الكويت في عيني مصور هنغاري 1956م د. يعقوب الغنيم
الكويت في عيني مصور هنغاري 1956م
د.يعقوب يوسف الغنيم
لهذا المقال - أيضاً- علاقة بالنفط استكشافاً ونقلاً وتصفية، ذلك لأن الأمر هنا يتعلق بعمل قامت به شركة نفط الكويت المحدودة، هذه الشركة التي بدأ عملها في سنة 1934م، وفي شهر ديسمبر من السنة ذاتها حصلت على حق التنقيب عن النفط وإنتاجه في الكويت ضمن امتياز مطلق، وقد عثرت على أول بئر مُبشر بإنتاج غزير في سنة 1938م، وذلك في منطقة برقان، وحين بدأت الحرب كانت الشركة قد أنجزت حفر ثماني آبار، ولكنها أغلقتها حتى لا تتعرض لمكروه خلال تلك الفترة الحاسمة من تاريخ العالم، ألا وهي فترة اشتعال الحرب العالمية الثانية، ولكن الشركة عادت إلى العمل وفتحت مجال الإنتاج منذ سنة 1945م، بعد زوال السبب الذي توقفت من أجله، وفي سنة 1946م بدأ تصدير أول شحنة للنفط الخام باحتفال كبير كان على رأسه أمير البلاد الأسبق الشيخ أحمد الجابر الصباح، ومنذ ذلك الوقت والقدرة النفطية في البلاد تتزايد حتى وصلت إلى حد كبير من غزارة الإنتاج.
وفي سنة 1975م تملكت حكومة الكويت هذه الشركة الكبيرة وآلت كل ممتلكاتها إلى الوزارة التي تمثل الأنشطة النفطية في البلاد، وتطورت الأمور بعد ذلك بتعدد شركات النفط الكويتية واتساع مجالات الاستكشافات، وتأسيس مؤسسة البترول الكويتية التي صارت بمثابة مظلة تنطوي تحتها كل الشركات الحكومية النفطية.
ما أريد أن أقوله هنا هو أنني سوف أتحدث عما قبل هذه المرحلة حين كانت شركة نفط الكويت المحدودة تعمل لحساب الشركات الأجنبية قبل سنة 1975م.
بعد أن عثرت الشركة المذكورة على النفط في حقل برقان؛ أخذت تستعد للمرحلة القادمة وهي مرحلة الإنتاج والتصدير، وقد وجدت نفسها في حاجة إلى موقع عمل إداري وفني كبير يستوعب كل ما تريد أن تقوم به من أعمال مساعدة على إنجاز عملها الأصلي، لقد كان واضحا أنها تحتاج إلى مواقع إدارية ومخازن وورش صيانة ومساكن للعاملين فلم يكن أمامها إلا إنجاز مدينة الأحمدي التي برزت إلى الوجود في سنة 1948م، وأطلقت عليها الشركة هذا الاسم تيمناً باسم الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي تم اكتشاف النفط في عهده، والذي منح حق الامتياز عن التنقيب عنه. وبسرعة فائقة استُكملت حاجات هذه المدينة من طرق وأسواق وحدائق ومساكن، وأماكن لتخزين النفط الخام تمهيدا لنقله إلى ميناء الأحمدي شرقا ولم تنس الشركة الاهتمام بعدة أمور منها:
-1 العناية الصحية، ونظافة الطرق والأماكن الأخرى.
-2 ايجاد وسائل التسلية للعاملين.
-3 التدريب المستمر لموظفيها وعمالها.
-4 العناية بالسلامة والأمن الصناعي.
هذا بخلاف العمل في المجال النفطي المباشر، من إقامة محطات الضخ، والاهتمام بتطوير الحقول وغير ذلك.
وقد حرصت الشركة على الناحية الإعلامية التي لم تكن منصبة على عملها وحده، بل كانت تعم الكويت بأسرها، وقد لاحظنا وجود المتحف النفطي الذي يؤمه كافة زوار الأحمدي، ورأينا مجلة «الكويتي» التي كانت تصدر معبرة عن الأنشطة المتعددة في مواقع شركة نفط الكويت خاصة وفي أنحاء البلاد عامة، ووجدنا هذه الشركة - أيضا - تنتج أفلاما سينمائية تسجيلية أسهمت الان في حفظ كثير من المعلومات عن الفترة التي تم تصويرها فيها. وإضافة إلى كل ذلك فقد كانت تهتم اهتماما كبيرا بالتصوير الفوتوغرافي وتستجلب كبار المصورين من الخارج لكي يسجلوا بآلاتهم كل ما يقع تحت أعينهم في دولة الكويت. وهذا هو موضوع مقالنا لهذا اليوم.
لقد كان اعتناء الشركة كبيرا بالتصوير، ولذلك فقد اجتمعت لديها كميات كثيرة من الصور عن حياة الكويت القديمة إضافة إلى الصور التي تمثل أعمالها منذ أن بدأت الاستكشاف والتنقيب. وقد أقيم قبل سنوات وجيزة معرض لهذه الصور فكان مليئا بكل ما يمكن أن يخطر على بال المواطنين فيما يتعلق بماضي وطنهم.
في سنة 1956م، وسنة 1958م، وسنة 1960م، استدعت الشركة فنانا من كبار الفنانين المتخصصين بالتصوير الفوتوغرافي، وهيأت له كل السبل لكي يقوم بتصور ما يراه في البلاد خلال جولات يقوم بها في كل مكان، وقد كان عمله في هذه الزيارات الثلاث مهما لأنه واكب انتقال دولة الكويت من مرحلة إلى أخرى بسبب تدفق النفط وتوفر السيولة النقدية التي ساعدت على إنجاز الكثير من المشروعات المهمة في التعليم والصحة وغيرها.
والمصور الذي اختارته الشركة للقيام بالتصوير هنا في الفترة التي أشرنا إليها فنان هنغاري الأصل استوطن بريطانيا ومنها بزغ نجمه في مجال التصوير، وشارك في عدد كبير من المعارض نال من خلال مشاركته فيها الثناء على جهوده وقد قيل عنه إنه «ما من معرض كبير في فن التصوير الفوتوغرافي يقام في البلد أو ذاك إلا وتشهد فيه زاوية خاصة تحمل اسمه بحروف بارزة، وتضم مجموعة كبيرة متباينة من المناظر والمعالم الجميلة التي استطاع أن يلتقطها بصندوقه السحري». هذا الفنان هو «ادولف موراث» الذي قدم إلى الكويت في الفترات السابق ذكرها، واستطاع ان ينتج عددا كبيرا من الصور التي نعتز بوجودها بين أيدينا الآن وذلك من ناحيتين أولهما جودة تلك الصور لأنها خرجت من يد فنان عالمي كبير، وثانيهما أنها صورت مرحلة مهمة من مراحل الحياة على أرض وطننا.
***
أهدى إليَّ الأخ الكريم عبدالرحمن الخرجي - كعادته - بعض أعداد من مجلات قديمة مختلفة، ذلك لأنه يعرف مدى اهتمامي بهذا النوع من المجلات. وكانت المجلة التي لفتت نظري منذ البداية: مجلة «العالم» وهي مجلة سبق أن تحدثت عنها ضمن مقالي عن التلفزيون، ولكن هذا العدد الذي هو بين يدي الآن صادر في شهر مارس لسنة 1961م، وهو العدد العاشر للسنة التاسعة من عمر المجلة المذكورة.
يمتلئ هذا العدد - كما في الأعداد السابقة - بكثير من المعلومات المفيدة، ومنها موضوع بعنوان: «الكويت في عين أحد أقطاب التصوير الفوتوغرافي» ومن هنا أتت فكرة هذا المقال، وهذه محاولة مني لعرضه، وبيان ما ضم من صور خلابة التقطها هذا الفنان الكبير.
بدأ مقال المجلة بمقدمة عن الفن والفنانين، ولكنها تدرج فيما بعد ليتحدث عن «أدولف موراث» ثم يقول: «ولعل الكويت هي البلد العربي الوحيد الذي حظي بعبقرية هذا الفنان العظيم الملهم» ثم يضيف: «وكان نتيجة ذلك إن استطاع بالصور الوافرة العدد التي التقطها أيام هذه الزيارات الثلاث، أن يقدم صورة ناطقة حية تبين بوضوح تام عظمة الخطوات الواسعة الجريئة التي خطتها الكويت في تطورها الوثاب منذ أن تدفق الذهب الأسود من رمالها الصفراء المتوجهة».
بعد هذه المقدمات ذكرت المجلة أن مندوبها المتجول قد أُتيحت له فرصة الالتقاء بالفنان الذي قام بهذا الجهد الفني الكبير وقدم تلك الصور المبهرة، وكانت نتيجة هذا اللقاء محاورة بين الطرفين أوردتها المجلة وهذا بعض ما ورد فيها باختصار.
جاءت المحاورة على الوجه التالي:
س - ما هي الأشياء التي لفتت انتباهك أكثر من غيرها عندما زرت الكويت لأول مرة؟
ج - الأعمال الإنشائية بالطبع. ففي عام 1956، وهو العام الذي زرت فيه الكويت لأول مرة، كانت الحكومة ماضية في تنفيذ برنامج الأعمال والإنشاء الذي وضعته في عام 1952. وكانت الأعمال القائمة أنئذ متركزة في تخطيط المدن، وأعمال البناء، وتزويدها بالماء والكهرباء، ومشاريع تعميم التعليم، وتأمين وسائل الصحة، ومد الطرق، وتشييد المنازل، بالإضافة إلى تشييد ميناء جديد. وما زلت أذكر كيف تراءت لي مدينة الكويت حينئذ. فقد كانت محاطة بسور عال، في حين أن المدينة ذاتها كانت أشبه ما تكون بمحارة كبيرة الحجم، مليئة بالطرقات الضيقة المتعرجة ذات اليمين وذات اليسار بين عمارات ومنازل مشيدة من الآجر المجفف بحرارة الشمس. أما اليوم فتختلف الآية تمام الإختلاف. فأول ما يلفت أنظار القادم إليها جوا، هو الطريقة الهندسية البديعة التي نظمت بموجبها شوارعها الجديدة التي تنفرش من وسطها كانفراش أشعة الشمس.
س - هل يعني هذا أن الأبنية القديمة أزيلت كليا، أو أن بعضها ما زال قائما حتى الآن؟
ج - أستطيع أن أقول أن البلدة القديمة قد اختفى الكثير منها، وأن المدينة بأكملها جرى تشييدها ثانية على نحو يخلب الألباب. وتقوم إلى جانب عمارات المكاتب الشاهقة مئات الحوانيت والمخازن الجديدة، وعدة فنادق حديثة الطراز، وغيرها من الأبنية الجميلة، لا سيما الجوامع التي ترتفع مآذنها إلى عنان السماء. وبالإضافة إلى المنازل التي شيدتها الحكومة من أموال الدولة لإسكان العائلات ذوات الدخل المتواضع، فقد قامت مؤسسات خاصة ببناء عدد لا يستهان به من المنازل على أحدث ما توصل إليه فن المعمار الحديث، وذلك تلبية لرغبات أبناء الطبقة المتوسطة الصاعدة، الذين أصبحوا اليوم من رجالات الأعمال النشطاء، أو مقاولين في عدة ميادين، أو أصحاب اختصاص في عدة حرف ومهن. وشيدت أكثر هذه المنازل من الطوب الملون الذي تنتجه معامل الحكومة من الرمل والجير.
س - لقد ذكرت آنفا أن الطرقات القديمة الضيقة أزيلت بالمرة، وحلت محلها شوارع جديدة الطراز. فهل لك أن تحدثنا شيئا عنها؟
ج- بكل سرور. فمشروع بناء الطرق والشوارع كان في مهده عندما زرت الكويت لأول مرة. ولكنه تم اليوم تعبيد مئات الأميال من الطرق العريضة والشوارع الفسيحة التي تنطلق فوقها آلاف السيارات من جميع الأحجام بسرعة البرق الخاطف. ولعلك قد تعجب إذا قلت لك أن الكويت هي اليوم من أكثر البلدان التي تكتظ شوارعها بحركة السير! وكثير من طرقها مزدوج الطراز تتخلله دوائر وقواطع مغطاة بالبسط السندسية والأزهار، وتطوقها الأشجار الزاهية الاخضرار. وتم قبل مدة شق طريق ساحلية تربط مدينة الكويت بميناء الأحمدي، كما أنها تمتد شمالا في اتجاه الحدود العراقية. ويجري الآن بناء كورنيش أمام مرسى السفن القديم في مدينة الكويت، مما غير كثيرا من معالم الشاطئ كما عرفته في عام 1956. فقد كانت مراكب الداو وقوارب الصيد الصغيرة هي أكثر ما يشاهده المرء في هذه الناحية، أما اليوم فإن السيارات السريعة هي أكثر ما تلتفت إليه الأنظار فيها. ومن أهم المشاريع الإنشائية التي انجزت مؤخرا، هو بناء ميناء جديد في الشويخ الواقعة على مقربة من الجهة الغربية من مدينة الكويت. وقبل أن يُفرغ من تشييد هذا الميناء في أوائل العام الماضي، كان يترتب على جميع السفن، ما عدا الصغيرة منها، أن تفرغ حمولتها في مواعين أو قوارب ناقلة بعيدا عن الشاطئ. أما الآن فقد أمكن، بعد صرف عدة ملايين من الجنيهات، شق قناة داخلية وبناء مرسى عميق يمكن بها استقبال سفن يبلغ غاطسها 28 قدما. كما تم بناء رصيف من الإسمنت المسلح يبلغ طوله 2400 قدم، وهو ذو أربعة مراس يمكنها استقبال الشاحنات المتوسطة الحجم.
س- هل لمست شيئا من نشاط التعليم خلال زياراتك الثلاث؟
ج- لم ألمس فقط، بل اختبرت أيضا. ففي عام 1956 لم يزد عدد المدارس الكويتية، على اختلافها، على 50 مدرسة. ولكن هذا العدد تضاعف الآن تقريبا. وجميع هذه المدارس مزودة بأحدث الأدوات ومفروشة بأفخر قطع الأثاث، وفي وسعي أن أقول جازما إنه لا يوجد لها نظير ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في أغلب أقطار العالم. زد على ذلك أن التعليم في جميع مراحله مجاني، كما تقدم للطلاب وجبات الغداء من مطبخ مركزي يشتمل على أحدث أجهزة الطهو. ويجدر بي أن أذكر هنا أن مدرسة الشويخ الثانوية كان قد فرغ توا من تشييدها عندما زرت الكويت لأول مرة، وكانت لا تزال حينئذ محاطة برمال الصحراء. أما اليوم فقد غدت لؤلؤة وسط الجنائن الفيحاء والبرك المزدانة بالفسيفساء والملاعب الفسيحة الأرجاء. ولا أكون مبالغا إذا قلت أن ملعبها الرياضي الكبير يمكنه على رحابته وحسن هندسته أن يستوعب إحدى الدورات الأولمبية. والأمل معقود بإذنه تعالى على أن تصبح هذه المدرسة العامرة نواة جامعة في المستقبل القريب يؤمها الشباب الناهض في منطقة الخليج.
س - من المعلوم أن الكويت اشتهرت قديما وحديثا بالغوص على اللؤلؤ وبناء السفن، سيما مراكب الداو. فهل هنالك صناعات أخرى جديدة نشأت في الكويت مؤخراً؟
ج - نعم فبالإضافة إلى معمل الطوب الملون الذي سبق لي وذكرته في مستهل حديثي، هناك مصنع آخر لسكب كتل للبناء من الاسمنت المسلح. وصناعة المشروبات المرطبة رائجة للغاية ويوجد عدة معامل تنتجها. ومن الصناعات التي تديرها مؤسسات خاصة، هي صناعة البلاط، وتصليح السيارات ومحركاتها، والثلج، والأوكسجين، والمفروشات المنزلية، وصقل الرخام المستورد، وصنع السلع من الحديد الجاهز الصنع. وتألفت شركة لاستهلاك غاز الوقود في الشؤون المنزلية وغيرها. وعدا النفط، فإن الكويت تفتقر كثيرا إلى الخامات المعدنية، حتى ماء الشرب ترتب عليها في الماضي استيراده من الخارج. اما اليوم فيوجد لديها معمل لتقطير ماء البحر لاستخدامه في الشرب. وهو أكبر معمل من نوعه في العالم قاطبة، إذ يبلغ ماينتجه يوميا من الماء العذب قرابة خمسة ملايين غالون.
س - إن أكثر ماذكرته حتى الآن تركز في التغيرات المهمة التي طرأت في مدينة الكويت وضواحيها. فهلا ذكرت لنا شيئا عن التطورات التي حدثت في مدينة الأحمدي ومينائها؟
ج - لعلك تعلم أن هذه المدينة هي المقر الرئيسي لأعمال شركة نفط الكويت المحدودة. وهي لم تنبثق إلى الوجود إلا منذ أن شرعت هذه الشركة في أعمالها. وقد تغيرت معالمها منذ شاهدتها أول مرة ، إذ أصبحت مدينة عامرة تضم قرابة سبعة آلاف نسمة، يشتغل أكثرهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في صناعة النفط. وتشتمل العمارات التي ارتفعت في سماء مدينة الأحمدي مؤخرا على بيت الضيافة الحكومي، ومكاتب الحكومة لشؤون النفط. ولابد لي من أن أخص بالذكر مستشفى ساوثويل الذي شيدته شركة النفط لتأمين المعالجة الطبية لجميع موظفيها وعمالها. كما شيد عدداً من النوادي يستطيع الموظفون والعمال فيها التمتع بالراحة والرفاهية. ولعل نادي الأحمدي المخصص للعمال هو أرقامها جميعا، إذ يضم بركة للسباحة، وصالات للجلوس ومطعما. ولم تقتصر هذه التحسينات على مدينة الأحمدي وحدها، بل شملت ميناء الأحمدي كذلك لاسيما أجهزة مراسي السفن ومعداتها. ففي سنة 1956 لم يكن هناك سوى رصيف واحد يمكنه أن يستقبل ثماني ناقلات في آن واحد. أما اليوم فقد أضيف إلى الميناء رصيف ثان يبعد قرابة أميال إلى الشمال من الرصيف الأول. وهو يمتد إلى ما يقرب من ميل داخل البحر، ويستطيع أن يستقبل ناقلتين ضخمتين من عابرات المحيط في وقت واحد. ومن التغيرات الأخرى التي تمت في هذا الميناء، إضافة وحدتين جديدتين إلى معمل تكرير النفط، وتوسيع محطة القوى الكهربائية، وإقامة مجموعة جديدة من خزانات النفط لتخدم الرصيف الجديد.
* كيف وجدت مستوى الجهاز الإداري؟
- وجدت أن جميع الموظفين الذين احتككت بهم على مبلغ كبير من الثقافة، لطفاء، ويؤدون أعمالهم على خير ما يرام، ويقدمون المساعدة لكل من يطلبها. ولا بد لأية حكومة هؤلاء موظفوها أن يكون جهازها الإداري ذا مستوى رفيع.
* وما هي انطباعاتك عن السكان إجمالا؟
- جميعهم ذوو قلوب مفتوحة وبيوت رحبة، سواء الفقير منهم أو الغني، وهم من حيث الأخلاق غاية في النبل والشرف. ولم أكن أقدر قيمة ما كان يقصد بالكرم العربي إلا بعد أن نزلت أرض الكويت. وكان من أكثر ما استحوذ على مشاعري ورع الكويتيين ومخافتهم لله. فما من كويتي واحد إلا وتراه يوقف أعماله عند حلول أوقات الصلاة ليقدم شكره إليه تعالى. وهذه الصفة، يؤسفني أن أقول، غدت معدومة تقريبا لدى الكثيرين من أبناء أوروبا.
* هل هناك أشياء أخرى استرعت انتباهك؟
- نعم. التباين بين القديم والحديث.. العربة إلى جانب السيارة.. الزي الأفرنجي إلى جانب الزي العربي.. الانتقال في لحظة واحدة من جو المدينة الصاخب إلى جو الصحراء الهادئ، فهذه كلها أشياء استهوتني إلى حد كبير، وأملي أن تظل على ما هي عليه، لأن الشرق بدونها يفقد سحره وجماله.
* هل من كلمة أخيرة تود أن تذكرها على صفحات «العالم»؟
- طالما أنك أتحت لي هذه الفرصة، فإني أرغب في استغلالها بكل تأكيد. وكل ما أود أن أقوله هو إن جميع ما حققته الكويت في تأمين الخدمات الطبية والتعليمية والاجتماعية لجميع أفراد الشعب جاء كما لا يخفى على أحد، نتيجة عوائد النفط. ولكن لولا وجود حاكم رشيد عرف بالتقوى والحكمة والورع وعرف كيف يستغل هذه العوائد ويسوس رعيته مرشدا هاديا، لما انتشرت فوق أرضها ألوية هذا الرخاء والثراء، ولما عم في ربوعها الأمن والسلام. واذا استمرت الحالة على ما عليه الآن فلا أشك مطلقا في أن الكويت ستكون في عداد الأقطار العربية المتوثبة في الطليعة.
***
ونجد انفسنا الآن في حاجة الى القاء نظرة على الصور التي قام بالتقاطها الفنان الكبير «أدولف موراث» لأنها تدل على تمكنه في فنه، وتدل - أيضا - على الصورة التي رأى عليها الكويت آنذاك. وسوف نستعرضها بالترتيب وفق ما ورد في مقال مجلة «العالم» الذي تحدثنا عنه ونقلنا منه. وهي كما يلي:
-1 صورة شاملة لمدرسة الشويخ الثانوية، وهي معلم من معالم الكويت الحديثة، تظهر الصورة اتساع المكان وهندسة المباني، وحسن توزيعها. ومن المعروف ان هذه المدرسة صارت الآن جزءاً من جامعة الكويت وجرت عليها تعديلات كثيرة.
-2 نموذج يبين مدى اهتمام حكومة الكويت بصحة الأطفال وفي الصورة ممرضة قانونية تجري فحصا طبيا على عدد منهم، في احدى رياض الاطفال الحكومية، ويبدي المكان وما فيه مدى الاستعدادات المتاحة للعناية بالصحة ورعاية النشء حرصا على دوام تمتعهم بالعافية.
-3 ساحة الصفاة تعج كعادتها بالنشاط والحركة، ولا عجب في ذلك اذ كانت منذ القدم موضعا للقاء الحاضرة بالبادية من اجل تبادل المنافع التجارية، ولا تزال هذه الساحة تتمتع بقيمتها واهميتها على الرغم مما اضيف اليها من مبان واجري عليها من تعديلات.
-4 في قاعة الرسم بثانوية الشويخ حيث تتاح للطلاب كل الفرص للابداع وللتعبير عن النفس. ومن هذه القاعة تخرج اللوحات التي تعرض سنويا في المعرض الفني الذي تقدمه هذه المدرسة الكبيرة
-5 هذا هو أحد مساجد الكويت الشهيرة، يقع في منطقة المرقاب على الشارع الهلالي (شارع عبدالعزيز الصقر حاليا) وهو مسجد الشملان.
-6 وجبة الغداء في روضة من رياض الأطفال حين كان دوام الروضة يستمر الى قرب المساء، وقد جرى تعديل على هذا النظام، ولكن الصورة التي بين يدينا تدل على الجهد المبذول في رياض أطفال ذلك الزمان، وعلى النظام والنظافة التامين في القاعة التي تبرزها هذه الصورة.
-7 نحن في موقع حقل برقان النفطي الشهير، وهذه الصورة تبين أحد مراكز تجميع النفط هناك، ومن الجدير بالذكر أن هذا الموقع يستوعب ما تنتجه عشرون بئراً تقريباً، وذلك في السنة التي التقطت فيها الصورة.
-8 طلاب يتدربون في الكلية الصناعية بالكويت، يجرون بعض التجارب في القسم الكهربائي بالكلية المذكورة.
-9 تمثل هذه الصورة جانباً من مصنع الطابوق الرملي الجيري، الذي كان له دور مهم في إمداد البلاد بحاجتها من الطابوق الذي هو أهم مادة من مواد البناء، ولا يزال يؤدي ما يطلب منه مع توسع كبير في المكان وفي الإمكانات.
***
لا شك في أن ما قدمنا - وهو الذي قدمته مجلة العالم - ما هو إلا جزء يسير مما صوره الفنان أدولف موراث، وكم نتمنى أن تجمع كافة الصور التي التقطها خلال رحلاته الثلاث إلى الكويت ملاحظاً مصوراً مبدعاً.
وهكذا فإننا قد رأينا الكويت بعينيه في سنة 1956م، وسنة 1958م، وسنة 1960م، وقرأنا حديثه إلى محرر المجلة ولم يبق إلا أن نتابع إنتاجه الذي أنجزه وقدمه لنا.
تاريخ النشر 16/12/2009
|