نستكمل الحلقة الثانية من أحاديث وسوالف العم الفاضل محمد الناصر الأحمد الحمدان ليكلمنا في هذا العدد عن ذكرياته القديمة في ركوبه السفن الشراعية كغيص ثم نوخذة واستمراره حتى أواخر سنوات مهنة الغوص والبحث عن اللؤلؤ في مغاصات الخليج العربي
ويقول العم محمد الحمدان حول بداية دخوله البحر:
ركبت مع والدي النوخذة ناصر الأحمد الحمدان في سفينته الشراعية من نوع شوعي في مهنة تباب لمدة ثلاث سنوات وبعدين ركبت رضيف أربع سنوات وبعدها أصبحت غيص وعمري ثماني عشرة سنة وكان كل أهل الكويت يدشون الغوص والبحر وما يقعد بالقيظ إلا النسوان والمعذور من الرجال واستمريت غيص مع الوالد في الشوعي حوالي عشر سنوات وكنا نغوص في هيرات مياه الخليج العربي كالبلداني وأبو عصية وعارض يوسف وحولي.
والغوص كله تعب والناس مجبورة تشتغل فيه لأنه مصدر رزقهم ورزق عيالهم ويصبرون على البحث على لقمة العيش وسط أعماق البحر بحثاً عن المحار اللي يمكن يكون فيه حصباة أو دانة يبيعونها ويترزقون الله من وراها.
النوخذة على السنبوك
وعن بداية تنوخذه على سفن الغوص يحدثنا النوخذة الحمدان بقوله:
بعد عشر سنوات من ركوبي كغيص في سفينة والدي ترك أبي الغوص فتنوخذت بعده وكان ذلك في أواخر سنين حكم الشيخ أحمد الجابر طيب الله ثراه في عام 1948، وركبت على سنبوك اطلقت عليه اسم صاروخ بعدما حطيت فيه مكينة قوتها 88 حصانا وكانت تعتبر قوية في زمنها، والسفينة الشراعية اللي يركبون عليها مكينة يسمونها لنج، والسنبوك أخذته وشار من أحد القلاليف من أهل شرق أي صنعه وكان فيه ثمانية مجاديف ودقل واحد وحن للخراب أي للحبال وهوري وكان اسمه يصدق فعله وسريع لذا اطلقت عليه اسم صاروخ، وفي عام 1949 احترقت المكينة واحنا في الغوص وتمكنا بعون من الله أن نطفي النيران وحنا وسط البحر وكنا نضع عليها هدوم مبلوله علشان نكتم النار، والله ستر وطفينا الحريق وبعدين صلحنا المكينة واكملنا موسم الغوص حتى نهايته، وسميت السنبوك حرقان بدلا من صاروخ، وهذه عين ما صلت على النبي، وكان معي خمسة وأربعين بحارا ما بين غيص وسيب وطباخ ونهام، وهذه السنوات في الأربعينات والخمسينات كان الغوص يعيش آخر أيامه لأن الناس تركت هذه المهنة المتعبة واتجهت إلى الأعمال الخفيفة في الإدارات الحكومية وشركات النفط ورواتبها كبيرة ومضمونة بخلاف العمل بمهنة الغوص والرزق غير مضمون والعمل في البحر وتحت آشعة الشمس الحارقة والجو الحار ومخاطر الأسماك والغرق، فالناس هجرت الغوص في تلك الأيام، وبعد ظهور اللؤلؤ الصناعي في اليابان ضعف سوق اللؤلؤ العالمي وتأثرت مهنة الغوص بهذا حتى توقفت تماما بعد ذلك.
آخر نواخذة الغوص
ويضيف العم النوخذة محمد الحمدان قائلاً استمريت أدش البحر كنوخذة غوص على السنبوك«حرقان» حتى عام 1960، وكان بعض النواخذة يدشون في الغوص بتلك السنوات أي الخمسينات واتذكر منهم راشد بن علبان الرشيدي وفلاح حمد الفلاح وإبراهيم المليفي ومحمد الجبر الجلاهمة وسالم الدويلة ومحمد القضيبي رحمهم الله جميعا وكان أمير الغوص أو سردال الخشب هو النوخذة راشد بن أحمد الرومي رحمه الله وفي آخر وقت الغوص ما كان هناك أمير للغوص لأن المحامل«السفن الشراعية» قلت بالتدريج حتى ما بقي منها إلا ست محامل وصارت وقفتها عن الغوص في وقت متقارب في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي بسبب ظهور اللؤلؤ الصناعي وظهور النفط فابتعد الكويتيون عن الغوص.
وأنا كنت أدش موسم الغوص الكبير الرسمي الذي يبدأ في مايو وينتهي في أواخر سبتمبر وكنا نكمل مدة الغوص أربع أشهر وقد تطول وقد تقصر أحيانا ومادشيت موسم الردة أو موسم الرديدة ولكن بعض النواخذة يروحون والنواخذة مو واحد وكل له تفكيره وشغله.
يضيف العم الحمدان قائلا: بعد انتهاء موسم الغوص انلك السفينة الشراعية«السنبوك» على السيف في الفنطاس بمعنى نسحبه بالبيطات«الحبال» على طعم من الشخب ويقوم التجار بسحبه إلى البراحة قرب بيتنا بالفنطاس وأخر السنين نسحبه بالدوار والكيبلات بدل البحارة والحبال ونستخدم الدوار المكون من حديد مدور لرفع السفينة ووضعها على السيف حتى بداية موسم الغوص التالي فنقوم بإنزالها إلى البحر ودخول موسم الغوص عليها.
طواويش اللؤلؤ
وسألنا العم محمد الحمدان حول بيع اللؤلؤ الذي تحصلون عليه من الغوص في المغاصات فأجاب:
أنا أبيعه على من أريد من الطواويش أي تجار اللؤلؤ وكانوا معدودين في ذلك الزمان، ولأنني غير مطلوب من أحد فلدي الحرية على من أبيعه، وكنت أبيع القماش أي اللؤلؤ الذيذ نجده في الكويت والبحرين واتذكر مرة واحدة فقد حصلت على حصباه بعتها بقيمة عشرة الاف روبية، وكنا نغوص في هيرات مياه الخليج العربي والهير يقصد فيه سكان تجمع المحار وتسمى أيضاً مغاصات وبعض الهيرات عميقة ويقاص عمقها بالباع والباع يزيد على المتر والنصف فمثلا هيرات حولي والبداني وعارض يوسف وأبو عصة وخلالوه وبوظلام يصل عمقها إلى اثنى عشر باعاً.
وهناك مغاصات ليست عميقة يصل عمقها إلى ثلاثة أبواع فقط مثل هيرات الزور والجليعة ودوحة الزرق والسفانية، وكنا نغوص في هيرات عالي وهي هيرات الكويت وفي هيرات سافل وهي الهيرات الجنوبية بالقرب من البحرين وقطر وعمان ويوجد مغاص اسمه فسافة بن حمدان وسمي نسبة إلى عمي النوخذة سالم الحمدان الذي اكتشف الهير وتحدثنا عنه في الحلقة الأولى.
السلام عند هيرات اللؤلؤ
ويستكمل العم محمد الحمدان ذكرياته قائلا: اتذكر النواخذة الكويتيين الذين كانوا يدشون الغوص كابن علبان والجبر والفلاح والمليفي والدويلة وكان بيننا التعاون والمحبة وكان بعض الغاصة أو السيوب ينتقلون بيننا ونعطي للبحار ورقة اسمها البروة أي براءة ذمة للبحار الذي يريد الدشة أو الركوب مع نوخذة آخر وتدل على أنه ليس مديون ولا مطلوب من النوخذة الذي كان يركب معه.
واتذكر أننا كنا نلتقي في البنادر وفي هيرات الغوص ونسلم على بعضنا من بعيد وإذا عرفته تقول السلام يا فلان وربعه وإذا ما ميزته تقول السلام عليكم والطريقة أن يصطف البحارة مقابل المحمل الآخر سواء كان طرح يغوص أو خاطف ويرفع غير المشغولين أيديهم جميعاً وبصوت واحد يقولون«السلام عليكم».
وكان هناك نواخذة من البحرين وقطر والسعودية ولكن نواخذة الخليج ما يجون هيرات الكويت إلا النادر بينما نواخذة الكويت يذهبون إلى مختلف الهيرات وذلك لكثرة خشب وسفن النواخذة الكويتيين.
بحارة نهاية الغوص
ويقول الحمدان عن البحارة العاملين في نهاية الغوص: كان في الماضي أغلب البحارة كويتيين ونعرفهم ويعرفونا ولكن بعد ظهور النفط في الكويت واكتشاف اللؤلؤ الصناعي باليابان وانتشاره ترك غالبية الكويتيين هذه المهمة واذكر في الماضي كان معاهم بحارة من أهل نجد والبدو، وبعد ما تقاصر الغوص بدأ بحارة عمان والإمارات يحضرون ويدشون الغوص معانا عن طريق الاتفاق بحيث يقدم النوخذة«تسقام» أي سلفة لكل بحار يصرفها على أهله وبعدما نقفل أي ينتهي موسم الغوص نبيع القماش«محصول اللؤلؤ» ونأخذ من نصيبه اللي لنا ونعطيه الباقي.
وفي آخر الوقت صار كل بحارتي من أهل عمان وكان معاي غيص كويتي واحد اسمه أبو ردن العازمي في آخر سنوات الغوص في أواخر الخمسينات ولا أذكر اسمه الأول لكبر سني وهذا الكلام قبل نصف قرن.
سوالف من البحر
ويستكمل النوخذة محمد الناصر الأحمد الحمدان ذكرياته الجميلة عن ركوبه البحر كنوخذة غوص ويقول لنا هذه الحادثة التي جرت أثناء موسم الغوص على اللؤلؤ فيقول: اتذكر عندما كنت غيصا في سفينة الوالد وكان معنا أخي الأكبر سلمان التاجر وأثناء غواصته كاد أن يأكله جرجور«سمك القرش»، ولكنه سلم في آخر لحظة بفضل من الله حيث كان يغوص في داخل مغاصات اللؤلؤ تحت المياه ولما شاف الجرجور نبر على السيب الذي أسرع في سحب الحبل والحمد لله ما وصل الجرجور عنده إلا بعد لحظة من ركوبه المحمل وبعدين تركنا هذا المكان إلى غيره خوفا على أرواح البحارة من الجرجور.
أما على أيامي عندما أصبحت نوخذة فما حدث مع بحارتي شيء يذكر ولكن هناك طرفة حيث انني أخذت ابني الدكتور جاسم معي وكان عمره وقتها تسع أو ثمان سنوات لتدريبه على التحمل والصبر ويرى أعمال البحر ويصير نوخذة مثل أبوه وجده، وكان جاسم يرغب بصيد السمك بالخيط والمجدار والغاصة تحت البحر فهيته ولكن قال لي يبه تراني صدت هامور كبير وانقطع الخيط وإذا بأحد الغاصة يخرج والمجدار ناشب في الديين وهو يسحب الخيط وجاسم يسحب حتى انقطع الخيط وتبين ان الهامور اللي صاده ولدي جاسم هو احد الغاصة.
وسألنا العم محمد الحمدان هل كان معكم نهام؟
ويجيبنا قائلا: نعم كان معي نهام واحد والنهمة نوعين كان يتولها النهام منها يا مال والزهيري وكل عمل له مهنة مثل جر الخراب أي الحبال أو الخطفة أي رفع الشراع فيقول على سبيل المثال:
أول القيل ما بالعرش كود الله
وثاني القيل محمد رسول الله
ومن الزهيريات التي يغنيها النهام في الغوص:
يا زين بالفرقا علي اخطيت وابعدت ليماك عني بالبناء واخطيت مثلك يسامح خطاي لين مني عليه اخطيت وان بعتني بالحسن اشريك بحبي بحبك سباني من يوم انا كل ما اخطيت. وهذه زهيرية اخرى: ريم أريته بعيني وارد للمي ينسل جعوده على متونه بوسط المي هلت العين وطاح بعض الدمع بالمي صوت له ياحمد يا من قذلنه سايحة خده كلون الورد مشكم له رايحة كل ماهشت انا اليد قالت خلني رايحة خوفي من اللاشي يتبع جرتي بالمي.
ترك الغوص والبحر
ويضيف العم الحمدان قائلاً: استمريت نوخذة حتى عام 1960م واخر موسم غوص دشيته كان في عام 1959 وعرض على واحد من أهل عمان يشتري مني اللنج «حرقان» ويعطيني قيمته في السنة القادمة فوافقت وبعت السفينة عليه، وحيث ان التعامل كان يعتمد على الثقة ولكن الى يومك ما شفته ولا شفت حرقان، حيث للاسف ان بعض الناس ما تقدر الثقة وهالايام زادوا ولكن الحمد لله عوضنا بأشياء كثيرة. واسقطت ديون كل البحارة اللي معاي وعليهم باقي السلفة وانتهت مهنة الاجداد اللي كانوا يعملون فيها بعد تلك الايام.
ويقول الحمدان: اشتغلت بصيد الاسماك مع اخوي سلمان وكنا ننصب الغزل في ساحل الفنطاس كما عملت بالزراعة في مقوع والدي الواقع في قطعة واحد بالفنطاس. واشتريت سيارة لوري دوج حمراء اللون في عام 1946م وكنت اوصل الناس والسمك والبعارين والاغنام من القرى الكويتية الى داخل السور وكان يركب معي الحضري والبدوي ويقول الشاعر فالح الزقاع العازمي هذه الأبيات التي يسندها علي في عام 1949م يقول فيها:
موترك ياحمود ماجانا نشوفه
لويجينا ما نعرف دريوليه
اركبوه وهات الموتر نشوفه
ونتعرف موتر توه شريه
كل موتر غير موترنا نعوفه
غير ابن حمدان شوق الغشمرية
راعي المعروف نثني بمعروفه
ما نجازي الطيب بعلوم رديه
يا ابن ناصر طيبكم كل يشوفه
أول المحدار كروتنا عطيه
وهذه ابيات قالها فرج الفرج رحمه الله واكملت القصيدة معه يقول فيها:
ياراعي الدوج بند وخذلي مكتوب
وصل سلامي لخلي وارجعه ليه
يا محمد احرص تري المكتوب للمحبوب
مجود مامشي بأرض الخلاويه
وبازهمك يا صحيبي وانت سد النوب
ترى صواب الحبيب ماكن فيه
واذكر ان الذي قام باختباري عند حصولي على ليسن القيادة هو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح طيب الله ثراه حيث قدمت اختبار القيادة في الدهلة داخل مدينة الكويت.
ومن السوالف العجيبة التي حدثت معي اثناء قيادتي لسيارتي اللوري انه في احدى الليالي عندما كنت قادماً من حد الحماره كنت أرى ناراً تشب في وسط الطريق الخالي الا من الذئاب والحصانية وعندما اصل قرب هذه النار تنطفئ ثم تعاود الاشتعال في مكان آخر وتكرر هذا الامر حتى اصل الى قرية الشعيبة. كما عملت مراقباً في وزارة الاشغال اشرف على بناء المدارس في الاحمدي، الشعيبة والفنطاس وكنت عضواً في مجلس محافظة الاحمدي في عام 1988.