وبراحتنا مشهورة وتنسب الى عباس خورشيد صاحب البقالة الوحيدة، والى عباس علي كما يقال، صاحب اللواري التي تنقل الحجاج، وصاحب البركة المشهورة، براحة معروفة مع عدد من البرايح في الكويت اشهرها:
براحة مبارك ــ الماص، براحة حمود الناصر ــ السبعان ــ الدبوس ــ الشيوخ.
اما جيراننا في براحة عباس فأذكر منهم:
عبدالله النامي ــ اولاد ابو شعبون ــ الحميضي ــ الخرافي ــ البدر
وشاوينا شاوي «مزيد» وبالقرب منا مسجد المهارة الذي اسسه علي بن حمد، وبناه صنكور المهري سنة 1318هـ تقريبا عام 1901م، ودائرة الاوقاف جددته عام 1950، وحضرة النامي التي تتجمع فيها السيول والامطار.
وفي كل حي في الكويت هناك حضر كثيرة، وفي فريجنا ياخور (جاخور) الحميضي ارض محوطة كانت تتخذ حطيرة للحيوانات واللفظة فارسية «آخور»
مــــــــــــــع أولاده
والتاريخ يذكر لآل الحميضي خدماتهم الجليلة خاصة سنة الهدامة، ادخلوا المتضررين الذين هدمت بيوتهم في هذا الجاخور بعد تنظيفه واعداده للسكن، ونحن سكنا حوطة عبدالعزيز العنجري، وفيها غرفتان بعد ان هدمت الامطار بيتنا.
يضيف الملا رجب:
جدي توفي عام 1902 دفن في المقبرة العتيجة (القديمة) داخل دروازة العبدالرزاق القريبة من الصوابر بين شارع مبارك الكبير واحمد الجابر.
وعن سكنه الثاني بعد براحة عباس قال ملا رجب:
سكنا جنوب القبلة في فريج الصالحية، جاءت التسمية نسبة الى المرحوم الحاج ملا صالح، الذي أسس مسجدا في تلك المنطقة عام 1919، والمرحوم ملا صالح كان سكرتير حكومة الكويت منذ حكم الشيخ مبارك الصباح. وكنا نسميه «رئيس الكتاب» حتى سنة 1941.
كيفان.. والأوبئة
وذكر الملا موقع سكنه الثالث «كيفان» منطقة كانت غنية في الماضي بآبار المياه للشرب، وكان ماؤها اعذب من ماءالشامية والعديلية، وفيها تكوف من الرمال على شكل تلال صغيرة، وجاءت الكلمة بكوفان فقالوا: كيفان، وقالوا عنها ان ماء كيفان يكيف من شربه لحلاوته وعذوبته.
وعن الأوبئة تحدث فقال:
كان الأهالي معرضين في الماضي الى ما يشبه الفناء بسبب انتشار الوباء الذي كان لا يقاوم بصرف اللقاء.
اضاف ملا رجب:
ما كنا نسمعه من الاجداد ان ديرتنا تعرضت الى الطاعون المرض الخطير الذي قدم من البصرة، وطاعون آخر تعرضنا له في عام 1831 فتك بأهل العراق والكويت، وعرفت السنة بسنة الطاعون
وكما ذكر لي والدي رحمه الله ان الدواب بقيت سائبة ليس عندها من يعلفها ويسقيها حتى مات اكثرها، وهناك شاعر مشهور هو محمد بن لعبون الوايلي توفي في الكويت بهذا الطاعون، وبالدعوات الى الله تعالى رفعت عنهم هذه النازلة الفظيعة حتى توقفت الاصابات.
وذكر الملا الكوليرا والجدري والانفلونزا عام 1918 عرفت بسنة الرحمة كان عمري 13 سنة، قدرت عدد الوفيات بأربعة آلاف شخص، واستمر المرض حوالي 30 يوما، والجدري اصابنا عام 1932 على مدى 27 سنة كان في فصل الصيف.
وضحاياه بلغوا حوالي ثلاثة آلاف وفاة، اوبئة كثيرة تعرضنا لها منها: السل الذي سميناه «ضيق» وامراض العيون الرمد الحبيبي والترخوما وكانت من الاسباب الرئيسية لفقدان البصر، انا واختي نساء فقدنا البصر بهذا المرض عام 1911، وفي عام 1916 تعرضت الكويت ايضا الى امراض العيون ايضا، وبسبب وجود المحجر الصحي والارسالية الاميركية عولج الكثيرون.
ولكن اغلق المستوصف في عام 1918، واعيد فتحه في 1921، وكان الاطباء يزورون المنازل، كل هذه المعلومات التي سمعتها من الاولين كنت اطلب من اخواني وابنائي واصدقائي ان يسجلوها للمستقبل.
وتحدث عن حفل زواجه بطريقة الأدعية والتواشيح حفلة تسمى «مالد» أو «موجب» يقام فيها الذكر وبعض من الآيات القرآنية والمديح للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والمالد أنواع منه: القيام، والختم، والقادري، والنكازي.
قال:
أتذكر بعض الأبيات في ليلة زفافي سنة 1369ه والمهر كان 1000 روبية:
صلاة دوام ما غنى الهزار
على طيب الذكر عالي الفخار
بشير نذير سراج منير
بني سعيد من عنى وزار
حدا باسم ليلى الحويدي وسار
وأضرم في الجسم والقلب نار
ونادى الحداة الرحيل الرحيل
فسرنا على البدن نطوي القفار
فلما تجلى سناها لنا
على باب ليلى خلعنا العذار
فقمنا بذل على بابها
فطاب لنا الذل والإنكسار
وقال ملا رجب:
لكي أذكر أبنائي بالأناشيد التي كنا نرددها دائماً، وكانت تقوينا بالدين، وتذكر بخاتم الأنبياء ونحن صغار، وكم أتمنى أن يحفظ هذا «المالد» الذي فيه المدح والإطراء لحبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم):
ومحيا كالشمس منك مضيءٌ
أسفرت عنه ليلة غرّاءُ
ليلة المولد الذي كان للدين
سرور بيومه وازدهاء
يوم قامت بوضعه ابنة وهب
من فخار ما لم تنله النساء
وأتت يومها بأفضل مما
حملت قبل مريم العذراء
مولد كان منه في طالع الكفر
وبال عليهم ووباء
وتوالت بشرى الهواتف ان قد
ولد المصطفى وحق الهناء
وكنت أسمع الترديد عقب كل مقطع يردد القارئ
عطر اللهم قبره الكريم
بعرف شذى من صلاة وتسليم
(اللهم صل وسلم وبارك عليه وآله وأصحابه)
وتحدثنا عن «اليسرة» وهي طريق صخري على ساحل البحر يمتد في المياه حوالي 300م موقعه بجانب الوطية في الحي القبلي، وعندما تبشر مياه البحر مع ظاهرة الجزر تشاهد قاع البحر، فيظهر الطريق الصخري «اليسرة»
اثناء ذلك يرتاده الناس قديما للسباحة أو السهر في الليالي المقمرة، واليسرة كانت في الحي الشرقي وبنيد القار والنساء يستغللن هذه الفترة بغسل ملابسهن لا بصفة دائمة
واليسرة القبلية
قال عن موقعها الملا رجب:
دخلت في التنظيم غرب فندق شيراتون، واليسرة مكان ميسور ضد المعسور الضيق
وأيضا تعني الكلمة:
المكان متهيأ ويسير، وكنت أحدق مع محيي رمضان ابو شعبون وأنا ضرير، وإذا لم نحصل من الصيد شيئا انتقلنا إلى نقعة العثمان المشهورة المسورة بالصخور البحرية لصد الأمواج، وفيها كانت السفن ترسو، وتصلح الزوارق، والتنظيف كان جاريا في حالات الجزر.
أحج عن الموتى
وعندما سألته عن طبيعة عمله خلال هذه السنوات
قال:
من هو الأعمى حقا؟ أهو ذاك الذي يرى ولا يعرف، أم ذاك الذي لا يرى ويعرف؟ وكل ما أقوله ان الأعمى هو من لا يعرف.
فأنا ضرير ولكني قضيت 90 عاما في المساجد والحسينيات أقرأ القرآن الكريم والأدعية، وفي التعازي والمآتم في الحسينيات قرأت اللطميات، وصعدت المآذن قضيت سنوات من عمري مع سيد جواد القزويني ـ رحمه الله ـ العالم الكويتي المشهور.
حفظت الأحاديث على يده وأشرحها في مسجد المزيدي، الذي بني كما قال الآباء في 1310هـ الموافق 1890، على نفقة ـ المرحوم ـ الشيخ محمد المزيدي، وكان ـ رحمه الله ـ من أمَّ المصلين في البداية.
ثم من بعده
سيد جواد
وسيد زين العايد
وسيد علي سبر
وسيد صباح
وسيد علي شبر، ما زال يصلي بالناس
ويضيف ملا رجب:
كنت اقيم الآذان مع
سيد زلزلة
والحاج جعفر المسري
والشيخ حبيب المزيدي
وقرأت الأدعية في حسينية سيد علي الموسوي في حي الشرق، ما زالت قائمة، ومن الأعمال التي مارستها في حياتي وأنا ضرير «الحج النيابي»، أحج نيابة عن الموتى بعد أن أكلف من أحد أبنائهم
ومن شروط النائب:
البلوغ
العقل
الإيمان
معرفته بأفعال الحج وأحكامه
وكنت أزور العتبات المقدسة، إنابة أيضا عن العجزة، والهرم، والمرضى.
جواز سفره عام 1947
وذكر الملا أن المجتمع الكويتي لم يكن من قبل يعرف الأسود والأبيض أو الطويل والقصير، مجتمع راعى البناء الاجتماعي ليبقى سليما قويا، فكانت العقيدة سليمة من الضعف والخلل، وكان الفهم السليم الواعي العميق لدين الله، كان أحدنا مع نفسه وإخوانه وجيرانه يصفّ النفس وينظفها من أدرانها، وإذا جلسنا عالجنا القلب من أمراضه الباطنية، مجتمع كان يعرف واجباته وملتزما بالعمل، لا نعرف الشر، وإذا عملنا أو مشينا فلا نعرف الأعمى من البصير، فكان «توحيد الله» هو شعارنا، لم نعرف المحتاج من غيره.
وللأسف، أرى الآن مواضع الفتنة، ولا صلاح للمجتمع، ونحن كلنا للكويت، نعمل وننورها بالمحبة والرحمة والبناء، «ولا إله إلا الله» شعارنا، من هنا نبدأ الإصلاح، من هنا تتسلم القلوب ربها ووطنها، ولن نخطو خطوة إلا لأجل الكويت.. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحافظ على تراب هذه الارض، لا نريد حياة التمزق والتشتت، حياة العبث والضياع والذل والمهانة، فلنتفتح لبلدنا لتصفو الأرض والسماء للكويت، ويتلألأ النور في أفواهنا.
سوق الحلوى
ومن الاعمال التي مارسها قال:
عملت مع اخي المرحوم عبدالله في سوق الحلوى المتفرع من سوق الخضرة والغربللي.
ويضم عدداً من الدكاكين معظمها في بيع الرهش والحلوى والزلابية.
ونحن كنا نبيع «المعاطف» (البوالطو) كان الكويتيون يلبسون البالطو فوق الدشداشة، ومن اللون نفسه يقولون انه لابس (غاط) اي البدلة الكاملة.
كنا نستورد من انكلترا، واحياناً نشتري بالجملة من عبدالله بن العيسى والمحلات كانت للحكومة، وايجار محلنا «5 روبيات» واول نكله (ربطة) اشتريتها بروبيتين وبعتها ب15 روبية.
واتذكر الحلوى الكويتية القديمة التي كانت تصدر، كما كانت سفن السفر والغوص تأخذ معها كميات كبيرة، ويسمون حلوى السفر (للزهاب) اي المادة الغذائية التي يأخذها المسافر معه للاكل او لاهدائها.
هوشة كركيعان
وتحدث عن ليلتي الرابع عشر والخامس عشر من شهر رمضان اي ليلة النصف من رمضان المبارك
فقال ملا رجب اشكناني:
كانت اكياس القرقيعان تتدلى حول اعناقنا، والمنافسة بيننا حول الكمية التي نجمعها من المكسرات والحلويات، كنا نجتمع في (براحة عباس) ونسير بين الاحياء ونردد اهازيج الكَركَيعان واناشيده، وكنا نتعرض للضرب من اولاد فريج الصقر والبدر والخرافي.
وايضاً كنا نحن نتعرض لهم، حتى احدهم اراد ان يسرق الكيس من رقبتي لانني اعمى فتمسكت به حتى انقذني اخواني، وكان «ابو طبيلة» يشاركنا في جمع القرقيعان ومعه حماره.
وقال: ليالي الكركيعان لا تخلو من الهوشات (مشاجرة) نصل الى التشابك بالايدي، ورمي الحجارة، والمعجالة عبارة عن خرق نضع الحجارة فيها ونحذفها على الفريق المضاد.
وبعد ان كبرنا صرنا اخوة، ما يحب لنفسه يحب لاخيه، واذا التقينا الآن نتحدث عن الشطانة ايام زمان، واصبح الخير للجميع، وهذه منزلة عالية ودرجة سامية عند الله تعالى، وهذا ما تعلمنا وتربينا عليه.
وكما سمعنا «واني لاسمع بالغيث قد اصاب بلدا من بلاد المسلمين فأفرح ومالي به سائمة»
أجرى الحوار: جاسم عباس