موضوع عرضته جريدة القبس منذ زمن طويل وبعنوان
"هكذا بيعت الصحراء في الكويت بأسعار خيالية وتحققت أرباح عالية عبر التسهيلات المصرفية " وهي من وثائق الأرشيف الوطني البريطاني عن عام 1976 (الحلقة الثالثة)
لندن - رائد الخمار:
في الخامس من مايو وجه الدبلوماسي المعتمد في السفارة البريطانية في الكويت جورج فيتزهيربرت رسالة الى تشارلز ماكماهون في 'بنك انكلترا' ضمنها ما يراه من جوانب سلبية وايجابية في الاقتصاد الكويتي.
وجاءت الرسالة، التي حفظت في ملفات وزارة الخارجية الرقم 'ان بي كي/092/1' وتمت بناء على طلب من السفير آرشي لامب، في 12 بندا وركزت على المضاربات في سوقي المناخ والعقار وكيف يحقق رجال اعمال ارباحا خيالية من دون ان يغامروا باموالهم، بل عبر قروض من المصارف العاملة في الكويت. واشارت الرسالة الى 'ان الحديث بين الكويتيين والمقيمين لا يدور الا على ما يجري في السوق من صفقات'.
واعطت الرسالة موجزات عما يجري من صفقات مستشهدة ب'يوان ماكدونالدز'، من لازارد الدار الاستشارية المالية، وبيتير فيرز، المدير العام ل'البنك الوطني'.
ومن الصفقات 'الحارة' في تلك الفترة قطعة ارض في الصحراء مساحتها 50 الف قدم مربعة، الى جانب قصر مشرف خلف الدائري الرابع،
باعها الشيخ عبدالله المبارك (الابن الوحيد الباقي على قيد الحياة من ذرية مبارك الكبير) بمبلغ 25 مليون دينار.
واشترت الارض مجموعة (كونسورتيوم) يقودها افراد من عائلة الزبن الذين استردوا المبلغ من بيع نصف الارض نقدا في حين باعوا الباقي الى مجموعة عقارية اخرى بموجب سندات امنت لهم ما يصل
الى 37.5 مليون دينار.
ولاحظت الرسالة انه لم يعرف بالتحديد اين تقع قطعة الارض، لان المنطقة 'غير ممسوحة او محددة'. واكدت ان الصفقة امنت ارباحا نقدية بلغت 10 ملايين دينار و15 مليونا تسهيلات مصرفية، لكن فيرز قال ان خمسة ملايين من الأرباح النقدية جاءت من مصرفه (الوطني) كتسهيلات لصفقات تجارية اخرى، كما ان الملايين الخمسة الاخرى جاءت من البنك التجاري.
وان ما يصل الى نحو 17 مليون دولار خرجت من سوق الدينار الى سوق الدولار وحولها البائع الى حسابات خارجية.
ولاحظ فيتزهيربرت ان جزءا من ارباح الصفقة استفادت منه مجموعة 'العقارية المتحدة'، التي يمثلها فوزي مساعد الصالح. وكانت 'المتحدة' دفعت مبلغ 7 ملايين دينار العام الماضي ثمنا لقطعة ارض مماثلة في الصحراء بالقرب من الفروانية وتم بيع نصفها بنحو 7 ملايين دينار في حين التزمت المجموعة ببيع النصف الباقي للجمهور بسعر الشراء مما يعني تحقيق ارباح بنحو 3.5 ملايين دينار من دون اي جهد وعبر التسهيلات المصرفية.
وفي الفحيحيل باعت عائلة 'الايوب' قطعة ارض في الصحراء بمبلغ 35 مليون دينار وتستعد المجموعة الشارية لاعادة بيعها الى الجمهور بسندات وتحقيق ارباح رأسمالية كبيرة. كما ان سعر القدم المربعة خلف الشيراتون ارتفع الى حدود 150 دينارا للقدم المربعة مما يعني ان عائلة الزبن دفعت نحو 8 ملايين دينار ثمنا للقطعة.
ونقلت الرسالة اشاعات ترددت عن
بيع 'المتحدة' بنايات سكنية غير مؤجرة خلف فندق 'هيلتون' الى الشيخ ناصر الناصر بمبلغ 7 ملايين دينار عبر مقايضة بارض في الصحراء مما جعل المجموعة لا تملك اي عقارات مدرة للاموال.
القلق
واشارت الرسالة الى عدم رضا القطاع المصرفي عما يجري في سوق العقار، كما ان حاكم المصرف المركزي ومديره العام غير راضيين كذلك عن الاسلوب الذي تعتمده المصارف في تمويل هذه الصفقات القائمة على المضاربة.
ولاحظت ان كبار المضاربين وادارات المصارف تربطهم صلات عائلية او مصالح مشتركة.
وفي الكويت خمسة مصارف تجارية تسيطر عليها بعض العائلات وعادة ما يلغي اصحاب هذه المصارف قرارات مديريها الانكليز اذا تضاربت مع ارتباطات هذه العائلات.
وروى فيرز مدير بنك الكويت الوطني قصة مدير احد الفروع، الذي منح عميلا تسهيلات بقيمة مليون دينار من دون ضمانات وعندما ابلغ المدير انه سيلغي هذه التسهيلات... وبما ان العميل كان 'مهما جدا' اضطر فيرز الى الغاء قراره بتجميد التسهيلات.
ونقلت الرسالة عن المدير العام ل'بنك الخليج' بوب سينكلير قوله انه عندما يجتمع مجلس الادارة عادة ما يكون امام الاعضاء لائحة بالاسماء التي ستمنح تسهيلات مصرفية وقروضا من دون النظر إلى أهلية المقترض.
ولاحظ فيتزهيربرت انه لا يعترض على الامر (..)، وقد لا يراه مناسبا في النظام المصرفي الكويتي لكنه قال نقلا عن المدير العام للبنك الوطني ان عددا كبيرا من موظفيه استدانوا لشراء الاسهم والسندات العقارية ولمضاعفة اموالهم بهذه الطريقة.
سوق الأسهم
ولاحظت الرسالة ان الظاهرة تتكرر في سوق الاسهم لكنها غير واضحة تماما الا للمتخصصين. ونقلت عن صموئيل مونتاغو المدير العام ل'اراب تراست كومباني' ان اسعار بعض الاسهم خيالية تضاعفت في سنة مثل سعر سهم 'العقارية المتحدة' الذي ارتفع من 67 دينارا الى 101 دينار تقريبا على الرغم من ان للكويتيين فقط الحق في شراء الاسهم وبيعها.
ومن الامثلة عما جرى في تلك الفترة ان الاسهم التي طرحتها الحكومة في بنك برقان، ومنعت بيعها قبل ثلاث سنوات تضاعفت اسعارها 15 مرة حتى قبل ان يبدأ المصرف اعماله او يستأجر مكاتب.
وسأل السفير البريطاني رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت عبد العزيز الصقر عما اذا كان ما يجري في سوق الاسهم والعقار صحيا فأجاب 'لا ارى العكس، ان تضاعف الاسعار ظاهرة سليمة'.
وقال فيتزهيربرت ان المصرفيين البريطانيين في الكويت وهو شخصيا لا يتفقون مع رأي الصقر في هذا المجال.
وتوقع ان يحدث تصحيح في السوق في وقت قريب. ونقل عن فيرز قوله ان الشيخ جابر الاحمد رئيس الوزراء - آنذاك- قلق من الامر، وقد اصدر البنك المركزي توصيات الى المصارف بتشديد القيود على الاقراض.
وجاء في البند 12 من الرسالة ان السفير سيبقي اهتمامه بهذه المسألة لان انفجارها سيضر بهيبة الحكم ما ينعكس سلبا على مصالحنا.
وارفقت بالرسالة لائحة باسماء قيادات البنك المركزي وجاءت على الشكل الآتي:
الحاكم: حمزة عباس حسين.
مستشار فني للحاكم: بورغ اندرسن (دانمركي).
مستشار قانوني: الدكتور محمد بدوي.
مدير الدائرة المصرفية: حميد مبارك العلي وبدر المخيزيم وغيرهما.
وتضمنت الوثائق تقارير فصلية عما كان يجري في الكويت وسوقها المالية على اساس ان الازدهار يشجع على الانفاق وعلى الاستيراد مما يزيد من حصة الصادرات الانكليزية الى الكويت.
الحلقة المقبلة: تقرير بنك باركليز عن الكويت