القبس الجمعة, 4 مايو, 2007 - 17 ربيع الثاني 1428
أجرى الحوار: جاسم عباس
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموحات او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، فإن قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي، 'القبس' شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة
في مستهل لقائنا مع محمد سيف البراك من قبيلة العجمان روى تاريخا عمره قرن، اذ ان عمره تسعون عاما وولد سنة 1917.
قال: انا ابن البادية الذي عشق البحر ودخل الغوص 22 عاما، ولدت قبل معركة الجهراء بثلاث سنوات في بادية الكويت وبالتحديد في منطقة 'كراع المرو' شمال الجهراء، وجنوب اللياح، وهي منطقة في طريق القوافل، وفيها مراع للجمال، وتعني الكلمة كرع الماء اي شرب بفيه او كرع في الاناء، واما المرو فهي الحجارة البيضاء التي تقدح بها النار، وقامت عمتي بتربيتي ان والدتي توفيت وكان عمري ثلاث سنوات. وفي السكن تنقلت بين الشامية والنقرة والمرقاب والفحيحيل والمنقف الى ان كان الاستقرار في ابوحليفة حتي يومنا هذا.
ابن البحر
وتحدث ابو براك عن حياته في البحر منذ ان كان عمره سبع سنوات، حيث عمل تبابا مع والده ثم رضيفا وسيبا، فقال: عملت مع النواخذة منهم: بداح الصليبي، وفارس الدبوس حوالي اربع سنوات، وحمد بن زوير، وهلال الحزاز من اهل المطبة، والنوخذة يوسف بن عمران، وصقر الجيماز في غوص العدان، وكذلك مع محمد بن بطين من اهل الفحيحيل، ومع سالم المزين، وابن طويرش، وابراهيم الحلابيج حوالي خمس سنوات، واما اخي عيد البراك فدخل الغوص مع مجموعة اخرى من النواخذة، ووالدي رحمه الله دخل مع خشب (سفينة) حسين بن علي الرومي، وفارس الدبوس.
واضاف ابو براك: في احدى رحلات الغوص مع ابن الرومي مرض والدي بالسل فعادوا به الى الكويت مع ابوام الماء، وكان غنام الربيعان من الجيران الاوفياء حيث اشترى والدي بيتا مقابل بيته لعمتي بمبلغ 15 روبية فكان الربيعان ينقل والدي المريض بالسل على حمار، ويذهب به الى المستشفى الاميركاني لعلاجه، لكنه توفى، رحمه الله، ودفن في مقبرة قصر نايف.
وذكر بعض القصص عن البحر منها سمعها ومنها شاهدها خاصة عندما ينقص الماء الحلو على ظهر السفينة، في عرض البحر، كان اهل الكويت البحارة يعرفون موقع عين (قميصة) وهو نبغ حلو تحت مياه الخليج، وبحرها اربعة، وتقع شمال الجبيل، وجنوب ظهر ابو علي، وكانت مغلقة (برحى) حيث ينزل الغيص ومعه قربة من جلد البقر، يرفع الرحى وتمتلئ القربة بسرعة لقوة دفع الماء، وقبل تفريغه في البرمة والحب تنقى المياه بواسطة قماش لتصفيتها من اعواد أعشاب البر مما يدل الى ان المياه قادمة من الصحراء، ومن القصص التي ذكرها ابو براك، قال: نزلنا عند ساحل (منيفة) للتزود بالماء، وقد منعنا النوخذة ابراهيم الحلابيج النزول ليلا خوفا من الزواحف، وعند الفجر بدأت اصلي على اليابسة لاحظت ثعبانا بين رجلي، واستمررت واقفا حتى خرج، وهنا صدقت كلام النوخذة، ومن القصص التي لا تنسى كنا نخلط السم بالشرايب (وهو حيوان برمائي يعيش في الشواطئ الرملية من فصيلة السرطان) ثم ننشره في البحر لصيد السمك وبعد مدة بسيطة نشاهد اعدادا من السمك تطفو على سطح البحر ولا يوجد معنا شيء لحملها وكان عمري ثماني سنوات فقام ابن النواخذة عبدالعزيز فارس الدبوس وعمره 17 عاما بسحب ازاري (وزار) ووضع فيه السمك المسموم فأصبحت عاريا تماما وبقيت في البحر ابكي حتى بعث لي النوخذة وزارا جديدا.
تباب - سيب - رضيف
وقد اوضح ابو براك بعض المهن على سفينة الغوص فبدأ بأول عمل قام به مع والده وهو في السابعة من العمر، تباب رتبة تطلق على كل صبي يقوم بمساعدة والده او عمه وخاله، ويتدرج الى مرتبة غواص ومن اعماله تحضير الشاي والقهوة والتنظيف ومناولة الالات المهمة للغاصة والسيوب وكنت ابحث في المحار عن السحتيت.
وقال: ثم عملت بسحب الغيص من قاع البحر وانا بيدي حبل النجاة فاذا غفلت تسببت في موته وكنت احصل على سهمين وللغيص ثلاثة اسهم.
وهذا العامل يسمى 'سيب' وحبل 'الجدا'، واما الرضيف فمرحلة اعداد من عمره دون الخامسة عشرة يخدم ويساعد السيوب لكي يصبح غواصا، وكنت اخذ سهما واحدا من اسهم الغوص، وانا المعاضد للغواص لمدة سنتين، ومن هذه السنوات عرفت اسماء اجزاء المحار من الشارب، والكرش، والصرج، والزرن طرف المحار، والدست، والصحن، والعمر وهو اللحم الثابت على المحارة، والديد، والوجنة، والغب داخلها، واما انواعها فهي: فصمه، ومصفوفة، عيسرين، اصديفي، فالون... الخ.
المعالج الشعبي
وتحدث عن الطب الشعبي الذي يشكل ثقافة واعتقادا واتصالا، وكان ينطلق من ممارسة وتفسير وافكار واعتماد على الخبرة الشعبية، وهو قادر على التصدي لعلاج الاخرين. فذكر ابو براك المرحومة سارة مبارك المشوط (ام ذياب) جدة اولاده من امهم، وقد كانت تولد النساء، وتقوم بالكي، وتخلع الاسنان، ولديها جهاز بدائي لتسهيل من يعاني الامساك، وكانت تقوم بذلك من دون اجر ولوجه الله، وقد حدث ان طلب مني صالح الهنيدي ان اخذ احد جماعته وهو احمد السعيسعي بعد اصابته (بأبو وجه او وجهوه) الى الحاجة ام ذياب المشوط لعلاجه، وقامت المرحومة بكيه واعطائه حمية لمدة اربعين يوما، ولكنه تشافى قبل اكتمال مدة الحمية، فاعطاني 40 روبية وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت لام ذياب المعالجة، ولكنها رفضت وارجعت المبلغ قائلة اعمل لوجه الله.
معاني أسماء
وتحدث ابو براك عن المناطق التي سكنها وعن معاني اسمائها فبدأ بأبي حليفة: جاء الاسم لكثرة بنات الحلفاء فيها، كانت من اشهر القرى تقصد في فصل الربيع لما تتمتع به من الخضار والمزارع واعشاب مزهرة، وقام بتدريس اولادها قبل المدارس النظامية المرحوم الشيخ عبدالله العصفور (ابو سعد) وهو اول امام وخطيب في مساجد ابو حليفة.
وقال اما الفحيحيل فسميت لوجود النخل الفحال (الذكر)، وتوفي جدي فيها ودفن هناك، ولا تزال المقبرة موجودة على البحر، ويقال ان القبر الذي دفن فيه كان محفورا قبل أسبوع لدفن المرحومة جدة عائلة الغانم، ولكن حين وضعت في القبر عطست فعرفوا انها مازالت حية فأخرجوها. والمنقف قرية غنية بالآبار كانت منتجعا للكويتيين، اسم يطلق على صخور بحرية ظاهرة في البحر، وهي ساحلية زراعية، والنقرة هي الحفرة التي تتجمع فيها مياه الامطار، واما المرقاب فهي اعلى منطقة للمراقبة وكانت غنية بالجص، وكانت تسمى رمادان، كانت موضع آبار للشرب، والشامية سميت نسبة للقوافل القادمة من الشام والذاهبة إليها.
مارس الأعمال المتعددة
وعن الاعمال التي مارسها بعد البحر فقد شارك في بناء مساجد الفحيحيل، وأبوحليفة، والفنطاس، وقبل ان يبدأ العمل يأتيهم الشيخ عبدالله الجابر الصباح بشخصه، ويحدد القبلة بواسطة الديرة وهي البوصلة، وفي فصل الشتاء كما قال أبو براك يذهب الى الصحراء لجلب العرفج والحطب من واره وكبد على ظهور الجمال وتباع في ساحة الصفاة. وقال: 'ثم تقوم بشراء الرز والتمر والشاي والسكر والقهوة وكان عندي ناقة (ذلول) مشهورة اسمها 'الجويخة' ورثتها من والدي، وعملت في البصرة مراقبا على مزارع فالح السعدون او النقيب في ابو الخصيب وكان معي عماش العتيبي، وهلال الحربي، وابناء عمي فهيد المشوط، وشبيب المقبول وابنه محمد، ثم عملت في شركة اولاد الهنيدي للبناء، وعملت في دائرة الاشغال سنة ،1953 ثم الجمارك والموانئ، وكان المسؤولون عنا هم: جاسم العنجري ومحمد قبازرد، ومحمد الداود، وعبدالرحمن القيم، وابن صقر السويدان كل على التوالي، وكان الشيخ عبدالله السالم يتفقد العمل في المواقع بعد توليه الامارة، من دون حرس او مرافقين، وكان معي النافع، والحملي، ابن نخي والخبيزي.
من الصحراء إلى البحر
وتذكر ابناء البادية الذين عملوا في الغوص على اللؤلؤ فقال: على ما أذكر كل 100 غواص منهم لا يقل عن التسعين، نبع فيهم حب الكويت والعيش الشريف والكفاح من اجل لقمة كريمة نشعر بطعمها ومن كدنا، نضرب الصحارى والبحار، منا الكثير الذين غاصوا في اعماق البحار منهم: ادريس الدوسري، ناصر الطاحوس، سعد الجري، وخالي منصور، والثلاب، والمشوط وإخوانه، ومحمد بداح، وحمد بن شقير، ومن الذين كنت سببا لهم لعدة سنوات هندي السلمي وذياب المشوط 'خال أولادي'، وكل هؤلاء من المنطقة العاشرة، وفي التاريخ الكويتي يذكر من المشهورين الذين قضوا نحبهم في سبيل الكويت.
وقال: وللحق والتاريخ أقول 'ان البدوي يمتاز في البحر بالجرأة،.. ومن لا يجيد السباحة يذهب الى الغوص، وصل بعضهم الى البحرين وقطر وعمان، والإحساء، وحتى في حالة الجزر كانوا يبحثون عن المحار ويوفقون بالعثور عليه على ساحل بر العدان، وكثير منهم تعرض الى مخاطر الغوص والبحر منها: جرحهم بواسطة الجرجور واللخمة، وأسماك سامة كالدجاجة لها أشواك تضرب بها.
قنص.. ونقع.. ومزارع
كان العم محمد من هواة صيد الغزلان والحبارى والأرانب في البر، ويعتبر أبو براك من القناصة الذين يذهبون إلى الصيد من شهر نوفمبر وحسب وقته فقال عنه: موسم يمتد الى ابريل وتبقى المدة أياما وليالي، ومع غيرنا شهورا ونرجع ومعنا الغزلان والطيور، وكنت اذهب مع زيد النافع وأولاده الى الشعيب بالقرب من الروضتين ارض بطحة فيها سيل من الماء، وشعيب آخر في شمال روضتين فيه مجرى لسيل الأمطار، وشعيب آخر ايضا على الحدود السعودية تمر فيه المياه، وغني بنبت الحماطيات تأكله الإبل.
وذكر اماكن يكثر فيها الفقع في مواسم الأمطار خاصة منطقة الظهر امتدادا الى المستشفى العسكري حاليا تسمى 'ظهر العدان'.. وكذلك في مشرف، والدبدبة ومن الخير الكثير كنا نجمع 'فقع الزبيدي' ونترك الخلاص، والهيبيدي، واما المزارع المشهورة في أبو حليفة فهي مزرعة مبارك الجري، وعبدالله الهنيدي، وآل العمر، ومحمد الحميدي الجمعة، وسعد وخالد الجابر، وكانت تعتمد على الآبار، وأبو حليفة تصدر الرقي والبطيخ والقرع والطماطم والخيار والطروح، وكانت المزارع من دون حماية (سور) وان كان فمن السعف (جريد النخل).
سنة البطاقة
وأخيرا تحدث عن زواجه في سنة 1944 المعروفة عندنا 'بسنة البطاقة' التي كانت توزع المواد الغذائية على الأهالي من عام 1941 حتى 1947 أيام الحرب العالمية الثانية حيث وضعت الدولة قوتها وهيمنتها على الرز والسكر والقمح وبدأ التوزيع بالمراكز المخصصة حسب تعداد الأسرة وانتهت مع انتهاء الحرب، وكان الغرض منها تنظيم الإعاشة والكساء، وبعضنا يقول سنة دائرة التموين كانت تابعة لدائرة المالية.
وقال: تزوجت ودفعت مهرها (100 روبية)، وأوصي أبناء وبنات الكويت بالتسلح بالإيمان والعلم وعسى الله أن يديم علينا النعمة ويحفظ الكويت وأهلها، وأرجو المعذرة فقد أكون قد نسيت بعض الأسماء التي رافقتني في البر والبحر أو في الأعمال الأخرى وذلك لكبر سني حيث بلغت من العمر 90 سنة.
وختم حديثه بتذكر معركة الجهراء حيث 'نكرته' عمته بملابس البنات بعد إشاعة ان الإخوان يخطفون الأولاد لقتلهم.
العم محمد البراك لايزال موجود في قرية ابوحليفة وديوانة مفتوح مند بعد صلاة الفجر الله يعطية طولة العمر واولاد:
براك - سيف - *علي - عيد - حمد كم خيرة الاولاد الله يخليهم لة
العم محمد البراك لايزال موجود في قرية ابوحليفة وديوانة مفتوح مند بعد صلاة الفجر الله يعطية طولة العمر واولاد:
براك - سيف - *علي - عيد - حمد كم خيرة الاولاد الله يخليهم لة
محمد البراك العجمي
العرض العادي
