نهج علماء المسلمين في النصح لولي الأمر
نهج علماء المسلمين في النصح لولي الأمر
بقلم: الدكتور يعقوب يوسف الغنيم
2012/01/17 05:51 م
اذا كان الدين النصيحة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فان النصح لولي الأمر أهم ما ينبغي ان يقوم به المرء شريطة ان يكون قادراً على اسداء النصح الخالص الذي يأتي به خير الجميع، وان يكون الناصح مخلصاً في نصحه بعيداً عن التظاهر بحب المصلحة وبالدراية والرغبة في احياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من ذلك بعيد.
تردد في التاريخ الاسلامي نصح العلماء لأولياء الأمور ولم يكن الحاكم في مختلف العصور الاسلامية يفتقد من يقدم له النصيحة، ويذكره بموجبات عمله بما لا يتنافى مع واجبات السمع والطاعة ولقد أُلِّفتْ كتب كثيرة في هذا المعنى وكلها يشتمل على نصائح من النوع الذي تحدثنا عنه ولا شك في ان الاسلوب الذي وصل إلينا مما تعبر عنه هذه النصائح انما هو اسلوب دال على الاخلاص والوفاء لولي الأمر، وكله يدل على حسن الخطاب، وتكامل الذوق فيه، وعدم الخروج عن الأدب الرفيع مما يفتح قلب المستمع اليه، فيتقبله دون ان تدخل الى نفسه لجاجة ودون ان يحس بمقت للناصح. واتيان التوجيه من عالم له وزنه في ميزان العلم، وله خلقه القويم، ودينه الذي يعصمه من الزلل أمر مطلوب، وقد تكرر طلب الخلفاء للنصح ممن يرون فيه المقدرة على اسداء النصيحة، ولم يتردد هؤلاء في تقديمها، ولا أولئك في قبولها.
من ابرز النصائح في التاريخ الاسلامي نصيحة القاضي يعقوب بن ابراهيم، وكنيته (أبو يوسف) وهو رجل له شهرة كبيرة في عالم القضاء، وفي صحبته للإمام ابي حنيفة النعمان. وقد قدم نصيحته هذه الى الخليفة العباسي الشهير هاورن الرشيد. وكانت لهذه النصيحة بداية وكان لها سببا ذلك ان الرشيد رأى ان يستفيد من علم ابي يوسف لكي يُنَظِّم بعض المسائل المالية التي تهم الدولة، وبخاصة وقد تزايد دخلها، واتسعت رقعتها، واصبح تنظيم الاعمال بصفة عامة هاجساً يشغل بال الخليفة، ونتيجة لذلك فقد استدعى هارون الرشيد هذا القاضي الجليل وطلب منه ما يريد. وقد لخص القاضي ذلك بقوله: «إن امير المؤمنين أيده الله تعالى سألني أن أضع له كتاباً جامعاً يعمل به في حياته الخراج، والعشور، والصدقات والجوالي (وهي نوع من أنواع الضرائب)، وغير ذلك مما يجب عليه النظر فيه والعمل به، وانما اراد بذلك رفع الظلم عن رعيته، والصلاح لأمرهم».
نتيجة لتنفيذ طلب الخليفة الف أبو يوسف كتابه المعروف المسمى: «كتاب الخراج» وهو كتاب قيم نشر في عدة طبعات منها طبعة المكتبة السلفية بعناية أستاذنا محب الدين الخطيب التي صدرت في سنة 1352 هـ (1933م) وقد جاءت طبعة مطبعة بولاق بمصر قبلها اذ صدرت في سنة 1302 هـ (1884م) وطبع الكتاب في الكويت، طبعه البنك الصناعي الكويتي في سنة 1958م وحققه الدكتور احسان عباس وهو من خيرة محققي التراث، وأغزرهم انتاجاً وهكذا نرى ان هذا الكتاب نال اهتماماً كبيراً من الناشرين والمحققين والعلماء ولقد كانت مناسبة تأليف الكتاب فرصة سانحة لكي يقدم فيها هذا الرجل نصيحته لأمير المؤمنين الرشيد، فلم يضع الفرصة بل اهتبلها ووضعها في بداية الكتاب، وكأنها مدخل اليه، وفي هذا يقول ان تولي الخليفة لأمر الأمة من اصعب المهمات، بل هو ابتلاء، لا ينجو منه الا من اخلص نيته لله، ثم يتحدث عن مغبة تأخير انجاز الاعمال، وعن ضرورة إقامة الحق، وهنا يقول: «فأقم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهار، فإن أسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت به رعيته».
وينطلق في تقديم النصح قائلا:
«وإني أوصيك – يا أمير المؤمنين – بحفظ ما استحفظك الله، ورعاية ما استرعاك، وأن لا تنظر في ذلك إلا إليه وله، فإنك إن لا تفعل تتوعر عليك سهولة الهدى، وتتعمى في عينيك رسومه، وتضيق عليك رحابه، وتنكر منه ما تعرف، وتعرف منه ما تنكر.فخاصم نفسك خصومة من يريد، الفلج لها لا عليها؛ فإن الراعي المضيع يضمن ما هلك على يديه مما لو شاء رده عن أماكن الهلكة بإذن الله، وأورده أماكن الحياة والنجاة؛ فإذا ترك ذلك أضاعه، وإن تشاغل بغيره كانت الهلكة عليه أسرع، وبه أضر.وإذا أصلح كان أسعد من هنالك بذلك، ووفاه الله أضعاف ما وفي له.فاحذر ان تضيع رعيتك فيستوفي ربها حقها منك، ويضيعك بما أضعت أجرك، وإنما يدعم البنيان قبل ان ينهدم، وإنما لك من عملك ما عملت فيما ولاك الله أمره، وعليك ما ضيعت منه، فلا تنس، قيام بأمر من ولاك الله أمره فلست تنسى، ولا تغفل عنهم وعما يصلحهم فليس يغفل عنك».
ثم اتبع ذلك بقوله:
«وليس شيء أحب إلى الله من الإصلاح، ولا أبغض إليه من الفساد! وعمل بالمعاصي كفر النعم، وقل من كفر من قوم قط النعمة ثم لم يفزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزهم وسلط الله عليهم عدوهم.
وإني أسأل الله – يا أمير المؤمنين -الذي من عليك بمعرفته فيما ولاك، ألا يكلك في شيء من أمرك إلى نفسك، وأن يتولى منك ما تولى من أوليائه وأحبائه؛ فإنه ولى ذلك ومرغوب إليه فيه».
وختم ذلك بأمرين هما؛ إبلاغ الخليفة بإنجازه للمطلوب منه وهو كتابة البيان الخاص بالتنظيم المالي الوارد في كتابه «الجزاج» والأمر الثاني هو أنه قدم لهارون الرشيد مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة ذات العلاقة بما ورد في النصيحة من معلومات وتنبيهات. إضافة إلى بعض أقوال الخلفاء الراشدين، وبعض التابعين، وكلها أقوال ذات حكم وإرشادات كثيرة.
٭٭٭
ومن أبرز النصائح في عصرنا الحديث، ما جرى تقديمه في الكويت خاصة. وهي النصيحة التي كتبها الشيخ عبدالله الخلف الديحان إلي حاكم الكويت في عصر تقديم تلك النصيحة وهو الشيخ سالم المبارك الصباح. وهي نصيحة لا تخرج في جوها العام عن نصيحة القاضي أبي يوسف للخليفة العباسي هارون الرشيد.
تلقيت من أخي الشيخ الأستاذ الدكتور وليد المنيس نسخة منها، فقرأتها مسرورا بها لما فيها من مسحة إخلاص ووفاء من عالم إلى الحاكم، ولما فيها من تشابه في النهج الذي سار عليه علماء الأمة منذ عهد أبي يوسف، وما قبله، ثم ما بعده إلى أن وصل بنا الزمن إلى أيامنا هذه. وقد علمت فيها بعد أن النسخة الأصلية من النصيحة الكويتية قد وقعت في يد الأخ الفاضل الشيخ محمد بن ناصر العجمي، فحقق كلماتها واهتم بطبعها.
تبدأ هذه الوثيقة النفيسة بعنوان في هذا المعنى كتبه الشيخ محمد بن ناصر العجمي للدلالة على الموضوع، ثم أضاف إليه عبارة أكثر إيضاحاً هي قوله: «رسالة من علامة الكويت الشيخ عبدالله الخلف الدحيان إلى حاكم الكويت الشيخ سالم المبارك الصباح رحمهما الله تعالى». ثم قدم ابو ناصر لذلك بمقدمة قصيرة فيها ذكر لسبب الرسالة (النصيحة)، وفيها بيان عن الشيخ عبدالله الخلف، وعن الشيخ سالم المبارك الصباح وسوف نتولى الحديث عنهما فيما بعد.
ثم تبدأ الرسالة، وسوف نقدمها كاملة في هذا المقال، مع ملاحظة مايلي:
-1 كان السلف الصالح من علماء أمتنا يهتمون دائما بتقديم النصائح لأولياء الأمور لأنهم يعلمون أن الدين النصيحة.
-2 ولأنَّ النصح الذي قدمه الشيخ عبدالله الخلف الدحيان كان نصحا خالصا لله تعالى لا يبغي من وراء تقديمه منفعة ولا مصلحة، فلم يذكر في خطابه إلى الشيخ أي مطلب مهما كان.
-3 وحرص الشيخ عبدالله على السرية التامة وهو يقدم ما لديه، فلم تكن نصيحته على رؤوس الأشهاد حتى لا تفقد قيمتها من حيث أنها ينبغي أن تكون سهلة التقبُل، لا يحس متلقيها بأي حرج مهما كان، بل ويسعى إلى الاستفادة منها.
-4 كان الشيخ عبدالله الخلف الدحيان يقدم من خلال خطابه ما يدل على تقديره لمكانة ولي الأمر وما يدل على اعترافه بالمقام الكريم الذي يحتله الشيخ سالم المبارك الصباح.
-5 كان افتتاح الرسالة دالا على مشاعر الشيخ عبدالله فهو يقدم الاحترام أولا ويصف ولي الأمر بصفات تدل على ما يحمله له في نفسه من تقدير وإجلال، ثم يدعو له.
-6 ثم ينهي الرسالة بعد أداء السلام والتحية بقوله عن نفسه: «أحد المستظلين بوارف ظلكم، والقائلين بظل عدلكم: عبدالله بن خلف، الداعي لكم بدوام التوفيق».
فانظر إلى هذه العبارات الطيبة، وقارنها بما نسمع اليوم من أصوات عدائية يجب ألا تصدر من مواطن ينبغي أن يعرف مكانة ولي الأمر في الإسلام، وهي مكانة محفوظة بقدر أهمية هذا المنصب الرفيع.
هذه بعد كل ما تقدم رسالة الشيخ عبدالله الخلف الدحيان التي وجهها إلى الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت في (1917م - 1921م) وهي رسالة حققها - كما ذكرنا - الأخ الشيخ محمد بن ناصر العجمي، وقدم لي منها صورة أصلية بخط الشيخ، ولذا فقد استحق مني الشكر والتقدير، كما استحق الأستاذ الدكتور الشيخ وليد المنيس من شكر لتنبيهه إياي إليها.
وهذا هو النص الكامل للرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محترم المقام، ومفخرة الأمراء الكرام، الواثق بالله، والمؤيد بنصر الله، مولانا الشيخ سالم المبارك الصباح حفظه الله من كل مكروه، وحقق له من الخير فوق ما يرجوه، وأدام له العز والتمكين، ونفع بولايته الإسلام والمسلمين، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… وبعد:
فأنهي إلى كريم حضرتك أن ما ثبت في صحيح مسلم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تُناصحوا من ولاه الله أمركم» وغيره من الأحاديث المرغبة في نصح الأئمَّة، وأنت أيدك الله بتأييده قد تشرف بك هذا المنصب الذي أهلك الله له، وَمَنَّ بهِ عليك، لهذا رفعت إليك هذه الجملة من النصح، عملا بأحاديث مناصحة أولي الأمر، وما أنا أعَلمُكَ، ما تجهل، ولكني أذكرك بما تعلم، وإن لم تكن ناسيا فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
من المعلوم والمقرر شرعا أن ولاية أمر الناس من أعظم الواجبات الدينية، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، وقد سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في صحيح مسلم قوله عليه السلام لأبي ذر - رضي الله عنه - في الإمارة: «إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذ بحقها، وأدى الذي عليه فيها»، وقد قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} قال العلماء: إن هذه الآية نزلت في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل. ومن ذلك بل أفرض ما هنالك: إقامة الأمر بالمعروف النهي عن المنكر، وقد دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما الكتاب: فقد قال الله تعالى: {ولْتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} فأمر الله به وعلق الفلاح عليه.
وقال تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين} فلم يشهد تعالى لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة} فقد وصف تعالى المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وقال تعالى: {لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} وهذا غاية التشديد، إذ علل استحقاقهم للعنة بتركهم النهي عن المنكر.
وقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} وهذا يدل على فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ يبين أنهم كانوا به خير أمة أخرجت للناس.
وقال تعالى: {فلما نَسُوا ما ذكّرُوا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} (بئيس: أي شديد) فبين أنهم استحقوا النجاة بالنهي عن السوء.
وقال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} فقرن ذلك بالصلاة والزكاة في نعت الصالحين المؤمنين.
وقال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ومعنى التعاون الحث على فعل الخير، وتسهيل الطرق إليه، وسد سبل الشر والعدوان بحسب الإمكان.
وقال تعالى: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} وهو الأمر بالمعروف وإقامة العدل في القريب والبعيد.
وقال تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} إلى غير ذلك من الآيات الآمرة بإقامة ذلك الفرض، والمبينة لفضله وعظم جزائه عند الله تعالى.
وأما من السنة: فأحاديث كثيرة: منها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رأي منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
ومنه ما رواه البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة (أي: اقتسموا محلها بالقرعة) فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه، فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء. فإن أخذوا على يديه أنجوه وأنجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم».
ومنها: ما رواه الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده: لتأمرن بالمعروف وَلتنهَوُن عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده، ثم لتدعُن فلا يستجاب لكم» أي: أحد الأمرين كائن، إما النجاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو وقوع العذاب وعدم استجابة الدعاء.
وأما الإجماع فالأمة مجمعة على فرضيته، والعقول السليمة شاهدة على أهميته، وعظيم منزلته.
والمعروف اسم جامع لكل ما عرف في الشرع من طاعة الله، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس قولا وفعلا، والمنكر ضد ذلك وهو كل ما عرف في الشرع قبحه.
هذا ما أنهيه إليك، وأستنيب القلم بتلاوته عليك، لما إنك مهيب الحضرة، واعرف منك التواضع مع كمال الرفعة، وما كتبته فهو مقرر من قلبي، وليس لي فيه إلا مجرد نقلي، أسأله تعالى وهو خير مسؤول أن يؤيدك بالعز والتمكين، ويجمع لك وبك من صلاح الدنيا والدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحد المستظلين بوارف ظلكم والقائلين بظل عدلكم
عبدالله بن خلف
الداعي لكم بدوام التوفيق
٭٭٭
هذا وأظن أنَّ من اطلع على هذه الرسالة قد عرف قيمة الرجال الأوائل الذين كانوا يقدرون أولياء الأمور ويولونهم حقهم من الاحترام والإجلال، ويعرفون كيف يدخلون إلى نفوسهم عن طريق النصح الصادق، والتوصل إلى تقديمه بوسائل فيها نكران الذات والرغبة الصادقة في أداء أمانة رجل الدين واهتمامه بتقدم ما يسأله الله سبحانه عنه من وجوب اسداء النصيحة لولي الامر الذي هو في حاجة الى مثل ذلك من وَقْتٍ الى اخر حتى يتم له من الله دوام التوفيق. وحتى لا تنسيه اعماله الكثيرة حق الله عليه.
٭٭٭
في هذا المقال عدة أسماء لابد وان نقدم شيئا عنها، وعن مكانتها على ان يكون ذلك بحسب ترتيب ورودها:
اولا: هارون الرشيد، وهو هارون بن محمد (الخليفة المهدي) ابن المنصور. خامس الخلفاء في الدولة العباسية التي قامت في سنة 132م، اثر سقوط الدولة الاموية. ولد في سنة 766م وتوفي في سنة 809م. نشأ في دار الخلافة وعوده ابوه على تحمل الاعباء التي سوف يكون لها اثر في مستقبله المنتظر وهو ان يكون خليفة.
بويع الرشيد بالخلافة في سنة 170هـ، فكان له دور كبير في نهضة البلدان التي عمها الاسلام، اذ ازدهرت الدولة في ايامه وكان له علم بالادب والفقه، وكان فصيحا في لغته يتحاور دائما مع العلماء الذين يأتون الى حضرته.
وكان شجاعا شديد البأس، وله علاقات مع الدول الاخرى التي تنافس دولته، وله اخبار كثيرة تدل على مكانته وعلى مقدرته في قيادة البلاد.
ثانيا: القاضي ابو يوسف يعقوب بن ابراهيم، صاحب الامام ابي حنيفة ولد في مدينة الكوفة سنة 113هـ وكان في شبابه يهتم بحضور مجالس العلماء، وتحصيل العلوم بشتى فروعها. وظهرت نباهته منذ بداية حياته، فقد كان كما قيل عنه: صاحب حافظة واعية، وعقلية منظمة، وكان سريع البديهة، وكل هذه الصفات تؤهله لان يكون عالما يُنْظَرُ اليه على انه من اكثر العلماء افادة واغزرهم علما. وقد اختص بأبي حنيفة صاحب المذهب الحنفي فشهد له هذا بانه سوف يفتح الله عليه بعلم وافر ومكانة كبيرة.
وله عدة مصنفات غير كتاب الخراج الذي جاءت وصيته لهارون الرشيد فيه منها الكتب التالية:
-1 الآثار.
-2 الرد على سِيَرِ الأوزاعي.
-3 اختلاف أبي حنيفة وابن ابي ليلى.
وعندما برز في الفهم والمكانة العلمية رآى الخليفة هارون الرشيد ان يستفيد من علمه، فكان دائم الحضور الى مجلسه فيرد على ما يسأله الخليفة عنه. ومما جرى في هذا الشأن ما ذكرناه سالفا من ان هارون الرشيد طلب منه كتابة بيان عن الخراج، فكان نتاج ذلك ردا بليغا واضحا تضمنه كتاب الخراج الذي تحدثنا عنه.
ثالثا: الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت في الفترة من سنة 1917م حتى سنة 1921م، وهو من مواليد سنة 1864م، جرت في عهده عدة احداث، فكان مثالا للرجل الفارس المدافع عن وطنه وعن حقوق هذا الوطن، اجرى تيسيرات كثيرة في البلاد منها تخفيض الرسوم الجمركية، وامر ببناء السور الثالث الذي نشهد معالمه اليوم وهي عبارة عن البوابات التي تم الاحتفاظ بها للذكرى. كان محبا للاطلاع مقربا للعلماء، وكان يستمع الى احاديثهم. وعندما توفي في اليوم الثاني والعشرين من شهر فبراير لسنة 1921م قام في مقامه الشيخ احمد الجابر الصباح، الذي كان نعم العون له في حياته.
رابعاً: الشسيخ عبدالله الخلف الديحان وهو الذي اطلق عليه لقب علامة الكويت، وهو لقب مستحق له علما وفضلا وخلقا، ولد في شهر سبتمبر لسنة 1875م، وتوفي في اليوم الخامس من شهر فبراير لسنة 1931م.
كان قبلة طلاب العلم يأتون اليه للدراسة، وكان حفيا بهم، حريصا على مصلحتهم، ولقد ذاع صيته بذلك حتى توافد اليه طلاب من الدول المجاورة.
كان واعظا فذا يسعى الناس الى سماع وعظه الذي يقدمه في مسجد البدر بالقبلة، وكان من مؤيدي المشروعات الخيرية في الكويت. وكان احد خطباء حفل افتتاح المدرسة الاحمدية والجمعية الخيرية.
سبق لنا الحديث عنه في عدة مقالات من «الأزمنة والأمكنة» ومن اراد ان يطلع على المزيد فقد اصدر عنه مركز البحوث والدراسات الكويتية كتابا قيما الفه الاخ الشيخ محمد بن ناصر العجمي.
٭٭٭
لا اشك في جدوى ما قدمناه في هذا المقال، ففيه الدلالة الحقة على جهود علماء المسلمين الناصحة لولي الامر.
http://watanpdf.alwatan.com.kw/alwat...2-01-18/42.pdf
http://watanpdf.alwatan.com.kw/alwat...2-01-18/43.pdf
http://alwatan.kuwait.tt/articledeta...rQuarter=20121
__________________
***** ๑۩۞۩๑
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين} هود114 ๑۩۞۩๑
*****
|