أسرار الغزو يكشفها الشيخ سعود الناصر الصباح
أسرار الغزو يكشفها الشيخ سعود الناصر الصباح
أسرار يكشفها لأول مرة سفير الكويت بواشنطن الشيخ سعود الناصر الصباح عن الغزو العراقي الغاشم والتحرير، ويروي الدقائق والمواقف الصعبة ، بدءاً من الرسالة المشؤومة التي بعث بها وزير خارجية العراق آنذاك طارق عزيز الى الجامعة العربية، والتي تضمنت تهديدا للكويت والامارات، وصولا الى ما بعد التحرير.
في الحلقة الاولى من اللقاء، يكشف الشيخ سعود الناصر كيف ان الصدفة هي التي قطعت اجازته في 13 يوليو عام 1990، بعدما تلقى الرسالة المشؤومة، رغم ان بعض المسؤولين داخل الكويت كان يرى ان الوضع لا يتطلب! ويقول انه استدعي على عجل الى البنتاغون قبل 48 ساعة من الغزو وبلغت «عليكم طلب المساعدة لتفادي الكارثة.. الا ان الحكومة الكويتية كانت على قناعة بأن الحشود هي للابتزاز بسبب ما نقله الوسطاء من تطمينات عن صدام حسين». وروى الشيخ سعود الناصر علاقته بالسفيرة الاميركية لدى بغداد ابريل غلاسبي وكيف كانت «تنصحه بتوطيد علاقاته مع العراقيين.. لا السعوديين»، وقال ان غلاسبي كانت معجبة بشخصية صدام حسين، ولم تنقل الرسالة التي كلفت بها، ولذلك تم توبيخها.
كما بيّن الشيخ سعود الناصر ان السفير السعودي لدى واشنطن آنذاك الامير بندر بن سلطان استدعي الى البيت الابيض، وابلغه بوش بأن القوات العراقية ستدخل المملكة وعليكم الموافقة على إرسال قوات.
وفي ما يلي نص الحديث:
القناعـة في الكويت كـانت أن الـحـشـود للابتـزاز تهديد إسرائيل
> في واشنطن كيف تصف لقاءك مع عدد من السفراء العرب عندما كنت عميدا للسلك الدبلوماسي العربي مع اركان وزارة الخارجية الاميركية ابان الحملة التي كان يقودها العراق في موضوع التسلح وتهديد اسرائيل بالضرب بالاسلحة النووية والكيميائية؟
- كان شغلي الشاغل في تلك الفترة هي الحرب العراقية - الايرانية، وموقف الكويت آنذاك في غاية الحرج تجاه المعركة التي تدور في منطقتنا، والجانب الآخر القضية العربية الاخرى التي كانت على رأس اولوياتنا وهي القضية الفلسطينية واقولها بكل امانة ان همنا الاساسي هو امر نابع من حكومتنا ايجاد حل للقضية الفلسطينية.. وبشأن الحرب العراقية الايرانية، كان هدف الكويت هو عدم انتشار هذه الحرب كي لا تصل الى الكويت، ودخلنا في مشاكل عديدة منها حرب ناقلات النفط، حيث تعرضت ناقلات النفط الكويتية للضرب محاولة في عدم تصدير النفط الكويتي، وقرار الحكومة الكويتية بطلب المساعدة من الدول الكبرى ورفع اعلام دولهم على هذه السفن.
> هل ذهبت الكويت اولا الى الاتحاد السوفيتي؟
- عندما طلبت الكويت من الولايات المتحدة ان ترفع العلم الاميركي على السفن الكويتية كان هناك تحفظ من خفر السواحل الاميركي لان هذه السفن لا تنطبق عليها المواصفات ولم يكن على متنها ملاحون من جنسية اميركية، ثم ذهبت الكويت الى الاتحاد السوفيتي وطلبت توفير الحماية لهذه السفن من خلال رفع العلم السوفيتي وقد وافقت موسكو فورا لان ليس عندهم الاجراءات الموجودة عند الاميركان، ثم تحولت هذه القضية الى قضية سياسية كبرى، ووصل الموضوع الى البيت الابيض، وكان قرار الكويت محل انتقاد لانها لجأت الى الاتحاد السوفيتي، ولم يعرف في ذلك الوقت ان للكويت اتصالات مع الولايات المتحدة ولديها رغبة في رفع العلم الاميركي ولكن خفر السواحل كان هو العقبة، والعملية تصاعدت الى المستوى السياسي، ثم اتخذ قرار من البيت الابيض لتجاوز هذه الشروط والموافقة على رفع الاعلام الاميركية على السفن الكويتية.
وتعرضت بعض هذه السفن للضرب من جهات في الخليج، وبالرغم من كل ذلك صمدت الكويت امام هذه الظروف الصعبة في الثمانينات.
وعندما حصل التصعيد بين النظام العراقي واسرائيل ودار الحديث عن امتلاك العراق لأسلحة نووية ظهر رئيس النظام العراقي في مؤتمر صحفي ليعرض جهازا يوضح ان لدى العراق القدرة على إنتاج اسلحة نووية، وهذا كان محل اهتمام من الولايات المتحدة. وكان وقتها العراق يحظى بدعم عربي واقليمي، وترأست وفدا من السفراء العرب بينهم السفير العراقي وذهبنا لمقابلة وكيل وزارة الخارجية الاميركية لاري ايغلبيرغر ونقلنا له قلق مجلس السفراء العرب والدول العربية من مسألة التصعيد مع العراق، واستمع لنا بكل احترام، وقال ان هذا الامر في غاية الاهمية بالنسبة للولايات المتحدة، وقبل ان نغادر طلب مني البقاء، ثم قال لي: «انا اكلمك الآن كسفير للكويت ويجب ان تعرف ان الوضع في غاية الخطورة، وهو لايشكل خطرا علينا في الولايات المتحدة، بل يشكل خطرا عليكم انتم في الكويت «لأننا نعلم ان تطوير الاسلحة النووية يهدد امن الكويت، وامن المنطقة ككل، وانتم حلفاؤنا واصدقاؤنا في هذه المنطقة، ونحن نراقب الوضع عن كثب»، وهذه كانت مسألة واضحة بأن ما سيقدم عليه رئيس النظام العراقي هو تطوير اسلحة الدمار الشامل بما فيها النووية للهيمنة على هذه المنطقة؟
17 يوليو 1990
> في 17 يوليو 1990 وجه رئيس النظام العراقي خطاباً تضمن تهديداً للكويت والامارات؟
نقطة التحول، هي مذكرة وزير خارجية العراق طارق عزيز الى الجامعة العربية في 17 يوليو 1990، الذي اتهم الكويت فيها بسرقة النفط العراقي، وزيادة الانتاج، وخفض اسعار النفط، وتهديد الامن العراقي، فكانت هذه رسالة واضحة بأن هناك نوايا عدوانية، وايضا بلقائي مع ايغلبيرغر تحدث انه بعد نهاية الحرب العراقية - الايرانية ستكون منطقتكم هدفه، لأن هذا النظام لن يستطيع العيش بسلم وأمن مع جيرانه، ونصيحتي لكم بأن تكونوا حذرين مستقبلاً.
الإجازة في الكويت
يوم 17 يوليو 1990، كنت متوجهاً مع الاسرة في اجازة الى الكويت، وعادة نستقل الطائرة من واشنطن الى نيويورك ثم الكويت، ولحسن الحظ شاء القدر أن نستأجر باصا للسفر الى نيويورك، لأن عددنا كبير، وانا في طريقي الى ركوب الباص، واذ بالمسؤول عن الرمز بالسفارة يلحق بي بالرسالة المشؤومة، وقرأت الرسالة مراراً، بينما انا في الطريق، وعلمت ما بين السطور، واجريت اتصالات مع بعض المسؤولين في الكويت اثناء الرحلة لشعوري بخطورة هذه الرسالة، وبعض المسؤولين لم يعط هذه الرسالة اهمية، وقالوا ان هذه الرسالة لا تستدعي ان تقطع اجازتك وتوكل على الله، واحضر الى الكويت.
ولما وصلت الى نيويورك، وصلت الى قناعة ان سفري الى الكويت في هذا الوقت غير مناسب، وقررت البقاء، بينما اكملت الاسرة طريقها الى الكويت.
ومنذ 17 يوليو بدأت الاحداث تتلاحق، وكان لي لقاء شبه يومي مع الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع الاميركية لاطلاعي على مستجدات الازمة التي بدأها النظام العراقي تجاه الكويت.
حرص الإدارة الأميركية
> هل كان ذلك بناء على طلبك؟
- نعم، كان بناء على طلبي، وحرص الادارة الاميركية على اطلاعي على كل صغيرة وكبيرة، فيما يدور على الحدود الكويتية - العراقية والحشود التي بدأت تتكاثر، وكان يتم اطلاعي بصورة واضحة ودون اي تحفظ، وكل الاجتماعات التي تمت في وزارة الدفاع الاميركية كان يحضرها رجال من الاستخبارات العسكرية، ويأتونني بصورة مأخوذة من الاقمار الصناعية عن مواقع القوات العراقية وعددها وآلياتها، وكل ما يتعلق بهذا الموضوع على الحدود بين العراق والكويت.
وكان واضحاً ان هذه الحشود ابعد بكثير من تهديد الكويت، وظهر تساؤل الغزو.. هل ستغزو هذه الحشود الكويت، ام هي مناورة لإجبار الكويت على الرضوخ للمطالب العراقية، حيث كان العراق يطالب الكويت بدفع 10 مليارات دولار، والكويت وعدت بتقديم مبلغ اقل على فترات، اذ ان نية الكويت كانت المساعدة.
> هل لديك تفاصيل اكثر عن الحشود وكيف كانت تنقلها الاقمار الصناعية؟
- اذكرها جيداً، وهي 3 فرق من الحرس الجمهوري، وهي فرقة حمورابي، وتوكلنا والمدينة المنورة، وكان تعداد هذه الفرق يفوق 120 ألف جندي، ناهيك عن الآليات، وكانت الصور امامي واضحة من وسائل الاستخبارات الاميركية، وكان موقف الولايات المتحدة هو التساؤل عما نريد عمله لأننا لا نعلم نوايا العراق.
كنت أُزود الاخوان في الكويت بكل المعلومات وكانت القناعة في الكويت بأن الحشود للابتزاز، اذ كانت هناك تحركات سياسية عربية قام بها الرئيس المصري حسني مبارك والملك الاردني الراحل حسين وياسر عرفات ووزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، ونقلوا تأكيدات بعد زياراتهم الى العراق بانه لن يكون هناك غزو، كما سمعوا من الرئيس العراقي، وان ما على الحدود مجرد مناورات دورية، ولم يسبق بان قام العراق بتدريبات عسكرية بهذا الحجم، وخاصة في هذه المنطقة، واصبح لدى الادارة الاميركية نوع من الشك في النوايا، وليس في النوايا العراقية فقط، بل نوايا بعض الوسطاء الذين كانوا يأتون الى الكويت لإعطاء التطمينات لها، ولمست من الادارة الاميركية ان الوضع لا يقبل الانتظار.
السفيرة الأميركية
> ماذا عن دور السفيرة الأميركية في العراق غلاسبي ولقائها مع صدام حسين؟
- الكلام الذي كتب عن هذا الموضوع كثير، ولكن لم يتطرق احد لموضوع مهم جدا، وانا اعرف هذه السفيرة بشكل جيد عندما كانت في ادارة الشرق الاوسط في الثمانينات، فهذه المرأة كانت من اشد المعجبين بالرئيس صدام حسين وكانت تنصحني اثناء زياراتي الى الخارجية الاميركية بان نضع يدنا بيد صدام، «واحذركم من السعودية فهي ليس لها ثقل او اهمية»، وقد قالت لي ذات مرة «ألاحظ ان علاقتك بسفير السعودية علاقة حميمة وهو صديق خاص لك، لكن عليك الابتعاد عنه وفي المقابل عليك توطيد علاقتك مع العراقيين فهذا هو المهم»، ولم أكن أرتاح لأسلوب هذه المرأة اطلاقا، وعند تعيينها في بغداد كان لي تساؤلات كثيرة، وارجع الى موضوع اجتماعها مع الرئيس العراقي، ابلغتني وزارة الخارجية الاميركية، وهم للامانة وزارة الخارجية والدفاع ومجلس الامن القومي والبيت الابيض كانوا على اتصال دائم معي ومستمر بكل التحركات التي كانت تحصل على كل الصعد: السياسي والدبلوماسي والعسكري، فابلغوني ان صدام طلب مقابلة السفيرة واطلعوني على التعليمات التي بعثوها للسفيرة.
واطلعت على برقية من وزارة الخارجية الاميركية لسفيرتهم في بغداد بانه يجب ان توضح خلال هذا اللقاء ما هي النقاط المهمة واحداها عدم قبول الولايات المتحدة لاي نوع من التهديد لأمن الكويت، ولكن ما حصل ان السفيرة ذهبت للقاء صدام وكانت مندهشة لانها اول مرة تقابله، وكانت سعيدة بهذا اللقاء والتقت بصدام ولم تنقل له التعليمات التي وردت اليها من الخارجية.
وعندما سألها صدام عن موضوع الخلاف الحدودي مع الكويت قالت له ان هذه «شؤون داخلية نحن لسنا طرفا فيها».
ضوء أخضر
البعض فسر ذلك انه ضوء اخضر لصدام لغزو الكويت، وهذا باعتقادي ليس الواقع، واعتقد ان من اعطى الضوء الاخضر لصدام لغزو الكويت هو سلوك واسلوب السفيرة الاميركية في لقائها مع صدام حسين، والغريب انها سافرت بعد اللقاء وقبل الغزو، وبعدها وصلت برقية من بغداد للولايات المتحدة حول اللقاء واطلعوني عما جرى وكانوا قلقين جدا من هذا اللقاء وايضا اوضحوا لي ان السفيرة لم تنقل بدقة وامانة المعلومات التي وردت إليها من الخارجية الاميركية وقد تم توبيخ السفيرة غلاسبي وعلى اثره غادرت بغداد.
الموقف الأميركي
> .. ولكن الولايات المتحدة لم توضح موقفها من اي عمل عسكري محتمل؟
- في تلك الفترة كان هناك مناقشات عديدة بين المسؤولين في الادارة الاميركية حول ماذا سيكون الموقف في حال تعرض الكويت لاي عدوان، وكان مثلا السفير جون كيلي مدير ادارة الشرق الادنى في الخارجية ،وهو بالمناسبة من اصل عربي، يسرب انه ليس بيننا والكويت اي اتفاقات امنية، واعطى انطباعاً بأن ليس للولايات المتحدة اي التزام في الدفاع عن الكويت، وان الكويت لم تطلب ذلك.
ومع تصاعد الموقف، وتحديداً قبل اجتماع جدة الشهير، استدعيت بشكل مفاجئ مع مساعد وزير الخارجية ورئيس احد اجهزة الاستخبارات العسكرية الى البنتاغون، حيث اطلعوني على الصور التي التقطتها الاقمار الصناعية وأبلغوني بصريح العبارة وبالدلائل القاطعة، وقالوا لي نحن نجتمع معك منذ اكثر من اسبوعين، ونطلعك بالصورة، ونقدر ظروف الكويت السياسية، ولكن نحن امام مسؤولية كبيرة، ويجب ان نضعك في الصورة: ان الكويت في خطر.. ونبلغك بأن جميع وحدات القوات العراقية قد انتقلت من مواقع دفاعية الى مواقع هجومية، ونحن في الولايات المتحدة نحذر من غزو واجتياح عراقي متوقع خلال 48 ساعة، اذ ليس باستطاعة القوات العراقية ان تبقى لفترة اطول من 48 ساعة في وضع الهجوم، ثم سئلت بشكل صريح «هل هناك رغبة من الحكومة الكويتية بطلب مساعدة اميركية للدفاع عن الكويت، نريد ان نعرف اليوم»؟ وعليكم ان تطلبوا المساعدة لتفادي الكارثةواكدوا لي بأن الامارات اختارت طلب المساعدة من الولايات المتحدة، لأن التهديد كان موجهاً لها ايضا، وتم ارسال طائرة تزويد الوقود بالجو، كرمز للتواجد العسكري، وابلغوني ايضا بأن الفرقة الاميركية 82 المنقولة الموجودة في كارولينا الشمالية جاهزة للتحرك فوراً الى الكويت، ولديها التعليمات للتحرك خلال ساعات.
> ثم ماذا؟
- لقد نقلت هذه المعلومات الى الكويت، ولكن لا ألوم الحكومة الكويتية آنذاك، فهي في وضع حرج جداً بأن تلجأ الى الولايات المتحدة بعد التأكيدات من القادة العرب، وكان وقتها مؤتمر جدة، وهو في رأيي مسرحية، لأن عزت ابراهيم لم يأت بصلاحيات، بل جاء لكسب المزيد من الوقت وحشد المزيد من القوات.
وجاءني الرد من الكويت بأن البلاد تمر في ظروف لا تستطيع خلالها طلب قوات اجنبية، ولا ننسى ان موضوع رفع علم الولايات المتحدة في الثمانينات سبب لنا مشاكل كثيرة مع العالم العربي، فما بالك لو طلبنا قوات اجنبية بعد تأكيدات اكبر القيادات العربية، بعدها علمت ان الامر في غاية الخطورة، ولمدة ساعات وليس اياما، ثم جاء فشل مؤتمر جدة ليعزز مخاوفي.
الكارثة
في فجر الثاني من اغسطس اتصل بي مسؤولو الاستخبارات العسكرية الاميركية، وابلغوني بأن القوات العراقية عبرت الحدود الكويتية، واستغربت الامر، خصوصا ان سمو ولي العهد كان عائدا للتو من مؤتمر جدة، وكان هناك اتفاق بأن هذه الاجتماعات هي الجولة الاولى وان هناك جولة ثانية في بغداد ثم ثالثة في الكويت، وكان هناك نوع من حسن النوايا، ولكن مع الوضع الجديد، كان السؤال الاهم هو عبور الحدود الى اين؟ لم نكن نعلم بذلك، واتصلت بأحد المسؤولين في الكويت للاستفسار، ولكن لم يكن لديه معلومة، بل ونفى لي خبر اجتياح القوات العراقية!
وهذا ما جعل الشك يتسلل الى اعماقي واتساءل: هل المعلومات صحيحة؟ ولم اعرف من اصدق الكويت ام الرواية الاميركية بأن صدام عبر الحدود.
فاتصلت مرة اخرى بالاستخبارات العسكرية، لكنهم اكدوا لي ان القوات العراقية عبرت الحدود، والآن متوغلة على الاقل 6 كيلومترات داخل الكويت، بعدها بساعتين جاءني اتصال من الكويت للتأكيد انهم عبروا الحدود، وهم الآن عند دوار مستشفى العظام، وهنا شعرت بأن الزلزال والكارثة حلا.
ردة الفعل
> كيف تصف لنا ردة الفعل الأولية لديك ولدى الادارة الأميركية؟
- في البداية حاولت اجراء اتصالات مع كبار المسؤولين في الكويت، ولكن لم يحالفني الحظ، بسبب الربكة داخل البلاد وانتقال المسؤولين الى القيادات العسكرية، ثم علمت ان سمو رئيس الوزراء الشيخ صباح خرج من وزارة الخارجية قبل تطويقها، ثم علمت ان سمو الأمير وولي العهد غادرا دسمان واتجها جنوباً الى الحدود السعودية، وكان الهم الاساسي هو ان تكون الشرعية الكويتية بأمان من هذا الغزو.
وسائل الإعلام
بعدها مباشرة، بدأت وسائل الاعلام جميعها تتناقل خبر الغزو، وكان هناك قلق في الادارة الاميركية، وعتب علينا لأنهم حذرونا ولم نفعل شيئا.
وبعدها تمكنت من الاتصال بالشيخ صباح بعدما خرج الى السعودية واتفقت معه على خطة العمل لإجراء مؤتمر صحفي وطلب مساعدة الولايات المتحدة، وعقدت اول مؤتمر صحفي بينت فيه كل ما حصل وفندت كل الادعاءات العراقية من سرقة الكويت لنفطه وبينت ان العراق هو الذي كان يسرق النفط الكويتي.
ثورة في الكويت
وبعد ان غزا العراق الكويت، بدأ يدعي بان سبب الغزو ليس موضوع النفط، بل ان هناك ثورة في الكويت والثوار استعانوا بالعراق لمساعدتهم، وبعدها انتقل العراق الى لهجة اخرى وهي ان الكويت جزء من العراق واعتبرها المحافظة 19.
الحمائم والصقور
> في هذه الفترة، هل كان هناك انشقاق في الادارة الاميركية؟
- في الادارة الاميركية حمائم وصقور وآراء مختلفة، لكن موقف الرئيس الاميركي جورج بوش، وكان ذلك في يوم احد، كان مفاجئا لجهة دعمه الكويت، اذ ان لقاءه بالمسؤولين في كامب ديفيد لم يخرج باتفاق على اتخاذ موقف لمصلحة الكويت، بل تم التوصل الى صيغة عدم اتخاذ اي موقف الا بعد استكمال المشاورات.
ولكن الرئيس الاميركي جورج بوش اخذ على عاتقه ـ كموقف شخصي منه ـ هذا الاعلان، ووقتها رئيس هيئة الاركان المشتركة كولن باول تفاجأ بهذا البيان وذكر ذلك في كتابه.
> لماذا اتخذ الرئيس الاميركي هذا الموقف؟
- اعتقد انه كان يدرك خطورة الوضع اكثر مما كان يدركه المسؤولون في الادارة الاميركية، ومشاوراته مع رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر كان لها دور في حث الرئيس الاميركي، واذكر ان مشكلة قد حصلت داخل الادارة الاميركية بسبب هذا الموقف وعاد وزير الخارجية جيمس بيكر من خارج الولايات المتحدة للاعتراض، وفي المقابل كان وزير الدفاع ديك تشيني ومستشار الامن القومي يؤيدان، وكان الجميع ينتظر موافقة المملكة العربية السعودية على انزال قوات قبل اتخاذ اي قرار، وكان هناك نوع من تقييم الوضع بالنسبة إلى السعودية، وارادت المملكة من الولايات المتحدة ان تعطيها التزاما واضحا عن حجم القوات التي تنوي ارسالها كي لا تتورط بالموافقة ثم تقع في ما وقعت فيه نفسه من مشكلة تاريخية ايام حكومة كارتر عندما كان هناك تهديدات ايرانية للسعودية، وطلبت المملكة ارسال قوات جوية وتم ارسال طائرات، وبعد ارسالها اعلن كارتر ان هذه الطائرات لا تحمل ذخائر او اسلحة، فكانت السعودية تريد التزاما واضحا، اذ كان هناك تخوف من عبور القوات العراقية الحدود الكويتية السعودية واحتلال المنطقة الشرقية وكان هذا اخطر موقف، لانه في حالة عبور هذه القوات يكون التفاوض مع العراق للخروج من السعودية وتكون الكويت ورقة التفاوض، واستمرت اجتماعاتي مع وزارة الدفاع وكنت ارى عبر الاقمار الصناعية الكويت تجوبها الدبابات، وكيف تم توزيع معظم القوات في جنوب الكويت، والصورة كانت واضحة بان السعودية هي الخطوة الثانية، وكنت ألح على الأمير بندر للتحرك.
استدعاء الأمير بندر
بعدها تم استدعاء الأمير بندر إلى البيت الابيض وقابل الرئيس بوش، الذي ابلغه بان الامر خطير وان القوات العراقية ستدخل السعودية ويجب ان تنقل هذه المعلومات بأسرع وقت ونحن بحاجة لموافقتكم للنزول ولا نستطيع ان ندير حربا من البحر.
فخرج الامير بندر على عجل وابلغه الرئيس بوش ايضا انه سيرسل وزير الدفاع ديك تشيني ومستشار الامن القومي وقائد القوات المركزية الجنرال نورمان شوارزكوف الى المملكة لاطلاعهم على حقيقة الوضع بالصور والحقائق.
ورأيت الأمير بندر وهو يخرج على عجل من البيت الأبيض وأخبرني انه ذاهب الى السعودية، ولحسن الحظ ان نقص الامدادات لدى الجيش العراقي اعطى الفرصة للولايات المتحدة للتحرك بسرعة، وشعرت الولايات المتحدة ان التحرك البطيء قد يعطي العراقيين وقتا أكبر او فرصة لدخول السعودية، ثم ارسلت الولايات المتحدة ضمن قنوات لا استطيع ذكرها الآن والرسالة وصلت بوضوح وفهم العراق ما في هذه الرسالة.
تجميد الأموال
كشف الشيخ سعود انه يوم 2 اغسطس اي يوم الغزو اتصل به مستشار الامن القومي وابلغه بقرار الحكومة الاميركية بتجميد جميع الارصدة الكويتية، وان الاتصال لطلب الموافقة، مشيراً الى ان الكويت اعطت الموافقة على هذا الاجراء فورا لحماية الاموال الكويتية، واضاف «اصدر الرئيس قراراً اداريا بتجميد جميع الاموال الكويتية». ولفت الى ان الولايات المتحدة جمدت الاموال العراقية فورا من دون طلب الموافقة.
وقال الشيخ سعود انه يوم 3 اغسطس استلمت بعض المؤسسات المالية الاميركية فاكسا من الكويت لتحويل الارصدة الى مصالح عربية، ولحسن الحظ ان قرار الرئيس بوش صدر مبكراً بتجميد الارصدة والا حولت هذه الارصدة الى حسابات عراقية، ثم تم وضع آلية، بالتعاون مع وزارة الخزانة الاميركية، لمراقبة صرف كل دولار من ميزانية الكويت حفاظا على مصالحها.
وذكر الشيخ سعود ان هناك نوعين من التجميد، فتجميد أرصدة العراق كان عقابا، اما تجميد الارصدة الكويتية، فهو لحماية الاموال الكويتية.
|