العمل في الغوص قديما
في موضوع سابق تطرقت عن مهنة الطواشة وفي هذا الموضوع هذا سوف أتطرق عن مهنة الغوص وهي من المهن التي عمل بها الأجداد في الكويت حيث تعتبر مصدر رزقهم ودخلهم في السابق والغوص من المهن المتعبة والتي تحوفها الكثير من المخاطر وتتطلب لياقة بدنية عالية وشجاعة فقد يذهب الكثير للعمل بهذه المهنة الغوص ولكن قلة من هم يستمرون بها بل وقد يعجز البعض عن العمل بهذه المهنة ولا يتحمل مشقة العمل فيهرب البعض بمجرد الوصول للبندر للراحة فمواسم الغوص أربعة على النحو التالي :
1. الخانجية : غوص الخانجية هو أول الغوص ويكون في آواخر فصل الربيع في ابريل ويكون الماء في تلك الفترة بارد وتكون سفنهم قريبة من الساحل في "مغاصات العدان" القريبة من الساحل وقليلة العدد وعدد الغاصة قليل ولا يخضع غوص الخانجية لقانون الغوص .
2. الغوص الكبير: وهو الغوص المعروف الذي تستخدم به السفن الكبيرة والصغيرة فالسفن الكبيرة تذهب للمغاصات البعيدة والسفن الصغيرة تذهب للاهيرات القريبة ويخضع هذا الغوص الكبير لقانون الغوص حيث أن السفن ملتزمة بموعد للدشة وللقفال .
3. الردة : ومعناها العودة ثانية للغوص وتكون بعد انتهاء موسم الغوص في شهر سبتمبر والردة تكون في أكتوبر ويكون البحر فيها بارداً وهو أقرب إلي غوص الخانجية باكورة الغوص والسفن التي تذهب لغوص الردة قليلة العدد وأغلبها من السفن الصغيرة الحجم .
4. إرديدة : وهذا النوع من الغوص يكون في شهر نوفمبر وتكون المياه شديدة البرودة وتكون بالقرب من السواحل ومدتة قصيرة ولا يخضع لقانون الغوص وقلة من يذهب للغوص في تلك الفترة وفي غوص الخانجية والردة و إرديدة نصيب الغيص يكون للغيص ولا يأخذ عليها النواخذة أي مبالغ.
الاستعداد للغوص
يستعد أهل الكويت قديما للدخول الغوص وقبيل كل موسم غوص يسجل الغاصة مع من يريدون الدخول معه من النواخذة ويقوم النوخذة بتقديم السلف للبحارة قبيل " الدشة" حسب مقدار السلف الذي تقرره الحكومة يأخذ الغيص السلف ويقوم بإعطاء المال لأهلة لكي يصرفوا منه في غيابهم ثم يقوم الغاصة والسيوب بشراء المعدات اللازمة للغوص وهي على النحو التالي :
1. الفطام : بضم القاف وهي قطعة صغير مصنوعة من عظام السلاحف حجمه صغير ويضعها الغيص على أنفة لمنع نسرب الماء داخلة ويحضرها الغيص معه .
2. الدين : بتشديد الدال وجمعها ديايين بكسر الدال وهو وعاء م مصنوع من الحبال " كالسلة " ومن العالي يكون على شكل قوس مصنوع من الخشب يستخدمه الغيص عندما ينزل لجمع المحار به. ويحضرها الغيص معه.وينطقة أهالي القصور " الدجين ".
3. الخبط: بفتح الحاء جلد يوضع على أطراف أصابع الغيص لحماية أطراف يد الغيص من الجروح في حالة جمع المحار وخاصة من بعض الأصداف المسماة بـصدف "الفساقة " بكسر الفاء وغيرها من القواقع ويستخدم في حالة يكون المحار كثيراً في القاع ويحضرها الغيص معه .
4. الحجر: بفتح الخاء وهي قطعة من الرصاص يستخدمها الغيص لكي يساعده للنزول في قاع البحر. ويحضره الغيص معه .
5. الشًمشول : بتشديد الشين والجمع شماشيل بكسر الشين وهو شورت " سروال " قصير اسود اللون يلبس الغيص يلبسه الغيص بدلا من الوزار لكي يعطيه حرية بالحركة تحت الماء وهو بمثابة المايوة في الوقت الحالي .
6. لباس الغوص: لباس اسود اللون مصنوع من القماش مقارب على قطعيتين ومشابه للقميص والبنطلون وله أكمام طويلة بحيث يغطي جميع أجزاء الجسم ماعدا الرأس والقدم ويستخدم للوقاية من ضربات " قنديل البحر – الدول".
7. الإيدة : بكسر الهمزة وجمعها أيادي بفتح الهمزة حبل طويل يستخدم لسحب الغيص من قاع البحر وطوله 40 باعاً إلي 45 باعا يحضره الغيص معه . وينطقة أهالي القصور " الاجدة" وكذلك بعض دول الخليج "
8. الزًيبل : بتشديد الطاء وجمعها زيابل بكسر الزاء حبل طويل يسحب السيب بواسطة الحجر من قاع البحرة بعد وصول الغيص لقاع البحر و يحضره السيب معه .
9. الطرطور : بتشديد الطاء جمعة طراطير بفتح الطاء عبارة عن قلنسوة طويلة أو غطاء للرأس وغالباً ما يستخدمها أهل البادية عند دخولها البحر لحفظ شعورهم الطويلة عندما يغو صون ويضعونه على رؤوسهم .
الغيص والفطام على انفة والدين على رقبتة
بداية الغوص
فبعد أكتمال الغاصة معداتهم تبدأ "الدشة " ويودع البحارة أهاليهم وتبحر السفن على مجموعات حسب جاهزية السفينة ووصولهم للاهيرات يعتمد على الهواءوخبرة النواخذه ومعرفتة بالمجاري البحرية فمجرد وصولهم ليبدأ بعدها موسم الغوص من تاريخ 21/5 وينتهي في 21/ 9 وهو الغوص الكبير حيث تبحر السفن في اتجاه مغاصات اللؤلؤ في موكب وتملئ أشرعتهم سفنهم الأفق فمجرد وصول السفينة الاهيرات وإلقاء المرساة " السن" يقول البحارة :
نزلنا منزل مبارك وأبرك دار....على الهير والمحار .
ويقولون أيضا
بالله منزل مبارك ...وأنت خير المنزلين
ساعات العمل في الغوص
ساعات العمل في الغوص تعتمد على الوقت حيث في بداية الغوص تتراوح مدة العمل للغيص مابين أثني عشر ساعة إلي أربع عشر ساعة حيث انه في بداية الغوص تكون المدة أقل ثم بعدها تزيد المدة وهي على النحو التالي :
1. في بداية الغوص يكون الماء بارد ويغوص الغيص ستة مرات " تبات" ويستريح أثني عشر مرة أي ساعة عمل وساعتين راحة.
2. يتم زيادة ساعات العمل بعد نحو شهرين من بداية الغوص لتصبح عشر مرات " تبات " ويستريح عشر مرات " تبات " أي يغوص ساعة ويرتاح ساعة وهو عمل شاق ومتعب و في فترة الصيف يتم مضاعفة العمل لان النهار طويل والبحر دافئ .
يومية وحياة البحارة على السفينة
يستيقظ البحار باكراً فيصلون صلاة الفجر ويتناولون الفطور المكون من الشاي والقهوة ويأكلون فردات من التمر" القدوع " ولا يأكل ألا قليل منه حتى لا تمتلئ معدتهم لكي لا يعيقهم في عملهم هذا بالنسبة للغيص أما السيب فيأكل كما يشاء من التمر والماء
الماء في الغوص ماء ليس نظيف وفي أول الغوص يكون من المياه العذبة المجلوبة من الشط وعندما ينفذ الماء يتم جلب الماء من البنادر القريبة ويكون به ملوحة وشوائب ولكنهم يشربونه حيث لا يوجد له بديل .
يسقي الغواصين المسهلات " العشرج " لكي تكون بطونهم خالية للعمل ولكي يستوعب الهواء وتكون أجسامهم خفيفة للغوص ويساعدهم على المكوث في البحر عند الغوص.
بعد طلوع الشمس يبدأ الغاصة في العمل وجمع المحار طوال اليوم ويتنقلون من هير إلي أخر بحثا عن المحار وينتهي العمل لهذا اليوم بمغيب الشمس ويقول النواخذة أو من ينوب عنة " اطووا احبالكم " أو هلل عليهم " ويرد الغاصة " لا اله ألا الله "ويخرج الغاصة إلي سطح السفينة و هم يقولون :
الغوص عادة والصلاة عبادة
ويقولون أيضا :
مَوٌل ْ مَوٌ ل ْ
خير يا لله على التالي والأول
ويقولون أيضا :
لا اله ألا الله زرق اليوم أخذناه ورزق باجر على الله
تتخلل الفترة من الصباح فترات قصيرة للراحة يناوب عليها الغاص لصلاة الظهر وصلاة العصر حتي غياب الشمس حيث يتوقف العمل وبعدها يصلون صلاة المغرب و يتناولون وجبة العشاء وتكون من الرز " العيش " والسمك ومرق السمك في بعض الأحيان وبعد صلاة العشاء يخلدون إلي النوم من التعب والأرهاق استعداد لليوم التالي .
ينام البحارة على فراش ويسمي" الجودري " وهو عبارة قطعة مستطيلة الشكل من الجبال على شكل سجادة وعرضها ثلاثة أشبار في مقاس صاحبها وهي مصنوعة من الحبال حيث أنهم ينامون على المحار الرطب واليابس ويكون متلاصقين مع بعض لان سطح السفينة محدود مع كل هذا تراهم يخلدون للنوم من شدة التعب ويستيقظون باكر للعمل مرة أخري .
فلق المحار" فتح المحار"
وفي الصباح الباكر بتأهب الغاصة و السيوب لفتح المحار وتسمي بفلق المحال ويتم قلق المحار عند طريق "المفلقة" وهي سكين تستخدم لفتح المحار ويعمل الجميع فتح المحار بحثاً عن اللؤلؤ وفي بعض الأحيان يكون المحار كثير ويتم وضعة على جنب ويعمل السيوب في فتحة حيث ينزل الغواصين إلي البحر لجمع المحار وإذا تم جمع كميات كبيرة تمتلئ السفينة بعدها يتوقف الغاصة عن الغوص وتسمي " يهلزون ".
البحارة وفلق المحار
طريقة الغوص
عمل الغيص متعب ومرهق بدنياً وبتطلب لياقة بدنية عالية وكما قلت انه في منذ الصباح الباكر وبعد طلوع الشمس يستعد الغيص للعمل ويكون ممسكاً حبل قصير يمسي "القلطة " من الأدوات التي يحضرها الغيص معه ويكو ن مربوط في مجاديف السفينة ويضع الغيص "الدين " علي رقبته ويضع "الزيبل" الجبل الذي بربط فيه الحجر لإنزال الغيص إلي قاع البحر في رجله و"الإيدة" حبل الإنقاذ الذي يستخدم السيب لسحب الغيص ثم يأخذ الغيص النفس" يتنفر" يبربر الهواء حتى تنفتح أذناه ومن ثم يضع الفطام على أنفة ويغوص.
عندنا يصل الغيص لقاع البحر بسحب السيب حبل "الزيبل" ومعه الحجر حيث لم يعد للغيص حاجة بهم ومن ثم يبد الغيص في البحث عن المحار ويقلع المحار بيده ولا توجد له أية أداة للمساعدة في قلع المحار ولا يحمل الغيص أي للدفاع عن نفسه ضد الأخطار خلال عملية الغوص .
عندما ينتهي الغيص يجر الحبل " الإيدة " ويكون السيب متيقظ وفي انتظار الإشارة من الغيص في القاع ويسحبه حالا في أقصي قوته ويكون" الدين " في يده ويمسك حبل" الإيدة "في اليد الأخرى ويخرج الغيص إلي السطح ويكون بالقرب من السفينة ويتناول السيب منه الدين ويفرغه في السفينة ويكون له صوت إذا كان المحار كثيراً وكثرة المحار تدل على مهارة الغيص ويستمر العمل بالنسبة للغيص حتى تنتهي نوبته عشر مرات وتسمي
"اقحمة" يكسر الهمزة والمرة الواحدة تسمي" تبة" بفتح التاء وتشديد الباء وعند انتهاء نوبة الغيص يصعد ليرتاح على سطح السفينة ويأكل حبات قليلة من التمر ثم بعد ذلك يعود للعمل حتى تغيب الشمس وعندها ينتهي العمل لهذا اليوم المتعب والشاق والخطر وهذا هي حال الغاصة طيلة موسم الغوص.
السيوب وهم يسيبون على الغاصة
حساب نوبات الغوص
يتم حساب نوبات الغوص للغاصة بواسطة الخرزات " خرز الحساب " وهي عشر قطع خشبية بحجم المئة فلس ويتم وضعها داخل خيط كالسبحة ويتم ربطها في مؤخرة السفينة "التفر " وتكون بالقرب من مكان جلوس النواخذة من جهة اليمن و السيب اللي يكون في هذه الجهة هو المسئول عن العد للغاصة ويتم الحساب فكلما غاصة الغاصة سحب الخرز حتى يصل إلي الخرزة العاشرة ويعدها يصيح بصوت عال ويقول " عنها" أي انتهت نوبة الرجال ويكون الدور لغيرهم للغوص وتسمي هذه العملية " إزومة" بكسر الهمزة وتعني " زامات – نوبات " هناك طرق للغوص أخري وهي على النحو التالي :
1. الخانجية : وهذه الطريقة عندما يكون البحر دافئاً فيغوص الغاصة خمسة عشر مرة ويستريحون خمس مرات .
2. مربوعة : و فيها يغوصون ست عشر مرة "تبة" ويستريحون أربع" تبات " وتكون عاد في فترة الصيف .
3. دروغية : وتكون في عز الصيف أيضا فيغوص الغاصة ثماني عشر تبة ويستريحون ثلاث تبات وهذه الطريقة متعبة للغيص .
4. غوص الجميع: وفي هذه الطريقة أي كل الغاصة اللي في السفينة يغوصون ولا يستريحون إلا مده قصيرة وهي فترة صلاة الظهر وصلاة العصر وهذه الطريقة متعبة للجميع من غاصة وسيوب والغاصة يتعبون اكثر حيث لا يصعدون لسطح السفينة إلا للصلاة ويتناولون التمرات القليلة وهو في البحر ممسكا حبل "القلطة" وتسمي التمرات " إمحاياة " طبعا هذه الطريقة قليل من نواخذة الكويت يعملون بها بينما هي شائعة عند أهل الخليج .
مدة الغوص للغواصين
يمكث الغواصين مدة من الوقت في قاع البحر وهي تختلف من غيص لأخر منهم يمكث مدة طويلة ومنهم من يمكث مدة قصير والغاصة المميزين يمكثون ثلاثة دقائق وهؤلاء نادرين والغالبية تمكث دقيقتين وهناك من يمكث اقل دقيقة ونصف .ويقال انه إذا كان البحر عميقا يطول نفس الغيص فإذا وصل لقاع البحر يعود له النفس مرة أخرى.
وفي بعض الاحيان ينتهي نفس الغيص وهو في قاع البحر وهي ماتعرف بـ "السني" وهو دخول الغيص في حاله من الغيبوبة وعندما تحصل حالة " السني " ينزل البحارة إلي البحر لإنقاذ صاحبهم فيتم اخراجة وهو في الرمق الأخير فيقال " أن فلان سنا" وفي بعض الأحيان تؤدي مثل تلك الحالي إلي الوفاة ومن أسباب دخول العيص في حالة " السني" هو أن قاع البحر مختلف الأعماق وعندما يستمر الغيص بالغوص ثم ينزل إلي عمق أعمق من عمق الهير يتعرض الغيص لما لحالة " السني".
أعماق المغاصات " الهير"
تتراوح أعماق مغاصات الغوص مابين 13 باعاً " 78 قدماً ولا يغوص الغواصين قديما أكثر من هذا العمق وهو ليس بالسهل وعمق 78 قدماً تساوي 23 متراُ ونصف المتر والغوص في هذا العمق ليس بالعملية بتلك السهولة أضف على ذلك أن عملية الغوص قديما تتم بدون استخدام أدوات الغوص الحديثة كالأكسجين وغيرها من الأدوات كالنظارة التي يستعملها الغواصين في الوقت الحالي والتي يرى من خلالها الغيص بوضوح في الماء والتي تقي عيونهم من ملوحة الماء التي تحرق أعين الغاص في السابق هذا بالاضافة أن الغوص قديما يسبب أذى للغيص فالضغط يفجر أذانهم وظهورهم فجأة إلي السطح عند سحبهم عملية مؤلمة للغيص وحياتهم وهم في قاع البحر معلقة بالسيب فلو غفل السيب عن الغيص ولم يسحبه في الوقت المناسب قدد يتسبب تسبب بوفاته.
في الختام مهنة الغوص مهنة صعبة وشاقة وليست بالسهلة كما يتصورها البعض فكان أجدادنا رحمهم الله شجعان رغم مخاطر المهنة التي يعملون بها وكانوا رحمهم يتسابقون لكي يكونوا غاصة لما للغيص من مكانة قديما رحم الله هؤلاء الرجال واسكنهم الله فسيح جناته فقد تعبوا وشقوا في سبيل لقمة عيشهم .
المصدر بالتصرف :
1. كتاب تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي " الجزء الأول " سيف مرزوق الشملان .
2. كتاب " نواخذه الغوص والسفر في الكويت "الاستاذ عادل العبدالمعني .
حقوق النسخ محفوطة للكاتب PAC3 ولمنتدى (تاريخ الكويت)، أرجوا عند النقل ذكر المصدر (للكاتب PAC3من منتدي تاريخ الكويت والمصادرwww.kuwait-history.net) .
أرجوا تحري الأمانة العلمية في النقل... وشكرا