رجالات ومواقف مختلفة عبر التاريخ - سالم الحمود الصباح
: الشيخ سالم حمود الجابر الصباح
10/06/2006 -القبس
كنت قبل عام قد سطرت بقلم سالم حمود جابر آل صباح بعض الكلمات لما لهذا التاريخ من أهمية لدي، وقد يكون كذلك لدى أبنائنا من شباب هذا البلد وأهمية هذا التاريخ انه تاريخ 17 مايو عام 1896، حيث تولى أبو الكويت الحديثة وباني مجدها ونهضتها الشيخ مبارك بن صباح بن جابر آل صباح (مبارك الكبير) وقد يسأل البعض عن أهمية هذا الرجل، ولهم أقول انه ضحى بأعز ما لديه لبقاء هذا البلد، ولا أريد أن أدخل في سرد كل ما عمله هذا الرجل لخير الكويت وبقائها، ولكني أذكر عملا واحدا مما عمل، وقد يكون كافيا لإعطاء صورة واضحة عنه، ففي تاريخ 23 يناير 1899 أبرم مبارك الكبير معاهدة دفاع مع بريطانيا العظمى، ولولا تلك المعاهدة لما كانت هناك كويت.. التفاصيل هي انه بتاريخ 29 يوليو 1901 حشدت الإمبراطورية العثمانية التي كان العراق تابعا لها في ذلك الوقت ما بين عشرة وخمسة عشر ألف عسكري قرب الحدود الشمالية للكويت،
وأرسلت وفدا يتكون من ثلاثة من ربابنتهم على طراد زهران ونزلوا إلى الشيخ مبارك الكبير بإنذار يتكون من ثلاثة مطالب تعجيزية الأول هو أن يغادر هو وعائلته الكويت إلى الاستانة (اسطنبول) أو أن يقبل تعيينه قائم مقام على إحدى الولايات التابعة للإمبراطورية العثمانية أو أن يتحمل نتيجة الرفض وإنهاء حكمه وحكم عائلته لها وإلى الأبد، وكان جوابه على هذا الموقف أن يمهلوه أياما قليلة للتشاور، وفي الليلة نفسها كتب كتابا إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج الموجود في ذلك الوقت في أبوشهر في إيران، وسلم هذا الكتاب إلى أعز ثقاته من الكويتيين وهو عيدان بن مطر العيدان الذي حمله سرا على الشوعي 'مساعد'، وفي خلال يومين من ذلك وصل طراد بريطاني وقام هذا الطراد الزحاف ومن فيه بسحب الجيوش العثمانية الموجودة على الحدود الكويتية العراقية، وهذا الإجراء هو تنفيذ للمعاهدة التي أبرمها مبارك الكبير مع بريطانيا العظمى المذكورة سابقا لكنه، بمعنى أدق، لولاها لما كانت هناك الكويت التي ننعم بخيراتها منذ ذلك التاريخ، فهذا فضل كبير من الله، الذي الهمه لعمل ذلك.. هذا السرد الموجز لتلك الحادثة يعكس ما عمله هذا الرجل من خير لبلده.
وقد ذكرت في كلمتي بتاريخ 17 مايو من العام الماضي بالتأثير الكبير لبعض ولاة الأمر في بلدانهم ان كان سلبا أو إيجابا كما أسلفت من التأثير الإيجابي لمبارك الكبير على الكويت ذكرت عن مروان بن محمد بن مروان آخر خلفاء بني أمية الذي انتهت على يده الدولة الأموية، وقد ذكرت كذلك ما كان لمحمد داود شاه من تأثير سلبي انتهى به عهد ملوك أفغانستان عام 1979، ولا بأس في هذا العام أن أذكر موقفين إيجابيين تركهما رجلان من القارة السمراء (افريقيا) الأول هوليوبولد سنفور أول رئيس لجمهورية السنغال الواقعة في غرب افريقيا الذي ضرب موقفا متناهيا في نكران الذات والتضحية بكرسي الحكم في سبيل مصلحة بلده، حيث انه رأى عدم إمكان الاستمرار في العطاء لوطنه حيث انه كان مركزا على شعره وعلمه لكونه شاعرا يحاضر في جامعة السوربون الفرنسية، وتنحى عن الحكم ليعين بدله الرئيس السابق للسنغال عبده ضيوف واستمر في عطائه لعلمه وتخرج على يده الكثير ومات في هدوء في سكنه المتواضع قرب شاطئ النورمندي في شمال غرب الجمهورية الفرنسية. والرجل الثاني الذي أردت ضرب مثل لحبه لوطنه وتفضيله على نفسه هو أبوثوار جنوب افريقيا نيلسون مانديلا الذي قاد ثورة لمقاومة من استعمر بلده ودفع نتيجة ذلك ضريبة قاسية عليه في بقائه في السجن أكثر من 25 عاما، ولكنه لم ييأس مع غيره من أهل جنوب افريقيا وواصلوا النضال إلى أن حصلوا على الاستقلال واختير رئيسا لأول جمهورية في جنوب افريقيا، حيث استقر له الأمر آمرا ناهيا للجميع هناك من جهة السن أو المقدرة، واستمر في مساعي الخير ومرجعا لما قد يستنير برأيه من أهل جنوب افريقيا ومازال يعيش عيشة هادئة هانئا بما قدمه لبلده، إذا هذان المثالان الإيجابيان أوردهما هذا العام وقد يكون العالم مملوءا بمثل هذين الرجلين.
|