محمد العصفور - القبس

[AHMAD]

القبس - 11/10/2007

محمد بن العصفور: جذورنا إلى دولة العصفوريين (790-610 هـ )






الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، لكن قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين إلى الايام الخوالي، 'القبس' شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة الرمضانية.


في مستهل لقائنا مع محمد بن خليفة بن علي بن محمد بن موسى العصفور قال: تعود اسرتنا (آل العصفور) النواخذة بجذورها الى العصفوريين حكام اقليم البحرين سابقا (الممتد من عمان الى البصرة)، ودولة العصفوريين قامت سنة 610ه على يد الامير عصفور بن راشد الذي اخذ الحكم من العيونيين الى سنة 790ه. ويرجع نسبنا الى مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ودارنا في الاحساء والقطيف وملح وانطاع والقرعا، واللهابة، والجودة، ومتالع، ومن ملح الموقع المعروف في الكويت بالقرب من المقوع الجنوبي في محافظة الاحمدي ومنه ارتحلت اسرة العصفور النواخذة الى 'شرق'.
السكن في فريج العسعوسي
وقال العصفور: سكنا الحي الشرقي من الديرة فريج العسعوسي بيتنا هو بيت ديكسون على الساحل وهو ديواننا الذي سكنه اول معتمد بريطاني في عام ،1904 ومن جيراننا بيت النصف ومحمد الشملان، وبوعركي والعميري، وابن الديين وحجي مكي، والحاج علي، وابو عطيوي والهزيم الذي اشترى بيته بدر بن سري القناعي.
وتذكر محمد العصفور شاوي فريجهم 'ابو رجا' المعروف بشاوي المطبة الذي كان يجمع الاغنام ويضعها في جاخور خاص بها، وكنا نجر ماعزنا في الصباح لنسلمها الى الشاوي، وكان يتقاضى اجورا شهرية تصل الى نصف روبية، واذا التيس اعتلى احدى السخول كان يتقاضى بدل 'كراعة' روبية واحدة، واذا ولدت الشاة او الماعز مولودا في البر، فإن الشاوي يأخذ 'علاوة ولد'، وكنا نسمع نداءه عندما يفقد احد الاغنام بقوله 'يا من عين الصخلة جزاه الله خير' ويعتبر من اشهر الرعاة في الكويت وله اهزوجة خاصة به:
'ك يا شاوينا¹¹¹¹شاوي المطبة
يصيح على أمه¹¹¹¹يبي ارطبه' النواخذة
وتحدث محمد العصفور عن نواخذة السفر من آل العصفور منهم: محمد بن علي بن موسى العصفور الذي كان من اكبر تجار اللؤلؤ في الكويت، ويعتبر اول تاجر كويتي يسافر إلى الهند لبيع اللؤلؤ ألقى خادمة باللؤلؤ في البحر فسكت، وبلغت ثروته نحو اربعمائة ألف روبية.
وقال: والنوخذة محمود عيسى العصفور الذي وصل الى افريقيا، ومحمد عيسى محمد علي العصفور وصل سيلان، وجاسم، واحمد العصفور نواخذة قاموا بقيادة الكثير من السفن الشراعية وصلوا إلى موانئ لم يصلها النواخذة من قبل، ولكن حكمة الله تعالى وقدره خسروا معظم سفنهم في سنة الطبعة ،1871 ولكن ارتباطنا بالبحر جعل العائلة تستمر حتى النهاية، وأما نوخذة الغوص فكان عبدالعزيز سعود العصفور الذي اصبح بعد ذلك امام مسجد النصف الذي هو مسجد بوطيبان في الاصل. ثم ام المصلين في منطقة الشعب وهو مالكي المذهب. واوضح العصفور معنى كلمة (نوخذة) بمعنى ربان السفينة وهي لفظة هندية فارسية 'ناو خدا' اي الاله الجديد بمعنى إله السفينة او رب السفينة، فكان من اهم اعمدة الاقتصاد، ولكن اقول كلمتي للتاريخ ان قانون الغوص كان مجحفا، كثير من البحارة استغلوا واصبحوا من المديونين للنوخذة. فصادر مساكنهم لكي يحصل على ديونه.
الطواش
قال: تاجر اللؤلؤ هو الذي يطوش اي يذهب لشراء الدانة، والطواش هو تاجر اللؤلو الذي يبحث عن اللآليء لشرائها، فكان في الكويت عدد كبير من الطواشين يذهبون بسفنهم الخاصة الى مغاصات اللؤلؤ في الكويت ومياه الخليج كلها ليقابلوا اصحاب السفن وشراء ما حصلوا عليه، وهناك طواش صغير لديه سفينة من نوع تشالة يذهب للشراء ايضا، وطواشون يبيعون المؤن على الغواصين، والحياة في سفن الطواشين مريحة جدا، على عكس الحياة في سفن الغواصين.
واضاف: اما الطواش محمد العصفور، فاشترى دانة مشهورة من المرتبة الاولى اهداها للمغفور له الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح في عام 1940.
سيب والدي
وقال العصفور: دخلت البحر مع والدي وعمري 8 سنوات على سفينتنا التي وصلت البحرين وكل الهيرات الكبيرة والصغيرة امام ساحل العدان اهمها: خلالوه والمنادي والنواسع، والبلداني، الخرقانة، ابو عصبة، العياي، قمرة.
وقال: انا الشخص الذي اسحب والدي الغيص من قاع البحر، وانا المكلف بمسك الجدا (حبل) وكان رحمه الله اذا تعب حرك الحبل اشارة الى الخروج من البحر وكان يوصيني لاتغفل فبيدك حبل النجاة، فأي غفلة تسبب موت الغواص، وكان عددنا على السفينة من اربعين واكثر وغالبا ما يكون عدد السيوب اكثر من عدد الغاصة، وهناك عدد نحو خمسة او سبعة اشخاص زيادة يسمونهم (الجلاسة) يحلون محل السيب المريض او الصلاة.
وقال: هناك انواع من الغوص منها: الخانجية، والغوص، والردة، وارديده، كل نوع على فترات من فصل الربيع حتى الشهر التاسع، اما ارديده ففي نوفمبر يكون البحر شديد البرودة.
مخاطر الغوص
قال العصفور: لدي خبرة في البحر واعرف مخاطره بالغوص وصيد السمك، فهذا الجرجور المعروف بكلب البحر او القرش، كان يفترس الغواص فهناك حوادث كثيرة وقعت لاخواننا في البحر واللخمة سمكة لها ذيل طويل كالسوط وبها شوكة سامة، تجدها في الهيرات (المغاصات) كنا نخشى منها ونتورط بها، فإذا اصابتك فيكون الموت هو المحتوم.
وتذكر السيب العصفور (الدجاجة) سمكة سامة لها اشواك سامة في كل جسمها، والدول يشبه الاخطبوط كنا نخشاه اذا لامس الجسم يحرقه ويسبب تورما ويصاب بآلام في الظهر، ابو زيزي (فرس البحر).
سمكة صغيرة تصيب العين تجدها بالقرب من المحار، وأبو لجين من مخاطر الغوص يسمى ثعبان البحر ويشبه الثعبان البري، والرماي من قواقع البحر، له شوك يضرب الغواص بأشواكه المتعددة، والقروص يضرب كالدول يزداد في فصل الصيف في قاع البحر.
وقالك نبقى 4 اشهر بين هذه الحيوانات المفترسة، وبعد رجوعنا الى اهالينا مدة ايام قليلة 'نرجع البحر للصيد وكراف الروبيان، وموسم الزبيدي نسميه (الهيال) وهو نوع من الشبك لصيد الزبيدي والخباط والصبور تجره سفينة الصيد عكس التيار تصطدم الاسماك بالهيالة وتعلق في فتحات الشبكة.
مسجد بوطيبان
قال: مسجد في الحي الشرقي على الساحل اسسه بطي بوطيبان سنة 1776 جدده راشد النصف سنة 1876 وسمي مسجد النصف بعد ان رممه، ثم جددته دائرة الاوقاف في سنة 1370 ه الموافق ،1951 وأم المصلين سعود العصفور ثم ابنه عبدالعزيز سعود العصفور، وعثمان عيسى العصفور الذي كان خطيبا فيه، واخيرا ومازال يؤم محمد سعيد الخياط والمؤذن كان جاسم الشرهان، ومن الذين اموا المصلين من فترة طويلة العدساني ثم جاء الحنيان.
أدوات الغوص
أصر محمد العصفور على التحدث عن الغوص فقال: هذا الجيل لا يعرف عن الغوص ومتاعبه الا اسمه، منذ الصغر وانا أشاهد البحارة والسفن، وافراد اسرتي من اجدادي وآبائي عملهم البحر واهواله حتى دخلت معهم في سن الثامنة من عمري، فالحديث عنه في آيات القرآن الكريم وفي الاحاديث الشريفة.
اضاف: ليعرف هذا الجيل ان في الكويت اكثر من خمسمائة سفينة، وعدد البحارة في حدود 10000 بحار، لم نكن نفارق المحار بواسطة المغلق (السكاكين) للفتحة، والعظام من عظام السلاحف كان لا يفارق أنف الغيص، والديين من الحبال يضع الغواص المحار بداخله، والخبط وعاء من الجلد لحفظ اصابعه من الجروح، والحجر من الرصاص يربطه الغيص برجله لكي ينزل الى قاع البحر، والشمشول، وهو سروال اسود، يلبسه بدلا من الوزار حتى يساعده على الحركة، ولباس الغوص من القماش الاسود يشبه البنطلون، وحبل طويل بيد السبيب ليسحبه يسمى الإيدة، والزيبل من ادواته هو حبل طويل يسحب بواسطته الحجر من قاع البحر بعد وصول الغيص يتركه، الطرطور يضعه الغيص صاحب الشعر الطويل على رأسه يستعمله البدو.
وقال محمد العصفور: انا لم اغص مثل الغاصة على السفينة، كنت اضع اطارا خشبيا يشبه الصندوق اسفله زجاجي ادخل رأسي في هذا المنور، وانظر الى قاع البحر واشاهد القاع، وانا من الذين يعرفون عنا بالمتنورين، اي الذي ينور لهم قاع البحر، وهذا من ادوات الغوص وطرقه، وبعضنا لا ينزل القاع الا بعد ان يتأكد من وجود 'منور'، وانا الطباح في يومنا والغيص والسبيب والجنان (الذي يربط الحبال حول المجداف ليمنع احتكاك الخشب ببعضه)، واتذكر الرز الابيض على السفينة يشبه عيش ابن عمير ماء وملح.
ماء الغوص
قال: كنا نملأ السفينة بالماء في وعاء خشبي يسمى 'الفنطاس'، واذا نقص الفنطاس ترسو السفينة على الساحل في اماكن معروفة لدى البحارة فيذهبون الى الآبار مع قربهم، وهناك سفن تبيع الماء على الغواصين والطعام، ومن قدرة الله الخالق المتفضل علينا توجد عيون الماء في قاع البحر اهمها 'عين اغمسه' نعرف موقعها ننزل اليها مع القرب نضع فوهة القربة على فوهة العين فتمتلئ بالماء، وهناك عيون اخرى في البحرين والاحساء، ورغم وجود الماء فان على الفنطاس حارس يمنعنا من اخذ الماء.
حياتنا متاعب
واخيرا ذكر شظف العيش والمتاعب والعمل الشاق، والماء الذي فيه الحشرات والقذارة حتى بيوتنا من الطين لم نرتاح فيها تحتنا فراش من المنقور لا انساه حصير من اعواد القصب ننام عليه ونجلس عليه، او من الجودري حبال خشنة وفوقنا الزاريد تنقط من طين السقف، نعمل اثنتي عشرة ساعة كل حياتنا متعبة ومرهقة، هذه اللقيمات والزلابية التي امامنا يا جاسم لا نعرفها الا في رمضان المبارك. الحية نشاهدها والذي يقول شبعان يكذب الا بعض العوائل المقتدرة حفاة وبدون كهرباء كلنا في حجرة واحدة: الوالد والوالدة في السرير والاولاد تحتهم. الغسيل والسباحة من الجليب (بئر) والملالة دائما خالية.
وتذكر جدته والملا فقال عنها: كنت ارافقها واجلس معها خارج 'كيرها' (اي غرقتها) من الطين سقفها هرمي كانت رحمها تطبخ وتأكل وتغسل خارج هذا الكوخ، وانا معها اما الملا الذي درسنا عنده رحمه الله 'الملا محمد بن علي' فيأمرنا بمساعدته في بناء جزء من بيته على حساب تعليمنا. نقلنا اللبن والصخر ونحن طلبة صغار واخيرا قال لنا: انتم ختمتم القرآن الكريم، وانا حفظت 'جز عم' من المساجد.
وقال: لا تعرف الا الخريط، وتفاح ابو فسيوه العراقي كنا نسمع صوته عندما يقضم الاسنان كنا نضربه بالحائط حتى يتجمع الماء ثم نمصه، وارجلنا كانت تنزف منها الدماء بسبب العناصيص (جمع عنصوص) عبارة عن حجر عثرة ثابت في الارض يبرز منه نتوء يجرح اصابعنا، وفي الشتاء على رؤوسنا خيشة ام فح، كنا نذهب الى ممر السيل الممتد من الصوابر الى فريج العصفور نقف ونراقب السيل في مجراه لكي نحصل على الانات او الاستكانات التي تجرفها سيول الامطار وياما حصلنا على 'بيزات'.





سفينتا 'إقبال' و'تيسير'
'إقبال' سفينة لعائلة العصفور من أشهر السفن التي صنعت في الكويت.
صنع البوم 'إقبال' عام 1943 بسعر 30 ألف روبية.
نوخذة 'إقبال' هو محمد بن عيسى العصفور، ومحمود، وجاسم قادوه إلى الهند وافريقيا خاصة تنزانيا.
أدخل محرك في جوف 'إقبال' في الخمسينات.
في بحر العرب دخل الماء السفينة من المحرك، وهكذا نهاية بوم 'إقبال' لأسرة العصفور.
'تيسير' من السفن التابعة للعصفور، وتحمل 165 طنا. النوخذة تيسير إدريس.
قادها في أطول رحلة محمود العصفور.
تعرضت لضربة الأحيمر قرب جزيرة خرج.
صنعها عبدالله بن راشد، و'إقبال' صنعها محمد حسين.


-

النوخذة محمد بن عيسى العصفور

النوخذة محمود العصفور

بوم 'إقبال' لأسرة العصفور (وفي الاطار) خليفة العصفور والد محمد