ولما اضمحل ملوك المناذرة، وتفرقت القبائل العربية التي كانت تعيش في كنوفهم، نجد الشاعر الأسود بن يعفر النهشلي يبكيهم قائلا:
ماذا أؤمل بعد آل محرّق تركوا مـــنـــــازلـــهــم وبـعــــــد إيـاد
أهل الخورنق والسدير وبـارق والقصر ذي الشرفات من سنداد
مساحة نفوذ مملكة المناذرة
يذكر أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني (توفي سنة630هـ)، صاحب كتاب الكامل في التاريخ، بأن نفوذ مملكة المناذرة تجاوزت حدود العراق، فشمل نطاقا جغرافيا كبيرا ضم عمان والبحرين واليمامة والحجاز.. وهذا هو نص عبارته:
"كان بين كسرى أنوشروان وبين غطيانوس ملك الروم هدنة فوقعت فتنة بين رجل من العرب كان ملكه غطيانوس على عرب الشام يقال له خالد بن جبلة وبين رجل من لخم كان ملكه كسرى على عمان والبحرين واليمامة إلى الطائف وسائر الحجاز يقال له المنذر بن النعمان".
المُحَرّق
وقد عُرف الملوك المناذرة بسياساتهم الحازمة، وعزمهم القوي على الأمور، حتى إن العرب لقبت بعضهم بألقاب تشي بما ألفوه فيهم من قوة الشخصية وشدة البأس،مثل الملك المنذر الأول بن امرئ القيس ابن عمرو بن عدي الذي لقب بالمحرق لشدة بطشه بالأعداء.
ولكن الملك المنذر مع شدة بطشه بأعدائه إلا أنه شهم ونبيل ولا يتردد أن يحلم عن أعدائه إذا ما استعطفوه أو تشفع لهم من له منزلة الشفاعة، فقد أشار الشاعر الأعشى إلى وقعة يوم أوارة الأول، وكان النصر فيه للملك المنذر، وكان أوقد النار لسبايا محاربيه من بني شيبان ليعرضن عليها، فتشفع لهن رجل من قوم الشاعر الأعشى فاستجاب الملك لشفاعته، ولذلك افتخر الأعشى بهذه الهبة الملكية، فقال يمدح الملك المنذر ويفخر أنه قبل شفاعة أحد رجال قومه:
ومنا الذي أعطاه في الجمع ربه على فـاقــة وللملوك هباتهــا
ســبايـا بني شـيبـان يــوم أوارة على النار إذ تجلى له فتياتها
مُضَرّط الحجارة
وعرف الملك عمرو بن المنذر الثاني بن المنذر الأول بن ماء السماء بمُضًرّط الحجارة لقوته، فليس الرجال من يضعفون أمام بأسه بل إن الصخر الصلد الأصم عديم الإحساس تصدر عنه أصوات الخور من شدة ناموس الملك عمرو، وهذا اللقب هو من بلاغة العرب في الكناية عن قوة الملك عمرو، وعزيمته التي لا يعرف المستحيل سبيلا إليها.
قابوس
أول شخص في العرب يسمى قابوسا، هو الملك قابوس بن المنذر الأول بن ماء السماء، فالمناذرة هم أول من تسمى بقابوس. وقابوس على وزن فاعول، وهو اسم مشتق من العربية، ومصدره قبس، والقبس الشهاب من النار. وفحل قبس: سريع الإلقاح، والقابس: المشعل النار. كما أن الملك النعمان بن المنذر شقيق الملك قابوس قد تكنى بأبي قابوس.
الأشاهب
ومن أشقاء الملك قابوس، النعمان بن المنذر، عمرو بن المنذر، والمنذر بن المنذر، وقد خلف المنذر هذا من الأولاد اثني عشر ولدا لقبوا بالأشاهب لقسامة وجوههم وجمالهم، وفيهم يقول الأعشى ميمون بن قيس:
وبني المنذر الأشاهب بالحــــــ ــــــيرة يمشون غدوة كالسيوف
ماء السماء
وكانت أم المنذر الأول بن امرئ القيس يقال لها، ماء السماء واشتهر المنذر بأمه، فقيل له المنذر بن ماء السماء، وكان ذلك بقصد التمييز بينه وبين غيره من ملوك أسرته ممن اسمهم المنذر، وكانوا أربعة أو يزيدون. ولقبت بماء السماء لحسنها وصفاء جمالها فشبه جمالها الصافي بصفاء ماء السماء (المطر) فأطلق اسما عليها. وهي عدنانية من نزار بن معد واسمها ماوية بنت عوف بن جشمبن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. كانت ديار أهلها رأس العين من أعمال الجزيرة الفراتية بالعراق.