الشيخ أحمد الفارسي .. واعظ الكويت الأول (1352هـ - 1933م) (العدد : 530)
هو الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن حسن بن محمود زين الدين القلعة، الفارسي مولدا،والكويتي موطنا، والشافعي مذهبا، والقرشي نسبا.
ولد الشيخ في سنة 1255هـ - 1839م في مدينة خَنّج من مدن البر الفارسي التي تقع في الجنوب الشرقي من بلاد فارس.
ولهذا لقب بالفارسي منذ قدومه مع والده إلى الكويت من بلاد فارس سنة 1270هـ (1853م) جريا على عادة أهل الكويت أن من يأتي من «بر فارس» يلقب بالفارسي.
مصادر علمه الشرعي
نشأ الشيخ أحمد في أسرة غالب أفرادها علماء، أو لهم صلة بالعلم الشرعي: أئمة مساجد، ومعلمون، فجده الشيخ أحمد بن حسن زين القلعة، قد درس على يديه عدد من علماء مدينة لنجة، ووالده من طلاب العلم، وإمام مسجد «ابن نومان» في الكويت، وإخوانه أيضا علماء، فأخوه الشيخ عبدالرحمن يعتبر من علماء الآلة والفقه، وكذلك أخوه الشيخ عقيل طالب علم وإمام من أئمة مساجد الكويت.
هذا وقد قطع الشيخ المراحل في طلب العلم الشرعي، فأولى هذه المراحل مرحلة «الكتّاب»، حيث تلقى فيها مبادئ القراءة والكتابة، ومبادئ الحساب، ولما بلغ شيئا من العمل قرأ كتاب الله كله وحفظه، وبهذا بلغ الدرجة في هذه المرحلة، ولا ننسى أن والده الشيخ محمد كان معلمه الأول في هذه المرحلة.
وفي الكويت واصل الشيخ تعلمه على يد والده.
ثم رحل الشيخ في طلب العلم، وبهذا تبدأ المرحلة الثانية من مراحل طلبه العلم الشرعي، ويمكننا أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة «الرحلة في طلب العلم»، فكانت أولى رحلاته إلى مدينة كوهج في بر فارس، حيث كانت هذه المدينة آنذاك مركزا من مراكز العلم الشرعي في بر فارس، ففيها المدارس الشرعية متوافرة، يدرس فيها علماء في المذهب الشافعي، والحنفي، ومن أهم مدارسها مدرسة الشيخ عبدالله الكوهجي، إذ كان نشطا في التدريس صاحب دأب وجلادة.
وأخيرا رحل الشيخ إلى مدينة العلم والعلماء إلى مصر، إلى الأزهر الشريف، ونال بها الشهادة العالية كما يذكر الاستاذ أحمد البشر الرومي، وبعد مضي سبع سنين عاد إلى الكويت.
مكانته العلمية
يعتبر الشيخ أحمد من مشايخ الكويت القلائل الذين يمكن أن نطلق عليهم لفظ «عالم» بما تحمله هذه الكلمة من معنى.
فالشيخ أحمد جدّ واجتهد في طلب العلم، ورحل وتغرب في سبيله، وطلبه من مظانه في فارس والإحساء ومسقط، ونال في نهاية المطاف الشهادة العالية من الأزهر الشريف، وكفاه ذلك فخرا، ولقد أشاد بعلمه وفضله أهل الفضل والمعرفة.
فقد أثنى على علمه وفضله الشيخ يوسف بن عيسى في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت» بقوله: «كان آية في الذكاء والحفظ، فصيح اللسان لا يتطرق إلى لسانه اللحن، حسن الصوت، متوغلا في علم الأدب، يحفظ الكثير من الشعر».
أعماله
أولا: دروسه الوعظية
لقد كان الشيخ واعظا من الدرجة الأولى، فكان إذا وعظ ملك قلوب سامعيه الذين يكتظ بهم المسجد، لشدة حرصهم على سماع وعظه، فإن الكويت لم تعهد في تاريخها واعظا من أهلها مثله.
ثانيا: الإمامة
أمَّ الشيخ في مسجد الخليفة زمنا، ثم ترك الإمامة لأسباب لم يفصح التاريخ عنها.
ثالثاً: نشره للعلم
كانت له مجالس لتدريس العلم وتدارسه، على قلتها، نذكر منها:
مجلسه في ديوان حمود الجراح- الواقع في براحة البودي- فكان يدرس في هذا المجلس علوم اللغة العربية.
ومنها مجلسه في ديوان ملا حسين التركيت- الواقع في محلة الشرق في كل يوم جمعة عصرا من كل أسبوع، وكان يحضره طلاب العلم الشرعي وشيوخهم أمثال الشيخ عبدالله الخلف، وسيد يعقوب سيد عبدالوهاب، والحاج سليمان الحداد، والشيخ يوسف بن حمود، والشيخ البصير محمد بن جنيدل والشيخ عبدالله بن خالد العدساني، والشيخ عبدالعزيز حمادة، والشيخ مساعد العازمي، والشيخ عطية الأثري، والشيخ أحمد الفارس، والوجيه بشر بن يوسف الرومي، وكان لا يحضر مجلسهم أحد من الناس لعلمهم أن عصر ذلك اليوم مخصص لهؤلاء الرجال.
وتخرج في هذا المجالس تلاميذه من أمثال: الشيخ عبدالله السالم الصباح، والوجيه حمد المناعي، والشيخ محمد جنيدل، والشيخ عبدالعزيز حمادة، والشيخ عطية الأثري، والشيخ عبدالله خالد، والشيخ يوسف حمود، والشيخ مساعد العازمي وغيرهم، ولم يدخر الشيخ جهدا في نشر العلم، ولو عن طريق الوعظ والإرشاد، وإلا لما كان عالم الكويت الأول، ولما شهد له بذلك الطلاب والعلماء المعاصرون له، وقد كانت للشيخ مجالس علم - كما أسلفنا- وتأثر به الشيخ سالم المبارك وابنه عبدالله السالم، وغيرهما من أهل الكويت واستفتي في أمور شرعية فأجاب فيها.
أخلاقه وسلوكه
امتاز الشيخ بالمستوى الإيماني الرفيع على نمط السلف الصالح من الانقطاع لله تعالى عبادة وتبتلا وبعدا عن الدنيا وزخرفها، وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وإرشادا لعباد الله تعالى بما ينفعهم.
وفاته
توفي الشيخ - يرحمه الله- الفاضل في 13 جمادى الأولى سنة 1352هـ الموافق 2 من سبتمبر سنة 1933م، ودفن بالمقبرة القبلية بالكويت الواقعة خلف نايف.
وكانت وصيته الوحيدة أن يصلي على جنازته السيد عمر عاصم الأزميري رحمهما الله جميعا.
المصدر: مجلة الوعي الإسلامي
بقلم الكاتب: المجلة