عالم الذئاب والسراحين في الكويت قديماً
إعداد فرحان عبدالله الفرحان
في الماضي مثلما كان الحديث يدور في المجالس عن السفر في البحر وما يلاقونه من الأهوال عندما تنقل السفن الخيرات والمؤن من الهند وتنقل كل المصنوع في تلك الحقبة للاستعمالات المنزلية وغيرها كانت بعض هذه الحاجيات تشترى من أسواق الكويت لتنقل إلى السكان في هذه الصحراء الفسيحة بعد ان يجلب هؤلاء إلى أسواق الكويت بضاعتهم من الصحراء من دهن وصوف وأغنام وأقط وما تجود به هذه الصحراء.
كان كثير من الكويتيين من أبناء الصحراء وكان لا بد من ان يصادفوا في هذه الصحراء الفسيحة بعضا من الذئاب التي كانت منتشرة في تلك الحقبة من الزمن وكانت هذه الذئاب تحاول ان تفترس أي شيء حي لتأكله حتى الإنسان وكان كثير من هؤلاء القوم يحتاطون لهذه الذئاب بالحراسة بالتناوب لأغنامهم وأنفسهم
والذئب إذا جاع يهاجم أي شيء وكانت الكلاب هي جزء من الحراسة حيث تنبه صاحب قطيع الأغنام أو صاحب البيت الذي تسكن فيه وكانوا يستعملون كل وسائل الدفاع من الأسلحة من البندقية على حداثتها أو الحربة أو السكين أو الرمح المسنن والمدبب من الطرفين، ومع هذا يجب ان يربى الفرد في هذه الصحراء على الشجاعة ورباطة الجأش حين المواجهة وإلا انتهت حاله الى الهلاك امام هذا الذئب.
كانت الذئاب منتشرة في كل نواحي الكويت وكانوا يطلقون على المنطقة التي تتواجد بها الذئاب «مقطع» وكانت تشتهر في كل مناطق الكويت خصوصا الضباعية وطريق الجهرة من الكويت وكاظمة ومرتفعات قفى كانت هناك قصص وقصص منها:
1- كان شقيق لاعب الدامة المشهور أخو حمد ذاهبا مع أصحابه الى منطقة كاظمة وخرجوا في أول القرن الماضي من الكويت في سفينة شوعي ونزلوا ضيوفا عند صديقهم قرب كاظمة وكان يصطاد السمك ويربي الأغنام ليعتاش منها في حياته
وبعد ان وصلوا الى كاظمة نصبوا خيمتهم قبل المساء وصلّوا المغرب والعشاء جمعا وقصرا وتوجهوا الى مضيفهم للعشاء وبعد العشاء والحديث والسمر والجو البارد توجه شقيق أخو ابو حمد وحده بعد ان استأذن القوم لأنه يريد ان ينام مبكرا
وفي الطريق من مقر مضيفيه حتى خيمتهم اعترضه «كلب» فهجم عليه ليعضه ولكن شجاعة وقوة شقيق آل حمد أوهنت عزم هذا الحيوان حتى صرعه وجعله جثة هامدة فظن في نفسه ان هذا هو كلب آل مضيفيه وعندما دعوا للإفطار في الصباح الباكر تأخر عنهم ونام في فراشه على أنه مريض
وقال لأصحابه قولوا لهم انه مريض وفي الافطار سأل صاحب العزيمة: أين أبو حمد؟
فقالوا له: مريض (فنط واحد من ربعه)
وقال: أقولكم الصدق انه خجلان لأنه ذبح كلبكم البارح وهو راجع إلى خيمتة
فقال صاحب العزيمة: كلبنا (كاهو) موجود سمعوه ينبح لا ما يصير نروح انشوف هذا الكلب.
عندما جاءوا رأى الذئب فقال صاحب المنزل هذا ذئب يأكل كل كم ليلة من أغنامنا والحمد لله (فكيتونا منه) انقذتمونا منه هذا كان يأكل أغنامنا امشوا نروح حق أبو حمد ونشكره على هذا المجهود الذي جاء عن غير قصد
(هذه القصة كانت مشهورة في تاريخ الكويت)
كان كثير من أهل منطقة المرقاب يتعاملون مع الجمال ينقلون «الحطب الففاف الشجر» من منطقة واره إلى الكويت لاستخدامها كوقود.
وكانت القافلة لبعض العائلات كما رويت لي تتكون من عشرة جمال مع الأشخاص الذين يقودون الحملة من واره إلى الكويت وهم شخصان يرافقهما كلب وحمار ومعهما في العادة بندقية.
ويروي لي بعض أبناء هذه الأسرة:
خرجنا مع الصبيان الذين يقودون الجمال وكنت مع أخي وكنا صغارا، وفجأة بعد مغادرة واره بساعتين والوقت ليل مظلم دامس
وفجأة وضعونا أنا وأخي (الصبيان قائدو الحملة) على الجمال بين الففاف والكلب ينبح والحمار يصن أذنيه.
وبعد لحظات سمعنا صوت اطلاق النار طلقة واحدة قتلت ذئبا وفرت الذئاب الباقية وسكت الكلب عن النباح.
وواصلت الحملة حتى وصلت إلى مدينة الكويت مع الفجر ونحن الصغار نائمون بين الففاف حتى الصباح وفي الكويت ابتدأت الحملات تتحدث عن ذئب قتل في الطريق عندما حاول ان يهاجم الحمار والكلب ينبح وانقذ الحمار من هذا الهجوم الضاري.
كان وجود الكلب في حملات مثل هذه ضروريا لأنه على أقل تقدير ينبه في هذه الصحراء المظلمة بالإضافة إلى البندقية التي يحملها التجار معهم ويكون كل واحد من قائدي الحملة يلف خصره بحزام فيه سكين أو خنجر للطوارئ.
2- كان كثير من الكويتيين يذهبون إلى الغوص وعندما يقل الماء عليه المخزون في الفنطاس (صندوق من الخشب) يتوجهون إلى الساحل يوقفون السفينة وينزل بعض السيوب والغاصة ومعهم قرب ودلو فراشيه للبحث عن الماء في الآبار البعيدة عن البحر لأن ماءها يكون عذبا وهم يتناوبون في نقل الماء إلى السفينة مع حراسة حتى لا يهاجمهم ذئب في الطريق والذئب عادة يبحث عن الشخص او الحيوان المنفرد حتى يستطيع التغلب عليه.
هذه السفينة الراسية على مقربة من الساحل يكون فيها بعض الغاصة والسيوب الذين ذهبوا لجلب الماء حيث يبقون ويقيمون في السفينة للاستراحة من جراء هذا المشي الى المكان البعيد وحمل الماء في هذه الأثناء نزل احد العاملين في السفينة ومعه «الساليه» (شبك لصيد السمك) وكان يتفقد السمك وهو يسبح على الساحل وفجأة رأى ظل كلب في البحر حيث المرتفع يطل على الساحل فإذا به ذئب يتوجه اليه لينهشه لكن في حركة سريعة يتوجه الى داخل البحر والذئب وراءه فأخذ الشبك الذي يحمله ورماه على الذئب واخذ يندفع بالاتجاه الى سفينته بكل سرعة وقوة واخبر جماعته في السفينة فنزلوا والكلب يتخبط في هذه الشباك وابتدأوا يضربونه بالعصي والمجاديف حتى صرعوه وفقد انفاسه ومات وكان الحظ يلعب دوره في بعض الاحيان.
3- يروى ان شخصا غادر منازل اهله ببيت من الشعر (الصوف) الى بعض اصدقائه في الليل وفي الطريق قابله ذئب ورآه عن بعد وهو متجه اليه وبكل رباطة جأش اخذ «غترته» الحطة (قطعة القماش توضع على الرأس) وربط بها رقبته واستل الخنجر الذي كان في حزامه وعندما هجم عليه الذئب وتماسكا اخذ الخنجر وشق بطن الذئب وهو متماسك معه والدم ينزف منه وبعدها بال الذئب وارتخت قوته بفقده كمية من الدم وسقط على الارض لافظا انفاسه وكانت نهايته.
أمام هذه القصة في هذه الصحراء الفسيحة والكويت
كان في الكويت تطلق اسم الذئاب على العائلات فتسمى الرجل بسرحان (وهو ذئب الصحراء) وهناك اكثر من عائلة اسمها السرحان وهناك عائلة اسمها الذياب بإبدال الهمزة باء على عادة أهل الكويت.
ويصغرّون الذئب ويقولون ذؤيب وفي بلاد الشام مثل نحن نبدل الهمزة بذئب ونسميه ذيب فإن في بلاد الشام يبدلون الذال الى دال ويقولون بدل ذيب ديب ودياب وهناك عائلات كثيرة تحمل الاسم.
ونحن في الكويت نطلق على بعض الاسماء ذيبة وعلى بعض المناطق البحرية نسميه: ذيبة
وهناك مثل ما اطلقنا في الكويت على بعض المناطق البحرية ذيبة فإن العرب اطلقت قديما علي جزر مالديف ذيبة المهل وهو اسمها القديم وأخيرا هذا ما اردت ان اثبته اليوم عن الذئاب والسراحين.
جريدة القبس - 30/10/2009م