سيف الشملان ورواية بوقماز عن زيارة مدحت باشا للكويت
نشر الدكتور الفاضل يعقوب يوسف الغنيم مقالا يوم الأربعاء تاريخ 2010/4/28 في صحيفة الوطن في زاويته الشهيرة «الأزمنة والأمكنة»، وهي زاوية مهمة جدا حيث يتحفنا فيها الدكتور الغنيم بكثير من المعلومات، وأنا واحد من المعجبين جدا بكتاباته، التي تضيف إلى القارئ الكثير من المعلومات المفيدة والقيمة، ونسأل الله تعالى أن يعينه على تقديم كل جديد في زاويته هذه، وأن ينفعنا بعلمه.
يوم الأربعاء المشار إليه نشر مقالا بعنوان «العثماني مدحت باشا والكويت» في صفحتين (32-33) أشار في بداية حديثه إلى سيرة مدحت باشا، وهو أحد رجالات الدولة العثمانية الذين لعبوا دورا بارزا في الحياة السياسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، وتقلد مدحت باشا عدة مناصب حتى وصل إلى منصب صدر أعظم أو رئيس الوزراء في عرفنا اليوم، وكان عام 1876 هو عام الدستور، وهو صاحب الفضل الأكبر في صدور الدستور العثماني، لذا يطلق عليه البعض دستور مدحت باشا، ويطلق عليه أحيانا أخرى أنه هو أبو الدستور، حيث ظهرت الحياة النيابية للمرة الأولى في تاريخ الدولة العثمانية التي استمرت من عام 1299-1923، فهو بذلك يكون قد قدم خدمة كبيرة للدولة.
وتحدث بعد ذلك عن الكتاب الذي صدر عام 2002 بعنوان «مدحت باشا حياته، مذكراته، محاكمته» واستعرض ما ورد في الكتاب عن علاقته بالكويت، ونقل ما قاله مدحت باشا عن الكويت، وفند أقوال مدحت باشا عن الكويت واحدا تلو الآخر. وإن كنا نتفق مع دكتورنا العزيز في شكوكه في كثير مما ورد في الكتاب المنسوب، ولا ندري من أين أتى بها مدحت باشا، فقد أورد في تقريره الكثير من المعلومات المغلوطة عن الكويت
ومثال ذلك عندما قال عن الكويت ان نسل السكان من الحجاز، وأنهم جاءوا قبل 500 عام، وإن كنا نشارك الدكتور يعقوب الغنيم تساؤلاته حول المصدر الذي استقى منه مدحت باشا تلك المعلومات، هذا إن صح نسبة تلك المعلومات، وهل فعلا قال هذا الكلام أم أنه أضيف إلى ما قاله لاحقا.
استكمالاً للحديث عن علاقة مدحت باشا بالكويت ومساهمة في إثراء الحوار حول الدراسة التي نشرها الدكتور الفاضل يعقوب يوسف الغنيم في صحيفة «الوطن» يوم 2010/4/28 نقسم حديثنا هنا في التعليق على الجزء الأول مما أورده في حديثه حول أقدم كتابين عن تاريخ الكويت، وهما كتاب الشيخ عبدالعزيز الرشيد والشيخ يوسف بن عيسى القناعي.
كتاب الشيخ عبدالعزيز الرشيد
يعتبر كتاب الشيخ عبدالعزيز الرشيد أول كتاب تاريخ للكويت، وله قيمة علمية كبيرة لأنه اعتمد في كتابة تاريخه على وثائق ومصادر جديدة، كما كان نفسه شاهدا على كثير من مجريات الأحداث، وكونه لم يشر إلى زيارة الوالي مدحت باشا إلى الكويت ربما ناتج لبعد الفترة الزمنية عن فترة إعداد الكتاب، وهذا ليس بغريب فهناك أحداث أخرى حدثت، وشارك بها الرشيد شخصيا، ولكن مع ذلك كانت معلوماته عنها لا تتعدى بضعة سطور، ومثال ذلك عندما تحدث عن مجلس الشورى عام 1921، مع أنه أول مجلس ليس في تاريخ الكويت فقط وإنما في المنطقة برمتها، ومع ذلك لم يتحدث عنه سوى في بضعة سطور.
كتاب الشيخ يوسف بن عيسى القناعي
كلنا يعلم بأن الشيخ يوسف هو رائد النهضة العلمية في الكويت، وله، رحمه الله، أياد بيضاء على كثير من المؤسسات التعليمية والثقافية التي ظهرت في البلاد في النصف الأول من القرن العشرين، أما كتاب الشيخ يوسف، رغم صغر حجمه، إلا أنه يحتوي على معلومات قيمة لا يستغني عنها الباحث في تاريخ الكويت، ولا يغطي تاريخ الكويت بالتفصيل، وإنما ركز على جوانب من تاريخ الكويت لذا أطلق عليه صفحات من تاريخ الكويت.
ونلاحظ مما سبق، أنهما رحمهما الله تعالى أول من كتب تاريخ الكويت، ولكنهما لم يشيرا إلى زيارة مدحت باشا للكويت، وإن كنا نجهل سبب ذلك بالضبط، ولكن ربما يكون بسبب بعد الفترة الزمنية عن الفترة التي عاشاها، أو ربما لأنها كانت زيارة عابرة، فلم يعيراها أي اهتمام، أو أنهما لم يعلما بالزيارة أصلا. وكون أنهما لم يذكراها فهذا لا يعني أنها لم تتم.
الأرشيـف العثمانـــــي
يكتسب أرشيف الدولة العثمانية أهمية كبيرة لأنه يحتوي على كم كبير من الوثائق التي تتعلق بما لا يقل عن 30 دولة، ونظرا لامتداد الدولة العثمانية في ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتقدر تلك الوثائق بحوالي 150 مليون وثيقة، لا تزال تبحث عن باحثين جادين لنفض الغبار عنها ونشرها بما تحويه من معلومات قيمة ومفيدة.
ومن خلال تخصصنا بتاريخ الدولة العثمانية وترددنا على أرشيف رئاسة الوزراء في اسطنبول.
نضع بين يدي القراء وثيقة عثمانية عبارة عن تقرير كتبه مدحت باشا ورفعه إلى إدارة الباب العالي في اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية، وهي مختومة بختمه، وهي محفوظة في الأرشيف العثماني تحت تصنيف إرادة داخلية 44930، وهي عبارة عن ثلاثة تقارير كتبها مدحت باشا بتاريخ 21 شوال 1288هـ/3 يناير 1872م. عن منطقة الخليج، وضع فيها مشاهداته بعد الزيارة التي قام بها للمنطقة، لتفقد المنطقة بعد نجاح حملة الأحساء 1871م، والذي يهمنا هنا التقرير الثاني الذي وصف فيه المنطقة من الكويت شمالا حتى الهفوف جنوبا، وتحدث عن أحوالها الجغرافية والاقتصادية ويقع هذا التقرير في 6 صفحات.
تقرير مدحت باشا عن الكويت
ننقل عن النص العثماني كاملا وهو «... أما عن عبدالله الصباح فقد عُين قائمقاما على قصبة الكويت وهي من الأماكن التي تكتسب أهمية بالغة على سواحل البحر وتقع على بعد 70 ميلاً من فاوه، وفي غرب خليج البصرة والتي تم ضمها تحت الحكم العثماني منذ عامين. قَد.م عبدالله ومعه 80 قطعة من السفن البحرية الخاصة به منذ بداية مشكلة نجد وحتى الان. وقدم أخوه مبارك ومعه فرقة عسكرية برية كبيرة جدًا، ووضعا نفسيهما تحت خدمتنا بصدق وإخلاص مجانًا. جاء عبدالله الصباح حتى الفاو وتم استقباله. جاء بالبواخر إلى هناك مباشرة، وكان من الضروري تطييب خاطره من ناحية ورؤية الكويت من ناحية أخرى. وبعد خمس أو ست ساعات نزل إلى اليابسة وتفقد كل أطراف البلاد (الكويت). وقصبة الكويت تشتمل على خمسة الاف أو ستة الاف منزل، موقعها مرتفع، وماؤها وبساتينها ومزروعاتها جميلة، وهواؤها لطيف جدًا وصحي دون شك. وللبلاد ميناء واسع وجميل جدًا. وبالإضافة إلى أن البلاد محصنة من تجاوزات العربان من ناحية البحر، يعيش سكانها في حالة استقرار حتى الآن رغم أنها محاطة من الناحية البرية بكثير من مواطنيها من العشائر والقبائل البدوية الذين يشتركون في إدارتها. ويزداد مجتمعها وعمرانها من يوم لاخر ويرتقي.
وأكثر أهالي نفس القصبة على المذهب الشافعي، وقليل منهم على المذهب الحنفي، وكثير منهم على المذهب المالكي. وفضلاً عن أن سكانها لا يوجد بينهم يهود أو مسيحيون، فلا يوجد بينهم وهابيون أو شيعة أيضًا. وكل أهالي البلاد يشتغلون بالتجارة وبالصناعات البحرية، ويمتلكون أكثر من ألف سفينة، ويسخرون سفنهم الصغيرة في صيد اللؤلؤ، كما أنهم يستخدمونها للعمل في المرافئ القريبة كمرفأ البصرة وبندر «بوشهر». وبالسفن الكبيرة يمارسون التجارة مع سواحل الهند وبولجستان ومرافئ «زنجبار» واليمن. وقائمقامية الكويت ملحق بمتصرفية البصرة. وقائمقامية الكويت في عهده (تحت إدارة) عبدالله الصباح. والشؤون الشرعية في البلاد تحت تصرف نائبه. أما أمور الضبط والربط فتحت سلطة القائمقام. والأمور القضائية يتم تصريفها بمعرفة نائبه. والبلاد لا يوجد فيها «ميري» ولا يوجد فيها واردات أو مصاريف مادية تعود إلى حساب القائمقام، لأن كل سكانها عبارة عن أسرة واحدة في واقع الأمر. ولندرة وقوع النزاع والدعاوى المتعلقة بالحكومة، فلا يوجد موظف أو مأمور من بين الضباط أو الضبطيات أو الخفر غير القائمقام...».
أقوال مدحت باشا عن الكويت
1 - تحدث عن موقع الكويت وقال انها تكتسب أهمية كبيرة وهي من أهم موانئ الخليج العربي.
2 - شارك الشيخ عبدالله الصباح ومعه 80 سفينة، كما قاد أخوه مبارك قوة برية كبيرة، ووضع الشيخ عبدالله كل إمكاناته تحت تصرف الدولة العثمانية بالمجان ودون أي مقابل.
3 - خرج الشيخ عبدالله الصباح بسفنه وتوجه إلى الفاو لاستقبال مدحت باشا، فأراد مدحت باشا زيارة الكويت لتطييب خاطر الشيخ عبدالله، ورؤية الكويت وتفقدها.
4 - تضم الكويت ما بين 5000 - 6000 بيت، وهي لطيفة الهواء وصحي، وللكويت ميناء واسع، وهي محصنة من ناحية البحر - ربما أشار إلى السور الثاني للكويت – يعيش سكانها بحالة من الاستقرار، وهي محاطة بالعشائر والقبائل الموالين لها. وهي آخذة في التوسع والازدياد. 5 - أشار إلى أن أكثر الأهالي على المذهب الشافعي، وهناك نسبة
منهم أحناف، كما يوجد بينهم عدد كبير من المالكية، ومعظم الأهالي يشتغلون بالتجارة والصناعات البحرية، وهم يمتلكون أكثر من 1000 سفينة، تعمل السفن الصغيرة الحجم في البحث عن اللؤلؤ، وبالتجارة مع ميناءي البصرة وبوشهر في الخليج. أما الكبيرة منها فتذهب للتجارة مع سواحل الهند وبلوشستان واليمن وزنجبار.
6 - قال ان قائمقامية الكويت ملحقة بمتصرفية البصرة، وحاكم الكويت هو الشيخ عبدالله الصباح، وهو مسؤول عن أمور الضبط والربط، والشؤون الشرعية والقضائية تحت تصرف نائبه (أي القاضي).
7 - لا يوجد في الكويت عساكر (ميري) ولا يوجد ضرائب أو عوائد مالية تذهب لحساب الحاكم، وكل السكان عبارة من أسرة واحدة، لذا يندر وقوع النزاع والدعاوى في ما بينهم.
وواضح من كل ذلك أن مدحت باشا خرج بانطباع طيب عن الكويت. فهو نقل لنا مشاهداته من الكويت، مما لا شك فيه أنه استقى بعض المعلومات من الشيخ عبدالله نفسه، وإن كان لم يذكر لنا مدة بقائه في الكويت، ولكن واضح أنه مكث فترة كافية برفقة الشيخ عبدالله في الفاو، وانتقلا معاً إلى الكويت، ثم مكث بها بعض الوقت، وغادرها إلى رأس تنورة.
هذا ما وجدناه في الأرشيف العثماني أما عن المصادر المحلية التي تؤكد هذه الزيارة فمن من حديث لنا مع أستاذنا سيف مرزوق الشملان أمد الله في عمره وألبسه لباس الصحة والعافية أخبرني بأنه أخذ معلومات كثيرة عن زيارة مدحت باشا إلى الكويت من المرحوم سالم بن علي بوقماز، ووضعها في كتابه (من تاريخ الكويت، ط 2، 1986م، ص 135 - 136).
وثيقة عثمانية تبرز تقرير مدحت باشا عن الكويت
1- أهم موانئ الخليج
2- عبدالله ومبارك الصباح شاركا بالحملة العثمانية
3- 80 سفينة تحت التصرف واستقبال مدحت في الفاو
4- 6 آلاف بيت في الكويت ومحاطة بالعشائر والقبائل
5- ألف سفينة تعمل في الغوص والتجارة
6- لا يوجد عساكر ولا ضرائب تذهب للحاكم
(انتهى)
ا د. فيصل عبدالله الكندري
استاذ التاريخ الحديث - جامعة الكويت - قسم التاريخ
جريدة القبس 20/11/2010
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
|