الإنجليز في عهد الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح ( 1921-1950 )
الإنجليز في عهد الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح ( 1921-1950 )
تولى الشيخ أحمد الجابر الحكم وعمره خمس وثلاثون عاما ، في فترة عصيبة من فترات الكويت ، إذ أن العلاقات السعودية الكويتية التي بدا أنها ستتحسن مع توليه الحكم عادت لتتدهور من جديد بسبب ماعرف بمشكلة السابلة .
كذلك كان على الشيخ أحمد الجابر أن يعالج بحكمة علاقات الكويت بجيران أخرين ، وأن يكون حصيفا في معاملاته مع الإنجليز ، الذين لم ينصفو الكويت حين كان الأمر بيدهم في العام اللاحق من توليه شئون الحكم ، وبمالاشك فيه أن حسن تصرفه في تلك الاوقات الحرجة منذ بدايه عهده ، يدل دلاله قاطعه أنه كان بالفعل قد أعد إعداد طيبا لادارة أمور بلاده قبل أن يتولاها .
مشكلة الحدود مع السعودية والعراق .
كانت هذه المشكلة الشغل الشاغل للإنجليز بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، الأن الانجليز قد صارت بيدهم مقاليد الأمور في العراق الذي نصبوا فيها ملكا هاشميا هو الملك فيصل ابن الملك حسين ملك الحجاز ، ثم أن الكويت كانت بيدهم مقاليد شئونها الخارجية وفقا لاتفاقية 1899 ، وكذلك كانت لهم دلالة كبيرة على سلطان نجد عبدالعزيز ال سعود ، الذي قد كان طلب منهم الحماية عام 1915 ، وكانو يمدونه بالسلاح والمال أثناء الحرب العالمية الأولى ، وهو يقف بجانبهم ضد العثمانيين.
ولما أنتهت الحرب ، أراد الإنجليز رسما خطوط واضحة للحدود بين تلك الأقطار الثلاثة ، العراق - نجد -الكويت ، فرأى السير بيرسي كوكس ( المندوب السامي البريطاني في العراق )، أن تأتي الحدود السياسية على غرار ماعرف في أوروبا ، بحيث تكون واضحة المعالم ، تبين نواحي كل قطر من الأقطار الثلاثة المذكورة دون مراعاة لحركة تنقل القبائل العربية الدائبة بينها ، وكانت هذه القبائل تتجول بين أراضي الكويت والعراق ونجد والاردن دون تقييد في عهد الحكم العثماني السابق ، بل ومن قبل الحكم العثماني لاجزاء متعددة في جزيرة العرب والعراق .
وبالطبع فأن ماكان يجوز للكويت القوية في عهد الشيخ مبارك ( 1896-1915 ) لم يكن ليصح في عرف السير بيرسي كوكس ، بعد وفاته حين صار عبدالعزيز ال سعود أقوى زعيم في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية وصار صاحب النفوذ الاول بين قبائلها التي دان معظمها بالولاء له دون سواه من حكامها .
لكل هذا رأى المندوب السامي في العراق أن يوضح الحدود السياسة للدول المذكورة وذلك من أجل أن يعترف بها دوليا ، وبدأ بالفعل برسم الخطوط الرئيسية للحدود العراقية ، حيث كان يعمل مندوبا ساميا فيها وكان السير بيرسي حريصا لكي تستطيع العراق توقيع اتفاقية خاصة بنفط الموصل بالذات ، ومن هنا كانت اتفاقية المحمرة المعقودة يوم 5/5/1922 والتي أوضحت معالم الحدود بين السعودية والعراق وقد وافق عليها ال سعود ليعود وينقضها بعد قليل في نفس العام قائلا انها قد غبنته ، وأنها أضافت للعراق مالم يكن لها ، وأنها أبقت حدود الكويت مع نجد والإحساء ، كما كانت عليه عام 1912 وكان عبدالعزيز يطمع في اقتطاع جزء كبير من أراضي الكويت التي حددت بموجب تلك الإتفاقية ( اتفاقية 1912 أيام الشيخ مبارك الكبير )
مؤتمر العقير 1922
ولما رأى السير بيرسي كوكس موقف صديقه عبدالعزيز ال سعود أنف الذكر ،قرر دعوة العراق والكويت وسلطان نجد إلى مؤتمر يعقد في العقير ، طالبا من الكولونيل ديكسون ممثل بريطانيا آنذاك بالبحرين أن يطلب من عبدالعزيز ال سعود الحضور إلى العقير من أجل هذا الإجتماع ، الذي مثل فيه الكويت المعتمد البريطاني مور .
ويبدو من خلال جلسات المؤتمر الأولى أن السير بيرسي كوكس كان حريصا على رسم الحدود بين الدول المعنية لإسباب مختلفة ، كما مر القول ، ففيما يتعلق بالعراق كان يريد لها أن تبرز كدولة ذات كيان وذات حدود واضحة ، لكي تستطيع ممثلة في ملكها فيصل أن توقع اتفاقيات نفط وغيرها مع بريطانيا ، وأما بالنسبة للسعودية فكان الهدف أن تتوقف اعتداءاتها على حدود جيرانها في الشمال والشمال الشرقي ، على حدود العراق والكويت والأردن ، وكان الانجليز بسبيل تعيين أمير هاشمي هو عبدالله بن الحسين على الأردن ، وأما الكويت فأغلب الظن أرادو لها أن تكون دولة حدود تفصل العراق عن السعودية وتمنع بذالك الاحتكاك بينهما
وعلى الرغم من علاقة الشيخ أحمد الجابر الطيبة مع الإنجليز منذ تولي مقاليد الحكم قبل عقد مؤتمر العقير بعام فأن كوكس كان فيما يبدو ، قد مال إلى الجانب القوي وهو السعودية على الجانب الضعيف وهي الكويت
خلاصة القول في مؤتمر العقير
خلاصة القول في مؤتمر العقير التي وقعتها الاطراف المعنية يوم 2 ديسمبر عام 1922 ، انها عادت بحدود الكويت إلى الجنوبية إلى الوراء بنحو مائة وستين ميلا ، أي أنها لم تبق على حدودها كما رسمتها اتفاقية 1913 ، وقد ضم ذلك الجزء المقتطع لممتلكات عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود ، كما رسمت تلك المعاهدة قيام منطقتين محايدتين بين السعودية والكويت من جهة الجنوب ، ثم بين العراق والسعودية في الشمال . وكان هدف اقامة المناطق المحايدة تسهيل انتقال القبائل البدوية التابعة للأطراف المعنية بين تلك البلاد ارتياد للماء والكلأ .
موقف الشيخ أحمد الجابر من المعاهدة :-
وحين بلغ الشيخ أحمد بشروط المعاهدة وأوضح له حدود الكويت الشمالية مع العراق والجنوبية مع نجد والإحساء في ذلك الكويت وبعد أن رأى الشيخ أحمد مقدار الحيف الذي نزل بالكويت باقتطاع نحو ثلثي اراضيها وتسليمها لسلطان نجد ، تردد في توقيع الاتفاقية غير انه وقعها وهو يلعنها ، ومن الطريف ممن يذكر عما ورد حين التوقيع أن قال الشيخ أحمد الجابر للسير بيرسي كوكس ، بعد أن شرح له الأخير السبب في ضم ممتلكات الكويت لسلطان نجد ، الاوهي قوة عبدالعزيز ال سعود وضعف الكويت أذ أن الكويت كانت يومها أضعف مماكانت عليه أيام الشيخ مبارك .
قال الشيخ أحمد " وهل يعني ذلك ان الكويت أن تسترد ماسلب منها من أراضها أذا صار شيخها في قوة الشيخ مبارك دون معرضة بريطانية ؟ "
فأكد كوكس بأن بريطانية لن تعارض في ذلك ، وقد ذكرت المصادر أن الشيخ أحمد لم ينس لبريطانيا تلك الإساءة ، على الرغم من أنها أمنت له حدود الكويت مع جارتها العراق في الشمال كما وعدت بها الشيخ مبارك وهي تحارب الدولة العثمانية في العراق أيام الحرب العالمية الأولى .
وبعد فهل قدمت هذه المعاهدة للكويت والمنطقة ماوعدت به من سلام على الحدود بين الجيران ؟ بالطبع لا فأن عبدالعزيز كان لايزال طموحه يمتد شمالا وغربا ، وكان عداؤه للهاشمين لازال قائما بعد توقيع المعاهدة ، وهو عداء لم يحسمه سوى الاحتلال للحجاز وطرد الاشراف من مكة ومدن الحجاز وضمه إلى ملكه في نجد والاحساء وذلك بعد توقيع المعاهدة بقليل ، وأن كان عبدالعزيز وقع اتفاق سلم في العقير ،إلا أنه شن على الكويت في العام اللاحق للتوقيع حربا اقتصادية ، إذ فرض عليها حصارا اقتصاديا استمر قائما منذ عام 1923 حتى عام 1937
|