سجل التاريخ المحلي العديد من الحوادث والكوارث التي مرت على الكويت وأهلها على مر القرون الماضية وعرفت تلك السنوات باسماء الحوادث الواقعة فيها فسمعنا عن سنة الطفحة وسنة الطبعة وسنة الجدري وسنة الدبا وغيرها من السنوات المشهورة ، وثقها الشعراء الكويتيون بقصائدهم المعبرة ليروا لنا تفاصيلها بأبيات شعرية توضح تفاصيلها الدقيقة الغائبة عنا ، وتعد سنة الهدامة إحدى هذه الحوادث التاريخية بتاريخ الكويت التي قيلت بها عدة قصائد هامة قالها شعراء كبار من أهل الكويت ولنا في هذا المقام أن نذكر القصائد التي قيلت بهذه الحادثة الهامة.
سنة هدامة
وقعت سنة الهدامة في تمام الساعة الحادية عشرة من مساء يوم السبت الموافق 8/ 12 /1934م الذي صادف أول ليالي شهر رمضان المبارك في سنة 1353هـجري ، وصادف سقوط هذه الأمطار نو الاكليل وهو من منازل القمر وهي أيضا في أول المربعانية ويقول إخواننا أهل البادية عن سقوط الأمطار في المربعانية «عشر من المربعانية تنبت ما ينبت الوسم» أي إن سقوط المطر في هذه الأيام له فائدة كبيرة في زيادة النباتات البرية بفضل الربيع.
وسميت هدامة نسبة إلى سقوط أمطار غزيرة هطلت واستمرت لساعات طويلة أدت إلى فيضان الحفر الموجودة بالأحياء لتتجمع الأمطار ونشوء سيول من مياه الأمطار سببت جرف البيوت المبنية من الطين آنذاك وأحدثت هدام لها والشقوق في جدرانها في أحسن الأحوال و هدم بيوت الكويتيين في مدينة الكويت وقراها ، ويقدر عدد البيوت التي تهدمت في تلك السنة بألف بيت وهو رقم كبير إذ ما قارنا بعدد بيوت الكويتيين الذي لا يتجاوز عشرة آلاف بيت آنذاك لنعرف حجم الكارثة وسبب التسمية بهدامة.
وكان الهدام مدمرا حسب قول الرواة الذين عاصروها وقالوا بأنه تهدمت الكثير من بيوت الأهالي وتشرد عوائلهم لتغدوا تلك الليلة حادثة معروفة في تاريخ الكويت لتحمل اسم سنة هدامة الأولى ، لكون سنة 1954م.
الشاعر محمد الصابري
هذه القصيدة النادرة سمعتها منذ أكثر من عشر سنوات من عدة رواة ثقات وهي محفوظة في أرشيفي الخاص، وهي لأحد الشعراء النبطيين الكويتيين الذين أدركوا سنة الهدامة ووثقوها في أشعارهم وهو الشاعر محمد بن خصيوي بن نهاظ الصابري وعرف ابن خصيوي بأنه شاعر علم له قصائد عذبة وجميلة ويتسم بشاعريته المرهفة، وقد ضاع أغلب شعره لأنه لم يدون ولد الشاعر محمد بن خصيوي في عام 1904م بالكويت وقد عمر طويلاً حيث توفى بتاريخ 13 /8 /2002 عن عمر يناهز الثامنة والتسعين عاماً، وتزوج ابن خصيوي إلا انه لم يعقب ذرية. وتبلغ القصيدة المتوفرة لدينا خمسة وأربعين بيتاً وهي أطول من ذلك بقليل لاعتقادي ان الأبيات الناقصة لا تتجاوز الخمسة أبيات، والقصيدة ذات وزن ممتع وهو وزن المربوع، وفي أبياتها شرح واف وتصوير رائع وتوثيق الشاعر وصف الأمطار الغزيرة بهدام السيسان أي الأمطار التي تهدم أساسات البيوت، ويؤكد الشاعر الذي حضر الحادثة بأنها جرت في أول ليالي شهر رمضان الفضيل ، ونجد الشرح الجميل بأنه لولا إن الكويتيين ما كانوا يتسحرون في تلك الليلة استعداداً للصوم لأصبحت بيوتهم قبوراً لهم، كما يذكر الشاعر في قصيدته أن ألف بيت تهدم في تلك الليلة.
احمد الرب الحميد
على ما يفعل ويريد
والتطيير ما يفيد
لو تركض حد النهاه
ما للعبد الا المقسوم
لو يحلق النجوم
يا جاهل يوم معلوم
ما يفيده كثر بكاه
جانا هدام السيسان
اللي كونه ما قد كان
جانا بدخول رمضان
على اول يوم صمناه
لو ما حنا بالسحور
ما بقي منا مرور
قبرنا من غير قبور
كل بيته صار غطاه
مزنه ماها حقوق
جتنا من جبلة تسوق
نوها ما فيه فتوق
وامطت بامر الاله
الرعد يرجف رجيف
نحسبه غيم خفيف
....................
امطرت من غير سوق
زلزلت فيها ملوك
واستوت دكه ودكوك
ماهقتنا بالحياه
شفنا شي ماكد صار
ما حكوا فيه الكبار
سوات بالنفود ابحار
شفنا شي ما شفناه
السكيك الها هدير
من مشى فيها خطير
كن في وادي حمير
اليا صار الياهي هواه
غبة من كل صوب
يوم هبتهم هبوب
كلن نار بطرق الثوب
ما تصرف بالعباه
واللي بيته بالشعيب
ما حوله قيش قريب
كنه في زرق الغبيب
لولا الهوري محدن جاه
واللي بيته بالفياح
صار اشواهم بالطياح
والا ما فيهم صلاح
طيا محتل حصاه
الف بيت من الاسلام
كلهم راحو عدام
....................
الا الباب وشف الباب
ما نعده بالحساب
ما نعد الا الخراب
اللي حدريه واعلاه
البيوت الها طحيح
والورعان كلن يصيح
والحريم الهن فحيح
نايرين للصفاة
زابنين اهل الحشاش
كلن زابنهن نحاش
هجوا داهشهم وام دهاش
شالهم بأول ممشاه
واهل البطي وكيفان
قشهم طب الخيران
واصبحوا مثل الفيران
اللي في رووس النباه
واللي عنده راس مال
اصبح يركض للدلال
جاب بيت وجاب حبال
حطه بالحوش وبناه
والتجار الميسرين
اعذروا من بيت الطين
عقب ما شافوا بالعين
ما يبون الا فرقاه
واللي في بيته ثلوم
كل ما شاف الغيوم
داله دوبه يقوم
محترم لذة عشاه
هاذي ناس ما يدرون
والا مادون الله دون
والكاين يبي يكون
والجاري يتبع مجراه
الدنيا ما فيها طب
اشهد انه ضلع ضب
لا تركض ولا تتعب
ما كتب للعبده جاه
الدنيا اطول مناراس
تقتل ناس وتظهر ناس
ولا تترك اهل النوماس
والرسول وما تلاه
تمها ذكر الرسول
اللي من ربي قبول
قولوا معي اعز قول
واحمد ربي في العطاة
__________
الشاعر فهد بورسلي
الشاعر الشعبي المعروف فهد بن راشد بن ناصر بورسلي كان له وقفه شعريه مع سنه الهدامه عندما كان عمره انذاك لا يتجاوز السابعة عشرة، وكان رحمه الله عند هطول الامطار متواجداً في البحرين وبلغه خبر حدوث الهدام بسبب اجتياح مياه الامطار الغزيرة لعدد من المنازل في الكويت، ففاضت قريحته بقصيدة تاريخية مؤثرة نشرت في ديوانه المطبوع، ولنا ملاحظة انه ذكر ان تاريخها هو سنة 1351هـ والموافق 1931م وهذا القول غير صحيح لأن الهدامه حدثت بتاريخ 8 ديسمبر 1934م، كما هو معروف.
وقصيدة بورسلي مشهورة وهي على بحر المسحوب وبها شرح كامل لما جرى في تلك الحادثة المؤسفة ومعدداً لما جرى مع عدد من الشخصيات الكويتية باسلوب شعري رصين.
علم لفانا ليتنا ما سمعناه
أرث بوسط القلب مثل السعيرة
يا ليت علم بلادنا ما رويناه
واحسرتي صارت عليهم كسيره
كل العرب واهل الخشب من نشدناه
قال البلا سابج بشيره نذيره
أمر جرى ببلادنا واحسافاه
شاع الخبر والعلم في كل ديره
كلٍ حزين وقام يصفق بيمناه
ومن الكدر ما احد درى بالسريره
الخطوط دهشتنا على غير مشهاه
ولا من صديق بالورى نستشيره
يقول راعي الخط سيل جرى ماه
أيام تبقى للخلايق غديره
لاخط لا من تيل واللي فهمناه
خمس أميه بين الكثر والقصيرة
وقت السحور امر دهتهم طناياه
حتى الجمل خلّى صلافة هديره
كل يصيح ويرفع الصوت لله
ومن الكثر ما احد درى وش مصيره
اللي غرق واللي ظهر يسحب رداه
واصبح يشوف القش كله نثيره
والا العوازم نقصهم ما ضبطناه
ببلامهم كل يعبر قصيره
والا فهد ولد الفهد جاه ما كفاه
معلوم بيته هدمته المطيرة
وسلمان بن عيسى درك غاية مناه
بيته نجا يوم الفزع والكبيرة
وسلطان چد صاد الخبر والخبر جاه
ذرب اليمين البيت يفكر بغيره
والا خوالي من يمينه ليسراه
والله ما ادري وشجرى للعشيرة
من قارب الحفره فهو خاب مسعاه
ومن قارب السيفه تراها بريره
معلوم يا من هو تلذذ بدنياه
ومن راد رخص البيت يسمع خريره
هذا زمان ما عرفنا سجاياه
الشر واجد والحوادث كثيرة
اللي سلم والسيل بّين تغطاه
هذاك چد راحت خرايب قصيرة
والعلم ضايع بينهم ما لفيناه
الهم زايد والمنامة ضريره
واليوم علم بلادنا ما سمعناه
ما ادري توطتهم خيول مغيره
چني سمعت الشر راضي ولا جاه
سيل دعا قش الخلايق نثيره
عزّى لحالات المساكين عزاه
والا الغني بيته يعمره بغيره
وابن صقر يوم سأل قال فرقاه
لي طاح بيته عندهم بيت غيره
قولوا لعبد القادر البيت يبناه
في سكة فوق الرفاعة قصيره
ما قصر الممدوح مكرم رعايه
الليث ابو جابر يروف القصيرة
جماعته وافين يمشون برضاه
ولديرته كل يحب البريره
أطلب من الله دايم واترجاه
انه يعوض اللي نظرها بخيره
صلاة ربي عد نظم كتبناه
على النبي أعداد رمل الجزيره
الشاعر فهد الخشرم
الشاعر الكويتي فهد عبدالمحسن الفهد والملقب بالخشرم يعد من أعلام الشعر بالكويت وله قصائد قمة في الروعة والجمال ، جمع بعضها في ديوان مطبوع صدر في العام الماضي اعده ابنه الأستاذ إبراهيم وحرره وقدم له وكتب حواشيه الباحث الكويتي المميز د.يعقوب يوسف الغنيم.
ولد الشاعر الخشرم في الكويت سنة 1908م وتوفي رحمه الله في عام 1983م. قال هذه القصيدة الرائعة ردا على قصيدة صديقه الشاعر فهد بورسلي وعلى نفس الوزن والقافية بعد أن سمعها ، لأن بورسلي قد خصه بالبيت القائل.
والا فهد ولد الفهد جاه ما كفاه
معلوم بيته هدمته المطيرة
فجاءت هذه القصيدة الجميلة توضح معاناة الكويتيين في سنة هدامه فيقول الخشرم :
ياللّه ياللي كل خلقه برجواه
يا واحد ما سالوا الناس غيره
محد بلا يمنى إذا قلت ياللّه
أوحده محد بملكه خشيره
يعطي عبيده والخزاين املاه
ولا أحد لي من عطا يستشيره
أسايله حسن التدابير ورضاه
يضفي علينا رحمته والستيره
يوم صبر يونس من الحوت نجاه
سامع جوابه بالبحور الغزيره
تفرج لمن عينه من النوم مجزاه
يفكر وعيا النوم يدخل نظيره
لاهي بلا رمده ولا هي مداواه
شنهو سببها يوم باتت سهيره
واثر السبب خط تمليت معناه
ذكر على يوم الخطر والكسيره
الله واكبر يا صباح ذكرنا
يوم ارمضان أقبل علينا بخيره
كل وقف يضرب يمينه بيسراه
مدري غضب وإلا علينا مطيره
كم واحد في سكته تاه مجراه
هذا يصيح وذا مسمر سريره
غديت مثل اللي نقل داه برداه
الراي تايه ما عرفت السريره
في قولتك ولد الفهد جاه مكفاه
ملزوم بيته هدمته المطيره
إن كان بيتي طاح جد طاح وياه
منازلن لأهل الحظوظ الكبيره
وترى عدوى حاير الماي بشفاه
عيا يميز حنطته من شعيره
وإلا فنا ما دام للنفس مشهاه
في ضف أبو خالد سراج العشيره
لولاه ما قلت البيوت المنقاه
أو جيت بامدح ما تمنيت غيره