مقابلة هاني عبد الرزاق العسعوسي

[الأديب]

في دكّانه رائحة الطين وعبق الماضي
العسعوسي: أسعار الأنتيك وقطع التراث هي الأرخص في الكويت
شروق الكندري

لدى دخولنا منتزه « يوم البحار» كنا نبحث عن دكان بو حمد وإذ بصوت الفنانة «عودة المهنا» يرشدنا اليه، تبعناه مطروبين حتى وصلنا. عندما دخلنا «الدكان» شممنا عبق الماضي ممزوجاً برائحة الطين المبلول. شعرنا للوهلة الأولى بأننا نعانق أزمنةٍ غابرة لم نعشها من قبل. مَنْ عاصرها من مرافقينا وجد نفسه لا شعورياً أسير الماضي، مسترجعاً ذكرياته الجميلة. استقبلنا هاني عبد الرزاق العسعوسي مرحباً بنا ببساطة « أهل أول» وعفويتهم. جعله حنينه إلى الماضي وتأثره بوالده رحمه الله من أبرز الباحثين في التراث الكويتي. يهوى ما هو قديم وجميل ويعشق الأنتيك والسلعة الفريدة. التقته «الجريدة» في دكانه الصغير وحادثته.

متى كانت بداية هذه الهواية؟

منذ نحو ثمانية وعشرين عاماً بتشجيع من الوالد. كان رحمه الله يهوى اقتناء السيارات القديمة، لذا فكرت بالسير على خطاه وبدأت أجمع السيارات القديمة. أملك حالياً واحدة قديمة من طراز «رولس رويس» بعد ذلك إنتقلت إلى البحث عن الأواني والتحف وغيرها واقتنائها فتطورت هذه الهواية وأصبح لدي منافسون من هواة جمع التراث وتخليده.

من أين تحصل على مقتنياتك؟

كنت أحصل عليها سابقاً من داخل «الديرة». كانت الكويت تزخر بالأشياء التراثية الجميلة، أما اليوم فمن الصعب الحصول عليها إذ أصبحت شبه منقرضة. إثر تقليد الأشياء التراثية وجشع البعض في بيع التراث الكويتي المقلّد. مثلاً «قلاص» عبدالله السالم المعروض في الدكان هو مقلّد، إشتريته بأربعة دنانير بينما سعر الأصلي ثلاثين ديناراً في حال وجد.

ينقل البعض هذه « القلاصات» إلى خارج الكويت وتحديداً إلى الدول التي تصنّع سلعا تراثيّة مقلدة ثم تبيعها إلى المبتدئين في هذه الهواية على أنها أصلية. قد يُغشّ هؤلاء بها معظم الأحيان ويشترونها. لا يعني شرائي «قلاص» عبدالله السالم المقلّد أنني «غشيم». مذ رأيته علمت أنه مقلّد، لكني فضلت الإحتفاظ به لعرضه على الزبائن نظراً إلى جماله في الدرجة الأولى ولأبين لزواري وجود أشياء تراثية مقلّدة في الدرجة الثانية.

هل ثمة رابطة لهواة جمع التراث الكويتي؟

بالطبع، نظراً إلى وجود عدد كبير من الهواة. تسيطر على البعض صفة الغرور فيمتنع عن الظهور والتعرف الى هواة آخرين ويجتمع البعض الآخر اسبوعياً حول ما يسمى « شبه مزاد». كل شخص لديه قطعة أثريّة لا يحتاج اليها، يجلبها للمزايدة عليها لإثراء المكان وخلق روح من المنافسة الشريفة.

هل تجارة « الأنتيك» مربحة؟

أعتبرها هواية في المقام الأول. لكن وجدت بعد زيارتي عدة بلدان أن الكويت هي الأرخص في بيع « الأنتيك». نجد محلياً بعض السلع التراثية القديمة تباع بستين وخمسين ديناراً في حين أنها تصل في الخارج إلى 200 دينار رغم تفوق السلع الكويتية لناحيتي المتانة والجودة.

ما رأيك في مؤشر أسهم «الأنتيك»؟

إنه في صعود دائم, خاصة أن الكثير من دول الخليج عاد يحنّ إلى الماضي، لذلك أصبحت هذه الهواية اليوم في قمة ازدهارها. مثلاً في قطر بدأ الهواة في الظهور والمزايدة على مقتنياتهم التراثية القديمة بأغلى الأثمان، لأنهم في حنين إلى تراثهم الأصيل.

حدثنا عن أعزّ مقتنياتك.

أتعامل مع هذه المقتنيات كأنها اطفالي. أتفقدها يوميّاً وأنظفها. لها كلّها مكانة في قلبي, لكن الأقدم والأغرب هو نيشان عثماني يعود إلى نحو 7000 سنة من الفضة الخالص والمينا. أما الأطرف فهو جواز السفر الأصلي للفنان الراحل فريد شوقي، مع جواز زوجته سهير محمد ترك والمرافقين لها في جواز السفر رانيا وعبير فريد شوقي وآخرين.

كذلك أملك ساعة الشيخ عبد الله المبارك من الذهب الخالص تحمل اسمه وما زالت تعمل وشيكا من دائرة البريد والبرق والتلفون بـ 5000 ربيه بنك الكويتي الوطني بتوقيع من الشيخ فهد السالم الصباح و«بطل» لمشروب صباح القديم, تحت الغطاء, جائزة وهي عبارة عن « صينية وست قلاصات».

أملك أيضا علبة حلوى « ماكنتوش» قديمة وعلبة بسكويت « فارليز» قديمة وبلاع البيزة وهو عبارة عن حصالة مشهورة في الخمسينات وحذاء « لابجين» قديم وغيرها من المقتنيات الطريفة والجميلة والثمينة في الوقت نفسه.

حدثنا عن رمضان في الماضي؟

اختلف رمضان كثيراً عن الماضي. في الماضي كانت تعد العدة لهذا الشهر الكريم, أما اليوم فتختلف التحضيرات عما كانت عليه. كانت الحياة بسيطة، الكل راض برزقه ونصيبه الذي قسمه الله له لا فرق بين غني وفقير, لا يوجد مكان للحسد في قلوبهم.

في الصباح كانت تستيقظ ربّة البيت بعد صلاة الفجر وتبدأ بتنظيف المنزل وتنتقل بعد ذلك لتبدأ الإعداد لوجبة الفطور وتوضع بعد تجهيزها في « الملالة» وهي عبارة عن صينية تعلق في سقف المنزل كي لا يأتي عليها «الملحوس» أي «البريعصي» وغيرها من الكائنات الزاحفة والحشرات. كان يتم الإفطار على صوت المآذن إيذاناً بآذان المغرب.
كان هناك ترابط بين العوائل في الفريج وتلك التي كانت تتشارك البيت الواحد. للأسف نفتقد اليوم هذه الحياة البسيطة.

كنا في أيام الطفولة نبدأ بعادة القرقيعان من العاشر من رمضان إلى الرابع عشر منه. كنا نمشي وراء الزعيم المختار من بيننا يقوم بدور « الفتوة» ونحتمي به.

كنا نحمل « خياش» على أكتافنا وندور على بيوت الفريج بالأغاني والأهازيج، نطرق الأبواب قائلين «يسوق الحمار لو ما يسوق؟» يرد أهل البيت قائلين «ما يسوق» بما معناه أن أهل البيت يرغبون في تقديم القرقيعان لنا. نبدأ بعد ذلك في الغناء لأهل البيت بأهزوجة القرقيعان « سلم ولدهم يالله خله لمه يالله». هذا بالنسبة إلينا نحن الصبيان. أما البنات فينشدن قائلات «قرقيعان وقرقيعان بيت قصير برميضان عادت عليكم صيام كل سنة وكل عام، الله يخلي فهود مثلاً الله يخله لمه عسى البقعة ما تخمه ولا تواسي على امه».

وفي اليوم التالي نذهب إلى الزعيم لنتقاسم المحصول في ما بيننا وهو عبارة عن حلوى «البرميت» والتين المجفف والسبال والحب والمكسرات بأنواعها وحلاو ملبس. أما بو طبيلة فهو شخص وقور صاحب صوت جهوري، يوقظ الناس لتناول السحور. كل «فريج» أو «فريجين» لديهم بو طبيلة خاص بهم يصيح بأعلى صوته منادياً: «عادت عليكم الشر ما إيكم حمامة عودة الله يعودها.... السحور يابو فلان قوم... يابو فلان قوم... يا نايمين السحور يابو فلان الصلاة».