هذا رجل من رجال الكويت، الذين خدموا وطنهم أجل الخدمات، كان منذ شبابه حريصا على أن يقدم لهذا الوطن كل ما يستطيع فاشتغل باكرا في عدة مجالات وبخاصة في مجال الدوائر الحكومية التي أدار بعضها بحصافة وفهم كبيرين، وترك بصمته الصالحة على أعمالها بعد أن ترك العمل فيها.
ولد سليمان خالد العدساني في الكويت وتعلم في الكتاتيب وهي الوسيلة الوحيدة السائدة في ذلك الوقت لكسب العمل. فتعلم القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى المدرسة المباركية فالمدرسة الأحمدية، ودرس اللغة الإنجليزية خارج هاتين المدرستين. ثم رحل إلى بغداد من أجل الدراسة فالتحق بكلية الإمام الأعظم، وكان ضمن أول بعثة طلابية ترسلها الكويت إلى هناك، وكان ذلك في سنة 1924م.
التحق بالمجلس التشريعي عندما قام في سنة 1938م، ولكنه لم يستمر فيه لأن المجلس نفسه قد انتهى. وصار بعد ذلك مشتغلا بالتجارة متنقلا بين الكويت ولبنان من أجل عمله هذا. وكان قد زاول عددا من الأعمال قبل وبعد هذا التاريخ منها أنه كان أول مدير لبلدية الكويت عين في اليوم الرابع والعشرين من شهر ابريل لسنة 1929م، واستمر في عمله هذا حتى سنة 1932م، وكان عضوا لمجلس إدارة معارف الكويت في سنة 1936م، ثم انتخب لعضوية المجلس نفسه مرة أخرى في سنة 1954م، وكان قبل سنة انتخابه مديرا لإدارة ومالية المعارف منذ سنة 1951 م حتى سنة 1954م حيث تفرغ لعضوية مجلس المعارف. وكان عضوا في كثير من اللجان المهمة التي شكلتها الحكومة لما له من دراية وخبرة في الأمور الادارية والمالية، ولم يكن يتردد في تلبية الدعوة إلى العمل خدمة لوطنه ولأهل وطنه.
كان نشاطه في بلدية الكويت بارزا إذ كان عضوا في المجلس البلدي المنتخب منذ سنة 1932م حتى سنة 1933م، وقد كان رئيسه الشيخ عبدالله الجابر الصباح، ومن بين أعضائه السادة: نصف يوسف النصف، وأحمد الفهد الخالد، ومشاري الحسن البدر والشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وفي التشكيلة نفسها تقريبا جاءت نتائج الانتخابات لتؤكد استمراره في عضوية المجلس الذي لحق المجلس الأول وذلك منذ سنة 1934م إلى سنة 1935م، ثم عاد إلى عضوية المجلس في الفترة منذ سنة 1936م حتى سنة 1940.
أما من حيث قيامه بإدارة بلدية الكويت فقد كان ذلك منذ سنة 1930 م حتى سنة 1935م، وقد أمضى بهذا المنصب ما يقارب الخمس سنوات ونصفا، ولاشك في أن هذه المرحلة هي من أهم المراحل بالنسبة للبلدية لأنها كانت مرحلة التأسيس والإنشاء، وقد قام العدساني بهذه المهمة خير قيام، بدليل استمراره في عضوية المجلس البلدي بعد ذلك.
***
في القطاع الاخر ـالتعليمـ كان له نشاط كبير أشرنا إليه، وقد أكده حديث له في مجلة البعثة نشرته في عددها الصادر في شهر فبراير لسنة 1953م وهو عبارة عن اجابات على اسئلة قدمها إليه محرر المجلة وتولى هو الرد عليها وهذا هو نص الحديث:
س 1) كان المقرر أن تفتح المدرسة الثانوية هذا العام، فما سبب تأخيرها؟ ومتى يتم فتحها؟ وهل فكرت إدارة المعارف في حل لمشكلة إنجاز بنائها؟
ج 1) إن السبب في تأخير فتح المدرسة الثانوية في هذا العام ناتج عن عدم تقدير مجلس المعارف في بادئ الأمر إلى توسعتها إلى الحد الذي صارت إليه أخيرا مع توسع المشروع وتعدد بناياته على الوجه الذي أريد له فيما بعد وقد يبلغ تعدد هذه البنايات الثلاثين بناية كل بناية مستقلة عن الأخرى. منازل للطلاب. منازل للمعلمين العزاب. منازل للمعلمين المتزوجين. فالذي يزور الثانوية يرى أنه يزور مدينة صغيرة بنيت على أحدث طراز مع الفخامة والقوة.
س 2) لاقى كثير من اخواننا الأساتذة المنتدبين صعوبات عند وصولهم الكويت هذا العام، فلماذا لم تستعد الإدارة بتوفير المساكن لهم قبل وصولهم؟
ج 2) إن الصعوبة التي لاقاها المعلمون في أول قدومهم في الحصول على المنازل المطلوبة في أول هذا العام ناتجة عن أزمة عامة طارئة مفاجئة بسبب التنظيم العمومي الذي يراد في تنظيم وتجديد الكويت، وفتح شوارع جديدة متعددة بأوسع ما يمكن، ففيها ما عرضه 50 متراً وفيها ما عرضه 40 متراً، وهذا الأخير كثير. وهذا المشروع بالطبع يتطلب هدم آلاف البيوت يريد أهلها غيرها لسكانهم، هذا فضلا عن تزايد الوافدين على الكويت من انحاء شتى يطلبون أعمالا مما زاد الطين بلة. وكل هؤلاء يريدون منازل.
س 3) هل فكرتم في تلافي ما قد يحدث من أزمة في المساكن للمدرسين في العام القادم؟
ج 3) إن مجلس المعارف قد فكر بأن يتلافى ما قد يحدث من أزمة في المساكن للمدرسين في العام القادم، فعولت الإدارة أن تنشئ عدة مجموعات من المنازل تخصصها للمعلمين فضلا عما لديها من منازل بالإيجار.
س 4) متى يشرع في بناء مدرسة الصناعات؟ وأي شركة ستقوم ببنائها؟ وهل شروط بنائها تشبه شروط بناء المدرسة الثانوية؟
ج4) إن مدرسة الصناعات قد شرع في بنائها في شهر نوفمبر الماضي، وأن بناءها مع عدة مدارس غيرها قد اتفق عليه مع مراقب الإنشاء (الجنرال هستد) الذي عقد اتفاقاً مع خمس شركات (كويتية إنجليزية) تراقب أعمالها الحكومة على أن يكون لهذه الشركات %15 من جميع التكاليف في هذه المنشآت.
س5) هل فكرت إدارة المعارف في شراء بيت بالقاهرة يكون ثابتاً لبعثات الكويت بمصر؟ ومتى تم ذلك؟
ج5) إن إدارة المعارف لم تفكر حتى الآن في شراء بيت بالقاهرة، ولكن هذا السؤال فيه حافز للمعارف بأن تفكر في هذا الأمر لأنه مهم جداً ومفيد جداً، وهو على ما أعتقد لا يكلف المعارف كثيراً من المال، وأحسن مما يذهب من مال في أجور لمنازل لا تتناسب مع سمعة بيت الكويت في القاهرة، وربما يفكر المجلس في إنجاز هذا الأمر عن قريب.
س6) ما رأيكم لو انفصلت الإدارة المالية عن الإدارة الفنية في المعارف؟
ج6) أما هذا السؤال عن فصل الإدارة المالية في المعارف عن الإدارة الفنية فيها فإن الحقيقة هي انه كل إدارة منفصلة عن الأخرى في شؤون اختصاصها ولكنهما متصلتان في بعضهما في شؤون العمل.
س7) هل لمجلس المعارف جلسات ثابتة في الشهر أو الأسبوع مثلاً؟ ومتى تكون مواعيد هذه الجلسات؟
ج7) إن مجلس المعارف ليس له جلسات مقررة ثابتة، ولكنه يجلس غالباً في كل أسبوع مرة في ليلة الثلاثاء، وقد يجلس في الأسبوع مرتين إذا دعت الحاجة، وهذا كثيراً ما يحدث.
س8) هل تقوم إدارة الأشغال العامة بمساعدة إدارة المعارف ببعض البناء أو غير البناء؟
ج8) أما السؤال عما إذا كانت إدارة الأشغال تقوم بمساعدة المعارف في بعض البناء أو غيرها، فالجواب عليه أن إدارة المعارف إلى الآن لم تطلب من الأشغال أن تساعدها في شيء من الإنشاءات، ولكن المعارف تطلب دائماً من الأشغال أن تضع التخطيطات والخرائط لمنشآتها وتطلب منها أن تزودها في كثير مما يحتاج إليه الفن، حيث أن لدى الأشغال العامة الكثير من المهندسين على تنوع أعمالهم. ولكن المعارف قد أحالت إلى مراقب الإنشاء أن يعهد إلى عدة شركات (كويتية إنجليزية) أن يتعاقد معها على إنشاء عدة مدارس منها مدرسة الصناعات ومطبخ عام للتغذية، وتتقاضى هذه الشركات %15 من تكاليف هذه المنشآت.
س9) ما رأيكم في نظام إدارة المعارف الحالي؟ وهل فكرتم في وضع نظام خاص يحدد الاختصاص فيها؟
ج9) أما سؤالكم فيما يتعلق بنظام الاختصاص في إدارة المعارف فالجواب عليه: أن المعارف الآن لديها شيء من الاختصاص، ولكنه لايزال ناقصا عما يفي بالمرام، ويجب التفكير في تنظيمه من رجال ذوي خبرة في التنظيم فلقد تضاعفت أعمال الإدارة وتضاعفت المدارس أضعافا عما كانت عليه قبل أربع سنوات» فمن الواجب أن يكون تنظيم الإدارة في أعمالها تابعا لهذه المضاعفات، وخصوصا إذا علمنا أن هذا التنظيم في الإدارة كان على شكل بدائي يتناسب مع البيئة التي بدئ فيها ولا يتفق مع ما هي عليه الآن.
س10) ما رأيكم في نشرة (البعثة)؟ وهل توجد لديكم بعض الملاحظات حول ما ينشر فيها؟ وما هي النصائح التي توجهونها إلى أبنائكم طلبة البعثة في مصر خاصة، وفي غيرها عامة؟
ج10) أما رأيي في نشرة البعثة فإني معجب بها ومسرور من توجيهاتها في كثير من الحالات، ولا يحضرني الآن شيء من الملاحظات، وليس لدي ما أقوله بهذه المناسبة إلا أن أحيي طلاب البعثة، وأحثهم على أن يجهدوا أنفسهم في الاستزادة مما اغتربوا لأجله وهو العلم، ففي وسع كل واحد منهم اليوم أن يبني نفسه وشخصيته المستقبلة على أساس يتفاوت ضعفا وقوة على قدر ما يحصل من العلم والأخلاق والفضيلة، فالعلم نافع لاشك فيه، والأخلاق الفاضلة نافعة رافعة.
وفي إجاباته نلاحظ الصدق وعدم التهرب عن الأسئلة المحرجة، بل هو يقر بأن بعض الأسئلة فتح له باب لعمل جيد كالسؤال عن استملاك بيت الكويت في القاهرة، وهو الأمر الذي تم بعد ذلك بزمن طويل.
***
وعلى الرغم من كثرة أعماله في دائرة معارف الكويت، ومجابهته للنمو المستمر في عدد الطلاب، وما يحتاجون إليه من مدارس ومدرسين وأدوات دراسية، وعلى الرغم من متابعته شؤون الموظفين والمعلمين، فإنه كان حريصا على مواكبة النمو، وكان يزداد مقدرة على مواجهة كل ما يقتضيه عمله، فهو يتقدم دون تردد إلى إنجاز كل ما يراه مفيدا ومواكبا للتطور.
وهو في سبيل ذلك يحضر الكثير من الاجتماعات التي تدار في الدائرة وفي خارجها فيعرف من خلالها الكثير، ويُثري النقاش الذي يدور فيها طارحا ما تجمع له من خبرة طوال فترة عمله منذ بداية حياته العملية وكانت الاستفادة متبادلة بينه وبين حاضري الاجتماعات وكان أيضا من أحرص الناس على حضور الاحتفالات التي تقيمها دائرة معارف الكويت في مختلف المناسبات وقد رصدنا له حضورا في الحفل الكبير الذي أقيم في مدرسة الشويخ الثانوية بمناسبة غرس الشجرتين المهداتين من مصر، ووجدناه على صلة بعدد من العلماء والمفكرين يجلس معهم وكأنه واحد منهم يتبادل معهم الأفكار والمعلومات، كما وجدناه يسافر إلى القاهرة إذا اقتضى الأمر لكي يتابع الأنشطة الطلابية التي يقوم بها أبناء الكويت هناك، وقد كانت من ذلك رحلته التي أشارت إليها مجلة البعثة في عددها الصادر في شهر نوفمبر لسنة 1951م. هذا إلى جانب معارفه الكثيرين الذين يجدون فيه نعم الصديق، فهو إلى جانب وفائه وإخلاصه موضع استشارة للجميع بفضل ما يتمتع به من خبرات، هو إلى جانبها صاحب ثقة يشير على من يسأله عن إحدى المسائل بما يرضيه، ويزيل العقبات من طريقه.
ووجدناه ـ كذلك ـ أديبا ينضم إلى النادي الأدبي الكويتي فور إنشائه في سنة 1342هـ (1923م)، وقد أجرت مجلة «الرائد» حديثا مع المرحوم محمد العتيبي نشرته في عددها الصادر في شهر يناير لسنة 1953م كان موضوعه عن النادي الأدبي، وقد ذكر أن سليمان العدساني كان من أعضائه الأوائل. وعندما سأله المحرر: هل تذكر من كان أكبر الأعضاء ومن أصغرهم سنا؟ رد بطرافة جميلة فقال: (كان السيد سليمان العدساني مد الله في عمره أكبر سنا، وأحب أن أقول إني كنت أصغرهم، لولا أني لا أحب الكذب، ولهذا فإني سوف أعطي الدرجة للسيد خالد الأحمد المشاري).
كما للعدساني شعر لطيف، وكان يسهم به في المناسبات التي تطرأ في البلاد، ذكر ذلك الشيخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه (تاريخ الكويت) وأفرد له فصلا خاصا تحت عنوان (الفاضل الأديب سليمان أفندي العدساني) وقد ورد في الكتاب عنه ما يلي: (في رمضان سنة 1342هـ (1924م) زار الأستاذ الشيخ محمد الشنقيطي الكويت فأقام له النادي الأدبي هناك حفلة تكريمية ألقيت فيها عدة قصائد وخطب وكان صديقنا الفاضل من جملة الشعراء والخطباء وهذه هي قصيدته الغراء.
يا قوم إن نزيلكم
هذا هو الرجل الوحيد
الناطق الحق الصراح
وانه في ذا فريد
أني وقفت خطيبكم
يا ليت شعري هل اجيد
يا شيخ أنت رجاؤنا
في نهضة النشء الجديد
عصر الخرافة قوضت
اركانه حتى أبيد
يا شيخ انت سهامنا
ان كابر الخصم العنيد
ثابر فخلفك عصبة
قد أقسمت أن لا تحيد
فتخط للعليا بها
يا صاحب الرأي السديد
وكذا أقام النادي حفلة تكريمية لفضيلة الزعيم التونسي الكبير الاستاذ عبدالعزيز الثعالبي عندما زار الكويت في رحلته الكبيرة سنة 1343 وقد القى الكثير من الفضلاء امام الاستاذ خطبا وقصائد نفيسة وكان صاحبنا من جملة من قام شاعرا وخطيبا وهذه نبذة من قصيدته البديعة:
يالقومي وما عهدت كراما
الفوا الذل فانهضوا باعتزام
من لحمل اللوا وصد الاعادي
من لصون الحمى ورعي الذمام
ليس عيش الجبان يا قوم عيشا
فدعوا الجبن وانهضوا للامام
ان هذي الحياة دار عراك
عاش فيها من الانام العصامي
كان هذا الصديق الفاضل من المجيدين في نظمه ونثره معا على عدم اكثاره وهو اقدم رجل في الكويت تعاطى الكتابة على صفحات الجرائد.
وهنا نرى الشيخ الرشيد وهو يشهد في آخر كلامه شهادة لسليمان العدساني بأنه من المجيدين في النظم والنثر، وانه اقدم من كتب في الصحف من ابناء الكويت وهذا في حد ذاته دليل على حبه للأدب، وعلى اطلاعه الواسع.
اذا فقد كان سليمان خالد العدساني كتلة من النشاط تجده في كل مجال. لا يتردد في تقديم ما يمكنه ان يقدمه من خدمات لوطنه، وهو محبوب عند الناس وجدت فيه الجهات التي عمل بها رجلا لا يهدأ، ولا يتوقف عن العمل، لقد كان حب العمل يملؤه، وكان حب الخير يدفعه الى المزيد منه.
يمتاز ابو خالد بخلق قويم، وصدق في التعامل مع الناس، ووفاء نادر، كما يمتاز بأنه ناطق بالحق حتى ولو على نفسه، ومما رصد له في قول الحق ما ذكره اخي الاستاذ عبدالله الجاسم العبيد الذي كان يعمل في وزارة التربية اثناء ما كان صاحبنا مديرا لشؤونها الادارية والمالية، وتقدم ابو رائد الى المدير بطلب يشبه كثيرا الطلبات التي يتقدم بها الموظفون الى مديري دوائرهم، وكان الأمل كبيرا في موافقة سليمان العدساني على هذا الطلب، ولكن الأخ عبدالله أصيب بخيمة أمل حين وجد التأشيرة مخالفة لما توقع فقد رفض المدير تلبية طلبه. واحتار أبو رائد فترة ثم قرر مواجهة الموقف عن طريق مقابلة المدير وشرح ظروفه له، فهو لا يزال واثقا من أن الموافقة آتية. وقد استقبل المدير عبدالله بحفاوة، ثم استمع إليه وهو يشرح طلبه قائلا في الختام: إنني عندما تقدمت بهذا الطلب كنت متأكداً أنه لا يخالف بندا واحداً من بنود اللوائح المالية أو الإدارية ولذا فقد كان أملي كبيراً في موافقتك عليه.
تأمل العدساني الأمر جيداً، ووجد أن كلام صاحب الطلب صحيح، فاستعاد الورق الذي كانت الإشارة عليه، ومعها استعاد ما فطر عليه من قول الحق فكتب تحت ما كتبه سابقا قوله: (ما كان لي أن أوقع على ما سبق وأنا اليوم أوافق على طلب الموظف عبدالله الجاسم العبيد). خرج أبورائد من المكتب سعيدا، معجبا باهتمام المدير بالموضوع وبحرصه على قول الحق ولو كان على نفسه، وقد قال لي وهو يروي حكايته هذه إن العدساني كان محبوباً من كافة العاملين معه، والمراجعين للإدارة بشأن أعمالهم الخاصة وكل ذلك بسبب المواقف المشابهة لهذا الموقف الكريم.
أما فيما يتعلق بعدم تردده في النطق بكلمة الحق فلدينا مثال عليه نشرته مجلة «البعثة» في عددها الصادر في شهر سبتمبر لسنة 1953م، وكان ملك العراق ووصيه قد زارا الكويت زيارة رسمية في تلك الفترة، وفي جلسة هادئة أعقبت احدى الولائم، قالت البعثة: وجه السيد سليمان العدساني مدير ادارة المعارف سؤالا إلى الملك فيصل قائلا: إن مصر قد أهدت إلى الكويت شجرتين لغرسهما هنا، حتى تتمكن المحبة والأخوة بين البلدين، فهل لكم أن تتكرموا بإعطائنا قليلا من ماء العراق لري هاتين الشجرتين كي لا تمتد اليهما يد الفناء، فرد الوصي قائلا: إن العراق لا يرى أي مانع لمد الكويت الشقيقة بالماء، بل إن العراق يرحب كل الترحيب بمد الكويت بالماء لري هاتين الشجرتين وغيرهما ايضا، كانت هذه هي الوسيلة التي وجدها سليمان العدساني ليعبر عن رغبة الكويت في الحصول على المياه، ولو كان يعلم الغيب لرد على الوصي بقوله: في المشمش. أو قال له كما نقول نحن: (في العيد).
***
ومن أنشطة سليمان العدساني السياسية قيامه بتمثيل اللجنة العامة للشعب الكويتي التي تشكلت منذ سنة 1936م وقامت بجمع الأموال للمساعدة في المجهود الحربي الفلسطيني عند بداية النكبة. وقد تولى العدساني بصفته هذه الكتابة إلى مجلة «الفتح» المصرية ضمنها احتجاج شعب الكويت على قرار اللجنة الملكية البريطانية بتقسيم فلسطين ومع رسالته برقية صدرت بتوقيعه إلى عصبة الأمم، وبرقية ارسلها الى البرلمان الإنجليزي ووزارة المستعمرات، وقد سبق لنا سرد هذه الوقائع في مقال سابق من مقالات» الأزمنة والأمكنة تحت عنوان: «الكويت وفلسطين تاريخ يشهد» وكان ذلك في جريدة «الوطن» كما هو معروف من موقع سلسلة المقالات التي أكتبها.
لقد كان سليمان خالد العدساني رجل دولة وشاعرا وكاتبا، ومديرا لأهم جهازين في البلاد هما دائرة بلدية الكويت ودائرة معارف الكويت، وقد برز فيهما لانه كان مولعا بالعمل، مغرما بالتنظيم وحسن الادارة، نظيفا بعيدا عن استغلال عمله في أمور شخصية له.
ولقد كان حرص المرحوم سليمان العدساني يدفعه الى العمل في كافة الظروف، ولم يكم المرض يمنعه من القيام بواجبه تجاه المسؤوليات الملقاة على عاتقه. ولعل ما رواه لي الأخ الكريم الاستاذ خالد العيسى الصالح فيه أبلغ الدلالة على ذلك. فقد حدثني انه كان يرغب في عرض طلب يتعلق بمصنع البلاط «الكاشي» الذي يملكه على دائرة المعارف، وكان طلبه هذا يشمل اثنين من أهل البلاد لديهما أعمال مشابهة، والأعمال في ذلك الوقت تتزايد ولكنهم لم يحظوا بشيء منها، وقد وجدوا ان مدرسة الشويخ الثانوية نظرا لحجمها الكبير تحتاج إلى أعمال كثيرة في استطاعتهم القيام بها ولكنهم كانوا محرومين من ذلك. هذا الامر جعل صاحبي يكتب رسالة شارحة، يبين فيها ما يستطيعون أداءه من أعمال. ويبين أن مقاول العمل لم يسند اليهم أية مهمة وهم أولى من غيرهم بصفتهم من أبناء البلاد.
يقول الأستاذ خالد أخذت الرسالة واتجهت إلى دائرة المعارف التي كان مديرها المالي والإداري ـ آنذاك ـ المرحوم سليمان العدساني. ولكني عندما سألت عنه في مكتبه علمت أنه مريض، وأنه يلازم الفراش في منزله. يقول: سألت عن منزله واتجهت إليه ـ دون أن أنتظر شفاءه ـ وطرقت الباب ثم دخلت عليه وإذا هو فعلا في حالة المرض، ولكني لم أتردد في التحدث إليه حول ما جئت إليه من أجله، وعرضت عليه الرسالة التي حملتها إليه، واطلع عليها، وبعد تداول كلمات قليلة وافق على ما جاء فيها وأمر بإسناد أعمال من أعمال المدرسة إلينا، وقد تم ذلك ووزعت علينا أعمال متعددة قام كل واحد منا بما يناسبه منها.
لم يمنع المرض العدساني من العمل، ولم يمنع خالد العيسى الصالح من طلب حاجته.
توفي رحمه الله في اليوم الثامن من شهر يونيو لسنة 1975م.