الصبارة والصبر والصبرة والصبيرة والصابرية والصوابر- فرحان الفرحان
إعداد فرحان عبدالله الفرحان
القبس - 18-11-2010م
هذه ستة ألفاظ مأخوذة من حروف الصاد والباء والراء، بعض هذه الألفاظ التي في العنوان قد انقرض من تاريخ الكويت، ولم يعد لها وجود، ونستذكر قول الشاعر:
«من مبلغ عمرا بأن المرأ لم يخلق صبارة».
هذا البيت من قصيدة وقعت أحداثها في أرض الكويت قبل ألف وخمسمائة عام.
لكن الذي يهمني في هذا البحث آخر كلمة في هذا البيت الآنف الذكر، وهي كلمة «صبارة» وهذه الكلمة كانت لأسرة «تحن وترن» كما يقولون في القرن التاسع عشر حالها حال كثير من الأسر التي انقرضت في سنة الرحمة الطاعون، وأصبحت بيوت هذه الأسر خاوية.
وصل إلى الكويت في القرن التاسع عشر أسرة علي البديوي الذين منهم المرحوم الرجل الكريم إبراهيم السيد البديوي، وارادت هذه الاسرة ان يكون لها سكن ولو بالاجرة، فانفرد الاخوان وسكن احدهما في بيت «الصبارة»، وتنطق في لهجة اهل الكويت «لصباره»، وأخذت الشهرة لفرع من هذه الاسرة ببيت او عائلة الصبارة (اسرة البديوي) كانت تعمل في تجارة الاسلحة، البنادق والسيوف وغيرها التي يستعملها المسافرون للدفاع عن انفسهم في السفر.
هذه اللفظة «الصبارة» اضمحلت من هذه الاسرة، واخذت تستعمل اسمها الحقيقي آل البديوي الذين كان من ابرز شخصياتها المرحوم ابراهيم السيد البديوي رحمه الله، هذا الرجل الذي ترك بصمات لا يمكن أن تمحى من تاريخ الكويت كان جل (غالبيه) علماء اليمن والخليج عند زيارتهم الكويت في تلك الحقبة لا بد لهم من زيارة هذا الرجل العزيز ابراهيم السيد البديوي (أو محمد) في ديوانه في المرقاب مع تأسيسه وكلمة «الصبارة» كما وردت في قواميس اللغة هي الحجارة الملساء، ونحن نسميها في الكويت «صمى»، وبعضهم يطلق عليها «صبوخ»، وهي الحجارة الشديدة الصلابة
هذا ما عناه عمرو بن ملقط الطائي الذي كان بينه وبين زرارة بن عدس الدارمي التميمي عداء مستحكم فانشأ هذه القصيدة ليحرض حاكم المنطقة في تلك الحقبة عمر بن هند ضد بني دارم المسيطرين على كاظمة وملح وواره، من ارض الكويت اليوم. وقد استجاب له عمر بن هند وقتل منهم مائة شخص، ويقول بن ملقط: «من مبلغ عمرا بان المرأ لم يخلق صباره وحوادث الايام لا يفي لها الا الحجاره
ها ان عجزة امه بالسفح اسفل من اواره
تسفي الرياح خلال كشحيه وقد سلبوا ازاره
فاقتل زراره لا ارى في القوم او في من زراره».
وهذه قصة يقول فيها ان الانسان ليس بحجر فيصبر على مثل هذا.
هنا اترك الاسترسال في العبارة الى كلمة اخرى، هي: الصبر / والصبرة في الكويت يطلقون الصبر على المذاق المر وهو نوع من الحشائش تستعمل دواء، اما الصبرة: فهي شدة البرد وعندما يخرج من بيته الانسان ويتحسس البرد الشديد مع الصباح الباكر فيقول اليوم صبرة.
وننتقل الى كلمة «الصبير أو الصابرية» هاتان الكلمتان كنت ذكرتهما في كتابي «معجم المواقع والأمكنة» الذي صدر في سنة 1999 كالآتي:
الصبير:
آبار كانت موجودة قرب الصابرية قبل قرن من الزمان. وكانت تستعمل هذه الآبار للشرب، فهي على الطريق المؤدي الى أم قصر طريق الأبله التاريخي.
والصابرية:
هي آبار في المنطقة الشمالية تقع على خط الصبية أم قصر، وكانت هذه الآبار قد حفرت من قبل فخذ من فخوذ العوازم سكان المنطقة الأوائل، وهي تقع أيضاً على الخط الاستراتيجي المؤدي الى الأبله قديماً ماراً بالمقر منطقة الفرزدق ثم كاظمة.
وهنا الصبر والصبره مرة ثانية، هذان الاسمان أيضاً لعائلات كويتية مشهورة وقد أخذت الاسم من القوة والشدة، وهكذا كان العرب الأقدمون يختارون الاسماء التي تعطيهم مكانة وعزة وبقي عليها الاسم الاخير وهو «الصوابر» انقل هنا ما اورده المرحوم حمد السعيدان في موسوعته الجزء الثاني صفحة 890 يقول:
الصوابر:
عشيرة من العوازم من ذوي عياض منهم العتارمة والموايقة والعبابيد.
يعتبر العوازم من القبائل العربية الاولى التي سكنت الكويت، ولما كانت الكويت في بداياتها غالبية المساكن قريبة من البحر نظرا لان غالبية الكويت في تلك الحقبة اما ان تعمل في صناعة السفن وهم: القلاليف او من يركبون في السفن كملاحين بحارة سواء للذهاب الى الهند والغوص على اللؤلؤ، لهذا كانت هذه السفن في حاجة الى طاقة بشرية، وبهذا انتشر غالبية سكان الكويت من السكن على مقربة من ساحل المدينة، فلهذا نلاحظ فريج السبعان قرب السوق الذي يطلق على البحر، وهؤلاء من قبيلة اسبيع، وكذلك تجد سكة اعنزة لبعض من قبيلة اعنزة، وتجد قرب مبنى الخطوط الكويتية في القبلة مساكن ومنازل الرشايدة، وهنا قرب (دروازة) بوابة الرزاقة المطران من قبيلة امطير، وعلى مقربة منهم الصوابر من قبيلة العوازم، وهنا يقول المرحوم حمد السعيدان في ذلك:
الصوابر حي في شمال المرقاب من احياء فريج العوازم كانت تسكنه عشيرة الصوابر يعرف ايضا بفريج الحساوية، اجري تنظيم على المنطقة وحصرت حدودها بين شارع حمد الجابر وخالد بن الوليد والشارع الهلالي ودوار دسمان.
وقبل ان انهي هذا البحث كنت منذ مدة انظر الى «الصبارة» التي كانت تأتينا من الهند في قلة من الخصاف مثل قفة التمر، كنت اظن هذه الكلمة غير عربية، وعندما عدت الى كتاب «التكملة والذيل والصلة» للإمام الحسن الصاغاني فقد ذكر التالي في صفحة 62 من كتابه هذا المجلد الثالث يقول:
والصُّبَار، بالضم مخففاً: حَمْل شجرة، طعمه أشد حموضة من المصل، له عجم أحمر عريض، يسمى التمر الهندي.
ويقال لشجره: الحُمَرُ، مثال صُرَد.
والصَّبّارة، بالفتح والتشديد: الأرض الغليظة المشرفة الشأسة.
وأبو صبيرة، مصغرا:
طائر أحمرُ البطن أسود الظهر والرأس والذَّنب.
والصبار، بالكسر: الس.ّداد.
وقد سموا: صابرا، وصبرة بكسر الباء.
وصَب.رٌ مثال كَت.ف:
جبل مطل على تعز (4).
وأصبر الرجل، إذا أكل الصبيرة، وقد ذُكر معناها.
وأصبرَ: إذا وقع في أُمّ صَبُّورٍ.
وأصبرَ، إذا وقع في أُمّ صَبّارٍ.
وأصْبرَ:، إذا قعد على الصّب.ير.
وأصْبرَ: سَدّ رأَس الحوجلة بالصبار.
وأصبر اللبنُ، إذا اشتدت حموضته الى المرارة.
واستصبر، أي استكثف وتراكم.
والاصطبار:
الاقتصاص، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: «فهذه يدي لعمار فليصطبر».
وصبّر الشيء تصبيرا، أي كوَّمه.
وصبّرته أيضا، أي طلبتُ منه أن يصبر.
امام ما ذكره الصاغاني، فإن كلمة الصبار الذي نستعمله في الأكل، لانه شديد الحموضة وهو ما يسمى التمر الهندي، ونحن في الكويت نسميه صبار، وفي بلاد الشام يسمى التمر الهندي، وكلا اللفظين صريح عربي فصيح، وكنت أظن أن هذه الثمرة ليست عربية، لكن الصاغاني رحمه الله أسعفنا في كتابه «التكمة» ومعنى هذا ان الشجرة عربية وإن كان هذا التمر يؤتى به من الهند في العصر الحاضر.
الى هنا أكون أكملت الصبر والصبارة وأخواتها ومشتقاتها التي كانت تستعمل في الكويت وبعضها انقرض وبعضها بقي، وهكذا سُنّة الحياة.
|