02-02-2008, 02:59 PM
|
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,662
|
|
صبيح براك عبدالمحسن الصبيح .. حياة حافلة بالبذل والعطاء (جريدة الوطن)
رجل مطبوع على عمل الخير .. يقول كل من اقترب منه وزامله وصادقه انه كان صاحب قلب كبير وعطوفاً على الفقراء والمساكين والمحتاجين .. كان ينسى نفسه امامهم ويمد يده لهم بحب شديد، ونادرا ما كان يرفض طلبا لاحد .. تشعر بجانبه وفي معيته بالحنان الأبوي الفياض .. كان مضرب الأمثال في الكرم والاحسان والوفاء والاخلاص والقدوة الحسنة في الاخلاق الرفيعة .. كان متواضعا عن رفعة وزاهدا عن قدرة ومنصفا عن قوة فجمع بين الايمان الكامل والتقوى الدائمة المتواصلة .. كان ذا عزيمة صادقة وقلب تقي نقي طاهر .. كان يحزن في عمق على ما يصيب الانسان من نكبات.
انه المحسن (صبيح براك عبدالمحسن الصبيح) الذي عاش حياة حافلة بالبذل والعطاء في سبيل الله تعالى.
ولد صبيح بن براك بن عبد المحسن الحمد اليوسف الصبيح في (فريج سعود) بمنطقة القبلة عام 1319هـ الموافق لعام 1901م وقد ذاق مرارة اليتم وهو طفل صغيرا لم يتجاوز عمره العامين حين توفت والدته فاخذته جدته لابيه وقامت بتربيته والعناية به فاحسنت تربيته وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم في منطقة القبلة فاجاد واخذ القرآن الكريم دستورا له طوال حياته فاكرمه الله سبحانه وتعالى ايما كرم واعطاه لذلك لم يبخل على احد قط طلبه في شيء.. ومن نعم الله عليه ان رزقه الله ذرية صالحة وصلت الى (6 اولاد وهم: خالد (رحمه الله) ومشاري (رحمه الله) وفوزي وماجد وناصر وصالح بالاضافة الى 9 بنات ومنهم وزيرة التربية والتعليم العالي الاستاذة نورية الصبيح.
وصبيح بن براك سليل عائلة كويتية كريمة اشتهرت بالكرم الطائي الاصيل والعطاء اللا محدود والسخاء.. واسم الصبيح لدى الكويتيين الاوائل يقصد به القمر عندما يكون بدراً.. وكان جده يوسف عبد الرزاق الصبيح من رجالات الكويت الذين اشتهروا بالكرم والعطاء لا في الكويت فحسب انما في منطقة الجزيرة العربية بأسرها.
الاعتماد على النفس
كان صبيح البراك - رحمه الله - شغوفا بالتجارة محباً لها فبدأ حياته التجارية ونشاطه بمبلغ زهيد من المال مشاركا زميله وصديقه المرحوم خالد سليمان العدساني وكان ذلك في فترة الخمسينيات ثم استقل عنه معتمدا على الله سبحانه وتعالى فبارك الله في تجارته فنمت واتسعت وشملت مجالات عديدة خاصة في مجالي المقاولات والعقارات وفتح ابوابا كثيرة للعيش الكريم لاناس كانوا يعملون معه فقام ببناء بيوت كثيرة في منطقة كيفان وعدة مدارس في منطقة الشويخ فاتسع نشاطه وذاع صيته ورغم كل ذلك كان متواضعا لدرجة الابهار والدليل على هذا اشرافه بنفسه على كل صغيرة وكبيرة في اعماله وتجارته بل وكان - رحمه الله - يستخدم سيارته الخاصة والمتواضعة في النقل والتصريف وكل مايخص اعماله التجارية.
قصة السيارة السوداء
لما ذاع صيت صبيح البراك في مجال المقاولات والعقارات وأصبح اسمه يتردد كثيرا بين الناس لنزاهته واخلاصه في أعماله وتجارته وكرمه مع الناس كل الناس رأي أولاده ان السيارة التي يستخدمها والدهم لا تليق بمكانته واسمه فقرروا شراء سيارة جديدة له.. يروي الاستاذ محمد بن ابراهيم الشيباني في مقالة له بالزميلة «القبس» نقلا عن مشاري ولد صبيح البراك قصة تلك السيارة قائلا: «فتحت عيني على الدنيا وانا ارى ذلك البيت الكبير في حي القبلة في «فريج» الصبيح قرب مسجد الساير الشرقي بيت صبيح البراك - رحمه الله - وامامه تلك السيارة السوداء «هدسن موديل عام 1947» يعود هذا المشهد الى نصف قرن من الزمان وكأنه شريط سينمائي يمر أمامي».
اما عن هذه السيارة الهدسن فيقول عنها ابنه مشاري: «رأينا ان نشتري للوالد سيارة تليق بمقامه فاشترينا هذه السيارة لكنه في البداية رفضها لانه يرى ذلك تمايزا على الناس ومع الحاحنا قبلها لكن بعد ايام وجدنا «الهدسن» وقد علق بها الغبار والطين وكانت المفاجأة في الداخل حيث وجدنا المقعد الخلفي كله أكياس اسمنت وشيئا لا يوصف من الغبار فلما سألناه عن ذلك قال ألستم تريدون مني استعمالها؟ لقد استعملتها فجعلت المقعد الخلفي لكيس الاسمنت والطابوق والادوات والمقعد الامامي لي فقط انظروا اليه نظيفا ليس فيه اي اتربة وخلافه.
الدعوة الى لندن
انسان في تواضع المرحوم صبيح البراك واخلاقه الرفيعة التي تنم عن اصله الطيب وكرمه اللا محدود مع الناس بل واعماله الخيرة الكثيرة لابد ان يعطيه الله سبحانه وتعالى من فضله وبالفعل تنامت ثروته ببركة الله فيها حتى بلغ رصيده اكثر من مائة مليون روبية خلال الحرب العالمية الثانية وهذا المبلغ يعتبر ثروة كبيرة في ذلك الوقت فكان يتعامل مع البنك الشاهي البريطاني وهو فرع من البنك الرئيسي في لندن والذي تغير اسمه بعد ذلك الى «البنك الامبراطوري» ثم الى «البنك البريطاني وايران للشرق الاوسط» فكانت كل تعاملاته من ايداع وسحب وخلافه مع هذا البنك يقول الاستاذ محمد بن ابراهيم الشيباني «لما رأى مدير البنك مايتسن» ايداع وسحوبات هذا الرجل بالملايين قام بابلاغ المقر الرئيسي للبنك في لندن بذلك فامر رئيس مجلس الادارة بدعوته الى لندن كي يحاوره ويقف معه على كيفية حصوله على هذه المبالغ وعن كيفية حساباته اليومية لها لم يمانع المرحوم صبيح من السفر الى لندن لمعرفة ما يريدون وبالفعل توجه من البصرة الى البحرين ومنها الى الهند ثم الى لندن وهناك حجزوا له غرفة في فندق فطلب منهم ان تكون قرب الحمام ليستطيع الوضوء للصلاة من دون مشقة.
قال له رئيس البنك رأينا انك تسحب وتودع في اليوم الملايين فاردنا معرفة كيف تحسب هذه الأموال؟ فلما حسب بطريقته وحسبوا بطريقتهم ظهرت النتيجة واحدة لدى الطرفين.
كان للتجار الاولين حسبة لا يعرفها الا القليل من الناس اذ يحسبون الـ 25 الف تولة (100 روبية و12 آنة في ثلاثة ارباع البيزة) والتولة = 32 غراما تقريبا مع حفظهم لجدول الضرب تكون النتيجة تقريبا 75 الفا وهكذا.
فاندهش رئيس البنك لحسبة صبيح البراك بهذه السرعة وبعد عودته من لندن دعي مع ابنه مشاري الى حفل القنصلية البريطانية في مدينة البصرة اقيم خصيصا لكبار التجار في الكويت وقد تم تصويره في فيلم سينمائي.
خير خلف لخير سلف
كان جده يوسف عبدالرزاق الصبيح من اشهر الرجالات في تاريخ الكويت والجزيرة العربية الذين اتسموا بالكرم والعطاء والاحسان للفقراء والمحتاجين سرا وعلانية ولد عام 1215 هـ - 1800م بمنطقة «البير» في ارض نجد.. اخذ عن والده حرفة التجارة وبدأ نشاطه بالعمل في البحر ثم اتجه الى تجارة الخيول العربية الاصيلة حتى اصبح من كبار التجار في هذا المجال وذاع صيته واتسعت تجارته في مجالات عديدة منها تجارة الاراضي والنخيل.. ولما كان فضل الله عليه كثيرا فكان دائم الشكر لله سبحانه وتعالى على نعمه واخذ يمد يد العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين حتى انه فتح مضيفة خصصها لعابري السبيل وفر فيها كل شيء من طعام وشراب ومكان للنوم..هذا جانب من كرمه الفياض اما الجانب الاخر الذي لا ينسى له انه عندما حل بالمنطقة الجفاف والقحط وانتشرت المجاعة بين الناس والتي سميت بـ«مجاعة الهيلك» عام 1285 هـ واستمرت ثلاث سنوات وامتدت الى اماكن كثيرة في العراق والاحساء وبلاد فارس التي نزح كثير من اهلها الى الكويت هربا من هذه المجاعة التي حلت بهم..خلال هذه الازمة والتي عصرت بالناس ظهر كرم واحسان وعطف يوسف الصبيح وقرر في التو واللحظة تخصيص ثلاثة مضايف في الكويت والبصرة والاحساء لانقاذ الناس من هذا الهلاك الذي اصابهم وقد شاركه في هذا العمل العظيم رجال بارزون وشخصيات كويتية اتسمت بالكرم والمواقف وقت الشدائد منهم: عبداللطيف العتيقي - يوسف البدر - بيت ابن ابراهيم - سالم بن سلطان - بيت معرفي..وغيرهم..
لقد عرف يوسف الصبيح بأنه الرجل الصالح الكريم المؤمن المحسن الذي اطعم الجائع واكرم اليتيم وسدد دين المعسر وكان ملاذا امنا لكل محتاج..لذلك ذاع صيته في كل الجزيرة العربية من خلال كرمه وعطائه الفياض حتى ان الشاعر عبدالغفار الاخرس قال فيه:
ان الكويت حماها الله قد بلغت
باليوسفين مكان السبعة الشهب
تا الله ما سمعت اذني ولا بصرت
عيني بعزهما في سائر العرب
ويقصد الشاعر هنا باليوسفين: يوسف الصبيح ويوسف البدر رحمهما الله..رحم الله يوسف الصبيح الذي توفي سنة 1292 هـ - 1875 م بعد ان قدم ما يستحق عليه الثناء فاكرمته الدولة بان اطلقت اسمه على احد شوارع الكويت «شارع يوسف الصبيح بمنطقة الروضة»
|