الطبيعي والتأهيل الصحي، وتم افتتاحه وبدأ تقديم الخدمات العلاجية فعلياً في 20 مارس 1994م , ويعتبر المركز هو الوحيد في دولة الكويت()، وهو إحدى دعائم مستشفى الطب الطبيعي والتأهيل في وزارة الصحة في تقديم الخدمات الطبية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى حالات خاصة من أمراض الجهاز العصبي والحركي للبالغين ,وحرصاً من المركز على التميز في مجال عمله، فإنه يهتم بتقديم برامج علاج طبيعي وترفيهي وحلقات تدريب تعليمية وجلسات علاج مائي للمرضى، ولا تقتصر خدماته على الرعاية الطبية فحسب بل تمتد إلى الرعاية النفسية والاجتماعية، إضافة إلى وجود أطباء الطب الطبيعي واختصاصيي العلاج الطبيعي أصحاب الكفاءات والخبرات، ونظراً لكثرة الحالات والإقبال الشديد على المركز فإنه يعمل فترتين صباحية ومسائية.
حيث يستقبل المركز الأطفال منذ الولادة وحتى الثانية عشرة، الذين تتنوع إعاقاتهم ما بين شلل دماغي، وداون، وتشوهات خلقية، وأمراض أعصاب، ومتلازمات أخرى، وخلع الكتف والحوض أثناء الولادة. كما يستقبل المركز أيضاً حالات الكسور والتدليك، ويقدم كذلك العلاج بالعمل، وعلاج صعوبة البلع، وعلاج النطق والكلام.
ويتميز المركز بقسم الخدمة الاجتماعية الذي يعمل على تبصير الأهالي بكيفية التعامل مع الحالة، ومساعدة الذين يعانون من مشاكل اقتصادية منهم بتوفير الأجهزة المساندة والتعويضية من خلال الجهات الخيرية، وتأمين مواصلات للمرضى الذين يحتاجون إلى "باص" مجهز للتوصيل.4- دعم المجهود الحربي الكويتي عام 1994م:
شارك أبناء المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - في فزعة أهل الكويت للدفاع عن وطنهم الذي تربوا على أرضه ونهلوا من خيره، بعدما تواترت الأنباء عن عزم النظام العراقي البائد عام 1994م إعادة الكرَّة باحتلال الكويت، فتحرك ورثة المحسن أحمد الفهد - رحمه الله - ضمن آلاف الكويتيين، وتبرعوا من وصية والدهم بمبلغ (50000 د. ك) خمسين ألف دينار كويتي، بمشاركة أخيه يوسف الفهد، وقد جاء ذلك في القائمة الثانية التي نشرتها اللجنة الشعبية لجمع التبرعات في الصحف الكويتية اليومية في 11 نوفمبر عام 1994م، للمتبرعين الذين هبوا لنصرة وطنهم والذود عن حياضه ضد أي غادر يريد الانتقاص من أرضه أو النيل من كرامته، ولدعم المجهود الحربي الكويتي، عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:
﴿مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غزا﴾().
دوره الوطني
إن رجلاً كالمحسن أحمد الفهد - رحمه الله - كانت له هذه المشاركات في المجال الخيري داخل الكويت وخارجها، ما كان لينس حق وطنه عليه، بل كان هذا الحق دافعاً قوياً لهذه الأعمال الخيرية، فقد شارك – رحمه الله - في مجالس الدولة وإداراتها المتعددة في بدايات هذه المجالس في الخمسينيات، إبان الانتداب البريطاني، فكان ثواب خدمته للناس ورؤية الفرحة في أعينهم بقضاء حوائجهم، مناراً هادياً له في هذه المناصب:
-عضو مجلس إدارة الصحة في مايو 1943م، قبل أن يصبح هذا المجلس وزارة الصحة العامة، وأعيد انتخابه في دورة يناير 1952م.()
-عضو المجلس البلدي منذ بداية تأسيسه من 2 يناير عام 1950م إلى 17 أغسطس عام 1954م، ثم من 10 يونيو 1960م إلى 12 أكتوبر 1963م.
عضو لجنة تعمير الكويت عام 1955م.
- عضو لجنة التثمين بالبلدية من 1956م حتى نهاية عام 1966م.
- عضو لجنة التحكيم وفض المنازعات التجارية في غرفة التجارة والصناعة.