حتى لو حاولت ترك الانشغال بالأدب، هل ترى بالإمكان أن يتركك الأدب؟ هذه هي الحكمة التي استخلصها الأديب فاضل خلف من مشوار حياة اقتسمته مهام الثقافة والأدب بشعره ونثره. وكانت رابطة الأدباء قد استضافت الكاتب والشاعر فاضل خلف في ندوة بعنوان «ذكريات أديب» الأربعاء الماضي، ليتحدث عن ذكرياته كأحد مؤسسي رابطة الأدباء بالكويت، والذي يعتبر بحسب ما جاء في تقديم طلال الرميضي عريف الندوة رائد القصة القصيرة لكونه أول من أصدر مجموعة قصص قصيرة في مطبوع وذلك عبر كتابه «أحلام الشباب». في تقديمه أشار الرميضي إلى إسهام فاضل خلف بالكتابة في مجلات البعثة وكاظمة والكويت، إضافة إلى الصحف التي صدرت بعد الاستقلال، كما نوه بالمهام التي نهض بها عبر مشواره والانشغالات الأدبية المتعددة التي حفلت بها رحلة الحياة.
الطالب والمعلم
بدأ خلف بالحديث عن رحلته التعليمية التي بدأت بمدرسة السعادة التي أسست كمدرسة للفقراء والأيتام غير أنها ما لبثت أن فتحت أبوابها للجميع وكانت متطورة قياسا إلى ذلك التاريخ، أي قبل أن تبدأ المدارس النظامية بالعمل. وحين بدأت هذه المدارس النظامية استكمل خلف رحلته التعليمية في المدرسة الشرقية ثم المباركية. وتناول خلف الظروف التي جعلته يلتحق بالسلك التعليمي بعد أن تأخرت البعثة التعليمية المصرية، مما اضطر المسؤولين إلى اختيار عدد من الطلاب المتقدمين في المراحل الثانوية لكي يقوموا بالتدريس حتى تأتي البعثة.
لكن هناك عوامل حفزت الأديب فاضل خلف على الاستمرار في مهنة التعليم منها مساعدة الأب ومنها التمكن من شراء ما كان يحتاجه من قبل من الكتب وكان يضطر إلى استعارته.
بعد ثماني سنوات طلب خلف من الراحل عبد العزيز حسين أن يسمح له بالاستقالة، غير أنه وجد بانتظاره عملا آخر حيث انتقل ليعمل سكرتيرا لدى سليمان العدساني الذي كان مديرا إداريا في دائرة المعارف. واستمر عمله عامين حتى كان هناك مشروع لإصدار جريدة رسمية فانتقل للعمل بها، ثم تحولت الجريدة إلى إدارة المطبوعات و النشر وصار نائبا لمديرها.
تناول خلف أيضا رحلته إلى لندن وقصة التحاقه بإحدى كليات كمبردج للاستزادة من المعرفة ثم ظروف وملابسات العودة التي ارتبطت بشروع عبد الكريم قاسم في غزو الكويت.
تونس.. حياة ثانية
لكن التجربة التي تبدو أكثر ثراء ومحورا للتحول في الحياة كانت العمل والإقامة في تونس كملحق صحفي التي استمرت 14 عاما تعرف خلالها خلف على كتابها وأدبائها ومنهم الطاهر بن عاشور الذي وصفه بالكرم، وقد أتاح له مكتبته العامرة، كما ألهمته طبيعة تونس الجميلة، وشعبها المتحضر على استعادة الطاقة الشعرية. ولهذا قيل انه في تونس ولد شاعرا. وتحدث خلف عن قصيدته التي مطلعها:
«لم تُنسني تونس الخضراء إخواني
ولم تزدني سوى شوق لخلاني»
والتي تضمنت الحديث عن تونس وكفاح شعبها، كما تحدث عن الحفاوة التي استقبلت بها القصيدة وأدخلته إلى قلوب التونسيين من أرحب الأبواب. وفي تونس تواصل العمل الثقافي حيث كتب خلف في صحيفتي «العمل» و«الصباح» واسعة الانتشار آنئذ. ولم يتوقف هذا الإسهام بعد العودة إلى الكويت إذ تتابعت الكتابات في «اليقظة» و«الرأي العام»، وكذلك ما كتب للإذاعة، بحيث صار خلف يكتب ما بين خمس وست مقالات أسبوعية، وكانت هذه المقالات والأحاديث نواة لكتب مثل «سياحات فكرية» و«قراطيس مبعثرة». وأشار خلف الى أنه يعد لطبع كتاب آخر هو ديوان «عطاء الثمانين». وعن ملابسات هذا الديوان قال إنه لم يكتب كثيرا من الشعر بعد التحرير لكنه قرأ كتابا بعنوان «مجلة العربي بعيون مغربية» يتحدث عن العطاء الثقافي الكويتي ويثني على الكويت وشعبها، وهو ما أثار يقظة شعرية لديه كان من نتاجها قصيدة «سلام إلى المغرب» وكانت بدورها فاتحة عطاء شعري جديد.
مداخلات
في مداخلاتهم أشاد الحضور بالتجربة الثرية للأديب فاضل خلف وبرياديته سواء مع رابطة الأدباء أو على مستوى الإنتاج الأدبي والقصصي، وطالبه عبد الله خلف من جهته بأن يجمع ما ترجمه من الأدب الإنكليزي في كتاب. وتساءل صالح المسباح عن الدور التأسيسي لفاضل خلف في رابطة الأدباء. وقد أشاد الأخير بما لمسه من تطور في ملامح مجلة البيان أخيرا. وبينما أكد د. خليفة الوقيان على موضوع الترجمة فقد أشار إلى الجهد الذي بذله خلف طوال إقامته في تونس وهو ما لا تنهض به مؤسسات ثقافية، كما طالبه بتدوين سيرته لما تتضمنه من إشارات تاريخية هامة. كما تساءل السفير محمد فاضل خلف عن مكانة القضية الفلسطينية في أدب فاضل خلف حيث أشار إلى أنه شارك بقصائد عديدة في مساندة القضية ومنها قصيدة نشرت في مجلة الكويت في ذكرى مرور عام على اعتداءات إسرائيل على قطاع غزة.
فاضل خلف: تونس المحطة الأكثر ثراء في مشواري الأدبي
سرد تفاصيل ذكرياته في رابطة الأدباء
لافي الشمري تعددت الأشكال الأدبية التي تضمنت ما أنجزه الأديب فاضل خلف خلال رحلته الممتدة على مدار ستين عاماً، متنقلاً بين الشعر والسرد والنثر والترجمة وكتابة المقال الصحافي.
استضافت رابطة الأدباء الأديب فاضل خلف ضمن محور 'ذكريات أديب'، وأدار الجلسة الكاتب طلال الرميضي، تحدث فيها الضيف عن ذكرياته مع الأدب والأدباء في منتصف القرن الفائت ورحلته مع القلم، وفي مستهل الأمسية تحدث خلف عن تحصيله العلمي منتظماً في الدراسة في مدرسة السعادة التي سبقت انخراطه في المدارس النظامية كمدرسة الشرقية ومدرسة المباركية، وعقب ذلك بدأ مرحلة جديدة من حياته، مشيراً إلى العمل الأول بحقل التربية والتعليم، شارحاً أن تأخر البعثة التعليمية في الوصول إلى الكويت دفع المسؤولين في تلك الفترة إلى الاستعانة ببعض الطلبة في المراحل النهائية من الدراسة للمساهمة في التدريس.
واستطرد خلف في الحديث عن التعليم في تلك الفترة، مبيناً أنه استمر في التعليم مدة 8 أعوام، شعر أنه قدّم خلالها ما استطاع من جهد، مفضلاً العمل في مكان آخر مع الراحل سليمان العدساني، ثم تدرّج في العمل في إدارات أخرى منها إدارة المطبوعات، مبيناً أنه حصل على بعثة دراسية إلى لندن ودرس في إحدى كليات كمبردج.
بوابة تونس
وفي حديث عن علاقته بتونس، أكد خلف أنه ولج تونس من باب الأدب، مشيراً إلى مكوثه في تونس 14 عاماً، ويرى أنها صاحبة فضل في ميلاده كشاعر، معتبراً أن هذه المرحلة الأكثر ثراءً في مشواره.
كما تطرق خلف في حديثه إلى علاقته المرموقة بالشعب التونسي، لاسيما بعد انتشار قصيدة له تغنى فيها بكفاح الشعب التونسي، معتبراً أن هذه القصيدة أشرعت بوابة قلب الشعب التونسي له، خصوصاً بعد أن قامت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة التونسية بتسليط الضوء على القصيدة، ثم بدأت علاقة بالأدباء والكتاب التونسيين تتوطد رويداً رويداً، واستمر التواصل في الحقل الثقافي من خلال إطلالة متنوعة عبر الصحف التونسية.
كما تحدث عن عطائه الأدبي في وسائل الإعلام المحلية بجناحيه المقروء أو المسموع سواء في الرأي العام أو اليقظة وكذلك إذاعة الكويت، كما أشار إلى رغبته في إصدار ديوانيين شعريين 'عطاء الثمانين' و'باقة ورد'.
اهتمامات أدبية
وعقب ذلك، أثار حديث الأديب فاضل خلف العديد من المشاركين في الأمسية، مؤكدين تنوع إبداعاته وتعدد مجالات الأدب التي يكتب فيها، بدوره أكد الأديب خليفة الوقيان أهمية الدور الذي قام به فاضل خلف في توثيق العلاقات الكويتية التونسية في تلك الفترة، موضحاً أن ما حققه خلف لم تستطع تحقيقه مؤسسات ثقافية، وشدّد الوقيان على ضرورة توثيق مسيرة الأديب فاضل خلف، نظراً إلى أهميتها لدى الباحثين والدارسين، معتبراً أن هذه المهمة تقع على عاتق محمد فاضل خلف.
من جانبه، أشار الأديب عبدالله خلف إلى جوانب شخصية واهتمامات أدبية لا يعرفها كثر عن شقيقه فاضل، مقترحاً طباعة ما ترجمه من الأدب الإنكليزي ضمن إصدار جديد.
ملامح عن الضيف
فاضل خلف من مواليد 1927 في منطقة شرق، بدأ تحصيله العلمي في المدارس الكويتية النظامية وغير النظامية كالمدرسة الشرقية والمباركية، عقب ذلك شد الرحال إلى تونس بعد صدور قرار تعيينه ملحقاً صحافياً تابعاً لوزارة الخارجية في تونس، حصل على مركز متقدم في المسابقة الشعرية التي نظمتها إذاعة لندن، وتميز الأديب بتنوع إنتاجه.