08/03/2010
القوى السياسية في الكويت
القوميون العرب من الإنجاز إلى التفتت .. والتلاشي (1)
الخطيب يتحدث في مهرجان جماهيري أثناء المد القومي
صالح السعيدي
لم يكن النشاط السياسي غريبا على أهل الكويت، فعبر تاريخه كان المجتمع الكويتي من المجتمعات النشطة اجتماعيا والاكثر حيوية، فالطبيعة المدينية الطاغية على المجتمع الكويتي والاطلالة البحرية للبلاد والمنفتحة على أقاليم واسعة من العالم بلورت شخصية كويتية متفاعلة مع الخارج ومنفتحة معه، كما ان انتشار التعليم المبكر وما تبعه من وجود المكتبات وظهور البعثات الى الخارج زاد من تفاعل الكويتيين مع الأفكار والرؤى الرائجة في المنطقة والعالم.
كما أن تأثر الكويتيين بالتقدم المعرفي الذي عم العالم عقب الحرب العالمية الأولى عمق الرغبة في تطوير البلاد وتعزيز نزوع المجتمع الكويتي نحو المؤسساتية في وقت مبكر من القرن العشرين فانشئت البلدية وأجريت انتخاباتها عام 1932 ونظم التعليم عبر مجلس المعارف عام 1936، وجرت مطالبات بالحكم الدستوري واقامة دولة المؤسسات ونتج عن ذلك تجربة مجلسي 1938 و 1939.
اضافة الى تلك المعطيات فلم يكن المجتمع الكويتي منعزلا عن محيطيه الاقليمي والعربي.
فكان طبيعيا ان يتأثر بأحداث المنطقة كاحتلال فلسطين والانقلابات العسكرية في العراق ومصر وسوريا، وان يتفاعل مع الافكار التي انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية وتبلور مفهوم الدولة الوطنية ودعوات السيادة والاستقلال ومحاربة الاستعمار.
وكانت فترة الخمسينات فترة ماجت فيها الافكار والايديولوجيات في المجتمع الكويتي، ولم يأت الاستقلال 1961 وانطلاق الحياة النيابية عام 1963 الا وكانت التيارات والتنظيمات السياسية في البلاد امرا واقعا وحقيقة ملموسة
وطوال حياة نيابية قاربت 5 عقود تقريبا شهدت خلالها 13 مجلسا نيابيا ونحو 26 حكومة كانت القوى السياسية حاضرة في المشهد السياسي ومشاركة بفعالية في الصراعات التي نشأت بين الاقطاب في البلاد على مر العهود بحيث جرى توظيف واستخدام التنظيمات السياسية كاحدى ادوات القوة في تفاصيل الصراع السياسي، وفي تلك الحالة الصراعية المتواصلة تقلبت التنظيمات السياسية في مواقفها من الحكومة من التعاون الى الصراع ومن التحالف الى الصدام.
وطوال 5 عقود من عمر الحياة النيابية تقلبت احوال التنظيمات السياسية ومكانتها في الشارع السياسي في صعود وهبوط ومن قوة الى ضعف ومن هجوم الى دفاع، في هذه الدراسة التوثيقية نرصد بالتحليل التحولات التي مرت بها
الحياة السياسية في الكويت من خلال دراسة سياسية للقوى والتنظيمات النشطة في البلاد طوال خمسين عاما من تاريخ الكويت.
القوى غير الدينية (القوميون/ اليسار/ الليبراليون)
مريض في غرفة الإنعاش
الجذور القومية
ساهم نجاح ثورة يوليو 1952 في مصر وقدرة مصر على الصمود والتصدي للعدوان الثلاثي ثم اعلان الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 في سطوع نجم الزعيم جمال عبدالناصر في الكويت والعالم العربي، وساهمت «القوة الناعمة» لمصر في الاعلام والفنون والفكر والثقافة في نشر الأفكار الناصرية حول القومية في عموم العالم العربي ومنها الكويت.
ولقد وجدت الأفكار القومية صدى لها في الشارع الكويتي حتى أصبح القوميون القوة الأولى من بين التيارات السياسية في البلاد، وانتشرت الأفكار القومية بين مختلف فئات الشعب من العامة وفي أوساط الطبقة التجارية وبين ابناء العائلات العريقة في الكويت.
وتبعا لذلك، كان للتيار القومي العربي القوة الشعبية المهيمنة في قطاعات المثقفين الأدباء والمفكرين والقوة الموجهة لحركات المعلمين والطلاب والعمال، وكان للدكتور احمد الخطيب بمساهمته في تأسيس حركة القوميين العرب ثقل واضح في الحركة القومية في الكويت بعد عودته الى الكويت 1952 وقيامه بنشر الفكر القومي من خلال اصدار مجلة الايمان التي تكونت أسرة تحريرها من: احمد السقاف، احمد الخطيب، يوسف ابراهيم الغانم، يوسف المشاري.
ومنذ مطلع الخمسينات كان الشيخ عبدالله السالم ومعه الحركة الوطنية الكويتية يتحركون لتحقيق مطلب اعلان الاستقلال والغاء اتفاقية الحماية مع بريطانيا.
وقاد القوميون الحركة الوطنية في الكويت التي كانت تطالب بالاستقلال، وكان من جملة مطالبهم تحديث نظام الحكم وارساء أسس الديموقراطية.
خطاب ثانوية الشويخ
في الاول من فبراير 1959 عقد في ثانوية الشويخ احتفال كبير بمناسبة الذكرى الأولى للوحدة المصرية السورية، وكان من بين الخطباء جاسم القطامي الذي قال في ما قال في خطابه «ان رضي الكويتيون ان يحكموا من عهد صباح الأول حكما عشائريا، فقد آن الأوان لحكم شعبي ديموقراطي يكون للشعب فيه دستوره ووزراؤه».
وجاء رد الفعل من السلطة عنيفا. فاغلقت النوادي وأوقفت الصحف وحددت اقامة بعض افراد الحركة الوطنية وسحبت جوازات سفرهم، وكانت مجلة الايمان لسان حال التيار القومي والنادي الثقافي القومي مركز النشاط للشباب القومي في الكويت، وبعد حله عام 1959 تم انشاء الاستقلال في 1962 واسمه المشتق من استقلال الكويت كامتداد للنادي الثقافي القومي.
1963 الانتخابات الأولى
في الانتخابات النيابية الاولى كان القوميون العرب والمقربون منهم هم القوة الرئيسية الاولى في البلاد، ففي دائرة القبلة جاء عبدالعزيز الصقر اولا، وراشد الفرحان ثانيا، وهما من المقربين للاتجاه القومي، فيما حل مرشح حركة القوميين العرب عبدالرزاق الخالد ثالثا، وفي دائرة كيفان مركز قاعدة القوميين العرب حل مرشحو الحركة بالمراكز الأربعة الأولى تساو ى جاسم القطامي مع خالد المسعود الفهيد بالمركز الاول بـ 1046 صوتا لكل منهما، وجاء القوميان يعقوب الحميضي ثالثا، واحتل راشد التوحيد المركز الرابع.
في دائرة حولي، جاء مؤسس حركة القوميين العرب احمد الخطيب اولا، وحل سامي المنيس ثانيا، وسليمان المطوع في المركز الثالث.
وفي القادسية سليمان الحداد حل في المركز الاول، وجاء عبدالباقي النوري ثالثا، ثم فاز علي العمر بالانتخابات التكميلية التي جرت في دائرة القادسية
في 20 نوفمبر 1964 اندلعت في البلاد أزمة دستورية حول المادة 131 من الدستور، والذي من أجله شكلت لجنة مشتركة من الحكومة ومجلس الأمة لحله، كان السبب الرئيسي في هذه الازمة هو الخلاف حول تفسير المادة 131 من الدستور، والتي نصت على «عدم الاجازة للوزير أثناء توليه الوزارة أن يتولى اي وظيفة عامة اخرى أو أن يزاول ولو بطريق غير مباشر مهمة حرة أو عملا صناعيا أو تجاريا أو ماليا، كما لا يجوز له أن يسهم في التزامات تعقدها الحكومة أو المؤسسات العامة، كما لا يجوز له أن يشتري أو يستأجر مالا من أموال الدولة حتى لو كان هذا الأمر عن طريق المزاد العلني أو أن يؤجر الحكومة أو يبيعها شيئا من أمواله أو يقاضيها عليها.
ويفسر الدكتور احمد الخطيب، الذي كان شاهد عيان لاحداث تلك الفترة خلفيات تلك الأزمة بالتنافس لضرب تحالف الحكومة بطبقة التجار الذي تمثل في تلك الحكومة.
وتبعا لذلك، تشكلت كتلة من 31 نائبا معظمهم من نواب القبائل ومعهم الشيعة وبعض من لم يشاركوا في الحكومة التي شكلت في 6 ديسمبر 1964.
ثقة
ولم يكن للأعضاء الا طريقة واحدة غير مباشرة لحجب الثقة من أعضاء مجلس الوزراء الجديد الا وهي عرقلة أداء الأعضاء لليمين الدستوري المنصوص عليه في المادة 91 من الدستور
ورفض حضور جلسة أداء القسم الدستوري بسبب الاعتراض على التشكيل الوزاري الذي شارك فيه عدد من التجار. وبذلك وجدت الحكومة نفسها أمام خيارين اما حل المجلس وإما الاستقالة. وتم اختيار الاستقالة لكونها الطريقة الأسهل.
في الثاني من ديسمبر سنة 1964 تقدمت الحكومة باستقالتها.
وفي 1964/12/29 تم صدور قرار أميري بتعيين الشيخ صباح السالم الصباح رئيسا لمجلس الوزراء الجديد وتكليفه بترشيح أعضاء الوزارة.
الا ان الأزمة اتخذت اشكالا اخرى، ففي جلسة مجلس الأمة التي عقدت بتاريخ 22 يونيو 1965، والتي كان جدول أعمالها يتضمن العديد من المشاريع التي أحالتها الحكومة وهي: مراسيم بتعديل قانون الوظائف العامة، واقامة الأجانب وقانون المطبوعات والنشر وكذلك قانون الأندية والجمعيات. وهي قوانين صيغت بطريقة غير ديموقراطية وقد أعطيت لهذه المراسيم صفة الاستعجال وقدم نواب المعارضة اعتراضهم على صفة الاستعجال غير الطبيعية.
ودارت في هذه الجلسة مناقشات حامية حول التعديلات التي قدمتها الحكومة بشأن تلك القوانين، وتصدى نواب الشعب لهذه التعديلات محاولين صرف النظر عنها، الا أن الجلسة انتهت بطلب الحكومة بالتصويت على تعديلاتها وهي التي تملك الأغلبية داخل المجلس فما كان من نواب الشعب الا الانسحاب من هذه الجلسة واستقال معهم عبدالعزيز حمد الصقر رئيس المجلس.
لذلك السبب، وقد تم انتخاب أعضاء بدلاء لهم موالين للحكومة وجرى انتخاب سعود عبد العزيز العبد الرزاق رئيسا للمجلس.
انتخابات 1967
واستعدادا لانتخابات ثاني مجلس امة عام 1967جرى توافق بين ممثلي النخبة التجارية، التي عُر.فَت تاريخياً باسم «جماعة الغرفة» وممثلها عبدالعزيز الصقر، وبين «حركة القوميين العرب»، التي كان يقودها أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، لتشكيل قوائم انتخابية تمثل جبهة وطنية واسعة تضم مرشحين عن المجموعتين وبعض الشخصيات الوطنية لتخوض الانتخابات في مختلف الدوائر العشر.
لكن ونتيجة لحالة الاستقطاب الحاصلة بين معسكر الشيخ جابر العلي والشيخ جابر الاحمد تم تزوير الانتخابات في بعض الدوائر، وقد احدث ذلك هزة سياسية كبرى تمثلت في الرفض الواسع لعملية التزوير. فقد اصدر 38 مرشحاً بينهم عدد من النواب «الفائزين» في تلك الانتخابات المزوّرة بياناً يفضح التزوير، ويندد به، ويصف تلك الانتخابات بأنها انتخابات باطلة لا تمثل ارادة الشعب ولا نسلّم بنتائجها.
وقد استقال خالد المسعود الفهيد الفائز عن الدائرة الخامسة «كيفان»، والذي كان وزيراً للتربية في الحكومة المشرفة على الانتخابات، كما استقال عدد آخر من «الفائزين» ممن قاطعوا جلسات احتجاجاً على التزوير، وهم: راشد عبداللّه الفرحان، وعبدالرزاق خالد، عبدالعزيز حمد الصقر، وعلي عبدالرحمن العمر، ومحمد عبدالمحسن الخرافي، ومحمد يوسف العدساني.
هزيمة 67 كرست انشقاق القوميين العرب
الانشقاق القومي
في المرحلة الأولى لتأسيس حركة القوميين العرب في بداية الخمسينات لم تكن «الحركة» تلتزم بأيديولوجيات معينة، بل كانت تقوم على عقيدة القومية العربية من دون وجود مبادئ دقيقة ومحددة، وكان الشعار القومي يجمع بين أعضاء الحركة بمختلف توجهاتهم الفكرية وخلفياتهم الاجتماعية والطبقية.
لكن اتجاه الرئيس عبدالناصر نحو تطبيق الاشتراكية، واعلانه قرارات التأميم الشهيرة في يوليو 1961 وتطبيقها في مصر وسوريا، أدى الى ابتعاد طبقة التجار والملاك والبورجوازية العربية عن الخط القومي الناصري الذي بدأت تطبيقاته الاشتراكية تتعارض مع مصالحهم، بعد ذلك ومع ظهور حالات الفرز بين اليمين واليسار في اتجاهات الحركة القومية ظهر في أوائل الستينات بدء اعتناق بعض قياداتها للأيديولوجيا الماركسية.
انقسام
وتعود جذور الانقسام الى عام 1963، حيث انعقد المؤتمر الاستثنائي لحركة القوميين العرب لتقرير مسألة الالتزام الايديولوجي، ووسط خلاف شديد وعميق اتفق الجميع الى حل وسط، مفاده تعليق المؤتمر وتأجيل كل الخلافات الفكرية، لكن تيار اليسار سيطر على الحركة، تحت مبرر تحقيق وحدة فكرية وتنظيمية جرى فرض الالتزام بالأيديولوجيا الواحدة الشاملة، وجرى دفع جميع الأعضاء للالتزام بالماركسية قسريا جعلت أي تطوير لفكرها يؤدي الى هزات تنظيمية، وبعد هزيمة يونيو 1967 عانت «الحركة» سلبيات في آليات عملها الداخلية ودشنت في عام 1968 صراعا أيديولوجيا في صفوفها لفرز عناصر تختار الطريق الماركسي، واختار «يمينا» من قيادات أخرى، هذا الصراع امتد الى كل تنظيمات حركة القوميين العرب في كل بلد واتخذ أسلوبا دمويا في اليمن الجنوبي وعمان، ووصلت الخلافات الى فرع الكويت وبرزت مجموعة من الشباب في الحركة تأثرت بالطروحات الماركسية للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، واتهمت العناصر القومية في الحركة بأنهم بورجوازيون وعملاء للسلطة في بياناتهم التي وزعوها في الكويت، وفي المؤتمر الاستثنائي الثاني لفرع حركة القوميين العرب في الخليج، الذي انعقد في دبي في نهاية يوليو 1968وتمثلت فيه ساحات الكويت والبحرين والامارات وعمان وقطر، جرى الاعلان عن تأسيس الحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي.
قرار تاريخي
تلا ذلك وفي الفترة الممتدة من ديسمبر 1967 حتى يوليو 1968، ان اتخذت اللجنة التنفيذية لحركة القوميين العرب قرارها التاريخي (نظرا لسيطرة اليسار عليها) بحل الحركة واعطاء صلاحيات لقيادات المناطق باتخاذ ما تراه من ترتيبات تنظيمية وتسميات، وبذلك ظهرت في الكويت ثلاث تنظيمات على انقاض حركة القوميين العرب هي:
1ــ الحركة الثورية الشعبية التي ارتبطت بالجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نايف حواتمة والتزمت بالأيديولوجية الماركسية والكفاح المسلح. ومن كوادرها في الكويت احمد الربعي، احمد الديين، عبداللطيف الدعيج، ناشي العجمي، راشد المحارب، ناصرالغانم وحسين اليوحة وغيرهم.
2 ــ حركة التقدميين الديموقراطيين الكويتيين، وهي ما يطلق عليها بالقيادة التاريخية بزعامة د. أحمد الخطيب، والتزمت ببرنامج جديد يعتمد على الاشتراكية العلمية (الفلسفة الماركسية).
3 ــ التجمّع الوطني، الذي كان بقيادة جاسم القطامي الذي يحافظ على الاتجاه القومي الناصري، ومع مرور الوقت اندمجت الحركة الثورية الشعبية بحركة التقدميين الديموقراطيين.
وانتقل هذا الانشقاق الى صفوف الحركة الطلابية في اول انتخابات للاتحاد الوطني لطلبة الكويت جرت في يناير 1969 فظهرت قائمتان: الاولى قائمة الوسط الطلابي، وكان من أبرز عناصرها صبحي الملا، علي تيفوني، أحمد الهلال. وشاكر العثمان والتي نجحت في السيطرة على مقاعد الهيئة الإدارية للاتحاد، والقائمة الثانية واطلق عليها القائمة الطلابية الديموقراطية، وكان من أبرز قياداتها أحمد الربعي، علي الطراح. وآمال الغربللي، ومثلت توجهات اليسار بجناحيه الثوري المتمثل في الحركة الثورية الشعبية واليسار الفكري الممثل بحركة التقدميين الديموقراطيين.
حرب الاستجوابات
على الصعيد السياسي وفي إطار حالة الاستقطاب السياسي الجارية في البلاد آنذاك، تعزز التنسيق الحاصل بين حركة التقدميين الديموقراطيين ومعسكر الشيخ جابر العلي، ودخلت الحركة عبر نوابها في المجلس في صراع مكشوف مع الحكومة.
وكان عراب هذا التنسيق هو احد الشخصيات المقربة من الشيخ جابر العلي وهو النائب خالد المسعود الفهيد الذي دشن حملة استجوابات ضد وزراء حكومة الشيخ جابر الأحمد فتقدم في ديسمبر 1973 باستجواب عبد الرحمن سالم العتيقي وزير المالية والمقرب من رئيس الحكومة، لكن الاستجواب توقف عند مرحلة النقاش.
بعد ذلك بشهرين استؤنفت حملة الاستجوابات ضد الوزراء ففي فبراير من عام 1974 تقدم نائبا حركة التقدميين الديموقراطيين سامي المنيس، وعبدالله النيباري ومعهما علي الغانم باستجواب لخالد العدساني وزير التجارة والصناعة وكان استجوابا تاريخيا من عدة نواح، فقد عكس ذلك الاستجواب حدة حالة الاستقطاب الدائرة في البلاد فسجل اكثر عدد من الجلسات يشهدها استجواب في تاريخ الكويت، فتمت مناقشته على مدى 5 جلسات ولمدة 33 يوما، حيث استمر الاستجواب في جلسات المجلس بتاريخ 26 مارس و 2 و 16 و 23 أبريل 1974.
وهو أول استجواب يعقبه طرح الثقة ورغم تصويت 13 نائبا لمصلحة طرح الثقة فان الوزير العدساني نجا بفضل العدد الكبير من النواب الممتنعين (30 نائبا).
معسكر المعارضة
رغم ذلك فان معسكر المعارضة استأنف سلاح الاستجواب بعد اسبوعين فقط من انقضاء ذلك استجواب الوزير العدساني، ففي تاريخ 4 مايو 1974 تقدم نائبا حركة التقدميين الديموقراطين عبدالله النيباري، واحمد النفيسي ومعهما سالم المرزوق باستجواب ثان للوزير عبدالرحمن العتيقي وزير المالية والنفط وكان ذلك يعد من اخطر الاستجوابات على وزير مستجوب في تاريخ الكويت، فقد حصل الوزير على اقل عدد من المؤيدين وهو صوت واحد. في مقابل اعلى نسبة غياب للنواب خلال جلسة التصويت 14 نائبا. واعلى نسبة امتناع عن التصويت 16 نائبا.
مقابل 17 نائبا صوتوا ضد الوزير، وكان لافتا ان معسكر المعارضة المقرب وقتها من جناح الشيخ جابرالعلي قد ضم مجموعة من نواب القبائل لا سيما نواب قبيلة العجمان في المجلس باستثناء فلاح الحجرف العجمي نائب الجهراء والمقرب من الشيخ سعدالعبدالله، وقبيلة العجمان منهم أخوال الشيخ جابر العلي وأنصاره في المجلس وضمت كتلة المعارضة بعض النواب من قبائل أخرى كيوسف المخلد وغنام الجمهور من قبيلة مطير وناصر صنهات العصيمي من عتيبة، الى جانب كتلة نواب «جماعة الطليعة» أو حركة التقدميين الديموقراطيين والمقربين منهم.
تأكيد الافتراق
في انتخابات 1975 تأكد الافتراق بين الجناح القومي والجناح اليساري في الحركة الوطنية حيث خاض الفصيلان الانتخابات بقائمتين منفصلتين الأولى تحت لافتة حركة التقدميين الديموقراطيين او ما يعرف اصطلاحا بجماعة الطليعة ويرأسها الدكتور احمد الخطيب وتقدمت بـ 12 مرشحا، والثانية التجمع الوطني الذي يرأسه جاسم القطامي بستة مرشحين، وتعمق الخلاف بين الجناحين حتى وصل الى الهيئات والجمعيات المهنية والطلابية التي ينشط فيها كوادر وأعضاء الفصيلين.
فقد أصدرت الهيئة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة الكويت بيانا قبل تلك الانتخابات بالاشتراك مع اتحاد العمال، أيدت فيه مرشحي حركة التقدميين متهمة التجمع الوطني بالعمل لمصلحة السلطة، وتنافست القائمتان وجها لوجه في دوائر القبلة، كيفان والقادسية.
فيما ترشح جاسم الصقر وخالد المسعود الفهيد القريبين من الاتجاه القومي مستقلين، الصقر في القبلة، والفهيد في كيفان.
وتضمنت قائمة مرشحي حركة التقدميين الديموقراطيين (الطليعة) الأسماء التالية:
الدائرة الثانية القبلة: 1عبدالله سعود النفيسي، 2 فيصل الصانع.
الدائرة الخامسة كيفان :1عبدالعالي ناصر 2 مبارك التورة 3 ناصر الفرج.
الدائرة السادسة القادسية/ الفيحاء:1احمد النفيسي،2عبدالله النيباري،3 مبارك البنوان.
الدائرةالثامنة حولي: 1 احمد الخطيب ،2 سامي المنيس 3 سليمان المطوع 4 عبدالله البعيجان.
في النتائج حققت قائمة مرشحي حركة التقدميين الديموقراطيين (الطليعة).
فوز ثلاثة مرشحين وخسارة احمد الخطيب،عبدالله النيباري وسامي المنيس، وخسارة آخرين، وفي التفاصيل جاءت نتائج الدوائر كالتالي:
الدائرة الثانية حل عبدالله سعود النفيسى في المركز 13 وفيصل الصانع في المركز 16.
الخامسة
وفي الدائرة الخامسة خسر المرشحون الثلاثة عبدالعالي ناصر العبد العالي وجاء في المركز الثالث عشر وتبعه مبارك التورة في المركز الرابع عشر بينما حل ناصر الفرج في المرتبة 18.
أما في القادسية والفيحاء فقد نجح عبدالله النيباري بحلوله ثانيا بينما خسر المرشحان الآخران احمد النفيسي وحل في المركز 15 وعبدالله البنوان وجاء في المركز ال24
في حولي جاء احمد الخطيب في المركز الثالث وسامي المنيس خامسا بينما حل سليمان المطوع في المركز الــ 12 عبدالله البعيجان في المركز الرابع عشر، اما عن التجمع الوطني الذي يمثله القوميون فقد فاز اثنان هما جاسم القطامي وراشد الفرحان من أصل 6 مرشحين حيث حل جاسم القطامي ثالثا بينما جاء عبد المحسن السعيد تاسعا في القبلة
الديمقراطيين
وفي الخامسة جاء بدرالعجيل سابعا وحل راشد التوحيد في المركز التاسع وفي الدائرة السادسة فاز راشد الفرحان وحل خامسا بينما جاء فيصل عبدالله المشعان تاسعا وفي الإجمال فقد بلغ مجموع النواب الفائزين من ذلك التيار 7 مرشحين هم ثلاثة من جناح اليسار و2 من الجناح القومي ونائبان مستقلان من أصل 20 مرشحا خاضوا انتخابات مجلس 1975.
حل المجلس وتعليق الدستور
رغم أن المجلس دخل في العطلة الصيفية السنوية، ورغم أن العام الأول للمجلس لم يشهد أي حالة صدام بينه وبين الحكومة ولم يقدم خلاله أي استجواب، فان السلطة قررت حل مجلس الأمة وتعليق العمل بمواد الدستور في أغسطس 1976.
وقد قوبل هذا القرار برفض من قبل الكتل السياسية القائمة، وفي تاريخ 18 سبتمبر 1976 صدر بيان من هيئات المجتمع المدني التي ينشط فيها القوميون واليساريون، وهي سبع هيئات شعبية طالبت بعودة الشرعية والحكم الدستوري واسترداد المكاسب الدستورية والديموقراطية بأسرع وقت، وهذه الهيئات هي الاتحاد العام لعمال الكويت، ورابطة الادباء، وجمعية المحامين، وجمعية الصحافيين، ونادي الاستقلال، وجمعية المعلمين، والاتحاد الوطني لطلبة الكويت.
مقاطعة
رغم صدور قرار التجمع الوطني بمقاطعة الانتخابات فان ذلك لم يمنع شخصيات مقربة من مجموعة القطامي من خوض الانتخابات مثل راشد الفرحان الذي فاز بالمركز الاول عن الدائرة السادسة (القادسية) وبدر العجيل الذي جاء ثانيا في كيفان.
فيما نجح المرشح المستقل والقريب من الاتجاه القومي خالد المسعود الفهيد عن الدائرة الخامسة كيفان.
وفي الإجمال خاض 9 مرشحين من المجموعات المتكونة من تنظيم القوميين العرب، فالجناح اليساري خاض الانتخابات بــ 6 مرشحين بمجموعتين: الأولى رباعية ممثلة لحركة التقدميين الكويتيين وفازت جميعها، وأخرى مكونة من مرشحين اثنين تمثل أقصى اليسار وخسرت اما الجناح القومي فرغم مقاطعته للانتخابات فقد تمكن ثلاثة من المقربين له من الفوز ودخول المجلس.
انقسام حول خوض الانتخابات
تشعب الخلاف بين الفريقين حتى وصل الى محطة المشاركة في انتخابات 1971، واختلف الفريقان في الموقف من المشاركة في تلك الانتخابات، فقد رأى تنظيم التجمع الوطني برئاسة جاسم القطامي وأيده التجار مقاطعة الانتخابات بسبب التزوير الذي جرى في انتخابات 1967 والعبث بجداول الانتخابات وقضايا التجنيس.
فيما قررت حركة التقدميين الديموقراطيين ( جماعة الطليعة) بزعامة احمد الخطيب المشاركة في الانتخابات، وخاضت الانتخابات بقا ئمة رباعية مكونة من: أحمد الخطيب، سامي المنيس في الدائرة الثامنة حولي وجاء الخطيب في المرتبة الاولى وحل المنيس رابعا. فيما ترشح عبدالله النيباري وأحمد النفيسي في الدائرة السادسة (الفيحاء) وتمكنا من النجاح بحصولهما على المركزين الرابع والخامس على التوالي. فيما خاض مرشحان آخران محسوبان على اليسار الانتخابات في الدائرة الثامنة (حولي) وهما سليمان المطوع وحل سادسا ومحمد مساعد الصالح وأحرز المرتبة الثامنة.
سامي المنيس خلال مجلس 75 قبل حله
الخطيب والقطامي وحمود النصف في المجلس عام 1964