راشد الجيماز... فنّ النهمة حين يسري في روح البحر والبحارة!
كتبه/صالح الغريب
الفنان النهام راشد بن صالح بن جاسم الجيماز هو أحد عناصر الفن ورواد الغناء في البحر. كان يشدو في كل حركة يقوم بها البحارة أثناء أدائهم مهام السفينة، فيطربهم ويبث فيهم الحماسة والقوة.
يعتبر الجيماز أحد الذين صارعوا البحر خلال أيام الغوص، وعاشوا فوق السفن، يبحثون في الأعماق البعيدة عن مصدر رزق، وأحد الذين صنعوا تلك الملحمة في تاريخ الكويت. مثّل بغنائه وألحانه لحظات التسلية والمرح في حياة البحارة الخالية من كل شيء، إلا العمل الشاق، كان الجيماز نهامًا وظلت تشدّه تلك المهنة وذكرياتها حتى وفاته.
عاصر، على غرار الفنانين الشعبيين، الجيلين، جيل البحر وجيل النفط، وهو من النهامين المعروفين الذين ضحّوا بشبابهم بين أمواج البحار الهائجة ولياليها المظلمة، وكان دوره آنذاك مهمًّا جدًّا ليعطي جوا من الطرب أثناء العمل الشاق الذي يلاقيه البحارة خلال أداء الواجب.
رحلة الغوص
يقول الجيماز عن رحلته مع الغوص: «كنت في العاشرة من عمري عندما خضت غمار البحر للمرة الأولى لا سيما في مجال الغوص، كنت آنذاك «تباب» مع عبدالله المسبيح، من ثم قضيت 38 عاما في الغوص والسفر منها سنة واحدة «مجدمي» كنت فيها «تباب» ومن ثم «رضيف» أي ما يعادل اثنين سيب».
من النهامين الذين عاصرهم الجيماز «فرحان بوهيله» وسعد بن فايز وبوغانم، ولم يتأثر بأي من هؤلاء أو غيرهم، اعتمدت مكتبة الأغاني الشعبية في الإذاعة الكويتية على أعمال فردية وجماعية كثيرة شارك فيها، خصوصًا مع الراحل عوض دوخي، بالإضافة إلى اللقاءات والحوارات حول «فن النهمة» البحرية في الكويت.
يعتبر الجمياز أفضل من قدم النهمة مع الفرق الشعبية في أعمال البحر... وشارك في فيلم «الفنون»، إشراف الدكتور يوسف دوخي وإخراج هاشم محمد.
موال زهيري
كان الجيماز من الفنانين الشعبيين الذين يُعتمد عليهم في تقديم النهمة بالشكل الصحيح والأداء القديم الأصيل، شارك في أعمال سينمائية وتلفزيونية وإذاعية كثيرة وكان من الفنانين الذين يجيدون العزف على إيقاع «المرواس» والطبل والطار ورافق كبار الفنانين في الكويت، خصوصاً الفنان الراحل عبدالله فضالة.
من مواويله المشهورة والتي أداها في أكثر من مناسبة موال زهيري بعنوان «وادعتكم» شعر سعد الفايز، يقول فيه:
وادعتكم بالسلامة يا ضوى عيني
بخلافكم ما غمض جفني على عيني
واعدتني بالوعد لمن جفت عيني
ظليت يا سيدي جسم بليا روح
فر العقل مني وظل الجسم مطروح
كل العرب هودت وانا شقي الروح
يا نور عيني مثل ما راعيك راعيني
حدد الفنان الشعبي النهام «النهمة» بالقول:
«النهمة لها شروط وإيقاع وصوت خاص، فمثلا المحرقي خفيف وراكد ويامي وغريري تسمى نهمة الميداف، وهناك نهمة حركة القاع والكف وهي من نهم الغوص، وتختلف عن نهم السفر. في السفر تكون بطيئة واما في الغوص أسرع. اما «كفات الاشرع» فلها فن خاص وإيقاع مختلف، وكذلك تختلف نهمة الخطفة عن نهمة الغوص».
عايش النهام أشهر المطربين في العصر السابق من بينهم: يوسف البكر وخالد البكر وتابعهما في حفلات الزواج. شهد ثلاث فرق نسائية قديمة: «شما الوريدة»، «أم عنتر بنت جمعة»، «هدية المهنا».
لم يلم الجيماز بالقراءة والكتابة لكنه ألف بعض أغانيه التي كان يشارك فيها، خصوصا «الزهيريات» وأغنية شعبية بعنوان «غرروها في يوم صباي».
«عالم الفن»
كان لي شرف لقاء الجيماز في أول حوار صحافي معه في مجلة «عالم الفن» التي تصدرها جمعية الفنانين الكويتيين (العدد 32 بتاريخ 2 يناير (كانون الثاني) 1972)، حدثني آنذاك عن دور النهام والاستعداد لغوص السفينة في بحار الخليج يقول:
«تكون السفينة معرشة، يأمر المجدمي برفع العريش عن السفينة ويجتمع بالبحارة في المكان المعتاد للقاء ألا وهي «القهوة»، ويعين مجموعة تنام في السفينة حتى الصباح، ويحضر الآخرون في الصباح المبكر حيث يتكاملون استعدادًا لدهان السفينة.
من هنا يبدأ أول دور للنهام حيث ينهم ليطرب العاملين، فيغني السنكني ويقفل بشبيثي، وبعد انتهاء البحارة من دهان السفينة يطلب منهم اخراجها من «النقعة» وعند اخراجها يرزون القلمى... فإذا كان هناك هواء يشرع الشراع، واذا كان الهواء هادئًا تسحب السفينة بواسطة «الماشوه»،
ويكون خلفها «الدقل - الدستور – الفرمن» حتى يصلوا الطونية «شرق الشويخ» ويرمون «الباورة» ويشطمون السفينة، بعدها يثبتون «الميدفة» و»الشيب» ويضعون عليها «قفية» يسمونها «التالية» (ام الفخذين فوق، ومقفية من فخذ واحد تحت)، ثم يحضرون «الدقل والدستور»،
وأول ما يحملون «الدستور» ويضعونه على السفينة وبعد ذلك يحضرون «الدقل» ثم بعد ذلك «الفرمن»، يوضع على ظهر السفينة مشبك بالشراع، بعد هذا العمل الشاق يطلب «النوخذة» من البحارة بأن يحضروا في الليل ليأخذوا «السلف»
وبعد أن يستلم كل واحد حصته، يعطي «النوخذة» مهلة يومين أو ثلاثة أيام بحسب تخطيطه واستعداده للسفر، محدداً بذلك موعد السفر، وعند أول خطوة تخطوها السفينة مبتعدة عن «الماشوه» يبدأ عمل النهام.
من خلال موقف البحارة في الفراق نتيجة وجودهم مدة طويلة في البحر يتطلب من النهام أن يرشد الزوجة والحبيبة والأم والأخت الى الحفاظ على الحلال وصون الشرف، ووجود الأهل والأقارب على «السيف» ملوحين بأيديهم والدموع تنصب بغزارة، لعدم معرفة المصير المجهول...» يعطي الجيماز صورة صادقة لهذا الموقف يبدأ «بالنهم يا مال زهيري» للمرحوم سعد الفايز.
وفاته
توفي النهام راشد بن صالح بن جاسم الجيماز عن عمر يناهز حوالي 78 عامًا، وفقدت بوفاته الحركة الفنية الكويتية أحد أفضل الفنانين الشعبيين. كان رحمة الله مكافحاً لفنّه الشعبي فظل يشارك في تقديم النهمة في كل عمل شعبي يقدم ليعطيه الأصالة التي نحتاجها لمثل هذا الفن العريق الذي سيسجل جانباً مهماً من تاريخ الكويت القديم.
الجيماز جيل بكامله... عاصر القديم والجديد وترك ثروة كبيرة من الفن الأصيل بمشاركته عزفًا وغناء وبلون خاص به.
من أقواله
• كانت رحلاتنا بالتناوب، مرة إلى التجارة في الهند ومرة إلى الغوص. كانت الرحلات التجارية عن طريق «المحمل»، نأخذ من الكويت التمور ونبيعها في بر الهند، وفي البلدان التي نمر بها خلال الرحلة وفي العودة نحمل الأخشاب والكمبار.
• في ذلك الزمان كانت راحة الرجل من راحة أهله وبيته، وكان الفريج «الحي» عبارة عن بيت واحد «قلبك أمين» لكن الآن قلبك مشغول.
• نهمة اليامال هي ذاتها لم تتغير منذ عاصرتها حتى اليوم ولم أسمع بأنها كانت من قبل تختلف عما هي عليه الآن.
• عندما تبتعد السفينة عن «الماشوه» يبدأ النهام ليعطي صورة حقيقية للوداع في سبيل الكفاح والتحدي
• فن السنكني قدمه الكويتيون بالصورة المعروفة ويعتبر من الفنون الشعبية العريقة في الكويت.