صدر فرمان من الباب العالي يمنح بموجبه الشيخ مبارك لقب باشا ميرميران مع وسام ومرتب سنوي، وسوف يصل الوسام في 10 مايو 1900، وحتى 1 يونيو من العام المذكور لم يصل شيء من ذلك (2 مايو، 1 يونيو 1900).
- ابرق الباب العالي إلى والي البصرة للتوسط بين الشيخ مبارك وابن رشيد، لإتمام الصلح بينهما (19 نوفمبر 1900)، وكان سبب ذلك أن ابن رشيد بعث إلى الباب العالي يشكو الشيخ مبارك ويطلب تدخل الدولة العثمانية، وقد عقد لقاء في منطقة الرافضية قرب الزبير بين الشيخ مبارك ووالي البصرة وسيد أحمد النقيب وبعض أعيان البصرة أكد فيه الشيخ مبارك أنه لا علاقة له بمحاربة ابن رشيد، وأبرق إلى الباب العالي منكرا ما نسب إليه. وقد جاء رد من الباب العالي بإكرام الشيخ مبارك ومنحه أربعة أوسمة (نياشين). وحينما وصل الشيخ مبارك إلى الكويت بعد مغادرته البصرة لم تكن عليه خلعة الباب العالي ولا الأوسمة التي أعطيت له (25 نوفمبر 1900).
- في 22 فبراير 1901 وصل إلى الكويت من البصرة عبدالعزيز بن سالم البدر وكيل الشيخ مبارك في البصرة ومعه صورة تلغراف من الباب العالي يطلب فيها من الشيخ مبارك أن يصطلح مع عبدالعزيز ابن رشيد، ولما كان الشيخ مبارك خارج الكويت فقد قرئ التلغراف على نائبه الشيخ جابر المبارك الذي قال: فات أوان الصلح الآن ولا نقبل ذلك مع ابن رشيد (26 فبراير، 3 مارس 1901).
وصل رؤوف بيك وهو مبعوث عسكري من والي البصرة محسن باشا إلى الشيخ مبارك للتأكد من سلامته بعد عودته من موقعة الصريف، وكان وصوله الكويت في 2 أبريل 1901 (8 أبريل 1901).
- ورد خطاب من كل من مشير بغداد ووالي البصرة محسن باشا يرغبان فيه زيارة الكويت بناء على أمر من الباب العالي. غير أن المرض المنتشر في البصرة يمنعهم من ذلك (5 مايو 1901).
- والي البصرة محسن باشا ينوي زيارة الكويت في 16 مايو 1901 ويرافق الوالي خمسة أشخاص، وقد طلب الشيخ مبارك من القبطان البريطاني إبلاغ الوالي ألا تزيد إقامته على ثلاثة أيام (12 مايو 1901).
- وصل محسن باشا والي البصرة في 18 مايو 1901 واستقبله الشيخ جابر بن مبارك في الجهراء ومعه أربعمائة خيال (فارس) وكان قصد الشيخ مبارك أن يعرف الوالي قدر الشيخ مبارك ومنزلته، وقد أقام بمنزل الشيخ مبارك لمدة يومين وكان معه عبدالعزيز سالم البدر وكيل الشيخ مبارك في البصرة، ونحو سبعين عسكريا عثمانيا. وقد نزل القبطان الإنكليزي من مركبه كالعادة وزار الشيخ مبارك بحضور والي البصرة وتبادلا الأحاديث الودية، وبعد ساعة غادر المجلس (21 مايو 1901).
لا استجابة
وقد تحاور الوالي مع الشيخ مبارك في جلستهما الخاصة كثيرا، عاتبا عليه ميله إلى الإنكليز، وكان الوالي يريد أن يأخذ بخاطر الشيخ مبارك ويعرف رغباته لتنفيذها. ولم يجد الوالي من الشيخ مبارك الاستجابة المرجوة.
فقد أثار الوالي مسألة تردد المراكب الحربية البريطانية على ميناء الكويت، فقال له الشيخ مبارك إن هذا أمر غير مستنكر، فقد كانت لنا صداقة معهم منذ زمان أجدادنا ونحن نقدر لهم ذلك. وقد تساءل عما إذا كان لدى الكويت رغبة في التحالف مع الإنكليز، فأجابه الشيخ جابر - وكان حاضرا - بالإيجاب، وقال إننا لم نر منهم سوى المناصرة والحمية، أما دولة الترك فلم نر منها سوى الأذى والمشقة. وبالأمس قام كل من مشير بغداد وكاظم باشا ومحمد باشا بحشد العساكر لغزو بلادنا برا وبحرا، دون وجه حق، ومع ذلك فنحن بفضل الله أقوياء وقادرون على المحافظة على بلادنا ورعايانا، وقد حاول الوالي أن يلطف من حدة الحديث بقوله: إنني صديقكم ومحبكم، ثم استفسر عن إمكانية الموافقة على تعيين مجموعة من العساكر العثمانية ليكونوا في خدمة البلد، وأن يصدر فرمان منصب من الباب العالي للشيخ مبارك الصباح، فأجابه الأخير بأننا لسنا في حاجة إلى عساكركم ولا إلى فرمانكم (7 يونيو 1901).
وفي اليوم الثالث غادر عساكر الوالي الكويت عن طريق البر إلى البصرة، أما الوالي ومعه الشيخ مبارك ومائة شخص من رجاله فقد سافروا عن طريق البحر حيث ودعه الشيخ مبارك عند الفاو (24 مايو 1901).
زحاف في الكويت
وصل المركب التركي (زحاف) في 24 أغسطس 1901 إلى الكويت، حيث قابل القبطان الشيخ مبارك الصباح ومعه الشيخ جابر المبارك على انفراد، وذكر لهما أن قبطان المركب (المنور) الإنكليزي أبلغنا بمنع أي عسكري تركي ينزل بلد الكويت، وأننا سنعاقب إذا ما حدث ذلك لأن الشيخ مبارك في حمايتنا، فهل أنت راض عن هذا الكلام وأنت رجل مسلم تشمت بنا الكفار؟ فقال له الشيخ مبارك: نعم أنا راض عما يقولون، وأنا بريء منكم، فأنتم أهل الرشاوى وليس لكم حق عندي. ونحن نقدر لبريطانيا حمايتها لنا وعنايتها ببلادنا. فقال له قبطان (زحاف): إذن صار مؤكدا تبعيتك لبريطانيا وميلك إلى دولة الإنكليز، وسوف أغادر الآن إلى قطر ولن أمكث عندكم. فقال له الشيخ مبارك البحر واسع إن شئت أن تذهب أو أن تبقى، لكن إذا صدر منكم أي اعتداء علينا فسوف نطلب من المركب البريطاني أن يخرجكم من عندنا. فقال له قبطان زحاف: إذن سوف أذهب إلى الفاو، وأبعث بتلغراف إلى المشير ليبعث إليكم بعسكر من البر والبحر لمعاقبتكم ولن تفيدكم بريطانيا، فطرده الشيخ مبارك والشيخ جابر من المجلس بقولهما "قم ولا تفاخر علينا بدولتكم فنحن نعلم أنه ليست لكم قدرة على دولة الإنكليز". وقد غادر القبطان الكويت في طريقه إلى الفاو. وتم إبلاغ قبطان المركب البريطاني بما حدث، حيث أكد عزمه على التصدي لأي اعتداء على الكويت (24 أغسطس 1901).
بعد مغادرة مركب (زحاف) من الكويت إلى الفاو، والقبطان غاضب على الشيخ مبارك لم تبد أي مبادرة من جانب العثمانيين، لكن الناس تناقلوا أخبارا عن تجميع عساكر الترك في منطقة السماوة تمهيدا لغزو الكويت. غير أن هذه الأخبار لم تثبت صحتها. والشيخ مبارك كان متيقنا من حماية بريطانيا له من الدولة العثمانية (2 سبتمبر 1901).
أمير المنتفك
استمالت الدولة العثمانية الشيخ سعدون أمير المنتفك، فقد استدعاه المشير ووالي البصرة وقدموا له خلعة وجعلوا له راتبا خمسين ليرة وأكرموه غاية الإكرام، وطلبوا منه حماية جميع نواحي العراق، وقد قبل منهم ذلك، لكنه ذكر أن عداوته لابن رشيد وعشائره ستظل قائمة لأنه قد قتل أخاه الشيخ عبدالله (2 سبتمبر 1901). (وربما كان هذا التوجه من الدولة العثمانية رغبة في تحييد الشيخ سعدون الذي كان صديقا للشيخ مبارك الصباح).
- كتب مشير البصرة رسالة إلى الشيخ مبارك يذكر فيها أن الباب العالي طلب جمع مساعدة من أهل البصرة ومن غيرها نحو خمسة عشر ألف ليرة. وذكر أنه يريد قرضا مقداره ثلاثة آلاف ليرة يتم تسديدها من ضريبة الفاو في السنة الجديدة. فرد عليه الشيخ مبارك بأنه لن يقدم الضريبة قبل أوانها (12 أكتوبر 1901).
- في 7 نوفمبر 1901 وصل رجب النقيب ومعه عدد من الرجال إلى الكويت عن طريق البحر، وزار الشيخ مبارك في اليوم الثاني حيث التقاه في جلسة سرية. وقال السيد رجب للشيخ مبارك إنني جئت من البصرة لأقدم لكم النصيحة، فأنت رجل مسلم وكيف تقبل نفسك بأن تصير في حماية الإنكليز ولا تقبل حماية الترك المسلمين؟ وأن دولة الإنكليز لن تحميك من دولة الترك. فرد عليه الشيخ مبارك بأنني قد جعلت نفسي ورعاياي وجميع عشائري في حماية الدولة الإنكليزية، ولست خائفا من الدولة العثمانية ولا من غيرها. والكويت هي بلد آبائي وأجدادي من قديم وليس للعثمانيين حق فيها. بل نحن لنا الحق عليهم فقد استرجعنا لهم القطيف وبلد الأحساء بالسيف، ولم يكن رئيسنا من دولة الترك. ومع هذه الخدمات تقوم الدولة العثمانية بمساعدة ابن رشيد علينا، ويريد مشير بغداد غزو بلدنا بعسكره.. هل هذا تصرف دولة الترك المسلمين؟ إنني متمسك بالحماية البريطانية، ولن أقبل من الدولة العثمانية شيئا. وحينما سمع رجب النقيب مقالة الشيخ مبارك علم أن نصيحته لا فائدة منها فسكت وعاد إلى البصرة (10 نوفمبر 1901).
ورد تلغراف من الباب العالي إلى والي البصرة ليطلب من الشيخ مبارك أن يحضر إلى اسطنبول لتعيينه عضوا في مجلس (الدولة)، وأنه بناء على ذلك ينبغي أن يترك الكويت ويسكن في اسطنبول، وإن لم ينفذ ذلك فسوف يتم إرسال جيش عن طريق البر والبحر ويتم إخراجه بالقوة. وقد بعث عبدالعزيز سالم البدر صورة هذا التلغراف (التيل) إلى الشيخ مبارك الذي بادر فورا بإخبار قبطان المركب البريطاني (ريت بريس) الموجود في المياه الكويتية، وبعد ساعات وصلت السفينة سفنكس حيث ذهب إليها الشيخ جابر وأخبر قائدها بطلبات الدولة العثمانية من الشيخ مبارك وأنه في 2 ديسمبر 1901 سوف يأتي إلى الكويت السيد رجب النقيب بنفسه ومعه تلغراف الباب العالي. وطلب الشيخ جابر عن أمر أبيه ردا محددا من بريطانيا، وهو التفعيل الفوري لاتفاقية الحماية المعقودة بين بريطانيا والكويت في يناير 1899 أما إذا أرادت بريطانيا أن تتخلى عنا في هذا الوقت فإننا نريد معرفة ذلك لكي نتصرف مع دولة الترك (1901/12/1).
في 5 ديسمبر 1901 وصل خطاب رسمي من المقيم السياسي في بوشهر إلى الشيخ مبارك يؤكد فيه حقه في الحماية البريطانية، وقد سر الشيخ مبارك كثيرا لما جاء فيه، وفي اليوم الثاني جمع جميع تجار البلد في مجلسه وقرأ عليهم ما جاء في الخطاب المذكور، وأن الكويت قد أصبحت تحت الحماية البريطانية، فقالوا جميعا إننا في طاعتك ولا نخالف ما تقول وقاموا مسرورين من عنده. ومنذ مغادرة رجب النقيب ومعه أخو الوالي الكويت في مركب (زحاف) لم تصلنا أي أخبار جديدة (1901/12/15).
|