خالد الرشيد: تأليف الكتب أتعس تجارة في الكويت
الكلمة مثل الكائن الحي.. إما أن تتطور لترقى وإما أن تحبس فتموت
عبدالرزاق القادري:
«الكلمة كالكائن الحي»، تموت وتحيا، تعيش وتُنفى، هكذا يصفها الباحث الكويتي خالد عبدالقادر الرشيد بعد تجربته في سبر أغوار اللهجة الكويتية، مؤكداً هذا الوصف الذي قاله الأدباء واللغويون عن مفردات الإنسان ومصطلحاته تبعاً لمحيطه وبيئته من قبل، بعد تجربة حقيقية وملاصقة لعالم الكلمة من خلال بحث لغوي قارب التسع سنوات.
لم يأت الرشيد بأبحاثه من فراغ، بل انطلق من قاعدة أرضها صلبة، نقصد المرحوم عبدالعزيز الرشيد، مؤرخ الكويت الأول وصاحب التجربة الغنية في كتابة «تاريخ الكويت» بأسبقيته وريادته. بعد أن شعر بهذا الوازع الوراثي يحثه ويدفعه إلى خوض التجربة، فيهدي بحثه «موسوعة اللهجة الكويتية» لروح عبدالعزيز الذي ولد في العام 1887 وتوفي في العام 1938.
ما الذي دفعك للتأريخ والبحث اللغوي؟
- لطالما شدتني المفردات الكويتية والعربية، وشعرت بشغف لتفكيكها والبحث عن أصولها، كنت أحس بواجب يدفعني لإكمال ما بدأه من أتى قبلي، لهذا قررت أن أخوض رحلة استغرقتني طويلاً، كان فيها من المفاجآت والعقبات ما هو غير متوقع.
كم استغرقت من الوقت لإنهاء الموسوعة بالتحديد؟
- بدأت في العام 2001، وحاولت أن أكون محيطاً وعلى اطلاع بالكثير من المصادر العربية والكويتية القليلة المتوفرة والصادرة، وخلال تسع سنوات كنت وحيداً في ميدان المصارعة، فالتزامي بتقديم هذا العمل، الأول من نوعه، فتح علي أبواباً واسعة كان الانتهاء منها يستلزم وقتاً وبحثاً آخر، لكني استطعت الخروج بأول موسوعة من هذا النوع، لا أغفل هنا «الموسوعة الكويتية المختصرة» لحمد السعيدان لكنها تختلف عما قدمته فهي موسعة وشاملة وليست حصرية باللهجة فتضم أسماء الشوارع والاماكن واللهجات البدوية والحضرية.
صمود الباحث
تتحدث عن صعوبات واجهتك، أليس هذا حال كل الباحثين؟
- بالطبع لكل بحث مصاعبه، وعلى الباحث أن يتحمل ويصمد حتى آخر رمق، لكني كما قلت لم أجد من يساعدني أو يخفف عني وطأة هذا الحمل، إن كان في المراجعة اللغوية أو النحوية، عدت لبعض المتخصصين لكنهم كانوا سرعان ما ينسحبون لارتباطاتهم وضيق وقتهم، هذا بالإضافة إلى أن الإحاطة بلهجة بلد بأكمله تتغير باستمرار مع تغير الوقت ليس أمراً سهلاً، وقلة المراجع البشرية الموثوق بها كان يرغمني على الإكثار منها للتأكد.
بعض الكلمات استلزم البحث فيها أكثر من خمسة أشهر، ففي معجم «العين» مثلاً للفراهيدي البحث لا يبدأ بحرف الألف بل بحرف العين وعليك أن تفهم هذا التراتب المنظم بحسب مخارج الحروف من أعمق نقطة في الحلق مرورا بحركات اللسان وحتى أطراف الشفتين، لتعود في كل كلمة للبحث عما إذا كان لها أصول فيه. حتى المرحلة الاخيرة، أي مرحلة الطبع والنشر تحملتها وقمت بها بمفردي.. باختصار تكفلت بالعمل من ألفه إلى يائه.
برأيك ما أهمية الحفاظ على اللهجة وتدوينها وتأريخها؟
- الكلمة أو اللهجة حالة لها خصوصيتها جداً، وهي تماماً مثل الكائن الحي تتغذى وتتطور لترقى أو تحبس وتعزل فتموت، في بداية التسعينات مثلاً، دخل على لغتنا مصطلح «بيجر» وهو جهاز إلكتروني صغير يستخدم لاستقبال الرسائل القصيرة أو رقم الشخص الذي يحاول الاتصال بك، الآن اختفى مبدئياً هذا الجهاز، واختفت مفردته تباعاً، هذا التلاقح والاندماج بين اللغات أمر معقد بقدر ما هو جميل، لكن لا بد أن يكون هناك تدوين لهذه الكلمات لمعرفة الدخيل من الأصيل.
لهجة متحركة ومتغيرة
هل تعتقد أنك أحطت في عملك هذا بكامل المفردات والألفاظ الكويتية؟
- حاولت قدر الإمكان أن لا أغفل أو يسقط مني أي شيء ولكن في نهاية الأمر اللهجة متحركة ومتغيرة وواسعة جداً، الموسوعة تضم ما يقارب الـ 1540 مفردة مع شرحها اللغوي ومعناها وفقاً للهجة الكويتية ومنظمة بحسب الحروف الأبجدية، وأنا أعمل الآن على طبعة جديدة منقحة تحتوي بعض الإضافات تقارب الـ 150 كلمة ستصدر قريباً في الأسواق
وتحديداً بعد ستة أشهر.
اعتمدت على مراجع عديدة لكن هل صادفتك أي كلمات لا أصول مكتوبة لها؟
- هناك عدد من المصادر التي شكلت الركيزة الاساسية للمفردات الواردة أذكر منها: «لسان العرب لإبن منظور، تاج العروس للزبيدي، القاموس المحيط للفيروز أبادي»، وغيرها من المراجع الأخرى لكن بالتأكيد هناك كلمات أخرى لها أصول غير عربية، نظراً للتداخلات الحضارية بين الكويت ودول أخرى مثل إيران والعراق وهناك كلمات لا أصل لها مثل الكلمات الصوتية كـ «طقطق» وتستعمل لتفسر الطرق على شيء ما أو «بقبق» وتستخدم عند غليان السائل، وهناك كلمات مقتبسة من شكل الشيء.
في مثل هذه الحالة ما هي مصادرك؟ وهل كنت تعتمد على رأيك الشخصي لشرح معنى الكلمة؟
- كنت أعود إلى بعض الاشخاص الثقة منهم العم سيف مرزوق الشملان، الدكتور يعقوب الحجي، الفنان أيوب حسين، الناقد علي عبدالله العوضي، إضافة إلى أسماء كثيرة أخرى تصل إلى خمسة عشر شخصاً لتثبيت معنى المفردة، لكن هذا لم يمنع في بعض الأحيان أن أرجح كفة ما أراه مناسباً من وجهة نظري وأتمسك برأيي في حال لم يكن هناك مصادر أخرى.
شغف بالإرث
هل قابلتك أي ردود فعل حتى الآن؟
- قليلة جداً ومن المقربين، لكن على المستوى العام لم يوجه لي أي انتقاد أو مديح، لذلك أنا أترقب ردود الفعل بتخوف كون الناس تترقب الخطأ واتساع الفروقات بين الباحثين ومذاهبهم اللغوية، لكني أشدد على أن ليس هناك من كاتب معصوم من الخطأ لذلك وفي مثل هذه الصنوف من الأبحاث كل من يأتي من بعد الآخر يُعيد اكتشافها وكتابتها من جديد.
هل ستكمل رحلتك مع التأريخ والبحث اللغوي؟
- أنا شغوف بهذا الإرث الحضاري الذي نمتلكه وبلا شك سأتابع ما بدأته حتى لو استنفد ذلك وقتي وجهدي وطاقتي مع العلم أن هذا الاتجاه أبعد ما يكون عن الربحية والمادة خصوصاً مع العزوف عن القراءة في الكويت حتى إني أشعر أن أتعس تجارة في الكويت هي تجارة تأليف الكتب، اللّهم إلاّ كتب الطبخ والتزيين.