25-06-2009, 04:29 AM
|
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,662
|
|
ذكريات في كتاب - يعقوب الغنيم
في السنوات الأولى من خمسينيات القرن الماضي، بدت الحال غير الحال في الكويت، فبعد أزمة انهيار سوق اللؤلؤ وتعرض البلاد لهزة اقتصادية مؤلمة، جاء النفط، وبدأ في التدفق من آبار تبشر بإنتاج غزيز، وأغدقت على الكويت أموالا تلقتها أرجاء البلاد كما تتلقى الأرض العطشى ماء السماء. سرعان ما بدأ الاتفاق في مجالات شتى لكي يكون فيه تعويض عن الفترة الماضية. وتم الاتساع في المدارس والمستوصفات، ورصفت الطرق وتم تنظيمها إلى غير ذلك من الأمور التي لفتت أنظار الناس في الخارج إلى هذه الحياة الجديدة التي بدأت تدب عندنا.
من المعروف أن اكتشاف النفط كان في سنة 1938م ولكن تصديره توقف إلى سنة 1946م بسبب الحرب العالمية الثانية» ولم تكن المبالغ الواردة بسببه إلى ميزانية الدولة كافية لأن التدفق لم يكن بالقوة المطلوبة منذ البداية وهذا أمر معروف في كل مشروع مشابه، ولكن السنوات القليلة التي لحقت غيرت الأوضاع كما قلنا وأصبح في يد الحكومة مال كاف للإنفاق على الصورة التي ذكرناها في بداية حديثنا هذا.
ونتيجة اشتهار بلدنا في هذه الفترة، والتفات الكثيرين من الخارج إلى ما تقوم به الكويت من أعمال مهمة في قطاعات مختلفة. تدفق إليها الكثيرون، وكان من هؤلاء عدد من الصحافيين والكتاب الذين وجدوا في الأوضاع الكويتية الجديدة فرصة للكسب لا ينبغي تضييعها. وما هي إلا بضع سنوات حتى تكونت للكويت بضعة كتب، تمت كتابتها على عجل، فمنها ما تغلب عليه الإعلانات التجارية، ومنها ما يغلب عليه النفاق، ومنها ما يجتمع عدد من منتهزي الفرص هؤلاء لكي يكتبوا كتابا واحدا لا تجمعه رابطة وليس له منهج محدد. ولم تستفد البلاد في ذلك الوقت بأي كتاب مما كتبوه، ولكننا اليوم نجد في بعضها ما يثير الذكريات.
من تلك الكتب التي أشرنا إليها كتاب صغير لا تزيد صفحاته على تسع وخمسين صفحة. مكتوب على عجل، يغلب عليه الإعلان التجاري، وفي بعض صفحاته معلومات عن بعض الدوائر الحكومية واضح أنها مستقاة من الجهة الرسمية التي كتبتها وقدمتها مع الصور إلى البرت طانيوس وفؤاد عبده اللذين وضعا اسميهما على الغلاف باعتبارهما مؤلفين له، يضاف إليهما مصور اسمه ميشيل خوري لا نظن أنه صور شيئاً لأن كل الصور الواردة في الكتاب كانت جاهزة عند أصحابها، انتقلت منهم إلى الشخصين اللذين وضعا اسميهما على الغلاف.
اسم الكتاب (الكويت بلد الأحرار..) وهو مطبوع بمطبعة جريدة السفير في الإسكندرية وليس فيه ما يدل على سنة النشر غير أننا نستطيع أن نتوصل إلى معرفة هذه السنة من ثنايا الحديث الذي يدور في الكتاب عن بعض الدوائر، فعلى سبيل المثال نجده يقول عند الحديث عن دائرة الشؤون الاجتماعية: (لقد حققت هذه الدائرة خلال أربع سنوات ما حققته أية دولة في العالم في عشر سنوات) وإذا عرفنا أن هذه الدائرة قد نشأت في سنة 1954م علمنا أن تأليف كتاب (الكويت بلد الأحرار..) قد نشر بعد أربع سنوات من تلك السنة أي في سنة 1958م.
يبدأ الكتاب مباشرة بصورة بقدر الصفحة كاملة للشيخ عبدالله السالم الصباح أمير البلاد آنذاك، ومن باب التوفير لم يضع المؤلفان غلافاً داخلياً كما هو معتاد في بقية الكتب، وبعد الصورة وقع (البير وفؤاد) تحت مقدمة قصيرة قالا فيها: (إلى صاحب السمو الأمير عبدالله السالم الصباح حاكم الكويت، نقدم هذا الكتاب في وقت يمر به الكويت بمرحلة التكوين والتقدم، حيث ينظر إليه العالم العربي على أنه بلد عربي كريم، وإذ نحن نضع هذا الكتاب بين يدي القارئ العربي لنبين ما خفي عن هذا البلد الحر الذي يسير في خطوات سريعة نحو التقدم والرقي. وهذا الكتاب يُبيّن حقائق وإحصاءات لما شاهدناه ولمسناه خلال إقامتنا هناك) ويلاحظ القارئ أن المؤلفين قد ذكرا أن الكويت كانت عند تأليف الكتاب في مرحلة التكوين، وهذا خطأ لأن الكويت قد تكونت منذ سنة 1613م، وكان ينبغي لهما أن يكتفيا بالكلمة الثانية فقط وهي (الرقي) كما يلاحظ القارئ بعض الاضطراب في الكلمة بسبب أنهما يحاولان الابتعاد بقدر الإمكان عن الخطأ ولكنهما وقعا فيه، فالمعلومات والإحصاءات حصلا عليها مباشرة من المسؤولين في الدوائر الحكومية. وكلمة هناك تدل على أنهما طبعا الكتاب وأرسلاه من الاسكندرية مع أن المعروف أن كل هؤلاء يجلبون بضاعتهم معهم من أجل تسلم المقابل فوراً فهم في الواقع هنا لا هناك كما في نهاية المقدمة أما الإلحاح على كلمة (بلد كريم) فمغزاه معروف لدى الجميع.
وتحت عنوان (الكويت العربي) تحدث المؤلفان بكلمات قليلة عن مساحة الكويت واسم العاصمة وبعض القرى والجزر، وذكرا أن أهم المدن في ذلك الوقت هي مدينة الأحمدي، وهي ميناء كبير للسفن التي تنقل النفط إلى جميع أنحاء العالم. ثم أوردا أسماء حكام الكويت الماضين أمام كل منهم السنوات التي تولى حكم البلاد خلالها. كل ذلك في صفحة واحدة من صفحات الكتاب، وقد أخطأ المؤلفان حين ذكرا أن مساحة الكويت هي ستة آلاف ميل مربع بينما هي سبعة آلاف.
تحت عنوان (دوائر الأمن العام) جاء أول مبحث من مباحث الكتاب بعد ما سبق. وفيه أن الأمن العام ينقسم إلى عدة مديريات وأقسام يجري العمل فيها بكل دقة وسرعة انتباه ولدى هذه المديريات من الاستعدادات والمعدات الضرورية ما يكفل الطمأنينة، ويجلب الهدوء إلى النفوس.
وكما قالا فإن رئيس هذا الجهاز ـآنذاكـ هو الشيخ عبدالله المبارك الصباح، وينوب عنه الشيخ مبارك العبدالله الأحمد الصباح وقد نسيا دور الشيخ عبدالله الأحمد الجابر الصباح في المسؤولية عن هذا العمل الذي توفي في السنة السابقة لتأليف كتابهما.
لفت النظر في ذلك الموقع مديره، وقد ذكر المؤلفان عنه ـنصّاـ ما يلي:
(ويديرها شاب في مقتبل العمر مثال الدأب والنشاط والحزم، يتمتع بذكاء خارق نادر، يصرف أمور هذه الدائرة الجبارة الحساسة بدقة فائقة، ويقظة وهدوء عجيبين، اضافة إلى ذلك فهو عذب الحديث، حلو النكتة، يتقن عدة لغات شرقية وغربية، ويندر أن ترى أحدا لا يعرف (المقدم) عبداللطيف الثويني).
والأخ الكريم اللواء عبداللطيف الثويني يستحق هذا الاطراء، وقد صار بعد هذه الفترة التي طبع فيها الكتاب الذي نتحدث عنه وكيلا لوزارة الداخلية، وخدم البلاد وأهلها من خلال مركزه هذا أجل الخدمات، ولا يزال الناس يتذكرونه بكل خير، ويشكرون له ما قدم.
بعد ذلك جاء دور التفصيل، وتبين منه أن دائرة الأمن العام كانت في ذلك الوقت تنقسم إلى عدة أقسام منها التحقيق الجنائي والتحقيق المدني، وقسم المباحث وتحقيق الشخصية، وهكذا....
وكان للجيش الذي كان ناشئا آنذاك مجال من الحديث ولكنه مجال ضيق تناول الحديث عن هذا المرفق باختصار شديد.
وبعد أن قدما عددا من الصور لدائرة الأمن العام وأنشطتها وبعض رجالها. جاء دور الحديث عن دائرة الشرطة العامة. وكانت هذه الدائرة قد دخلت في طور جديد منذ تولى رئاستها سمو الشيخ صباح السالم منذ سنة 1938م، ثم صار سمو الشيخ سعد العبدالله السالم نائبا له. لقد كانت هذه الدائرة من الدوائر النشطة في البلاد يعتمد عليها كثيرا في حماية الأمن ورعاية المواطنين وقد تحدث مؤلفا الكتاب عن دائرة الشرطة العامة كثيرا، وذكرا أقسامها المتعددة، وأسماء عدد من العاملين بها، وكان منهم نوري عبدالسلام شعيب الذي كان مسؤولا عن القسم الفني الذي يشمل تحقيق الشخصية والبصمات والتصوير الجنائي، وكان مديرها نوري قد تلقى تعليما جيدا في بريطانيا أهله للقيام بهذه المهمة.
وأورد الكتاب اسما آخر له دوره الكبير في تلك الدائرة آنذاك ثم تدرج في وظائف عليا كثيرة بعدها ذلك هو الأخ العزيز عبدالرحمن العتيقي الذي انتقل من هذا العمل إلى دائرة الصحة ليكون مديرا لها، وكان قد صار مديرا لدائرة الشرطة العامة في سنة 1959م. أما دوره بعد الاستقلال فقد مثل الكويت لدى الأمم المتحدة ومثلها في تأسيس منظمة الاقطار العربية المصدرة للنفط. وصار وكيلا لوزارة الخارجية في اليوم الحادي والعشرين من شهر فبراير لسنة 1963م. ثم صار وزيرا للنفط في سنة 1967م ووزيرا للمالية في سنة 1971م ثم صار مستشارا لسمو الأمير منذ سنة 1981م.
ومن المفيد ان نذكر ان أبا أنور كان سكرتيرا لدائرة الشرطة العامة حين صدر الكتاب الذي نتحدث عنه، ثم صار مديرا لها فيما بعد. وفي ختام الموضوع الوارد عن دائرة الشرطة الحقت احصائية جاء فيها: ان عدد السيارات في سنة
1956م بلغ 11656 سيارة، وفي سنة 1957م ارتفع العدد إلى 22453 سيارة، ولا تدخل ضمن هذا العدد سيارات الجيش والشرطة وأفراد الأسرة الحاكمة.
***
انتقل الكتاب بعد ذلك إلى دائرة المعارف (التربية حاليا)، فقال: (دائرة المعارف، ويرأسها الشيخ عبدالله الجابر الصباح، وهو من الذين يشجعون العلم والأدب، وله الفضل الأكبر في نهضة الكويت العلمية والأدبية).
ثم جرى الحديث عن مجانية التعليم وكل ما يتعلق به من كتب وملابس، وذكر المطبخ المركزي الذي يوزع الوجبات الضرورية على المدارس، ورياض الأطفال التي هي من مفاخر الكويت إلى يومنا هذا. وكذلك البعثات الدراسية إلى الخارج وجاء فيه أن عدد المدارس في ذلك الوقت حوالي خمسين مدرسة منها عشرون مدرسة للبنات. وأشار إلى نية حكومة الكويت القوية في إنشاء جامعة تقدم التعليم الراقي لأبناء البلاد.
أما دائرة الشؤون الاجتماعية التي كانت ـفي ذلك الوقتـ برئاسة سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. فقد كانت من أحدث الدوائر الحكومية، ولكنها كانت دائرة نشيطة منتجة بفضل رئيسها ومديرها الاستاذ حمد الرجيب.
كانت الدائرة تتكون من عدة أقسام هي: قسم العمل، وقسم الخدمات الاجتماعية، وقسم الإرشاد الاجتماعي، والمكتب الفني، وشؤون الموظفين. وتعنى دائرة الشؤون الاجتماعية برعاية المحتاجين فتقدم لهم المساعدات المادية، كما تعنى بشؤون العمال من كويتيين وغيرهم. ومن الجدير بالذكر أن أعمال هذه الدائرة قد اتسعت فيما بعد، وضمت إليها النشاط الرياضي والإشراف على الجمعيات ذات النفع العام، والجمعيات التعاونية.
وفي أثناء فترة تأليف هذا الكتاب كانت هذه الدائرة النشطة تعنى بمراقبة الأفلام السينمائية، وتنتج بعض الأشرطة الإعلامية والتثقيفية، وتشرف على المسارح وأورد الكتاب بعد ذلك صفحتين عن الغوص الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة في ذلك الوقت بل ربما كان لفظها نهائيا.
***
انتقل المؤلفان بعد ذلك إلى الحديث عن دائرة الصحة العامة، فتحدثا عن اهتمام الكويت بصحة المواطنين، وعن تهيئتها لكل الوسائل المساعدة على رعاية كل محتاج إلى العلاج. وذلك عن طريق إنشاء المستوصفات، وبثها في كل موقع بالبلاد، والاهتمام بالمستشفى الأميري الذي هو من أوائل المستشفيات الحكومية الكويتية.
كان رئيس دائرة الصحة العامة في ذلك الوقت هو الشيخ فهد السالم الصباح وكان في ذلك الوقت ـ أيضا ـ رئيس دائرة الأشغال العامة. وقد أثنى المؤلفان عليه كثيرا.
وكان مدير الدائرة هو السيد علي الداود، وكان نعم العون لرئيسها الذي لم يدخر وسعا في سبيل العمل على أداء رسالة الصحة، ونشر الرحمة والشفاء بين المرضى الذين يقبلون على مراكز العلاج التابعة لدائرة الصحة العامة.
وعلى الرغم من أن هذا النوع من النشاط الحكومي كان في بداياته، ولم يكن التوسع كبيرا لا في عدد مراكزه الطبية ولا في عدد المحتاجين إليه من المرضى إلا أن الجهاز المشرف على دائرة الصحة العامة كان يتطلع إلى المستقبل، ويهيئ السبل لإستيعاب الأعداد التي سوف تتوافد على مراكزه فيما بعد، وذلك عن طريق تقسيم العمل في الدائرة إلى أقسام منها: الصحة الوقائية، والصحة المدرسية، وشعبة مكافحة السل وغيرها من الأقسام. وقد ذكر المؤلفان أن أمين قسم الطب الوقائي هو المرحوم حمد بن صالح الرومي، وأن أمين شعبة الصحة المدرسية كان السيد مساعد بورسلي.
ويبدو أنهما كانا ينويان نشر شيء عن دائرة الأوقاف العامة، ولكن المعلومات المطلوبة لم تتهيأ لهما، ولذا فقد اكتفيا بوضع صورة تمثل مبنى هذه الدائرة ومثل هذا حدث مع دائرة العدل، فقد وضع المؤلفان صورة لمبناها دون أن يتحدثا عنها. أما بقية الكتاب فقد كان عن بعض الشخصيات الكويتية، وكان عدد الذين تحدث عنهم قليلا جدا مع أن الأمر يقتضي الكتابة عن أكبر عدد من رجال ذلك الزمان، مادام لديهما الرغبة في كتابة شيء من هذا القبيل. لكنهما تحدثا عن عبدالله عبداللطيف العثمان في أكثر من صفحتين، ثم أوردا صوراً وأسماء ثلاثة أشخاص هم: الأستاذ عبدالعزيز محمد جعفر، وعبدالمطلب سيد رجب الرفاعي، وخالد خلف.
***
يستطيع قارئ كتاب (الكويت بلد الأحرار..) أن يجد عددا لا بأس به من الإعلانات، كلها تدل على النشاط التجاري الذي كان سائدا آنذاك. ومن تلك الإعلانات ماهو عن سلع قد توقف إنتاجها أو استيرادها منها إعلان عن مكتبة بورسعيد، وكان مقرها في شارع فهد السالم (كان اسمه آنذاك: شارع الجهراء) كما في صيغة الإعلان. وإعلان عن مسحوق صابون مستود اسمه: سبل وكيله حمزة عباس وإخوانه. وإعلان عن مشروب الصباح وهو من إنتاج شركة الصباح لتعبئة القوارير والتبريد، وكان صاحبها الشيخ دعيج السلمان الصباح. وهناك إعلان عن مشروب غازي اسمه: كامافروت، يملك مصانع تعبئته: على أكبر عبدالله بستيكي. وفي الكتاب ـ أيضا ـ إعلان يحث على استعمال زيت للسيارات اسمه: أبو الشجرة الأصلي، وكيله عبدالرحمن يوسف العيسى. أما الإعلان الأخير فهو عن دهانات وكيلها السيد رجب الرفاعي، وكان مقره في الشارع الجديد (شارع عبدالله السالم) ورقم هاتف المكتب 3032 فقط.
هذا بالاضافة إلى إعلانات اخرى متنوعة لا مجال لذكرها كلها، وسوف نضع بعض صور الإعلانات التي نعتبرها نوعا من التذكير بالأسواق الكويتية القديمة.
وهذا هو الحديث عن الكتاب ولكننا سوف نقدم معه إضافة يجدها القارئ في: ملحاق خير، إتماما للحديث الذي بدأناه في أول مقالنا هذا.
تاريخ النشر: الاربعاء 24/6/2009
|