-
سليمان البلوشي
29/02/2008
سليمان البلوشي: عائلة البلوشي الجبلاوية منهم نواخذة السفر والقطاعة
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم فإن قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي، «القبس» شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة.
في مستهل لقائنا مع سليمان فهد عبدالرحمن محمد جاسم البلوشي قال: جدي محمد نوخذة سفر وعمل بالقطاعة اي: حرفة نقل البضائع بواسطة السفن الشراعية من ميناء الى آخر داخل الخليج لبيع وشراء حاجاتهم الاساسية من مأكل وملبس، ومن بعده ابنه الكبير جاسم عمل في البحر وكان نوخذة عمل مع والده وكذلك جدي عبدالرحمن نوخذة السفر الشراعي وصل الى موانئ ساحل الهند الغربي، وساحل اليمن الجنوبي، وساحل افريقيا الشرقي، وعمي خليفة نوخذة «غوص» كان يعرف غوص الخماس لا يمارسه الا القليل، وغوص العزّال، وغوص المنور، ويعرف المغاصات وانواعها.
وقال البلوشي: انا ابن النوخذة فهد البلوشي من بداية الثلاثينات وحتى بداية الخمسينات، والدي وصل البنادر كلها بقيادته وهو يقود السفن الشراعية للتاجر فلاح الخرافي، وانا ركبت معه مع خشب «بوم» الصقر، واشترى سفينة لحسابه الخاص تسمى «الدومي» تسير من دون ماكينة، وصلت معه في بداية حياتي الى زنجبار تباب ثم اصبحت بحاراً وسكوني، ولم اصل الى مستوى النوخذة.
خط السير البحري
وقال البحار البلوشي: تبدأ رحلتنا من الكويت، وتمر السفينة بالقرب من فيلكا وعوهه شمالاً الى شط العرب محملين التمور، فوالدي هو النوخذة وهو مالك السفينة، ويقوم احياناً بنقل التمور بالاجرة وهو ما يسمى بـ «النول»«« وكل كيسين من التمور «كلتين» وهو ما يعرف بـ«المن» الواحدة، ثم يتجه الى جمارك الفاو، ثم الى الخليج الشرقي «ساحل فارس» حتى مضيق هرمز ومسقط واليمن وساحل مكران، وكراچي ومومبي، وجزيرة ستالوه حتى راس امنير على ساحل كوجرات «كاتيورار» وكاليكوت، واما العودة فحملنا الملح الطبيعي من الهند من ميناء «ترنجا» والعودة على امتداد الساحل الهندي الغربي ثم كراچي نحمل الاخشاب والتمر الهندي حتى نصل موانئ الخليج ولا نتأخر عن شهر ابريل خوفاً من الاخطار اي هياج البحر، والا نضطر الى البقاء حتى الموسم القادم، والعودة لا تخلو من الصعوبات.
وآخر رحلة لنا على سفينة والدي كانت عام 1951 حين قابله النوخذة يعقوب اليتامى بالقرب من بندر فيشكان على ساحل مكران.
وقال البلوشي: عندما تنتقل السفن الكويتية من بندر الى بندر، كانت تنقل معها «عبرية» ركاب بالاجرة والكلمة تعني عابر السبيل، واثنآء الحرب العالمية الثانية تعرضت بعض السفن الى قصف جوي، لانها تحمل بعض الجنود بلباسهم المدني، وبعضهم ليسوا بجنود، وسحبت بعضها الى الساحل الكويتي، وكان راشد ولايتي رحمه الله صاحب عمارة الاخشاب ذهب مع جدي والقصار لمشاهدتها.. واجهزتها كانت السكروب والناظور والنايل..
التمور المصدرة
وذكر البلوشي انواع التمور التي تستورد للكويت:
السعران العراقي والخضراوي والحلاوي، والاخلاص الاحسائي وكذلك القنطار.
وقال: اما تمر البرحي فحدث ولا حرج عن طيب مذاقه، والخندريص يقدم للماشية، والحسف والخنان، والسكري والديري العراقي، وخستاوي من ايران، واما التمور التي تصدر من شط العرب فهي الساير والزهدي، وهذان النوعان غير مرغوبين في الكويت، وكذلك الحلاوي والسلوك (البلح المطبوخ). كنا نحمل هذه التمور الى الهند بأكياس من جريد النخيل تحاك باليد، ويسمى الكيس الواحد «كله» وكل 2 كله يطلق عليهما «مَنْ» كانت تصدر الى اليمن والهند على سفن كويتية لان اهل العراق لا يملكون الابوام الكبيرة التي تقطع البحار والمحيطات بل يملكون العشاري «مهيلة» او «بلم»، لكن سفننا تشحن حوالي 4000 الى 7000 كيس، ويبدأ شحن التمور في نهاية اغسطس.
هدامتان خلال 20 سنة
وذكر البلوشي الهدامة الاولى عام 1934 حيث كان يدرس عند الملا عثمان فقال: اتذكرها تماماً عندما امتلأت حفرة بوطيبان وفاضت مياه الامطار ودخلت البيوت حتى وصلت الى براحة ابن بحر، استمر المطر حوالي الاسبوع وتقطع لمدة شهر، كل من كان بيته مبنياً من الصخر لم يتأثر، اما البيوت من العروق اي الطين الذي يتراوح ارتفاع السطر حوالي متر واحد وهذا الجدار، يكون عادة من عشرة عروق، واي بيت مبني من الطين يقال انه «بيت عروك»، فهذه البيوت هي التي تهدمت، ولكن فريج سعود وغنيم مرتفع على صيهد، خصوصا جهة درج الوكيل الذي تصعده بواسطة 21 درجاً، وسمي عبدالله الوكيل لانه كان مسؤولاً ووكيلاً عن العمال، وانتقل ملّانا بعد ذلك الى سكة ابن دعيج.
واما الهدامة الثانية، فكانت عام 1954 قال عنها: كنت اعمل بالمعارف في منطقة الصالحية في 1954/11/14 هطلت امطار غزيرة باستمرار كنا نسميها «حلب» لمدة 15 يوما، اسكنا الاهالي المتضررين في مدارس الزهراء، وعائشة، والشرقية، ومدرسة النجاح، دائرة المعارف كلها تحولت الى ادارة التغذية والتموين لمساعدة المنكوبين، غرفة الدائرة اصبحت مخازن للبطانيات والخبز والصمون، وحلوى ورهش، وباركوتات اي معاطف كبيرة من مخلفات الجيش الاميركي، كنا نسميه «واركوت» Warcoat، وسحبنا كل المواد من الاسواق لمساعدة المتضررين، وانا من موظفي المعارف تحولنا كلنا الى مندوبي المشتريات، ودائرة الاشغال في ام صدة تحولت الى مطبخ لتجهيز الاكلات، وقامت الحكومة بتوزيع الغواري والاباريق وسكر وشاي، وهذه السنة كان الخرير اكثر من الهدام، وكان المطر «ديمة» اي يدوم ومستمر على السطوح، وبعد هذه الهدامة الثانية قامت بلدية الكويت ببناء البيوت من الطابوق والاسمنت.
وقال البلوشي: كان بيت والدتي في المرقاب من «كُبَر» كوخ من الطين له سقف هرمي ايضاً من البيوت التي تهدمت قامت الدبلدية بهدمه وعوضها ببيت من الطابوق.
وتذكر البلوشي في هذه الهدامة المياه التي غطت المساحة من دوار الصليبخات مستشفى العظام الى جي وان اي: G1 وزارة الدفـــــاع، وG2 العظام وG3 سكن الاطباء.
مجلس الإنشاء
وتحدث عن مجلس الانشاء الذي تأسس سنة 1952 بهدف دراسة تخطيط المدينة برئاسة الشيخ فهد السالم الصباح، وانتهى المجلس من مهمته في 6 يناير 1962، وألغي نهائيا في 1963، كان يتابع أعمال الشركات، وتسلم كل المشاريع في موعدها.
طبيعة إعصار الأحيمر
وتحدث عن الأقدار التي ضربت الأبوام الكويتية فأغرقتها، سنة الطبعة كان الكويتيون يؤرخون بها لوقع هذه الكارثة التي أدت الى غرق عدد كبير من السفن الكويتية المسافرة إلى شرق افريقيا والهند، فأول غرق كان في 1872، ثم جاءت طبعات أخرى أشدها «طبعة عائلة بهمن» غرقت سفينتهم وفقدت العائلة عددا كبيرا من أبنائها بسبب إعصار «الأحيمر» القوي المخيف أخذ السفينة الى قاع البحر بعد عودتهم من أحد موانئ الهند الى الكويت وبالتحديد عام 1947، ولقد كان مع سفينة عيال بهمن واحدة أخرى بقيادة النوخذة علي الشطي، وثالثة بقيادة النوخذة حسن الجار الله، ولكنهما سلمتا من هذه العاصفة.
وذكر بوم ولد غيث وحمولته 2500 منّ للنوخذة عبدالكريم الغيث، عرفت السفينة هذه بنهايتها المفجعة، فقد كانت في رحلة الى الهند عام 1945 حينما فقدت وطبعت ايضا بسبب «ضربة الإحيمر» التي لا تمهل، وهذا النوخذة بلال الصقر يطلق عليه «حجي بلال» خبير بالقيادة ولكن القدر المحتوم لم ينج منه أحد، لقد غرق ومعظم بحارته وهو قادم من الهند الى الكويت، وعرفت بـ«طبعة النوخذة بلال» في عام 1943، بعد ان رمى البحارة بالات القطن، اندفعت واحدة منها فكسرت السفينة بعد رمي البالات والبضائع الأخرى، جاء الأمر من النوخذة بعد أن تعرضت السفينة الى رياح شديدة، وأصبح البحر كالطوفان ، أخذ الماء يدخل إلى السفينة، غرقت السفينة وبلغ الناجون 12 بحارا، بينما غرق 24 بحارا منهم النوخذة بلال.
المواد المستخدمة
وتحدث عن المواد الأولية التي تستخدم في صناعة السفن أهمها: الأخشاب التي تعتبر من الأساسيات بالرغم من عدم وجودها في الكويت او الخليج العربي عامة، ولكن التاجر الكويتي وصل إلى الهند وبدأ يقطع الأشجار ويصدرها، وأهم هذه الأخشاب: الساج، المنتبي، الجنقلي، الفنص، العنيني، خشب الفن، الميط، القرط، باكة، خشب شجر المانغو (الهمبة).
واضاف: هناك مواد عضوية في الصناعة منها: الصل زيت لطلاء السفن، الدامر مادة صمغية لمنع الخشب من التعفن، الحل زيت لسد الفتحات، الشونة جير وشحوم الأغنام لطلاء أسفل السفينة، قماش الشراع من القطن، الحبال من ألياف جوز الهند منها: «بيطة» و«كمبار».
وعن الأدوات المستخدمة قال البحار البلوشي: المنشار، المطرقة، الجدوم، المجدح، القوبار، الرندة، المنكر، السكنية لتثبيت الألواح، البلد، الجرخ، النر، المسامير، الدوار، طباشير.
قال بعض هذه الأسماء عربية وبعضها مستوردة من الهند لتأثيرها على الصناع والتجار، وهناك مصطلحات خاصة بصناعة السفن لا يعرفها إلا الاستاد والقلاف منها:
بهو ـ بلولة، برندة، بسة، بوسه، ترس، تسو، چاكة، چالي، چاوية، حياب، خراب، دركه، درز، دقل، دهمة، زند، شواش، صنكر يري، عنچ، عبيدار، عنافة، غمازي، فنه، فنطاس، كاور، كشتو، منخ، ميبر، مليطة، نيم، وانس، وشار.
تهريب الذهب
وتحدث البلوشي عن تجارة الذهب التي نشطت قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، حيث ارتفع سعر الذهب وأصبح يساوي أكثر من 60 روبية، بينما في الهند كان بـ28 روبية، من هنا نشطت تجارة التهريب، ولكن الحكومة الهندية منعت من شراء الذهب وبيعه في الخارج، وايضا العكس واستمرت السفن الشراعية في نقل الذهب سرا الى الكويت، وهذا ما يسمى بالتهريب، فتجد السفن التي تهرب حجمها كبير لزيادة الحمل وتهريب الذهب.
وكان مسموحا بالتصدير والاستيراد اذا سجل بالجمارك، وهناك من كان يصوغه في الهند بالطريقة الرسمية، والبعض لا يريد دفع الضريبة، فيوضع في مخبأ خاص، لا يعلم عنه الا النوخذة والمجدي والسكوني والقلاف.
وقال البلوشي: كنا نجدح المجدفات ونضع الذهب فيها، وكان يوضع في السريدان (موقد النار ومطبخ خاص للسفينة)، ويوضع الذهب المهرب ايضا في صفائح خاصة بالتمور والدهن، ورغم اننا نهرب لكن الامانة بيننا موجودة، ففي 1950 فقدنا امانة من عند اولاد ميرزا في الشارقة، وبعد 4 سنوات جاؤوا بها، وحتى طباخ السفينة وجد قطعة من الذهب في زاوية السريدان، فاخبر النوخذة بها، وفي عام 1948 وبعده عاد سعر الذهب الى الارتفاع في الكويت فخف تهريبه.
وذكر البلوشي: حتى الاشرعة كانت مخابئ للذهب وصناديق بعض البحارة، وكان من الصعب على موظفي الجمارك معرفة اماكن الذهب خصوصا الليرات والمسكوكات، وكان مندوب لاجد التاجر الهندي يرسل (هوري) ليلا الى مكان رسو البوم ليستلم الكمية، وكانت توضع كميات من ليرات الذهب في أكياس كبيرة من الخيش وتلقى في البحر، ومن ثمتنقل ثانية بعد ان يتم التفتيش، واذا وجدت السلطات الهندية اي كمية من الذهب تصادر الاموال والسفينة بالكامل.
أسماء.. وكلمات؟
ذكر البلوشي بعض الاسماء والكلمات يود ان يعرفها يوضحها لهذا الجيل من الشباب قال:
فلاح الخرافي: نوخذة قاد سفينته عام 1910 الى الهند، كان يمتلك سفينتين، احداهما من نوع البوم السفار، والاخرى لنقل الماء العذب، وزادت تجارته وامتلك السفن السفارة، اما سفينته «مطيران» فكان في قيادتها جدي البلوشي.
عبدالسلام شعيب: كان موظفا في شركة نائب مدير الصحة مدير الجمارك والموانئ توفي عام 1974.
الشيخ خالد العبدالله السالم الصباح: تولى رئاسة الجمارك والميناء، واصبح وزيرا للدائرتين، ثم وزيرا للبريد والبرق والهاتف، وعضوا في مجلس الشورى عام 1956، توفي في سويسرا عام 1966.
جاسم العنجري: نائب المدير العام لادارة الجمارك 1950 ثم وكيلاً لوزارة الجمارك والموانئ عام 1962، تقاعد عام1969.
محمد حسين قبازرد: مدير دائرة الميناء من 1952-1961، عضو المجلس التأسيسي، ومجلس الامة، ممثل الحكومة في شركة الزيت الاميركية، صاحب فيلم نادر عن الكويت بين الامس واليوم.
ملا عباس البلوشي: صاحب قهوة مقابل الفرضة، ومقابل سكة الحمارة، وهي من المقاهي القديمة.
قهوة بوعباس: تقع في فرضة الچولان، وهي من اقدم مقاهي الكويت، وانتقل الى الصفاة عند معرض فورد القديم، ادارها بعد ذلك وامتلكها ابنه عباس وصهره زمون محمد، كانت من اشهر المقاهي التي تقدم القدو والشاي.
كريمكنزي: شركة بريطانية، كانت وكيلة البواخر من قبل مائة سنة، مقرها مقابل الفرضة القديمة، وهي الممثلة ووكيلة للشركة البريطانية في الكويت، وكانت ايضاً وكيلة لشركة «لويدز» للتأمين، وكان وكيل العمال لهذه الشركة «عبدالله».
كنبار: حبل يصنع من ليف جوز الهند.
صوغة: هدية القادم من السفر.
بروة: هي الاتفاقية، او ورقة التملك، او الوثيقة، وفيها توضع الشروط بين الطرفين، واصلها «براءة».
جعيدة شخص يتولى حراسة السفينة في الميناء.
جعدة: آخر مولود تضعه الام.
وشار: هيكل السفينة عند بنائها قبل ان تكتمل.
الأحيمر: نجم معروف ظهوره يسبب رياحا وزوابع رعدية واعاصير تؤدي الى غرق السفينة، البحارة لا يغادرون حتى يختفي.
النوخذة فهد عبدالرحمن البلوشي
-