الأماكن التي سكنها الفرزدق في الكويت - فرحان الفرحان
إعداد: فرحان عبدالله الفرحان
عدد من الأماكن التي تواجد فيها الفرزدق أو سكنها.. والخريطة اخرجتها دائرة المعارف في أول الخمسينات من القرن الماضي
نشر المرحوم أحمد البشر في مجلة «البعثة» الكويتية التي كانت تطبع في مصر بالقاهرة عدة بحوث منها عن الفرزدق، ذلك في سنة 1371 (1951)، وقال فيها تعليقا على مقال سابق نشره عن كاظمة وتاريخها يقول فيه «الفرزدق كويتي»، ويقول «نعم انه كويتي قبل الكويتيين»، شدت انتباهي منذ امد بعيد بحوث المرحوم احمد البشر عن كاظمة والفرزدق من البحوث عن الكويت ويسرني ان اقتطف في ثنايا هذا البحث بعضا من فقرات بحثه يقول:
«ان كاظمة القريبة منا هي الموضع الذي اختاره الفرزدق محلا لسكناه ــ وربما ولد فيها ــ ففيها نظم اكثر قصائده الخالدة، وفيها كانت ترده قصائد جرير، فيها الهجاء الفاحش فيرد الفرزدق عليها بما هو افحش منها، فحلان يتصاولان والعرب قاطبة تستصيخ لسحر بلاغتهما.
كاظمة موطن الفرزدق الاول لا يبارحها الا في ايام الربيع، حيث يرتاد العشب في المناطق القريبة من كاظمة مثل الفريدة والسادة والرحية، وهي مواضع تقع في الغرب من الجهرة، وهي قريبة من الكويت وداخل حدودها.
فبنو تميم، وهم قوم الفرزدق، يقطنون المنطقة التي تحدها من الشمال كاظمة ومن الجنوب انطاع ومن الغرب الدو (الدبدة) ومن الشرق العدان. وكانت مجاشع، وهي فخذ من تميم، وعلى الاخص بنو دارم، وهم قوم الفرزدق، تقطن المنطقة الواقعة بين كاظمة والبرقان.
وكان الفرزدق بالذات يسكن كاظمة وما جاورها، ومن يدري لعله نزل في يوم من الايام على احد المياه الواقعة في منطقة مدينة الكويت بالذات كأبي دواره او الدمنة او الرأس، وانا اعتقد ان هذه المياه لم تكن مجهولة لدى العرب القدماء، وربما عرفوا عنها اكثر مما نعرفه نحن اليوم.
وقد غزت شيبان، وهي من اشهر القبائل العربية، بني تميم على ماء كاظمة تريد الاستيلاء عليه فهزمهم بنو تميم، وصدوهم عنه وفي هذه الوقعة يقول الفرزدق مفتخرا:
لقد رجعت شيبان وهي أذلة
خزايا ففاضت في الوثاق وفي الازل
وكان لها ماء الكواظم غرة
وحرب تميم ذات خبل من الخبل
فما رحتم حتى لقيتم حمامكم
وآب مولوكم فرارا من القتل
حفر ركية ببطن السيدان الى جانب مسلحة، فخاصمه رجل من بني مرة بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة فقال (من الطويل):
لعمري لأثماد بن خنسا وماؤه
مسلحة الانثى الخبيث ترابها
أخف على الشيخ العبادي مؤونة،
وأهون من حربي إذا صر نابها
أفي أورة عالجتها وحفرتها،
تميم حواليها، وعندي كتابها
لنا منبت الضمران يا آل مالك،
وعرفج سلمي لنا، وصعابها
ويفخر هنا بوالده في ارض كاظمة الذي يقول فيه بأنه جار من اعيته الطرق والمتاعب فيقول (من الطويل):
وقوم ابوهم غالب جل مالهم
محامد اغلاها من المجد غالب
بنو كل فيّاض اليدين إذا شتا،
وأكدت بأيمان الرجال المطالب
وما زال منهم مشتري الحمد باللهى،
وجار لمن اعيت عليه المذاهب
كان الفرزدق قد هرب من زياد حاكم المنطقة لانه يريد القبض عليه ولا طريق له الا ان يترك كاظمة ويتوجه الى الحجاز بعيدا عن المخاطر، فاستأجر رجلا من بني بل العنبر فرع من قبيلة بني تميم يسكن بين الجهرة اليوم وحفر الباطن، وبما ان هذه المنطقة منطقتهم فإنهم يعرفون طرقها الا ان صاحبنا العنبري قد ضل الطريق في الكويت وهو يخترق صحراء كراع كان الفرزدق إبان تواجده في الكويت ذلك في صباه أو في كهولته دائماً يتغنى بالمرابع والأماكن التي عاش فيها سواء كان في الرحية أو المقن أو السيدان أو منبت الضمران أو ظهر العدان، أو لما هرب إلى مكة المكرمة والمدينة ومر في منطقة كراع المرو اليوم ذي الارطى والنعايم، وهو هنا يقول في قصائد كثيرة سجلها لنا عن هذه الأماكن التي تعرفنا من خلالها على هذه الأسماء التي وصلت إلينا، والتي تواجد فيها الفرزدق، فانظر إليه وهو يتحدث عن منطقة «خصى العدان» التي عرفت إلى عهد قريب بالخصوتين، وهو مرتفع من الأرض في ظهر العدان يقول:
ألا قبح الله القلوص التي سرت
برحلي إلى خصيي عدان المهمل
بني أم عيلان كأن لحاهم
مخالي شعير علقت فوق أبغل
تجمعتم لي في فصيل كأنما
تجمعتم لي في أغر محجل
فهنا لولا الفرزدق لما عرفنا هذه المنطقة، ولما تأكدنا بان العدان وخصيها من اسماء الاماكن القديمة.
ويقول عن منبت الضمران وسلمى التي هي عرفج سلمى التي اسمها اليوم العريفجان، وعلى مقربة منها منطقة الصعاب هذه الأماكن ذكرها في هذه الأبيات، المرو وهذه المنطقة فيها ذي الأرطي والنعايم التي ذكرها الفرزدق في قصيدته المشهورة يقول في أولها:
يهجو رجلا من بلعنبر كان ضل بهم، وكان دليلا، وهو دليل عبدالله بن عامر بن كريز حين قدم أميراً على البصرة، فضل بهم أيضاً.
(من الكامل):
ما نحن إن جارت صدور ركابنا
بأول من غرت هداية عاصم
أراد طريق العنصلين، فياسرت
به العيس في نائي الصوى متشائم
وكيف يضل العنبري ببلدة
بها قطعت عنه سيور التمائم
ولو كان في غير الفلاة وجدته
ختوعا بأعناق الجداء التوائم
وكنت اذا كلفت حاضن ثلة
سرى الليل دنى عن فروج المحارم
رأى الليل ذا غول عليه ولم تكن
تكلفه المعزى عظام المجاشم
أنخنا بهجر بعدما وقد الحصى
وذاب لعاب الشمس فوق العمائم
ونحن بذي الأرطى يقيس ظماؤنا
لنا بالحصى شربا صحيح المقاسم
فلما تصافنا الإداوة أجهشت
إليّ غضون العنبري الجراضم
وهنا اريد ان أقف عن الاسترسال في تواجد الفرزدق، واماكن اقامته في الكويت، لانها كثيرة مبثوثة في شعره الذي وردنا أخيراً شعراً كاملا، لكنني اعطيت نموذجا لهذا التواجد، وهناك أماكن كثيرة مثل: القصيبة، أم قصبة اليوم، وهي في أرض ميناء عبدالله، حيث اختفى، بل أخفت سيدة من قيس بن ثعلبه ليست من قبيلة بني تميم التي ينتمي اليها، وهذا يدلنا على ان قبيلة طبيعة التي هي من بكر بن وائل كانت موجودة ومتواجدة بعضها في أرض الكويت، عندما كانت قبيلة بني تميم ممثلة في دارم رهط وجماعة الفرزدق موجودون في هذه الأرض كاظمة في تلك الفترة من الزمن.
هنا أكون قد اعطيت تلميحات عن تواجد وأماكن سكن الفرزدق في أرض الكويت.