السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
كنت صبيا بين الخامسة والسادسة من العمر ، عربي عماني ومن مواليد الجزيرة الخضراء التوئم لجزيرة زنجبار ،
بصحبة أبي وبعض أقراني في العمر وبرفقة آباءنا عبر السفن الكوتية
في موسم 950ام سافرنا من زنجبار الى عمان ،
حاليا في منتصف ستينات العمر وقدر خطر لي تدوين ما استذكرته من أطوار الحياة ،
فبكوني آن ذاك صغيرا لا يمكنني تذكر وتثبيت كل ما حفظته فقد تلزمني الإستعانة ببعض المصادر، ابقاكم الله بكمال الصحة وطول العمر ، لم يبقى على قيد الحياة احدا من كبار السن ورفاق تلك الرحلة فالكل منهم مات ، وفي ثمانينيات القرن الماضي قبل موت أواخرهم لحقت ببعضهم ولم استفيد مما كنت ابحث عنه ، فكلما التمست منهم ما يتذكرونه لم اجد منهم المطلوب ، وان فتحت لهم ابواب الحوادث ابتهجوا مستمتعين بما أقول ويمدحون ما اسرده لهم من الذكريات ، فهم لا يتذكرون الا القليل حيث نسو الكثير ،
كما أن الباقون من اقران سني آن ذاك وبحكم أعمارهم لا يتذكرون شيئ مما حصل في تلك الرحلة من احداث ،
الشكر كل الشكر لمن قام بإعداد خارطة الطرق البحرية بين دول الخليج والجزر اليمنية والهند وشرق افريقيا وأهمها ممباسة وزنجبار، خطوط بحرية كانت تسلكها
السفن الشراعية الكويتية التي تبحر من والى الكويت ،
رحلتنا ومحطاتها
مدة الرحلة كانت خمس واربعين يوما من ميناء زنجبار الى موانئ مسقط ومطرح ،
كان السنيار مكون من سفينتين بقيادة نواخذة أعتقد انهما كانا أخوان كويتيان ،
كنا نحن الركاب على ظهر الخشبة العودة (الكبيرة) المسماة بالبوم حين كانت السفينة الثانية أصغر عن البوم وحمولتها من حطب الكندل،
ومن الطبيعي ان تكون حمولة السفن القادمة من شرق افريقيا حطب الكندل ونفر قليل من الركاب ،
في سيرها لمدة ثلاثة أيام تغايبت عن أنظار بعضها تلك السفن ، وفي ضحى اليوم الرابع وعن طريق المناظير السوداء تمكن صاحبنا النوخذة ان يكتشف في الأفق البعيد مسار الخشبة الغائبة ، ولربما في المقابل هم قد اكتشفوا مسار سفينتنا، حين اخذت تقترب في سيرها من بعضها البعض ،
مرّ بنا ذلك اليوم في مشاهدة تقارب تلك السفن وهي في عرض البحر فرحة بعد التغايب كانها في حركة سباق ، جميعا فرحتنا لم تكتمل وباعجوبة وعناية الخالق نجونا من حادث بحري كاد ان ينسف السنيار،
كان الوقت قد اقترب من دخول العصر حين اخذت السفن ببعضها تقترب، بفرحتهم كان الركاب والبحارة بإبتسامات البهجة والفرح عن بعد قريب يلوحون بأيديهم ووجوههم مستبشرة بلقاء بعضهم البعض ،وبفرحته أحد ماسكي المقود أهمل تدوير مقوده فاتجهت السفن خطئا تصطدم ببعضها بطريق الإعتراض ، فقد اصطدمت مقدمة احدى السفن بمنتصف الثانية وتكسر دقل البوم وتمزقت الأشرعة حين هوت مقدمة البوم نحو عمق البحر تغوص وتعوم وكانها تغترف شيئا من ذلك الماء , كنا صغارا دون ان ندرك مخاطر ما يحدث فقد ابهجنا المشهد عندما قمنا نضحك ونتفرج ،فغضبا أحمر وجه ذلك النوخذة حين قام يكيل اللكمات على السكوني (ماسك المقود) لولا تدخّل آبائنا من الركاب لكان وضع السكوني أسوأ،
مهارة البحارة
لم يكونوا بحارة عاديين في عملهم وانما شبه المتدرب من عساكرة البحر ، فقد هبوا على فك قوارب النجاة وانزلوهاعلى سطح البحر يجوبون بها بين االسفن حين قام الفريق الآخر بما فيهم النجار بإصلاح الدقل وتخييط الأشرعة ، نجونا من الحادثة وفرحة بالنجاة صرنا نتذكر ونردد الحكاية ،
قصة حيتان الدغص
بعد أيام قلائل من حادثة الإصطدام واذا بقطعان واسراب من حوت الدغص هائجة تهاجم سفينتنا ليدخل البحارة في معركة اصطيادها ، فتمكنوا من القبض على واحد من تلك الحيتان ذو الثلاثة أمتار من الطول " بلونه الأسود ولحمه الأحمر قد حّرم أكلها اغلبية من كان على السفينة من البحارة والركاب ،منهم من ادعى بأنها من فصيلة الحوت المفترس ومنهم من قال أن ذلك الحوت من عفاريت النبي سليمان عليه لسلام حين دعى عليهم بالبقاء في البحر مشغولين في الغطس والغوص بحثا عن خاتم المُلك والنبوة، فقد اختلق الناس الف سبب وسبب لتحريم أكل لحم ذلك الحوت الكريه بلونه الأسود ، لم يسمع أولئك البحارة ما قيل لهم من خرافات وبمشاركة أحد الركاب أكلوا ما طاب ولذ لهم من لحم ذلك الحوت،
مدة الرحلة
عشرون يوما قضيناها بين موانئ زنجبار وجزيرة سقطرى في اليمن ، عشرين يوما مرت بنا بين طبخات الأرز والعدس والتمر البصراوي والسمك وماء الفنطاس ، بعد مرورنا بسواحل الصومال وجبال حافون رست بنا السفن في جزيرة سقطرى لتستقي بالماء العذب وتملئ الفنطاس، يومان قضيناها في سقطرى نغير نوع الأكلات بين الغوزي والقبولي بواقع كل يوم بغنمة من تلك الغنم البيضاء ،
وفي ثالث يومنا ابحرت بنا السفن الى موانئ مسقط ومطرح ، وفي ظهر اليوم الثالث عشر استقبلتنا تلك الموانئ بطبولها وكانها تستقبل احدا من كبار الملوك ،
رحلة ولو كانت متعبة فقد طغى عليها طابع الأنس والإستمتاع ، مؤقتا غادرنا السفينة ونزلنا في مطرح ، أما السفينة قد ابحرت بامتعتنا الثقيلة الى المحطة الأخيرة ببلدة خضر اء آل سعد في ولاية السويق ،
الغرض من طرح الموضوع
كشاهدعيان توجب علي عرض الموضوع على القادم من الأحفاد وتالي الأجيال ، فاجدادنا بقوتهم الجسمانية وعبقرياتهم الفذة غامروا مخاطرة في مواجهة البحار ،
لو رجعنا قليلا الى الوراء لوجدنا الكثير منهم في البحر فارق الحياة طلبا للرزق وقوت العيال ، فالنمجد أولئك الأجداد حتى بالذكر في رواياتنا والإستغفار لهم والدعاء فلذلك شخصيا قررت ادون بعض الذكريات التي من ضمنها كانت الرحلة بين مسقط وزنجبار ، وكما كنت صغيرا لم اتعرف على أسماء الربابنة وسفنهم وانما حفظت السفن انها كانت كوتية ومن المفترض ان تبحر من زنجبار قبل السفن العمانية، الا انها لسبب ما قد تاخرت في الإبحار ،
واتمنى ان يكون موضوع الرحلة قد دون من المختصين أو قصها على أقاربه أحد أولئك الربابنة والباقي من البحارة وجميعا من القصة سوف نستفيد،
دمتم سالمين ، ومعذرة عن الأخطاءات اللغوية والإملاء ، فانا شيبة كالأعمى يتشبث في تلمس جدران عربات قديمة تذيلت مؤخرة القطار،
مع الف تحية وسلام لئك الربابنة والحارة
محمد الكلباني
ابو سليمان