ردّاً على فيصل الكندري حول نشأة الكويت- د. يعقوب الغنيم
الوطن - 2012/02/07
يجد المتتبع لتاريخ تأسيس دولة الكويت وثيقة مهمة لا تزال محفوظة، وهي التي تمثلها رسالة كتبها الشيخ مبارك الصباح، وذكر فيها تاريخ تأسيس الكويت، والحق أن هذه الوثيقة تتكون من شقين أحدهما الخطاب الذي كتبه الشيخ في اليوم الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول لسنة 1331هـ (الحادي عشر من مارس 1913م) ووجه إلى الكولونيل بيرسي كوكس قنصل بريطانيا في الكويت وفيه يقول إن والي البصرة العثماني طلب من وكيله في البصرة السيد عبدالعزيز السالم أن يحضر له من الشيخ مبارك بيانا بحدود الكويت وتوابعها، ولم يأت منه خطاب بذلك، ومن أجل هذا فقد كان الرد عبارة عن ورقة في تفصيل ذلك ولكنها كما قال: «بدون خط (أي دون رسالة) من عندنا للوكيل وذلك لكي يعرضها على وكيل الوالي» وقد أرفق مع هذه الرسالة البيان الذي تحدث عنه فيها عن نشأة الكويت وعن حدودها وكان تاريخ البيان الموجه إلى والي البصرة ردا على تساؤله هو اليوم الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 1331هـ.
تقول بداية البيان: «الكويت أرض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022 هجرية».
وهذه البداية هي التي نستدل منها إضافة إلى أدلة أخرى على تاريخ نشأة الكويت في سنة 1613م واعتمدها عدد آخر من الباحثين دون تردد، وذلك لوضوح ما تدل عليه. ولقد فوجئت بكاتب يقول في مقام تعليقه على ما كتبته الأستاذة الدكتورة ميمونة العذبي الصباح التي استدلت بهذا البيان على نشأة الكويت: «ولكن لو رجعنا إلى تلك الوثيقة الأصلية التي اعتمدت عليها نجد أن الشيخ مبارك قال فيها: «الكويت أرض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022هـ، ونختلف مع الدكتورة هنا في قراءة كلمة واحدة وهي «نزلها» وليس أسسها، وأعتقد أن هناك فرقا كبيرا بين نزل وأسس، حيث إن الشيخ مبارك رحمه الله قال: نزلها، بمعنى أن الكويت كانت موجودة ومعروفة فجاء إليها الشيخ صباح الأول.
ثم دخل الكاتب في موضوع آخر، فبين أن هذه الرسالة لم ترسل إلى الجهات العثمانية بدليل عدم وجودها في الوثائق العثمانية، ولكنها وجدت في الوثائق البريطانية وهذا يكفي للدلالة على أنها أرسلت إلى هذه الجهة فقط.
لا أريد أن أسترسل في الحديث عما ورد في الرد المشار إليه فهو بحث طويل سوف تتكفل الدكتورة ميمونة الصباح فيهما أظن بالرد عليه، ولكني هنا أكتفي بما مر لأقدم ملاحظاتي عليه:
-1 تنقص الكاتب المهارة اللغوية، ولو كان يجيد القراءة لاستطاع أن يبتعد عن الزلل الذي وقع فيه فمن الواضح أن الشيخ مبارك يريد أن يقول: كانت الكويت أرضا قفراء حين نزلها جده صباح. وأضيف أن هذه العبارة فيها الرد على السوال عن الكويت، ولو لم يرد إليه سؤال وكيله الذي نقله إليه من الوالي العثماني في البصرة لما قال: الكويت. لأن اسم الكويت في وقت الشيخ صباح الأول كان: القرين، ثم صار: اسمها الكويت.
وقد تلازم اسم القرين والكويت فترة من الزمن أوضحناها في كتابنا «الكويت تواجه الأطماع» وذكر مرتضى بن علوان شيئا عن ذلك.
وإضافة إلي ذلك فإن هذه الأرض القفراء لم تكن خالية تماما من السكان، ولكنها لم تكن قد أخذت هيئة الدولة إلا بعد أن جاءها جد الشيخ مبارك، وتم اختياره حاكما لها. وبذلك تأسست الكويت (الدولة) واستمر حكمها إلى اليوم، كما بدأ في الوقت الذي حدده الشيخ مبارك الصباح.
-2 سبب عدم وجود هذه الوثيقة في الوثائق العثمانية واضح قاله الشيخ مبارك والقارئ العادي يفهمه من قوله انه أرسل هذا البيان ليعرض على الوالي لا لكي يسلمه له، لأنه لم يأت على شكل رسالة، ولذا فإن الشيخ عندما أراد أن يرسل البيان إلى القنصل البريطاني كتب معه رسالة يبين فيها سبب كتابة البيان.
ولم يكن الشيخ مبارك يريد من وكيله أن يسلم البيان إلى ممثل الدولة العثمانية في البصرة، ولكنه أراد أن يطلعه عليه فقط، ولذا فليس من المستغرب ألا تكون عنده نسخة يضعها ضمن الوثائق العثمانية.
-3 ليس هناك أي شك في صحة وورود البيان أو الرسالة الموجهة من الشيخ مبارك الصباح إلى الكولونيل بيرسي كوكس. فهي واردة في وثائق الممثلية البريطانية في الكويت، وهي موجودة في وثائق الشيخ أحمد الجابر الصباح التي اطلع عليها الشيخ عبدالعزيز الرشيد، وأشار إليها في كتابه الصادر في سنة 1926م وهو كتاب: «تاريخ الكويت».
-4 هناك كثير من الملاحظات الأخرى أتركها الآن لأن ما ذكرته يدل على باقي حديث الكاتب، وهو حديث طويل لا يخلو من إثارة الخلاف لغويا وتاريخيا بل ومنطقيًا.
د.يعقوب يوسف الغنيم
|