فترة الخمسينات تُذكرني دائماً بطفولتي في الحي القبلي في مدينة الكويت القديمة، وكذلك عندما التحقت لأول مرة في عام 1956، بروضة المنصور في منطقة الشويخ (ب)، رغم ان منزلنا كان في الحي القبلي ولم ننتقل الى منطقة الشويخ (ب) الا في عام 1959، والسبب ان منزلنا الجديد كان قيد التشييد، وأيضا كي يكون الطريق سهلاً لوالدي عند اصطحابي الى المدرسة نظراً لتردده في الاشراف على بناء المنزل الجديد، كنت أشاهد دروازة» الجهرة أثناء مرورنا يومياً من داخل بوابتها في الذهاب والإياب.
حاولت الربط بين اوجه صور الحياة في تلك الفترة، وبالاخص ايام طفولتنا، واوجه صور الحياة التي يعيشها ابناؤنا في الوقت الحاضر، فلم أجد اي نوع من التقارب والشبه، ويتسنى لي بين الآونة والاخرى استرجاع شريط ذكريات الطفولة، فأشعر بقرارة نفسي ان ابناء الجيل الحالي يحيون حياة رغيدة ملؤها الترف مع توفير كل شيء يحلمون بالحصول عليه، ولو كان ابناؤنا يدركون قيمة النعمة لكانت سلوكياتهم وتصرفاتهم أكثر عقلانية وحكمة وحسن تصرف، أما خلال فترة الخمسينات فلم يكن جيلي يحظى بمثل تلك الامور، ولم يكن كل شيء بمتناول اليد، وذلك لقيمة المال في انه لم يأت إلا من كد وتعب وشقاء، ولا يكون صرفه إلا للأمور المعيشية الرئيسية إن لم تكن الضرورية.
أما عن تلاميذ مرحلة ما بعد منتصف الخمسينات، فيعتبرون من المحظوظين لما كانوا يحظون به من معاملة خاصة اشتملت على توفير كل سبل الرعاية، فالتلاميذ كانوا يحصلون في بداية العام على بدلة كاملة فيأتي الخياطون الى المدرسة لأخذ قياس البدل، ثم زيارة اخرى لإجراء قياس «البروفة»، وتقدم ادارة المدرسة كذلك قميصين وحذاء من صنع بريطاني كنا نطلق عليه «جوتي لندني»، ويتناولون وجبتين في اليوم، ففي الصباح يعطى لهم شوربة عدس ساخنة والشطائر والبيض والفاكهة، اما الغداء فيشمل وجبة كاملة، وتختلف كل يوم عن الآخر، كما يتسلم التلاميذ لوازم وادوات القرطاسية ولا يحتاج اولياء الامور الى تلبية طلبات الابناء التي نشهدها اليوم.
الصورة لروضة المنصور، وهي اول روضة تنشأ خارج مدينة الكويت القديمة عام 1956، وكانت مدرسة نموذجية بما تحمله هذه الكلمة من معنى. وكان في وسط المدرسة نافورة كبيرة تخرج المياه على شكل دائري هي وحدها كانت محط اهتمامنا واعجابنا، وايضا كانت هناك مرافق اخرى مثل الحديقة بما احتوت من انواع عديدة من الزهور والورود، وكان يفوح اريجها ويصل إلينا ونحن داخل الفصل. والأمر الظريف الذي اتذكره في روضة المنصور انه بعد الغداء.. أعدت ادارة المدرسة اسرّة (سراير) بعدد الاطفال بداخل المسرح للنوم وقت الظهيرة.. لا أطيل لأصل الى الصورة المنشورة التي هي من اهداء الاخ العزيز اللواء سعود الخترش، لأطفال روضة المنصور عام 1956 ويبدو فيها: الأول ناحية الشمال وبعده على التوالي الاخوان العزيزان فوزي ويعقوب يوسف بورسلي - أما في وسط الصورة فتبدو المدرّسة أبله لميس وأمامها مباشرة الاخ العزيز نجيب عبدالعزيز الحميضي - كما يبدو الاخ العزيز صادق ابو الحسن الرابع في الصف الثاني ناحية اليمين.. اما عادل العبد المغني، الذي هو انا، فأبدو الثاني في الصف الاخير ناحية الشمال.
كل الشكر والتقدير للأخ العزيز اللواء سعود الخترش الذي اعادنا الى ايام الزمن الجميل.
د. عادل العبدالمغني
أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين
روضة المنصور عام 1956
[/IMG]
العرض العادي
