جاسم محمد الإبراهيم()
(1268 – 1357هـ) (1869 – 1956م)
المولد والنشأة:
هو جاسم بن محمد بن علي بن محمد، من آل إبراهيم بن ريمان العنقري، أمراء ثرمدا في اقليم الوشم بنجد من بني سعد، من تميم رهط الصحابي الجليل قيس بن عاصم المنقري ... الذي استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجلسه على ردائه قائلاً: "اجلس إنك سيد أهل الوبر".
ولد الشيخ جاسم الإبراهيم عام 1268هـ الموافق لعام 1869م، في فريج ابن إبراهيم في بهيتة (حي الوسط بمدينة الكويت)، أمام موقع قصر السيف حالياً، وهو من بيت رفيع النسب كما أشرنا، إذ استقر أجداده في الكويت بعد هجرتهم من نجد في نفس توقيت تأسيس الكويت، وذلك عام 1120هـ تقريباً.
قضى طفولته وصباه في الكويت، ولما بلغ أشده درس في مدرسة خاصة في مجلس آل إبراهيم التي كان يدرس فيها أبناء الأسرة والأقارب والأصدقاء، وكان يرتاد مجلس آل إبراهيم العديد من رجال الدين والعلم من داخل الكويت وخارجها من نجد والأحساء والزبير والبصرة.
رحلته مع العمل والتجارة:
كان لأسرة المحسن الشيخ جاسم الإبراهيم – رحمه الله – نشاط تجاري واسع في الكويت والهند، وقد نشأ متأثراً بهذه البيئة التي كان لها سهم وافر في تنمية قدراته وتوسيع مداركه واتصالاته، خصوصاً في مركز تجاري وعالمي مثل مدينة بومباي، التي كان لهم فيها صولة وجولة. تأثراً بهذه البيئة التي كان لها سهم وافر في العمل التجاري، داخل الكويت وخارجها، وكان لهم مقر تجاري وحضور بمدينة بومباي بالهند.
كا
ن آل إبراهيم من أوائل التجار الكويتيين الذين استقروا بالهند وعملوا في مجال التجارة بها في بداية القرن التاسع عشر الميلادي إبان حكم الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح حاكم
الكويت الثالث – رحمه الله – وقد كان لهم شرف المساهمة في مواجهة موجات الفقر التي كانت تعصف بالمنطقة وتصل آثارها إلى الكويت أحياناً، وكذا الحال في الملمات الصعبة كالحروب والكوارث الطبيعية.
وقد تنوع نشاط الأسرة التجاري فشمل كل صنوف التجارة، وكانت أحد الأقطاب الرئيسة في تجارة اللؤلؤ، منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى ظهور اللؤلؤ الصناعي، وانهيار سوق اللؤلؤ الطبيعي في نهاية العشرينيات من القرن الماضي، وفق ما ذكره تاجر المجوهرات الفرنسي "جاك كارتييه" في كتابه()، الذي طبع باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وما نقله أيضاً تاجر اللؤلؤ الشهير "روزنتال" في كتبه عن اللؤلؤ.
وللأسرة أملاك وبساتين نخيل واسعة في جنوب البصرة، فأضحى قطبا تجارتهم لآلئٌ وتموراً، واحتلوا مركزاً مميزاً في المنطقة التجارية العربية في تلك الفترة، كما ذكر المستشرق الروسي "سيرجي كوتلوف" في كتابه "تكون القومية العربية الحديثة"()، وجاءت نفس المعلومة لأستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تونس "الهادي التيمومي" في كتاب له صدر هناك عام 2002م.
تسلم الشيخ جاسم الإبراهيم بعد وفاة والده وعمه – رحمهما الله – أعمال الأسرة ونشاطها التجاري حوالي عام 1908م، فكان عند حسن الظن به إذ انكب على العمل بكل همة ونشاط، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فحقق بفضله تعالى قدراً كبيراً من النجاح والشهرة معاً، وغدا من أغنى التجار العرب ليس في الخليج فحسب بل في الهند كذلك.
وقد بلغت سمعته الآفاق، فقصده الكثيرون ونال من جوده وكرمه السائل والمحتاج، ونال شأناً كبيراً في مجالي الاقتصاد والصناعة، ومن ذلك تأسيسه "شركة المراكب العربية المحدودة" في الهند، وهي أول شركة ملاحة عربية خالصة تُسيِّر البواخر الحديثة، كما أسس مصانع أخرى للعقاقير في بومباي. () وله مساهمات في شركات وصناعات عدة، ومنها مثلاً مساهمته في شركة (Brritish Burmah Petroleum) عام 1910م.
صفاته وأخلاقه:
كان رحمه الله جواداً كريماً لا يرد سائلاً ولا محتاجاً، كما عُرف عنه علو الهمة، وجميل الخصال والسجايا، إضافة إلى طيب منبته وبعده – بالفطرة – عما يغضب الله تعالى.
فقد كان إيمانه بالله تعالى عظيماً واعتقاده راسخاً، يعجبه من الناس الصدق والإخلاص، وكان ذلك يقربه من الناس ويقربهم منه أكثر. وذكر عنه الإمام محمد رشيد رضا أنه كان كتوماً في أعماله الخيرية، لا يريد شهرة منها ولا جاهاً أو مردوداً بل ثواباً عند ربه وقربى.
أوجه الإحسان في حياته:
كان الشيخ جاسم الإبراهيم من أهل الجود والكرم ... وقد سجل له التاريخ مواقف رائعة ومشرفة داخل الكويت وخارجها، بذل خلالها أموالاً طائلة في أوجه الخير كافة، فلم يتأخر عن تقديم المساعدة لبلده الكويت ووطنه العربي والإسلامي في حياته كما سيتبين لنا ذلك في أوجه إحسانه العديدة بالصفحات التالية، ملتمساً بذلك الأجر والثواب من الله تعالى القائل في كتابه العزيز: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)" سورة البقرة.
وقد تعددت أوجه الإحسان في حياته – رحمه الله – داخل الكويت وخارجها وما يلي نماذج فقط مما استطعنا حصره من المراجع التاريخية وعلمناه من أحفاده الذين وثقوا هذه السيرة الكريمة:
أولاً: داخل الكويت:
بالرغم من إقامة الشيخ جاسم الإبراهيم – رحمه الله - خارج أرض الوطن لكنه ظل متعلقاً دائماً به، لذا فقد حظي وطنه الكويت بالجانب الأكبر من اهتمامه وإنفاقه في دعم كثير من المشروعات المهمة التي تقام على أرضه، ومساعدة كل محتاج يأتيه من هذا الوطن، وإعانة كل من تعثر نشاطه من التجار.
مدرسة المباركية:
حينما شرع المحسنون من أهل الكويت في إنشاء المدرسة المباركية عام 1911م، وهي أول مدرسة نظامية في تاريخ الكويت، تأسست بجهود المحسنين وتبرعاتهم، ساهم المحسن الشيخ جاسم الإبراهيم – رحمه الله – بالنصيب الأوفر لبناء هذا الصرح العلمي الذي كان له أبلغ الأثر في تاريخ الكويت الحديث، فقد تبرع – رحمه الله – بمبلغ 30 ألف روبية، وتبرع أيضاً ابن عمه الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الإبراهيم بمبلغ 20 ألف روبية، وهكذا فقد بلغت نسبة تبرعه مع ابن عمه – رحمهما الله – 75% من مجموع ما تبرع به أهل الكويت جميعاً لبناء المدرسة المباركية ولذلك فقد كتب فيه الشيخ يوسف بن عيسى القناعي – رحمه الله قصيدة أشاد فيها بتلك المكرمة الكبيرة وكان مطلعها:
هكـذا الفضـل وإلا فـلالا إن للفـضـل وللمـجد رجـالا()
"انصو كولابا":
فتح الشيخ جاسم
الإبراهيم – رحمه الله – ذراعيه لأبناء بلده جميعاً المغتربين المقيمين في الهند، وكذلك لإخوانه تجار اللؤلؤ والبحارة والمسافرين والزائرين للهند ومن تقطعت بهم السبل وعابري السبيل، فكان يتكفل بحل مشكلاتهم وقضاء حوائجهم، ومد يد العون للمحتاجين منهم، فكان غوثاً وملاذاً لكل من ألمت به ملمة خارج وطنه، وكثيراً ما كان يستعين به تجار اللؤلؤ وطواويشه والمتسببون()، فيتركون عنده محصولهم إذا لم يتسنّ لهم السعر المناسب، فيكفيكهم مصاريف الإقامة الطويلة الباهظة.
ولا تزال محطة القطار في بومباي الواقعة قرب قصره، شاهداً حياً على أعماله وآثاره العريقة وهي تحمل اسم محطة منزل جاسم.
ولما كان – رحمه الله – ملاذاً بعد الله تعالى لكل الكويتيين بل والعرب في الهند، ساد تعبير عند بحارة الكويت والخليج عامة أثناء وجودهم في بومباي، يقولونه في ساعة العسرة، حيث يقولون: "انصو كولابا" أي: اقصدوا ضاحية "كولابا" حيث قصور آل إبراهيم ودواوينهم ومكاتبهم.
فقد كان بيت آل إبراهيم في بومباي أشبه بسفارة للكويتيين وأبناء الخليج والعرب من الجانب الإيراني القادمين من لنجه وبوشهر، بالإضافة إلى كل من يطلب العون أو المساعدة من عموم المسلمين في تلك المناطق فكان يسارع – رحمه الله – إلى عمل الخير عملاً بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" رواه مسلم.
إغاثة الملهوف وتفريج الكرب:
لقد أخلف الله تعالى على المحسن الشيخ جاسم الإبراهيم بسعة الرزق وعلو المكانة وحب الناس، وهناك الكثير من الوقائع والأحداث التي تدل على شهامته ومروءته ونجدته ومن ذلك أنه حدث أن انقطعت سبل العودة على كثير من الغواصين من أهل الكويت في جزيرة سيلان (سريلانكا)، فتصدى الشيخ جاسم الإبراهيم – رحمه الله – لإنقاذهم ومساعدتهم فأحاطهم بمعروفه وجوده في ستر وكفاية إذ أكرم مقامهم وقام بحجز أماكن لهم على متن السفن المتجهة إلى الكويت،عائدين إلى بلدهم الحبيب.
ومن المواقف المشرفة التي عرفت عنه أيضاً – رحمه الله – أنه كان يوظف نجاحه ونشاطه ومكانته المرموقة في الخارج لخدمة أبناء وطنه فكان يُعين الفقراء على التعليم، ويقضي الدين عن المدينين، ويساهم في نفقات الزواج للشباب ممن يلوذ به منهم طالباً المساعدة، فيسهم في بناء سكنهم، مشاركة لهم ودعماً لإعانتهم على الاستقرار.
وكان أيضاً يجهز عابري السبيل ويطعم الفقراء والمحتاجين ويساند الضعفاء، عاملاً بقول الله تعالى: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9)" سورة الإنسان.
دوره الوطني:
ساهم الشيخ جاسم الإبراهيم – رحمه الله –على إعلاء سمعة بلده الكويت ومكانتها عبر البحار، من خلال تأسيسه شركة المراكب العربية، وكان من ضمن مؤسسيها المشاركين الشيخ مبارك وأولاده وبعض التجار الكويتيين والخليجيين.
وهي من كبرى الشركات في هذا المجال في ذلك الوقت، ومما يوضح أهمية هذا العمل وحرصه - رحمه الله - على أن يكون ذلك مساهمته في رفع مكانة واسم بلده الكويت أنه قد خط بيده رسالة في السادس من ربيع الآخر عام 1229هـ وجهها إلى المرحوم الحاج حسين بن علي آل سيف، يعلمه بتأسيس الشركة المذكورة ويشجعه على الشراء، ليكون للكويت اسم ومكانة واحترام عبر البحار.
وقد أطلق على إحدى هذه البواخر الحديثة اسم "الكويت" كما أطلق أسماء "البحرين" و"جدة" و"الحجاز" على بعض بواخر الأسطول.
وكان من أهداف تأسيس شركة المراكب العربية تيسير نقل الحجاج المسلمين من الهند إلى الأراضي المقدسة وتسهيل أدائهم لفريضة الحج على سفن يملكها مسلمون، حيث كانت هذه السفن توفر الأسباب التي تيسر رحلة الحجاج، إذ كانوا في السابق يقصدون الحج بسفن تملكها شركات أوروبية ولا تهتم بهذا الجانب ومن أجل ذلك فقد خصص – رحمه الله – لهذا الأمر سفينتي "جدة" و"الحجاز" للعمل على خطوط البحر الأحمر والحجاز، أما الباخرتين الأخريين فلنقل إخوانهم الخليجيين من الهند إلى الخليج والعكس.
ثانياً: خارج الكويت:
لم يقتصر خير الشيخ جاسم الإبراهيم – رحمه الله – على وطنه الكويت فحسب، بل كان شجرة وارفة مباركة العطاء كثيرة الثمار، فامتدت مظلة عطائه وجوده وشملت الكثير من الأقطار العربية والآسيوية بل والأوربية.
وفيما يلي بيان ببعض أعماله الخيرية في الوطن العربي ثم في الهند وبريطانيا.
أولاً المساهمة في إنشاء كلية الدعوة والإرشاد بالقاهرة:
حرص الشيخ جاسم الإبراهيم – رحمه الله – على المساهمة في دعم مسيرة التعليم في وطنه العربي، لإدراكه بأهمية التعليم في حياة الأمم والشعوب وعملاً بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ .." أخرجه ابن ماجه في سننه.
ففي نفس السنة تقريباً التي تبرع فيها بمبلغ كبير لمدرسة المباركية بالكويت، شرعت القاهرة في تأسيس كلية الإرشاد والدعوة، في السابع والعشرين من ربيع الأول عام 1329هـ، الموافق لعام 1911م. وتبنى أمرها الشيخ الإمام محمد رشيد رضا – صاحب جريدة المنار – فلم يتردد الشيخ جاسم – رحمه الله – في المشاركة في هذا المشروع الخيري بل سارع بالمساهمة فيه بمبلغ ألفي جنيه إسترليني، كما شارك - رحمه الله – في دعمها بطريقة أخرى من خلال اشتراك سنوي بقيمة مائة جنيه إسترليني بواسطة الشيخ محمد رشيد رضا.
ثانياً: إعادة بناء مسجد وضريح الصحابي(الزبير بن العوام) بالزبير بالعراق:
ومما يشرف به الشيخ جاسم من أعمال أنه كان رابع الأربعة الذين بنوا وعمروا هذا المسجد المبارك بعد ثلاثة من السلاطين، وهذا شرف لم يسبقه إليه أحد من المحسنين أو التجار العرب.
ففي
عام 1334هـ عندما وقعت الهدامة، وهي أمطار غزير أصابت الكويت وبعض مناطق العراق، واجتاحت مدينة الزبير التي يقع بها مسجد وضريح الزبير بن العوام – رضي الله عنه – حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، قام أهل الزبير بتنظيم حملة تبرعات لترميم المسجد وإعادة بنائه وجمعوا مبلغاً من المال، ولكنه لم يكف لذلك، فأرسل الشيخ عذبي المحمد الصباح رسالة إلى الشيخ جاسم في بومباي بالهند يخبره فيها بما حدث ويستنهضه للمشاركة في هذا العمل الخيري المبارك.
ولم يطل انتظار الشيخ عذبي، فسرعان ما أتاه البشير برد الشيخ جاسم الإبراهيم - رحمه الله - بأكثر مما كان متوقعاً منه إذ طلب منه رد كل ما تبرع به الأهالي من أبناء الزبير وشكرهم على ما أفعالهم وتعهد هو – رحمه الله – ببناء المسجد والمرقد وتوسعته أيضاً وتأثيثه وتجهيزه على نفقته الخاصة، وذلك حرصاً منه رحمه الله على إعمار بيوت الله تعالى القائل في كتابه العزيز: " إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)" سورة التوبة.
وقد أوكل – رحمه الله – هذه المهمة إلى الشيخ عذبي الذي أشرف على سير العمل حتى تم بتوفيق الله تعالى وقد استغرق ما يقارب العامين.
يقول السيد يعقوب الإبراهيم أحد أبناء الأسرة المهتمين بتوثيق التاريخ، والذي وثق هذه السيرة العطرة، إن هذه المعلومات موثقة في كتاب التحفة النبهانية" ص 118-119، وفي كتاب "الزبير قبل 50 عاماً" ليوسف البسام ص 63، وكذلك هي مسجلة على اللوحة الرخامية عند مدخل المسجد.
ثالثاً: المساهمة في إنشاء الجمعية الخيرية في دمشق:
ساهم الشيخ جاسم الإبراهيم - رحمه الله – في إنشاء الجمعية الخيرية في دمشق بالجمهورية السورية، عندما علم بحاجتها إلى الرفد والدعم، وكان المبلغ الذي شارك به حوالي عشرة آلاف قرش (ما يعادل 1000 جنيه استرليني)، وذلك في الخامس والعشرين من رمضان عام 1329هـ أي منذ 95 عاماً تقريباً، وقد أنفق – رحمه الله – هذه المبالغ قربة إلى الله تعالى القائل في كتابه العزيز: "مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)" سورة الحديد.
رابعاً: دعم الحركة السنوسية بليبيا:
لم يقتصر دعمه – رحمه الله – على إنشاء المساجد ودور العلم والجمعيات الخيرية فحسب، بل شارك في دعم الحركات الجهادية في بعض الدول العربية.
ومن ذلك أنه إبان الاستعمار الإيطالي لليبيا، وعندما رفعت الحركة السنوسية هناك لواء الجهاد ضد الاستعمار، شارك – رحمه الله – بمبلغ ثلاثة آلاف روبية ومئتين باون استرليني، بواسطة السيد الشريف أحمد السنوسي – رحمه الله – زعيم الحركة السنوسية قبيل الحرب العالمية الأولى.
خامساً: دعم جمعية الحزب الحر المعتدل في البصرة:
وكانت العراق آنذاك تخضع أيضاً للدولة العثمانية، في أواخر القرن التاسع عشر ، حيث كانت الأمور المادية والحياة صعبة لديهم، فطلبت منه شخصيات بارزة من البصرة مساعدتهم، ومنهم طالب النقيب والشيخ عبدالله باش أعيان (العباسي)، لإنشاء مستوصف ومدارس وملجأ للأيتام وما شابه ذلك.
وقد شارك – رحمه الله – في دعم جهاد أهل العراق، فأمد يد العون لجمعية الحزب الحر المعتدل في البصرة، وكان لهذا الدعم الدور الكبير والأثر البارز في استمرار نشاطها وقيامها بدورها في ذلك الوقت.
سادساً: دعم الجمعية الخيرية الإسلامية بالمدينة المنورة:
ما إن سمع – رحمه الله – بحاجة الجمعية الخيرية الإسلامية في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم للدعم، حتى سارع ماداً يد البذل والعطاء والجود لها، طامعاً فيما عند الله تعالى من عظيم الثواب، وفي شفاعة صاحب الروضة الشريفة بالمدينة المنورة ، الذي كان أجود الناس وأحسنهم خلقاً صلوات الله وسلامه عليه، وقد بلغ إسهامه في ذلك المجال عشرة آلاف ليرة عثمانية، تبرعت بها زوجته منيرة الإبراهيم – رحمها الله.
سابعاً: دعم المجهود الحربي للدولة العثمانية:
كما ساهم المحسن الشيخ جاسم الإبراهيم – رحمه الله – في دعم المجهود الحربي للدولة العثمانية، حيث قدم لها 60 ألف روبية، وشارك كذلك في حملتي تبرعات لدعمها أيضاً في بومباي بالهند، كانت حصيلة الأولى 151 ألف روبية والثانية 265 ألف روبية، وذلك للهدف النبيل الذي تبناه المحسن الشيخ جاسم الإبراهيم، وهو دعم دولة الخلافة الإسلامية في مجهودها الحربي في سبيل نصرة الإسلام ومساعدة إخوانه المسلمين في شتى بقاع الأرض، عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ" رواه البخاري.
ثامناً: دعم تعليم أبناء الجالية العربية في بومباي:
امتد عطاؤه – رحمه الله – إلى مجالات شتى لخدمة العرب والمسلمين في كل مكان، ولذلك عندما تلمس حاجة أبناء الجالية العربية في المدينة التي يمارس فيها تجارته إلى التعلم استقدم معلمة عربية مسلمة لتعليم البنات القرآن الكريم واللغة العربية، وقد استُقدمت لهذا الغرض المربية والمعلمة الفاضلة سارة الحنيف، وهي والدة المربي والمعلم الفاضل صالح عبدالملك الصالح من الزبير – رحمهما الله.
تاسعاً: المساهمة في بناء أول مسجد في لندن():
لما كان المحسن جاسم الإبراهيم – رحمه الله – من أصحاب الهمة العالية الذين يسعون دائماً إلى المعالي والاستكثار من الخيرات، لم يكتف بكل ما قدمه من دعم للخير في بعض الدول العربية والهند كما أسلفنا، بل حرص أيضاً على أن ينال شرف المشاركة في بناء أول مسجد في لندن عاصمة المملكة المتحدة .. مبتغياً وجه الله تعالى وعاملاً بسنة نبيه الكريم الذي دعا إلى إعمار بيوت الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ" رواه البخاري.
عاشراً: مساهمته في بناء سكة حديد الحجاز:
تسهيلاً لنقل حجاج بيت الله الحرام وتوفير الأمن لضيوف الرحمن القادمين من دمشق على المدينة المنورة، ساهم – رحمه الله – في بناء سكة حديد الحجاز، بل كان من أوائل المساهمين في هذا المشروع الخيري، الذي افتتح عام 1909م.
وقاد كذلك – رحمه الله – حملة تبرعات كبيرة بين مسلمي الهند لمساندة هذا المشروع الإسلامي الكبير، والذي يهدف إلى تشجيع المسلمين على أداء مناسك الحج بأيسر السبل.
وقد مُنح وسام المجيدي من الدرجة الأولى لجهوده المشهودة في هذا المجال.
علاقته بالأمراء والوجهاء والأعيان في الكويت وغيرها:
كان الشيخ جاسم بن محمد الإبراهيم – رحمه الله – ذا علاقات عميقة وواسعة بالكثيرين من الأمراء والشيوخ والوجهاء والتجار ورجال الدين والعلم والمعرفة والسياسة في ذلك الوقت.
أما الكويت كانت له علاقة وطيدة بحكامها وعلى رأسهم الشيخ مبارك الصباح – رحمه الله – إذ كانت تربطه به صداقة قوية فكانا يتبادلان المشورة والرأي والهدايا، وقد قدم – رحمه الله – للشيخ مبارك أول سيارة سارت على أرض الكويت، وحينما زار الشيخ جاسم الإبراهيم الكويت لمناقشة قضية الشيخ عبدالرحمن الإبراهيم بعد تعرضه وآخرين لخسارة كبيرة أثقلته بالديون، استقبله الشيخ مبارك الصباح استقبالاً حافلاً، تقديراً له ولجهوده ومواقفه المشرفة.
-
كما كانت تربطه علاقة صداقة بالشيخ جاسم آل ثاني أمير قطر، والشيخ عيسى الخليفة أمير البحرين، وكان كلاهما من تجار اللؤلؤ الكبار في الخليج ، وبينهم معاملات كثيرة.
-
وله علاقة وطيدة بالشيخ خزعل بن مرداو أمير عربستان تبادلا بها الود والهدايا. وبأمراء ومهراجات الهند.
-
وكذلك ارتبط اسمه بأمراء مصر في ذلك الوقت، ومنهم ولي العهد الأمير محمد علي بن توفيق بن الخديوي إسماعيل، الذي استقبله في قصر القبة بالقاهرة عام 1910م في طريقه إلى أوروبا، ودعاه لمشاهدة مشروع القناطر الخديوية (الخيرية).
-
وكان أيضاً له علاقة بالسلطان العثماني محمد رشاد وقبله بالسلطان عبدالحميد الذي منحه وسام المجيدي من الدرجة الأولى، نتيجة لتبرعه السخي للأسطول العثماني، ومساهمته في بناء سكة حديد الحجاز.
-
كما كانت له علاقات حميمة مع أشراف الحجاز ومنهم الشريف عون والشريف حسين.
-
وهو من أوائل الذين قاموا بدعوة الشخصيات العلمية المهمة، فكان بيت الشيخ جاسم وآل إبراهيم منارة لكل زائر، ومن هؤلاء الشيخ حافظ وهبة الذي درّس أبناءهم، إلى أن صار مستشار الملك عبدالعزيز، والأمير ضاري بن فهيد الرشيد، الذي ألف كتاب "نبذة مختصرة لتاريخ نجد"، أثناء تواجده للعلاج على نفقة آل إبراهيم في بومباي، أما وديع البستاني الذي كان من المعجبين بالشاعر طاغور فتم دعوته إلى بومباي، الذي قال في أحد كتبه (كنت مقيماً عند ملوك اللؤلؤ العرب في بومباي)، وكان له علاقة وثيقة مع الأمير شكيب أرسلان من قادة العرب المعروفين في بلاد الشام.
-
كما كانت له علاقات وثيقة بكثيرين من القادة والسياسيين العرب والأتراك آنذاك، ومنهم جاويد باشا وطلعت باشا وطالب باشا النقيب وعبدالوهاب باشا القرطاس وجمع من أعضاء مجلس المبعوثين في اسطنبول.
-
وكان - رحمه الله – يحسن التكلم بلغات عدة، وزار معظم عواصم بلاد العرب وأوروبا وطاف بأقطارها، مما أتاح له شبكة علاقات تجارية واسعة وثقافة علمية وأدبية وتاريخية.
وفاته:
بعد 87 عاماً من العمل والكفاح والعطاء في سبيل الله تعالى وبذل الخير في كل وقت ومكان وبعدما كبرت سنه وأدى دوره على أكمل وجه، شاء الله تعالى أن يلقي الشيخ جاسم الإبراهيم مرساته، ويجيب نداء ربه تعالى: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)" سورة الفجر.
وقد توفي – رحمه الله – في عام 1357هـ الموافق لعام 1956م، ولا تزال ذكراه العاطرة وسيرته الحسنة تتناقلها الأجيال حتى الآن، ويقتدي بها المحسنون إن شاء الله.
رحمه الله رحمة واسعة وأحسن مثواه، وجعل أعماله في ميزان حسناته وأدخله فسيح جنّاته.
قالوا عنه:
أثنت عليه – رحمه الله – الصحافة العربية ورجال الحكم وعلماء الدين، واعترفوا بدوره الكبير، ليس على مستوى الكويت فحسب ، بل على مستوى الوطن العربي كله ... فكتبت عنه بعض الصحف في مصر وسورية والعراق.
وممن كتبوا عنه الشيخ محمد رشيد رضا (صاحب جريدة المنار)، والأمير شكيب أرسلان والأب انستانس الكرملي (صاحب جريدة لسان العرب)، والأمير السيد أحمد السنوسي (زعيم الحركة السنوسية بليبيا)، والسياسي حافظ وهبة والأديب بديع البستاني والصحفي عبدالمسيح الأنطاكي (صاحب جريدة العمران)، والأمير ضاري بن فهيد الرشيد (صاحب كتاب "نبذة عن تاريخ نجد"، وغيرهم الكثير.
وقد أثنى عليه ومدحه شعراً مصلح الكويت الشيخ يوسف بن عيسى القناعي() – رحمه الله – إذ نظم قصيدة كاملة مدح فيها كلاً من الشيخ جاسم الإبراهيم وابن عمه عبدالرحمن الإبراهيم – رحمهما الله – لدعمهما منارة العلم الأولى في الكويت المدرسة المباركية، فقال:
هكـذا الفضـــل وإلا فلالا إن للفـضـل وللمجد رجـالا
يعرف الفضـل ذووه في العلا فهم الأبطال إن رمـت نـزالا
قم بنا يا صاح نجلو ذكـرهم فـبه الأرواح ترتاح ثمــالا
ثم قال:
آل إبراهيم هم أهـل الوفا هم نجـوم بـما المجــد تلالا
وهم السادات هم أهل العلا وهم الكهف إذا ما الخطـب مالا
حملوا الدهر معـال أثقلت كاهل الدهر يمـينا وشـــمالا
إلى أن قال:
إن للمجد لهم في قاســم علـما يخفق جـودا وجــلالا
فهو المفضال والندب الذي قد تسامـا بمـعال لم تنـــالا
غن يا صاح بتذكــار له فلقد طـاب أبو عـوف() فعالا
المصادر والمراجع:
-
مقابلة مع السيد يعقوب يوسف الإبراهيم أحد أبناء أسرة آل إبراهيم، ومن المهتمين بالتراث.
- الموسوعة الكويتية المختصرة – حمد السعيدان – الجزء الثاني – الطبعة الثالثة.
- الموسوعة المختصرة لتاريخ الكويت – عبدالهادي العدواني – الطبعة الثانية.
- التحفة النبهانية – خليفة النبهاني.
- تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي – سيف مرزوق الشملان.
- تاريخ الكويت – الشيخ عبدالعزيز الرشيد – الطبعة الثانية – بيروت.
- تاريخ التعليم في الكويت – صالح الشهاب.
- خالدون في تاريخ الكويت – الشيخ عبد الله النوري - الطبعة الاولى.
- 50 عاماً في جزيرة العرب – حافظ وهبة.
- صفحات من تاريخ الكويت يوسف بن عيسى القناعي – الطبعة الخامسة.
- من الشراع إلى البخار – يعقوب يوسف الإبراهيم – شركة الربيعان للنشر – 2003م الكويت.
- الزبير قبل 50 عاما – يوسف حمد البسام.
- مرآة الحرمين أمير المحمل المصري – رفعت باشا.
- جريدة العمران – عبدالمسيح الأنطاكي – العدد 620 – السنة 15.
- جريدة المنار – محمد رشيد رضا – العدد 801 – ذي القعدة 1330هـ، نوفمبر 1912م.
- لغة العرب – الأب أنستانس الكرملي – مجلة شهرية أدبية علمية تاريخية – 1331هـ، 1912م.
- أوراق ومراسلات خاصة من أرشيف الأسرة في الكويت بحوزة السيد يعقوب يوسف الإبراهيم، وقد تم الإطلاع عليها من قبل هيئة التحرير، وهي تُعزز المعلومات الواردة في هذه السيرة العطرة.
- Hans Nadelhoffer - Cartier Jewelers Extra Ordinary – Page: (134-137).
*
وثّقت المادة من قبل السيد يعقوب يوسف الإبراهيم من أبناء أسرة آل إبراهيم.
منقول محسنون من بلدي .