في ظاهرة فريدة وغير مسبوقه شهدتها شوارع وأروقة وممرات اسواق المباركية تمثلت بالحضور الجماهيري الكبير للاستمتاع ببرامج ومهرجان اعيادنا الوطنية الذي نفذته الجهات المعنية مشكورة، وخلال دخولي احد الاسواق المتفرعة من شارع الغربللي وهو سوق السلاح، اذ بأحد الأصدقاء الذين لم أرهم منذ سنوات طويلة يوقفني للسلام والقاء التحية التي بادرني بها قبله بسبب نشاط ذاكرته الفورية التي تفوقت على ذاكرتي، ثم قام بتقديم صديقه الذي يقف بجانبه للسلام علي، حيث بدت عليه اشباه اوربية، وذو وجه ابيض دائري بشوش، تزينه لحية بيضاء زادت من وقاره، قصير القامة (مروبع) وكان يرتدي (دشداشة شتوية دون غترة وعقال) وقال: أعرفك على (فلان) من اسكتلندا، حضر للتو من المطار ولبس دشداشته التي كان يحتفظ بها بشنطته!!) قمت فورا بالسلام عليه وتبادل كلمات التحايا وما تبعها من عبارات الترحيب المعتادة، ثم قطع صديقي (اللي الى الآن لم أتذكر اسمه) حواري مع هذا الاسكتلندي، سائلا: هل تعرف لماذا أنا هنا؟ أجبته.. ببساطة للاحتفال والمشاركة مع هذا الجمع الغفير والأمواج الهائلة من البشر وكذلك لتعريف صديقك واطلاعه على نموذج من نماذج الفرح عندنا في الكويت.. قال: (بعد ان انقلب وجهه غضبا) صحيح لكن (عندي دوام، شفت ليلي) وصديقي الاسكتلندي لم يتركني بحالي واجبرني لاحضاره الى المباركية في هذه الساعة المتأخرة من الليل لانه - حسب ما قال - مشتاق الى المباركية، ولم يكن لديه استعداد للانتظار الى الغد، قاطعته قائلا: الضيف له حق عليك، فأعط ضيفك حقه، خاصة انه قطع مسافات طويله من الطيران والتنقل بين مطارات العالم حتى وصل الى الكويت، وارى على عينه السعادة والحمد لله انه لايعرف ما انت فيه الآن! قال: ليست هذه الزيارة الاولى للكويت، لكن هذه المره جاء متحمسا لزيارة سوق المباركية الذي زاره قبل عام حيث كان متلهفا ومشتاقا للعودة الى المكان الذي احبه، وكنت راغبا ان يرتاح من عناء السفر وأقوم أنا بواجبي الوظيفي وأعود باصطحابه الى المباركية في الغد، لكنه أصر على الحضور في هذا الوقت (الحمد لله ان الضيف لم يكن يعرف ما يدور بيننا من حديث)!! التفتُ حينها الى الاسكتلندي وكررت عليه التحية متمنيا له طيب الاقامة في الكويت والتمتع بأجواء الفرح والمرح الذي سلِبَ منها منذ سنوات، واستنشاق عبير ماضينا وحاضرها، ودعوته للاستمتاع من خلال هذه النافذة العظيمة لصورة جمالية لشعب احب الحياة.. انظر الى ضحكة ذلك الطفل والى سعادة تلك العجوز والى عنفوان اؤلئك الشباب والى جمع الاسر هنا وهناك، والى تلك الجدران الذي تفوح منه رائحة الماضي التليد لآبانا واجدادنا انظر الى بصماتهم هناك مطبوعة تحكي لك ولغيرك تاريخ مجد، سطرهُ اناس عظام، استمتع بأجواء المباركية التي انت وامثالك تدركون القيمة التراثية والمعنوية لهذا المكان قبل ان تهدم الجهات الرسمية المختصة اجزاء غاية في الاهمية منه، وتقضي عجلات (البلدوزر) على هويتنا الاجتماعية و(يخربون) بل ويمحون اهم واعظم مظهر من مظاهر نهضتنا وارثنا المتبقي، لقد سابقت انت الزمن وقدمت من اسكتلندا الى الكويت وقطعت اكثر من (6000) كيلومتر لتعيش لحظات جميلة في سوق المباركية، في الوقت الذي نتسابق نحن على خرابه وهدمه.(لدي صورة ضوئية عن اخطار رسمي بالاخلاء لبعض محلات سوق السلاح لمدة 3 شهور والذي يعتبر جزءاً مهماً من المباركية وهناك محلات قطعت عنها الكهرباء لاجبار اهلها على تركها)!!!(مستر فلان) استمتع في وقتك Enjoy your time)) وارجو منك ان لا تخبر احدا عن قصة هدم المباركية!بعد يوم من هذا اللقاء اتصل بي صديقي وقال (ماذا عملت بالاسكتلندي، لقد اغرورقت عيناه في نهاية جولتنا على ما أخبرته به عن هدم اجزاء من المباركية!!) وقضيت معه ساعات (ارقع له) عن المعلومات المثيرة التي (صبيتها) في أذنه لكنه أسف اشد الأسف على المباركية وعظمني الأجر في ارثنا وتراث مجتمعنا الكويتي.
شكرا على المقالة ..
لكن اتوقع هناك مبالغة في العنوان .. سوق المباركية في السنوات الاخيرة تعرض لتجديد شامل
و اتوقع حاليا هو بمظهر جميل و مبهج لقضاء وقت لطيف فيه
عندما بكى الإسكتلندي على هدم المباركية
العرض العادي
