23-09-2008, 02:45 AM
|
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,662
|
|
عبد العزيز الرشيد والسائح العراقي في جاوة (طلال الرميضي)
تجربة صحفية كويتية في اندونيسيا
عبد العزيز الرشيد والسائح العراقي في جاوة!!
خلال جولاتي في المكتبات ومراكز البحث عثرت في زيارتي الأخيرة للمملكة العربية السعودية في مكتبة جامعة الملك سعود بالرياض على مجلد يحوي نسخاً مصورة من أعداد مجلة (الكويت والعراقي) التي أصدرها مؤرخ الكويت عبد العزيز الرشيد والصحافي العراقي يونس بحري المشهور بلقب (السائح العراقي)، فصورت من ذلك المجلد ما راق لي من موضوعات، وأحببت أن أتجول معكم في رحاب تلك المجلة النادرة.
ولكن قبل هذه الجولة تعالوا نتعرف أولاً على هذين الرجلين، فالأول هو عبد العزيز بن أحمد الرشيد البداح الكويتي الحنبلي. هكذا كان يضع اسمه على كتبه. ولد سنة 1301هـ (1883م)، وتذكر رواية أخرى أنه من مواليد 1887م.
وأخذ من العلم الشرعي نصيباً طيباً في الأحساء التي رحل عليها للدراسة سنة 1906م، وتردد عليها أكثر من مرة، ودرس في بغداد سنة 1911م على يد العالم السلفي محمود شكري الألوسي، وهناك ألف وطبع أولى كتبه، وهو (تحذير المسلمين من اتباع غير سبيل المؤمنين)، وعندما أدى فريضة الحج سنة 1330هـ توقف في المدينة المنورة، فعمل مدرساً في الحرم النبوي الشريف ثم عاد إلى بلاده، وصار إماماً لمسجد النبهان (فريج عليوه) ثم انضم الشيخ عبد العزيز الرشيد إلى هيئة التدريس في مدرسة المباركية سنة 1917 ثم عين مديرا لها. ثم انضم إلى عبد الملك الصالح للتدريس في المدرسة العامرية التي افتتحها عام 1919 والتي كانت النواة الأولى للمدرسة الأحمدية كما لقد ساهم الرشيد في إنشاء النادي الأدبي في الكويت كما ساهم في تأسيس المكتبة الأهلية التي دعا إليها الشيخ يوسف بن عيسى القناعي وزملاؤه سنة 1340هـ، وشارك في تشجيع وإعداد الطلاب الذين اختارتهم الجمعية الخيرية لإرسالهم إلى الدول العربية في بعثات علمية.
وشارك عبد العزيز الرشيد في معركة الجهراء سنة 1920 ثم صار عضواً في المجلس التشريعي الأول في مايو 1921، وفي سنة 1927م أصدر كتابه الرائد (تاريخ الكويت) من جزأين، واستحق بذلك لقب مؤرخ الكويت الأول.
أما في الصحافة، فقد كان رائدها في الكويت أيضاً، فأصدر في رمضان 1346هـ ( 1928م) مجلته الشهرية (الكويت)، فاستمرت حوالي العامين، وكان يطبعها في القاهرة، ويوزعها في الكويت ثم اضطرته بعض الظروف والمضايقات لإيقاف مجلته، ومغادرة الكويت إلى البحرين، ومنها إلى جاوة في اندونيسيا حيث أصدر هناك في جمادي الأول 1350هـ (أغسطس 1931م) مجلة شهرية باسم (الكويت والعراقي)، واستمرت قرابة الست سنوات، وتعرضا فيها هناك لعداوة بعض القيادات الدينية ممن كانوا ينشرون البدع والخرافات كما وقفا ضد المبشرين بالنصرانية كما أصدرها مجلة مختصة بالشئون الدينية هي (التوحيد) في ذي القعدة 1351هـ (مارس 1933م)، واستمرت هذه المجلة حتى 15 ديسمبر 1933م بعد صدر منها أحد عشر عدداً.
وعن الصراعات التي خاضها الرشيد وصاحبه العراقي في اندونيسيا تذكر جريدة العمل الموصلية في عددها بتاريخ 19 فبراير 1932م خبراً نصه كالآتي:
(وفد إلى بغداد السائح العراقي يونس بحري من بتافيا عاصمة اندونيسيا عن طريق الحجاز ـ مصر ـ فلسطين ، سوريا حيث بقي فيها نحو سبعة أشهر بعد أن قام وصديقه (الرشيد) بمقاومة أفكار المبشرين المستعمرين كما أنهما قاما بدعم الصلح بين الحزبين المتنافرين الرئيسين في البلاد (حزب العلويين) المحافظين على القديم، وحزب (الإرشاديين) المتمردين هناك، وإصلاح ذات البين بينهما علماً بأن في اندونيسيا جمعية لمقاومة التبشير هي جمعية (الإرشاد) وهي عربية بحتة، وجمعية (شركة إسلام والمحمدية)، وأعضاؤها من أهل البلاد الأصليين).
هذا وقد استمرت مجلة الكويت والعراقي حتى توفي عبد العزيز الرشيد في جاكرتا في 3 ذي الحجة 1356هـ (3 فبراير 1938م)، ودفن في مقبرة العرب هناك علماً بأن يونس بحري كان قد عاد إلى العراق بعد مرور سنة على تأسيس المجلة، واستمر بها الرشيد حتى لقي ربه.
أما يونس بحري، فهو يونس صالح بحري الجبوري. ولد في الموصل سنة 1903م، ودرس في مدارسها حتى دخل دار المعلمين سنة 1921م إلا أنه لم يكمل الدراسة، فالتحق بوظيفة في وزارة المالية سرعان ما تركها سنة 1923م، وبدأ رحلاته خارج العراق سائحاً معتمداً، فجاب الكثير من الدول الآسيوية والأوربية، واشتغل فيها بمختلف المهن حتى أصبح لقبه السائح العراقي معروفاً في الصحافة العربية، والتي كان يراسلها، ويدمها بأخبار مغامراته، فقابل بعض الملوك والزعماء، وكان موضع التكريم في كثير في البلدان التي زارها.
وفي سنة 1930م ساقته رحلاته إلى اندونيسيا، فتعرف على المؤرخ الكويتي عبد العزيز الرشيد، فاشترك معه في إصدار مجلة (الكويت والعراقي) كما أصدر مجلة أخرى باسم (الحق والإسلام).
وفي سنة 1931م عاد يونس بحري إلى العراق، فأصدر جريدة (العقاب)، وفي عهد هتلر خلال الحرب العالمية الثانية عمل مذيعاً في محطة برلين العربية بألمانيا، وكان يبدأ بإذاعته بجملة (حي العرب).
ولد (يونس بحري)، واسمه الحقيقي: (يونس بن صالح خلف الجبوري) في محلة الخضر بمدينة الموصل سنة 1903م ، وكان والده يوزباشي في الجيش العثماني يقوم بتأمين البريد بين إسطنبول وولاية الموصل.
درس يونس في مدارس الموصل حتى دخل (دار المعلمين العالية) سنة 1921م، و لكنه لم يكمل تعليمه بها، فعمل في وزارة المالية بوظيفة كاتب حتى 1923م، ففي تلك السنة بدأ الشاب ذو العشرين عاماً رحلاته، فتجول في عدد من الدول الآسيوية و الأوربية، واشتغل فيها بمختلف المهن حتى أصبح لقبه السائح العراقي معروفاً في الصحافة العربية، والتي كان يراسلها، ويدمها بأخبار مغامراته، فقابل بعض الملوك والزعماء، وكان موضع التكريم في كثير في البلدان التي زارها.
وفي سنة 1930م ساقته رحلاته إلى اندونيسيا، فتعرف على المؤرخ الكويتي عبد العزيز الرشيد، فاشترك معه في إصدار مجلة (الكويت والعراقي) كما أصدر مجلة أخرى باسم (الحق والإسلام).
لمدة عامين ليعود بعد ذلك إلى العراق ليصدر أول كتبه (العراق اليوم) ثم عاد لهواية الارتحال و المغامرات حتى اشتهر بلقب (السائح العراقي) في كل مكان زاره، وأتقن ستة عشر لغة عالمية قراءة وكتابة عدا اللغات واللهجات المحلية.
وبعد عودته إلى العراق دخل يونس بحري ميدان الصحافة والإعلام، وكان قد عرفه في الخارج، فعمل مذيعاً في إذاعة قصر الزهور التي أسسها الملك غازي ملك العراق لمهاجمة الإنكليز كما أصدر بحري جريدة (العقاب)، ولكن تجربته هذه انتهت بكارثة عندما توفي الملك غازي بحادث اصطدام سيارته بعمود كهربائي في إبريل 1939م، فما كان من يونس بحري إلا أن أصدر جريدته في اليوم التالي، وعنوانها بالخط العريض في أعلى الصفحة: (مقتل الملك غازي).
وقام يونس بتوزيع نسخ الصحيفة يومئذ بنفسه على دراجة نارية موضحاً أن الأمير عبد الإله ونوري السعيد قد تأمرا مع الإنكليز، واغتالوا الملك.
وتسبب ذلك في مظاهرات صاخبة قتل خلالها القنصل البريطاني العام في الموصل، واتهم (يونس بحري) بالتحريض عليها لما كتبه في جريدته من اتهامات للإنكليز بقتل الملك بل أن هناك دلائل على أنه شارك في المظاهرة بنفسه، ولكن حينما توجهت الشرطة إلي بيت يونس بحري لإلقاء القبض عليه، وتقديمه إلى المحاكمة كان صاحبنا قد وصل إلي برلين بجواز سفر أصدرته له السفارة الألمانية في بغداد، وبطائرة ألمانية نقلته سراً.
وفي برلين أصبح (يونس بحري) أحد المقربين للقيادة النازية، فمنح رتبة عسكرية بدرجة (ماريشال)، فأسس الإذاعة العربية في برلين بإعلانها الشهير (هنا برلين.. حي العرب), وخصصت هذه الإذاعة لمهاجمة الحلفاء في الحرب العالمية، والترويج للدعاية النازية.
ومن طريف ما عمله يونس بحري من اجل جذب المستمعين العرب لإذاعة برلين أنه طلب من وزير إعلام هتلر جوبلز أن يوافق على بث القرآن الكريم في بداية إرسال الإذاعة، فتردد جوبلز وأوصل المقترح إلى هتلر الذي وافق عليه بعد أن شرح له يونس بحري أن بث القرآن الكريم سيجذب انتباه المستمعين العرب إلى إذاعة برلين، و العزوف عن استماع للبي بي سي التي لا تذيع القرآن، فكانت النتيجة أن كانت إذاعة برلين هي المفضلة عند العرب، وبعد أشهر قليله بدأت البي بي سي ببث آيات القران.
واشتهر يونس بحري بعبارته الافتتاحية الشهيرة (هنا برلين.. حي العرب) حيث كانت بمثابة شارة افتتاح برامج الإذاعة، ويذكر له هنا مقولته الشهيرة: (لو أن سمكتين في البحر تصادمتا لكان السبب هو بريطانيا).
وبعد سقوط برلين على يد الحلفاء كان يونس بحري من الأسماء المطلوب القبض عليها، و جاءت قصة هروبه من قبضة الحلفاء مثيره حيث خرج من برلين مع عدد من الأجانب قبل أن يحاصرها الروس، وحرّف اسمه المسجل في جواز السفر إلى (يوني باري جبوري) محرفاً عن (يونس بحري الجبوري)، وزعم للمحققين أنه كان معتقلاً في ألمانيا، وأطلعهم على أثر جرح قديم في جسمه من أثر شجار قديم كأنه من آثار التعذيب، فسمحوا له بالسفر إلى باريس ومنها توجه إلى الجزائر ثم تونس التي وصلها بالقطار يوم 26 مايو 1945م.
وقبيل ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 وصل (يونس بحري) إلى العراق، فأرسل في طلبه نوري السعيد، وكان هناك خلاف بين السعيد وعبد الناصر، فطلب إليه نوري السعيد أن يذيع مقالاته ضد عبد الناصر. ففعل، ولذا اعتبر بعد الثورة كأحد أنصار نوري السعيد، وأعتقل لفترة تقارب السبعة أشهر، وأطلق سراحه دون محاكمة بعد مقابلة حامية مع عبد الكريم قاسم.
وبعد إطلاق سراحه افتتح يونس مطعماً في منطقة الكرادة ببغداد كان يرتاده كبار الشخصيات السياسية والفكرية والسفراء، فصار أشبه بالمنتدى، وكان يونس يقوم في مطعمه بطبخ الأكلات المختلفة التي تعلمها أثناء سفراته، ولم تجد أجهزة أمن عبد الكريم قاسم ريبة في هذه المسألة، فسمحوا له بالسفر بعد أن أخذ عبد الكريم قاسم منه وعداً بعدم مهاجمة نظامه بعد مغادرته العراق، وتم تخصيص راتب له بعد سفره إلى لبنان قدره مائة دينار يستلمه من السفارة العراقية في بيروت، ولكنه لم يتوقف عن نشاطه فأصدر كتابه الذي يشرح فيه ذكريات سجنه بعنوان: (سبعة أشهر في سجون قاسم).
وبعد بيروت تنقل (يونس بحري) بين باريس التي أصدر فيها مجلة العرب، وعاش لفترة بسيطة في الكويت حيث أصبح مديرا لمطعم اسمه (مطعم المدينة) كان يملكه احد أصدقائه، وعمل كذلك في أبو ظبي سنة 1971م حيث اصدر صحيفة أبو ظبي نيوز الناطقة بالانجليزية.
وكان يونس بحري مغامر يحب السفر والتنقل، وكان متعدد المواهب إلى حد لا يصدق، ففي سباق للسباحة في بحر المانش في الثلاثينات كان يونس بحري هو الفائز الأول، وجري حفل رفع فيه العلم العراقي، وقدمت له الجائزة الأولى، وتناقلت الصحف في مختلف أنحاء العالم نبأ فوزه، ومن الطريف أن يونس قد شارك في السباق دون إعداد مسبق أو تدريب!!
وفي فترة من حياته في الهند كان يونس بحري يعمل كراهب في النهار، وراقص في ملهى بالليل، ويجد مع ذلك وقتاً ليقوم بعمل مراسل لأحدى الصحف الهندية، وفي وقت آخر أصبح مفتياً في إندونيسيا، ومن طرائفه أن جاءه أحد سكان الجزيرة مُصطحباً معه فتاة جميلة يريد منه أن يعقد قرانه عليها،.ولما رأى يونس جمالها، وكبر سن الرجل ودمامته ادعى أنه لا يجوز شرعاً للرجل الطاعن في السن الاقتران بفتاة أصغر منه ، فصدقه الرجل، وترك الفتاة، فتزوجها المفتي.
وفي المملكة العربية السعودية قام يونس بحري برحلة من عسير إلى اليمن، ومنها انتقل بحراً إلى اندونيسيا.
وفي اندونيسيا أصدر مجلة (الحق و الإسلام)، و مجلة (الكويت و العراقي) مع مؤرخ الكويت عبد العزيز الرشيد بين عامي (1931 - 1937م)، وفي ليبيا عمل مستشاراً لملك ليبيا السنوسي.
وصدر ليونس بحري حوالي ستة عشر كتاباً منها (العراق اليوم)، و(الحرب العراقية البريطانية), وسلسلة (هنا برلين حي العرب) في حوالي عشرة أجزاء، و(سبعة أشهر في سجون قاسم).
أما الصحف التي أصدرها، فأولها مشاركته عبد العزيز الرشيد في إصدار مجلة (الكويت والعراقي) في إندونيسيا في منتصف الثلاثينات ثم جريدة العقاب ببغداد، وصحيفة (العرب) في باريس في أواخر الخمسينات باللغة العربية كما أصدر صحيفة (أبو ظبي نيوز) باللغة الإنكليزية في (أبو ظبي).
ومن الطريف أن يونس بحري كان مزواجاً في كل بلد يسافر إليه، ويحكى أنه كان ذات مرة في مجلس الملك الراحل عبد العزيز آل سعود حين جاء من يبشر الملك بمولود له، فنظر الأمير فيصل إلى يونس بحري، وابتسم، وكان الملك عبد العزيز لماّحا، فلاحظ نظرة ولده وابتسامته، فسأله عن ذلك، فقال الأمير فيصل: (يبلغ عدد أولاد يونس بحري أربعة وستين).
فسأله الملك عبد العزيز: (هل صحيح يا يونس؟).
فرد يونس بحري قائلا: (الذكور منهم فقط.. يا طويل العمر!).
وقد تزوج يونس لأول مرة من امرأة موصلية أسمها مديحة، وأنجب منها ابنين وبنت، وهم الدكتور لؤي بحري (أستاذ يدرس حالياً في جامعة الجزائر للعلوم السياسية)، والثاني الدكتور سعدي يونس (الفنان الأكاديمي المتخصص في الفنون المسرحية)، والبنت هي الدكتورة منى بحري (أستاذة علم النفس المتقاعدة من جامعة بغداد).
ويذكر الدكتور عبد السلام العجيلي أن يونس بحري تزوج ثمانين مرة، وأبناؤه وبناته منتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، ولا سبيل لإحصائهم لكن عددهم يتجاوز المائة قطعاً!!
وأخيراً عاد يونس بحري إلى مسقط رأسه ليقضي ما تبقى من عمره في بيت أحد أقربائه حتى مات في بغداد، ودفن في مقبرة الغزالي في مارس 1979م.
وبعد أن تعرفنا على صاحبي مجلة (الكويت والعراقي) نتوقف قليلاً عند اسمها الغريب، وهو تركيب على طريقة النحت في اللغة من مسمى مؤسسيها (صاحب مجلة الكويت والسائح العراقي)، ولعل بعض المغرضين حاولوا تحوير الاسم إلى (الكويت العراقي)، وهو تجن صارخ على الحقيقة التي يراها القارئ لترويسة المجلة المرفقة بالموضوع كما أن هناك بعض المصادر اعتقدوا أن اسمها هو (الكويت والعراق) غير أن الترويسة تدحض هذا الاعتقاد أيضاً.
وعندما نتصفح أعداد المجلة المتوفرة لدينا نجد أن صاحبيها وصفاها تحت الترويسة بأنها (مجلة دينية أدبية أخلاقية تاريخية مصورة لصاحبيها عبد العزيز الرشيد وي البحري السائح العراقي)، واشتراكها داخل القطر الاندونيسي 11 روبية، وفي الخارج جنيه انكليزي، وتكون الرسائل والاشتراكات باسم المجلة، والعنوان البريدي والبرقي هو: 59 صندوق البريد بتافيا سنتروم جاوا، والمجلة سنتها عشرة أشهر كما هو الحال في مجلات ذاك الزمان.
ورغم بعد الرشيد عن الكويت مكاناً إلا أنه ظل قريباً من أحداثها وأخبارها، فنجده يتحدث في أحد أعددها عن وفاة عالم الكويت الشهير عبد الله بن خلف الدحيان، ويذكر الحفل التأبيني الذي أقيم في اليوم الأربعين لوفاته في قاعة المدرسة المباركية برئاسة الشيخ عبد الله النوري، وحضرها أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر، وولي عهده الشيخ عبد الله السالم، وبقية أفراد الأسرة الحاكمة، ووجهاء البلد وعلماؤها وأدباؤها حتى غصت بهم المدرسة، وتحدث فيها ما لا يقل عن خمسة عشر مؤبناً، ومما قيل القصيدة التي بعث بها الشاعر خالد بن محمد الفرج من مقره في القطيف، وألقيت بالنيابة عنه في رثاء الفقيد، ومنها قوله:
كفنوه بجفون واغسلوه بدموع
واحملوه بوقارٍ وضعوه بخشوع
وادفنوه وتقاه بين محني الضلوع
كل هذا لا يفيه حقه عند الجميع
إن غسلتوه بماء المزن من غيثٍ هموع
فلقد كان تقياً في نيامٍ أو هجوع
أو دفنتوه بلحدٍ طاب فيه من ضجيع
فاتركوا القبر بلا كلسٍ ولا نقشٍ بديع
إنه كان يحب الانزوا غير وضيع
فهو شيخ العلم والأعمال في طهر الرضيع
وهو إيثار وزهد في خشوع وخضوع
وهو في التقوى كحبرٍ ذي كبورٍ وركوع
طلق الدنيا ثلاثاً بائناً دون رجوع
حسبه بلغة عيشٍ بعدها لذعة جوع
وهو لو شاء لأضحى اليوم في عيشٍ وسيع
ظاهرٌ في كل حزبٍ منتهى جمع الجموع
وفي المجلة يكتب السائح العراقي موضوعاً بعنوان (ابن السعود كما عرفته) يتحدث فيه عن لقائه بالملك عبد العزيز آل سعود خلال موسم الحج، وفيه تفصيلات جميلة.
ومن أخبار المجلة البشرى بانحلال مشكلة المسابلة بين نجد والكويت بعد استقبال الملك عبد العزيز لوفد كويتي برئاسة الشيخ أحمد الجابر أمير الكويت، وبرفقته الشيخ عبد الله السالم والشيخ سلمان الحمود والشيخ علي الخليفة، وبالمناسبة ينظم عبد العزيز الرشيد قصيدة بالمناسبة، ومنها:
همس البشير بلهجةٍ جذابةٍ
والبشر يطفح في الجبين ويشرق
أن الكويت مع الرياض تصافتا
وبنوهما هجروا الجفاء وطلقوا
أسد الجزيرة والأمير تصافحا
والكل يجهر بالولاء وينطق
هي نعمة أرجو الإله يديمها
ليذل من يهوى الشقاق ويعشقوا
وكما فعل في كتابه تاريخ الكويت ومجلة الكويت يحتفل الرشيد بأشعار صديقه الشاعر صقر الشبيب الذي يلقبه بـ (رهين المحبسين بلبل الكويت الغرّيد)، ومنها قصيدة في الشكوى يوجهها للأديب حافظ وهبه، ومنها قوله:
أحافظ وهبةٍ قد كدت آتي
إليك مسلّماً لولا قيودي
قيودٌ لو بها الآساد شدّت
لما راع المها عادي الأسود
وحسبي بالعمى قيداً ممضاً
فبالصبر الجميل أذاه مودي
فكيف له إذا عضدت أذاه
على الإنسان عاثرة الجدود
ويوجه الرشيد في مجلته قصيدة إلى صقر الشبيب، ومنها قوله:
أنت يا صقر بلبلٌ غرّيد
إن تغنى فالغصن منه يميد
قد عهدناك في سما الشعر بدراً
وشهدناك في القصيد تجيد
تقرع القوم بالنصائح جهراً
بقصيدٍ يلين منه الحديد
فلماذا سكت حتى ظننا
أن صقراً قد غيبته اللحود؟
وإلى هنا نكتفي بجولتنا في أعداد مجلة (الكويت والعراقي)، والتي تعد أول تجربة للصحافة الكويتية المهاجرة، وكم نتمنى أن تسعى المؤسسات البحثية في الكويت لإعادة طباعتها في مجلد كما فعلت دار قرطاس مع مجلة الكويت، ومركز البحوث الدراسات الكويتية مع مجلات البعثة والرائد وكاظمة.
|