أجرى الحوار جاسم عباس
11/12/2010 - القبس
أبناء الرعيل الأول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا من الاثنتين وذاقوا حلاوتيهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، إلى أن حققوا الطموح أو بعضاً منه. ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم فإن قاسماً مشتركاً يجمعهم، هو الحنين إلى الأيام الخوالي.
القبس شاركت عددا من هؤلاء الأفاضل والفُضليات في هذه الاستكانة.
في مستهل لقائنا مع عبدالرزاق السيد هاشم السيد عبدالوهاب الحنيان، قال: اسم الحنيان دخل علينا عندما دخل جدنا الكبير سيد يوسف السوق الداخلي (سوق التجار)، يتمشى فيه قبل مائة وخمسين سنة تقريباً، والذي كان يعتبر سوقا رئيسياً منذ البدايات الأولى للكويت، وكان يقع في قلب المدينة القديمة، وقف أمام بخار الرز (مستودع تحفظ فيه البضائع) والمواد الغذائية وأمام الباب يوجد كَبّان (أي ميزان كبير لوزن البضائع الثقيلة)، قال له أحدهم: ماذا تريد؟ أجاب: أنا من الحجاز جئت الكويت لأسترزق من الله تعالى. قال له: تعمل معنا على الكبان وتقوم بوزن الرز؟ فقبل العرض واستمر معهم، وكان صاحب الميزان حسن الحنيان، ومع الأيام ثبتت لهم أمانته وحرصه على العمل، فزوج الحنيان ابنته لجدي الكبير (يوسف)، وأعطاه بيتا وسجله باسمه، في أقل من شهرين، كان عمر سيد يوسف جدي الكبير حوالي 16 سنة، والبيت في الحي القبلي فريج الزبن.
قال عبدالرزاق الحنيان: أنا شاهدت البيت، واستمر النسب والاسم سيد يوسف الحنيان، ونحن من السادة الطبطبائية من المدينة المنورة.
مدرسة الحنيان
قال: عشنا وكبرنا في الحي القبلي فريج سعود خلف البنك المركزي الحالي جهة البحر، ونحن يا جاسم بالقرب من بيتكم وبيت عليكو (علي الحسيني) والعنجري، والسمكه، وحمادة وقبازرد والعدساني، وهذه المنطقة غنية بالخدمات ففيها مدرسة خالد بن الوليد وقريبة منها المدرسة المباركية والأحمدية.
وقال: والدي رحمه الله كان مدرسا في مدرستي المباركية والأحمدي وجدي السيد عبدالوهاب فتح مدرسة أهلية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره، في بيتنا في غرفة واحدة بمعنى أن المدرسة من فصل واحد، وكان يحفظ الأولاد ايضا الاحاديث النبوية.
وكان رحمه الله يذهب الى المدينة المنورة ليتزود بالعلم، وقد وضع لوحة على مدخل باب البيت كتب عليها «مدرسة الحنيان» كان يجمع الأولاد في حوش المنزل، وبعد أن توفي جدي استلمها والدي السيد عبدالوهاب لمدة 6 سنوات، من طلاب مدرسة الحنيان بعض أبناء آل الصباح الكرام، وأولاد الزبن والعنجري وأغلب أبناء الحي.
أضاف: أنا درست بمدرسة الروضة ناظرنا كان عقاب الخطيب، في عام 1945، وأنا من مواليد 1936 ومن المدرسين عبدالوهاب القرطاس وعلي القرطاس، ومن ثم درست في المدرسة القبلية ثم سافرت الى القاهرة، ودرست العلوم الاجتماعية.
الإذاعة الأولى
تحدث الحنيان عن اول اذاعة في الكويت عام 1947 في مبنى في ساحة الصفاة، وتعود الى مراد يوسف بهبهاني، كانت تبث فيها الاغاني المحلية والعربية والقرآن الكريم، وتبث بواسطة الاسطوانات، وفترة البث تستمر لساعتين يوميا، وفي عام 1950 اهدى مراد بهبهاني الاذاعة الى الشيخ عبدالله المبارك الصباح الذي كان مديراً للأمن العام آنذاك، وتم نقلها الى قصر نايف.
وقال الحنيان: وانا صغير كنت من عشاق سماع اذاعة الكويت، لدي جهاز الراديو (المذياع) وأتجول في حوش بيتنا، وفي السكيك وكنت اسمع صوت المذيع مبارك الميال، ويقول: هنا الكويت وسمعت صوت حمد المؤمن، واستمرت الاذاعة الى ان تمت توسعتها وتطويرها في نهاية الخمسينات، وطلبت من والدي ان يساعدني بالعمل في الاذاعة، لاني من عشاقها، فقالت والدتي ان الشيخ عبدالله المبارك الصباح يعرف والدك، وكان استاذه في المباركية، دخلنا عليه، رحمه الله، وكان عمري 16 عاما، وكان في ديوانه في قصر نايف عبدالرحمن البحر، والعصفور، ومحمد قبازرد، رحب بالوالد وطلب منه ان يساعدنا للعمل في الاذاعة الكويتية، نادى هاني القدومي، مسؤول الاذاعة وقال له الشيخ: هذا ولدنا اخذه ويداوم عندكم أتذكر عام 1952م، دخلتها وشاهدت غرفة الاسطوانات الحجرية معلقة بالمسامير، وبجانبها بشتخته وميكروفون، كان راتبي 150 روبية، وموقفها داخل قصر نايف، واما الارسال والبث فخارج السور، وأتذكر من المسؤولين عنها هاني القدومي، ثم جاء عبدالله النوري،
وزكريا الكردي، ومصطفى أبو غربية، ومن الموظفين حمد المؤمن وأنا «عبدالرزاق السيد»، ورضا الفيلي، وعبدالله خلف فنحن نذيع ونخدم ونعمل الشاي، ويوجد فراش واحد للتنظيف فقط.
وأضاف أن البث كان يصل الفحيحيل والأحمدي، وبعد أن استورد بهبهاني أجهزة الإرسال المتطورة، وصل سماع إذاعتنا إلى الهند، وكان بعض الناس يأتون من الهند يقولون: سمعنا صوتك يا عبدالرزاق في شارع محمد علي روود، وأذعت لأول مرة «ما يطلب المستمعون»، أغنية الفنانة صباح «عليادي عليادي»، وأتذكر أن طلبها محمد علي، ويوسف محمد ومحمد علي، وناصر عبدالعزيز.
وقال: كنت انتقل من بيتنا في فريج سعود إلى قصر نايف مقر الإذاعة على الدراجة الهوائية التي اشتراها لي والدي رحمه الله من سوق الغربللي، والبث الإذاعي كان في فترة الظهر.
أما يوم الجمعة فعلى فترتين صباحية ومسائية.
وذكر الحنيان أن أول نشرة للأخبار قدمت في يونيو 1960. أما اللغة الإنكليزية، فقدمت برامجها في عام 1967، وكانت الإذاعة الكويتية تابعة للشرطة والأمن العام ثم ضمت إلى المجلس الأعلى، وفي 1962 ضمت إلى وزارة الإرشاد والأنباء. وكان قسم الأخبار في بداية الإذاعة يلتقط الأخبار من إذاعات بغداد والقاهرة ولندن وصوت العرب، ومن ثم اشتركت إذاعتنا في وكالات الأنباء.
البرنامج الثاني
في عام 1964 افتتحت الإذاعة الشعبية، وتغير اسمها إلى «إذاعة البرنامج الثاني»، والفكرة جاءت من مصطفى أبو غربية، وأنا أول مذيع أرسلت إلى قطر والبحرين، لتسجيل وجمع الأغاني. القديمة في عام 62 - 1963، وثم ذهبت الى الامارات العربية وعمان، وكان معي جاسم شهاب، وجاسم كمال، ومنصور المنصور.
سنة البطاقة
وعن نظام توزيع المواد الغذائية ايام الحرب العالمية الثانية من 1941 وحتى 1947، قامت الحكومة بعملية تنظيمية بتوزيع المواد على الاهالي بنظام البطاقات، وجمعت المواد في مخازن حتى لا تستغل، ولا ترفع الاسعار، وضعت الدولة يدها على الرز والسكر والقمح، وفتحت مراكز في كل حي لتوزيع المواد بنسب معينة حسب تعداد افراد الاسرة، ويأتي رب الاسرة ببطاقته التموينية، وفيها تحديد العائلة، وتقوم المراكز بالتوزيع في يوم معين من الشهر، وعرفت بسنة البطاقة، وقد انتهى هذا النظام مع نهاية الحرب، وتسمى ايضا بدائرة التموين.
أمثال كويتية
وتحدث الحنيان عن المثل الذي يعتبر كلاما واضح المعنى ومختصرا للفظ، وكان المثل الكويتي متداولا اكثر على اللسان، فأين ذهبت تلك المعاني؟ اين الحكم البالغة التي تؤدي المطلوب؟ اين كلام الاقدمين؟ لماذا خلت المناهج من الامثال الكويتية؟ كم كنت اتمنى ان اسمع تلك الحكم من اولادنا كما قال المثل: ابريقه ما يطفي حريقه، واذا سلم العُود الحال تعود، أكل من لحم ثوره، تمره ما يضرها اللاموس، الدراهم كالمراهم، الروس نامت والعصاعص قامت، شد حزامك، الصباح رباح، الضيق بالقبر، قلبك مع العاقل مريح.
وقال: اذا تحدث رجل ما ولم يفهم منه، قالوا: هذا مثل ما يقول ذاك «صب حكنا اللبن» بمعنى لا نفهم منه شيء، بمعنى لا يتقن ما يقوله، كلامه مشوه، وحكمة قديمة نطقها الأجداد تختلف عن الكلمة الحالية وهي: كمبازي وهو شخص غير صادق بمعنى انه يلف ويدور، والآن يقولون «جمبازي، اللي يطق طبلة أنا قبله، ومن بغي العالي يصير على الراش، من برا الله الله، ومن داخل يعلم الله، ومن جابليا عزيمة بات بلا فراش، من حرك بلش، ومن حره الرمان أكلوا كشوره».
اللهجة الكويتية
أراد أبو عادل ان يتذكر بعض مفردات اللهجة الكويتية التي نسيت وقليلا ما تذكر على ألسن الابناء، ولكن تبقى الذكريات مرتبطة نحن آباء هذا الجيل عسى ان تبقى وتستمر، ولا نريد ان تمحى هذه الكلمات كحضارات سادت ثم بادت منها: مطيور ــ دفش ــ متعومس ــ اثول ــ يعايده ــ يدامره ــ الوقية ــ رشوش ــ ضماجير ــ ملبس ــ تنك ــ ثوم اليبل ــ مشحوف ــ شيص ــ خندريس ــ مريخ ــ لزوكه ــ خرمس ــ جبده تلوع ــ تواربتر ــ جاغ وجماغ ــ قرو ــ تكرفس ــ يلالي ــ امخزم ــ الزفت ــ زفره.
طريق الإذاعة
قال: عندما كنت أخرج من بيتنا في فريج سعود الحي القبلي، كنت اقطع الازقة، واشاهد النسوة ت يعرضن الملابس النسائية والرجالية للبيع، وسوق واجف (الحريم) وسوق الغربللي، وحمام لغسل اجسام الرجال، وبراحة السبعان (ابن بحر) وشاهدت العربات تجرها الحمير والخيول، ويضم هذا الطريق الشارع الجديد الذي يسمى شارع عبدالله السالم، فيه عشرات المحلات حيث تباع انواع من البضائع وفيه مقر لبنك الكويت الوطني، ومكتبات لبيع القرطاسية، والمقاهي قبل وصولي الى ساحة الصفاة ملتقى كل الناس وفيها كل حاجيات الناس، وفي الصفاة الامن العام والبنك البريطاني للشرق الاوسط، الذي تغير اسمه الى الكويت والشرق الاوسط، واتجه جنوبا الى قصر نايف أقيم من الطين على مرتفع سمي صيهد نايف، والآن محافظة العاصمة، وفيه مقر عملي (الإذاعة الكويتية)، وبالقرب منها دروازة الشامية التي كانت تسمى بوابة نايف، لقرب القصر منها، وحتى شارع الهلال كان يسمى شارع نايف، وكما سمعت أن كلمة نايف تعني «المرتفع أو الشموخ»، فكان قصر نايف على مرتفع، وفي هذه الساحة المشهورة معرض لسيارات فورد، ومبنى للشرطة، ومعرض شفروليه، ومقهى عباس ابو تقي وزمون، وقهوة بو حمرة، وفي وسط الساحة خزان كبير لمياه الشرب، ومواقف لسيارات الأجرة، وهناك مبنى للجوازات، وقديما كانت حفرة المسيل من ناحية الشرق، ومبنى للمالية، وساحة الصفاة تُعرض فيها أفلام الحرب العالمية الثانية، والأفلام المصرية قبل افتتاح دار السينما 1954 والساحة فيها عرضات ورقصات شعبية، وأيام الصيد فيها الدوارف (المراجح) وأم الحصين، وتأجير العربان تجرها الحمير المصبوغة بالألوان المختلفة، والفندق العصري، ومبنى اللاسلكي، ومبنى للبلدية، وبناية «أوميغا» وجاشنمال، وعندما تقف في الصفاة تسمع الراديوات، وأصوات الاستكانات، وتشاهد زجاجات النامليت، وتشاهد باعة النخي والباجيلا والكبة.
عبدالرزاق السيد مع الروضان ووزير أردني
مبارك الميال أول من أطلق عبارة «هنا الكويت»
قصر نايف أول مقر لإذاعة الكويت الأولى
ساحة الصفاة