دعوة لكل اعضاء المنتدى المحترمين
د. عمر بن شريف السلمي كتب النسب في ميزان النقد العلمي
علم النسب من المعارف المستحسنة عند العرب، يكثر الحديث عنه في مجالس خلفاء المسلمين وأمرائهم، كما أن له حظاً في مجالس العلماء وطلبة العلم، وأهل الأدب، ومما له صلة بعلم الأنساب أيام العرب وحروبهم في الجاهلية وفي الإسلام.
وهذا العلم لا يليق جهله لذوي الهمم والآداب، خاصة أمراء وعلماء المسلمين، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف القبائل ويسأل الوفود عن قبائلهم.
وكان بعض الصحابة يتحدثون فيه ويعرفونه، وكذلك من بعدهم من خلفاء المسلمين، حتى ظهرت الأعاجم على الدولة العباسية في القرن الثالث... والحديث ذو شجون.
وقبل أن أتطرق لنقد كتب النسب أورد بعض الفوائد والضوابط في علم النسب دون شرح لها ولعلي أشرحها إن شاء الله في موضع آخر.
وهذه الفوائد مستخلصة من كتب كثيرة مثل: كتب التفسير وشروح السنة النبوية، وكتب الفقه، وكتب التاريخ، وكتب الأنساب كتب الرحلات، وكتب الأدب واللغة، وكتب معاجم البلدان، وكتب السير والتراجم، ودواوين الشعر وغيرها.
ويمكن تقسيم الفوائد والضوابط إلى قسمين:
القسم الأول: فوائد وضوابط عامة، والقسم الثاني: فوائد وضوابط في تدوين أنساب القبائل الحديثة خاصة في إلحاق القبائل الحديثة بالقديمة.
القسم الأول: فوائد وضوابط عامة في علم النسب:
الفائدة الأولى:
الإسلام هو الذي أعز العرب بعد الذل، وجمع كلمتهم بعد الشتات، فلا عز للعرب إلا بالإسلام والتمسك به قولاً وعملاً.
قال عمر بن الخطاب: "إنكم كنتم أذل الناس، وأقل الناس، وأحقر الناس فأعزكم بالإسلام فمهما تطلبوا العزّ بغيره يذلكم الله".
وكانت العرب محل ازدراء عند فارس والروم ليس لهم ثقل سياسي، أو علمي حتى منّ الله عليهم بالإسلام. فأكرمهم الله ورفعهم بالإسلام. جاء في الخبر الصحيح أن هرقل ملك الروم قال لأبي سفيان: "قد كنت أعلم أنه خارج -أي النبي- لم أكن أظن أنه منكم".
وفي البخاري عن جبير بن حيّة قال: "خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفًا فقام ترجمان: فقال: ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة بن شعبة: سل عما شئت. قال: ما أنتم؟! قال: نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد، وبلاء شديد نمصُّ الجلد والنوى من الجموع، ونعبد الشجر والحجر فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات والأرض إلينا نبيا....
ولذلك يتبين لكل عاقل مسلم فسادُ الدعوات القومية الجاهلية وفشلها وآثارها المخزية على العرب خاصة والمسلمين عامة، وما جرت عليهم من هزائم ومذلة مكنت الكفار من بلادهم وسلب خيراتهم.
ولا زالوا يتجرعون مرارتها ويقبعون تحت غمامها القبيح، (ومن يهن اللهُّ فما له من مكرم(1).
الفائدة الثانية:
إن المقياس الحقيقي للإنسان عند الله التقوى، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
قال تعالى: (إِنِّ أَكءرَمَكُمء عِندَ اللهِ أتقَاكُمء)(2).
وقال (: "إنما أنتم ولد آدم طفُّ الصاع لم تمءلؤُه ليس لأحد على أحد فضل إلا بالدين، أو عمل صالح..." رواه أحمد بإسناد حسن.
الفائدة الثالثة:
إن معرفة الأنساب لها فوائد جمّة، ولها أهمية في الإسلام، ويترتب على ذلك أحكام فقهية؛ فلا يعد مذمومًا، ولا يهمل تعلمه ومعرفته ويتركه طلبة العلم للجهلة والكذابين.
قال الحافظ ابن عبدالبر: "ولعمري ما أنصف القائل: إن علم النسب علم لا ينفع وجهاله لا تضر" وقال نحو قوله كثير من أهل العلم.
الفائدة الرابعة:
إنما المذموم منه ما كان فيه دعوة إلى احتقار المسلمين الذين لا ينتسبون إلى قبائل أو المسلمين من الأعاجم، أو تفضيل قبيلة على قبيلة دون مرجح شرعي، أو الطعن في بعض أنساب القبائل ونحو ذلك. فهذا هو المذموم منه الذي ورد فيه الذم من الشارع الحكيم.
قال - صلى الله عليه وسلم - : "أربع من أمر الجاهلية لن يَدعَهُنّ الناس: التعيير بالأنساب، والنياحة على الميت..." الحديث.
الفائدة الخامسة:
تحرم الدعوة إلى الحميّة الجاهلية، وتعظيمها، ومنع الوسائل المؤدية إلى إثارتها. قال تعالى: (إذ جعل الّذين كفرواء في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية)(3).
وفي الحديث الصحيح حينما حدث شجار بين المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم عنهم ذاك فقال: "ما بال دعوى الجاهلية، دعوها فإنها منتنة " وفي رواية "دعوها فإنها خبيثة"، وحيث إن الدولة السعودية قامت على أساس سليم وهو المنهج الإسلامي الصحيح، وتوحدت أقاليم في عهد الملك عبدالعزيز لم تتوحد حقيقة منذ مقتل عثمان - رضي الله عنه- وصار الشعب متماسكًا بهذه الدولة كأنها قبيلة واحدة؛ لأن الدولة لم تقم على العصبية، أو العنصرية، وإنما قامت على منهج الإسلام، فيجب علينا أن نحافظ على هذه الأخوة بين المجتمع ونمنع كل وسيلة تدعو إلى العصبية القبلية، أو الإقليمية، وقطعها في أول أمرها حتى لا يستغلها الجهّال والمتربصون بالمجتمع، من أهل النفاق، والشقاق كما فعلوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن تلك الوسائل المثيرة للعصبية: حفلات مزايين الإبل لكل قبيلة، واستئجارُ بعض القنوات لبث هذه الاحتفالات، ومنها ما تقوم به بعض القنوات من مسابقات للشعراء، ومنها نشر الكتب الشعبية المليئة بالأغاليط والتطاول على الآخرين وما أكثرها في هذه الأيام!
الفائدة السادسة:
كانت المفاخرة موجودة عند العرب في الجاهلية، وكل قبيلة تذكر أعلامها وأفعالها المحمودة عندهم وكثرتها، ويذكرون ما يوجد عندهم من مكارم الأخلاق مثل: الكرم، وإعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف، وغير ذلك دون كذب أو حطّ من تاريخ الآخرين، وقد اشتهرت قصائد المنصفات عند العرب.
مثل: بعض أشعار الفارس الصحابي عمرو بن معدي كرب الزبيدي، والفارس الصحابي العباس بن مرداس الحارثي السُّلمي، وقصيدة عبدالشارق الجهني وغيرهم كثير.
وقد حصلت المفاخرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عنهم عام الوفود منها ما حصل من مفاخرة وفد تميم. قال الزبرقان بن بدر يفخر بقومه تميم:
وأنا لنا المرباع في كل غارة
تغير بنجد أو بأرض الأعاجم
وأنا فروع الناس في كل موطن
وأنء ليس في الأرض الحجاز كدارم
وقد رد عليه حسان بن ثابت بقصيدة منها:
بحي حريد أصله وبناؤه بجابية
الجولان وسط الأعاجم
غير أن هذه المفاخرات ضعفت في الإسلام، وأهملت الأسواق التي كانت تقام فيها المفاخرات مثل عكاظ وغيره حتى دمره الأزارقة في القرن الثاني.
وصار فخر المسلمين بالإسلام والانتماء إليه حتى قال قائلهم:
ومما زادني فخرًا وتيهًا
وكنت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي حتى قولك يا عبادي
وأن صيرت أحمد لي نبيا
قال حكيم بن حزام - حينما باع دار الندوة على معاوية للدولة وقال له بعض قريش أتبيع مكرة قريش قال: ذهبت المكارم إلا الإسلام.
الفائدة السابعة:
أعلم الناس بأنساب العرب النبي صلى الله عليه وسلم، فما ورد عنه من نص في نسب قبيلة فهو الحق ويجب القول به، ويطرح ما عداه من أقوال مثل: قوله صلى الله عليه وسلم في نسب خزاعة أنهم من خندف وغيرها.
الفائدة الثامنة:
القول بالعرب العاربة والمستعربة محدث -فيما أعلم- لم يعرف في صدر الإسلام، كما أنه مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربع عشر سنة".
الفائدة التاسعة:
وقوع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنصار. حيث قال : "يكثر الناس وتقل الأنصار".
والأنصار هم: الأوس والخزرج وهم من الأزد.
الفائدة العاشرة:
فضل قريش بالنسب على سائر العرب، وتحريم إهانتهم، أو الحطّ من قدرهم وعندي تحفظ من كثرة الانتساب إلى قريش فليس كل من قال إنه من قريش يُعد قرشيًا لكثرة من انتحل الانتساب إليهم قديمًا وحديثًا، حتى من الأعاجم.
علمًا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بفناء قريش فقال صلى الله عليه وسلم: "أسرع العرب فناءً قريش".
الفائدة الحادية عشرة:
الانتساب إلى القبيلة أمر أقره الإسلام في الدنيا، وهو في كتاب القدر عند الله.
ففي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، وهذا كتاب فيه أسماء أهل النار وآبائهم وقبائلهم".
الفائدة الثانية عشرة: إن الدعوة إلى حذف انتساب الرجل إلى قبيلة، والاكتفاء بالجد الثالث أو الرابع خاصة في الإثبات الشخصي، من أساليب الاستعمار، حينما استولى على معظم البلاد الإسلامية، وشجعه الشعوبيون والحاقدون على العرب، وقد أحسنت وزارة الداخلية في المملكة حينما أخذت في الإثبات الشخصي بما عليه المسلمون من قبل.
الفائدة الثالثة عشرة:
وقوع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من فشو الكذب في آخر الزمان.
فقد انتشر الكذب، ومما له صلة بالبحث الكذب في انتساب بعض القبائل الحديثة إلى قبائل قديمة لا صلة لها بها، كما ظهر من بعض المغتصبين إنكار الأحلاف في قبيلته، وغير ذلك كثير، وقد جاء الأمر بتحريم انتساب الناس إلى غير أصولهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كفر بامرءٍ ادّعاءُ نَسَبٍ لا يُعرف، أو جَحءدُهُ وإن دَقَّ".
الفائدة الرابعة عشر:
هنا أثر مشتهر بين الناس، ويكثر الاحتجاج به فطالما احتج به الكاذبون وهو: "الناس مؤتمنون على أنسابهم" وفي رواية "المؤمن مؤتمن على نسبه".
وهذا من قول الإمام الكبير مالك بن أنس - رحمه الله -، فليس حديثاً ولا من قول الصحابة قاله الإمام مالك لخلاف بينه وبين محمد بن إسحاق والرواية الثانية أقرب لكلام مالك؛ لأن المؤمن عنده إيمان يمنعه من الكذب.
أما في هذه الأزمنة فليس هذا القول على إطلاقه لكثرة الكذب وانتشاره حتى عند الكتاب الذين يكتبون في أنساب قبائلهم.
الفائدة الخامسة عشرة:
خطر اتباع الهوى وأثره العميق في تغيير الحقائق فهو سبب رئيس في الكذب.
وقد ذم الله - تعالى - اتباع الهوى في القرآن الكريم وجاء التحذير منه في أكثر من موضع قال تعالى: (ياداود إنا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الّذين يضلون عن سبيل الله)(4).
قال علي بن أبي طالب "إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة"، وقال الإمام مالك: "لا يؤخذ عن صاحب هوى ".
الفائدة السادسة عشرة:
ينبغي لمن يكتب عن أخبار القبائل وتاريخها مراعاة المصالح والمفاسد، فليس كل شيء يُدّون إذا كانت المصلحة الراجحة في عدم تدوينه كما ينبغي الابتعاد عن ذكر مثالب الناس، أو تتبع عثراتهم.
الفائدة السابعة عشرة:
هناك بعض الحوادث لها أثر كبير في تحول القبائل وإثارة الحروب بينها وتشتتها ففي الجاهلية انهيار سد مأرب شتت قبائل سبأ في البلاد، ومثل: حروب عطفان أضعفها وقلل عددها، ومثل: حروب اليمامة أضعفت بني حنيفة وكسرت قوتها، وفتنة مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان أرجع العرب إلى الحروب وبمقتل عمر بن الخطاب كُسر الباب، وجرد السيف بين العرب إلى اليوم، ومثل: معركة مرج راهط أثارت الحرب بين قيس وقضاعة، مما جعل قضاعة تنتسب إلى قحطان، وكانت من نزار.
الفائدة الثامنة عشرة:
ما تقوم به القبائل البدوية قديمًا من اعتداء على الناس وقطع الطريق وإفساد السبل، أو الاعتداء على الحاج أو ما يحصل من حروب بينها كل ذلك من الجرائم والمنكرات العظيمة، ومحاربة لله ورسوله. فلا تذكر للافتخار، والتمجيد، أو الإقرار بها، أو تبريرها -كما يفعل بعض الكتّاب- بل يجب على المؤرخ أن ينكرها، ويذكرها من باب الإخبار التاريخي مع بيان تحريمها، وأنها ليست من الإسلام في شيء.
الفائدة التاسعة عشرة:
الحروب الدائرة بين القبائل في الإسلام حروب فتنة ليست في الإسلام في شيء وهي محرمة، فلا يستدل عليها بآيات الجهاد كما يفعل بعض المتعصبين.
الفائدة العشرون:
لا يوجد قبيلة لا تهزم إطلاقاً فالقبائل العربية متكافئة، والأيام دول وقد أحسنت الخنساء بنت عمرو السلمي حيث قالت:
وخيل تكدس بالدارعين
وسط الغمامة يجمزن جمزا
جززنا نواصي فرسانها
وكانوا يظنون ألا تجزا
ومن ظن ممن يلاقي الحروب
بأن لا يضام فقد ظن عجزا
الفائدة الحادية والعشرون:
التعصب قديماً وحديثاً حمل بعض المؤلفين على تمجيد قبائلهم وأيامها والإشارة بها مع إهمال هزائمها، وهضم أيام القبائل الأخرى، حتى كأنك ترى أن هذه القبيلة لا تهزم ولا يوجد في الساحة قبيلة أخرى تنافسها لها ذكر. كما فعل ابن الحائك في أكاذيبه في كتبه وما أكثرهم في هذا العصر!
الفائدة الثانية والعشرون:
من أسباب نزوح قبائل الحجاز خاصة قبائل قريش، وسكان مكة المكرمة ثوارث العلويين ففي المائة الثالثة لم يبق من قبائل مكة أحد كما أفاده ابن خلدون.
الفائدة الثالثة والعشرون:
على ما في أيام العرب في الإسلام من جرائم وكبائر إلا أنه يوجد عندهم خصال من مكارم الأخلاق منها: الصدق في الإخبار عن أيامهم، والشجاعة وعدم الرضا بالضيم، والغيرة على المحارم وعدم الحقد فيما بينهم إذا انتهت المعركة، وعدم التعرض للأعراض، كما أن حروبهم ليست حروب إبادة فما تنتهي المعركة ويحصل الصلح بينهم إلا وقد اختلطوا وتجاوروا وتمسكوا بالعهود والمواثيق فقلّ أن تجد قبيلة تغدر بالمواثيق والعهود، ويُعد هذا في أعرافهم من أقبح الخصال.
الفائدة الرابعة والعشرون:
العرب الموجودة تتكون من جزءين لا ثالث لهما: اليمانية "القحطانية" والنزارية "العدنانية"، وقد حصل بين بعض القبائل نزاعات ومفاخرات وحروب خاصة في الشام والعراق استمرت عدة قرون مثل الحروب بين قيس وقضاعة.
وانتهت في حدود القرن الخامس تقريباً واختفت والحمد لله هذه النعرات والحروب، وكان هناك بعض رؤوس الفتن من الشعراء تطاولوا على القبائل هذا يذم اليمانية والآخر يذم النزارية، منهم الكميت بن زيد الأسدي والطرماح بن الطائي، ودعبل الخزاعي، ومن آخرهم ابن الحائك المنتسب إلى همدان، وقد انتهت الفتنة في هذه العصور فلا مكان بين المجتمع المسلم في هذا العصر لمن يمجدها أو ينشر أشعارها، أو يُشيد بها.
وقد ظهر في هذا العصر بعض القوميين الذين يمجدون مثل هذه الكتب والأشعار كما فعل محقق كتاب شرح الدامغة.
كذلك لا مكان أيضًا لمن يدعو إلى العصبية القبيلة أو يتطاول على أي قبيلة عربية مسلمة ويجب على المسئولين تأديبه ومنع كتبه؛ لأن من مقاصد الشريعة الإسلامية منع إثارة الفتنة والمنازعات بين المسلمين. ويكتفى بالأخوة الإسلامية مع الانتساب إلى القبائل دون تعصب أو طعن على المسلمين.
الفائدة الخامسة والعشرون:
الحذر من كتب الشعوبيين وأصحاب النحل المنحرفة، وتمحيص كتبهم وعدم الاعتماد على ما فيها من أخبار وأقوال إلا بعد التثبت والتحقيق ومقارنتها بالمصادر الأخرى الموثوقة.
ومن هؤلاء: الأصفهاني صاحب الأغاني، والجاحظ، وأبوعبيدة، وابن الحائك وغيرهم كثير.
الفائدة السادسة والعشرون:
إهمال الدولة العباسية للعرب، واعتمادها على الأعاجم حتى أن صاحب الدعوة العباسية إبراهيم أوصى أبا مسلم الخرساني ألا يدع عربيًا في خرسان إلا قتله.
مما جعل القبائل العربية تحنق على العباسيين، وتقع فريسة للثوار على الدولة من الزنادقة، وقطاع الطرق، كما حصل في ثورة صاحب الزنج، والقرامطة، وثورات العلويين والعبيديين غيرهم.
الفائدة السابعة والعشرون:
كانت مواطن القبائل العربية عند مبحث النبي صلى الله عليه وسلم عنهم معروفة، واستمر ذلك في صدر الإسلام مع تغير طفيف بسبب الفتوحات الإسلامية، ثم حصل تغير كبير جدًا لمواطن القبائل، فكثرت الهجرات في القرن الثالث والرابع وما بعدهما من الجزيرة العربية إلى الشام والعراق ومصر.
وحصل تغيّر جذري لمعالم نجد والحجاز في القرن الرابع والخامس والسادس. فاختفت قبائل وظهرت قبائل حديثة، واندثرت قرى في نجد والحجاز وعمّر قرى أخرى.
الفائدة الثامنة والعشرين:
الأصل في اتجاه ورحلات القبائل البدوية من الجنوب إلى الشمال، والشرق الشمالي والغرب الإسلامي، إلا أنه يوجد هجرات معاكسة، كما حصل في عهد القرامطة حينما تسلطوا على أهل نجد والحجاز، مما جعل القبائل تتجه إلى الجنوب للأماكن الجبلية البعيدة عن وطأة القرامطة، خاصة قبائل بني عامر بن منصور.
وكما حصل من طرد لبعض قبائل ربيعة في العراق في آخر القرن الثاني فاتجهوا إلى الحجاز، وكما حصل في القرن الثامن من نزوح بعض قبائل طي من الشام إلى الحجاز ونجد.
الفائدة التاسعة والعشرون:
أن القبيلة العربية إذا كثرت، وتفرعت أصبحت لا تنتسب إلى القبيلة الأم وإنما ينتسب كل فرع إلى فرعه، وقد يُنسى مع طول الزمن، وانتشار الجهل معرفة نسبها الأصلي. وهذا هو الحاصل في أنساب كثير من القبائل الحديثة.
الفائدة الثلاثون:
قول المؤرخ عن قبيلته أرجح من غيره إذا لم يعرف بالكذب، أو اتباع هوى أو تعصب لقبيلته، فهذه العوامل لها أثر كبير في إخفاء الحقائق عند المؤلف وهذا أمر ظاهر في بعض كتب النسب القديمة والحديثة.
الفائدة الحادية والثلاثون:
علم النسب من العلوم التي تحتاج إلى رحلات، وزيارات للقبائل الذين يُدوّن نسبهم، وكلما كان المؤلف قريباً من مواطن القبيلة التي يؤرخ عنها كلما كان قوله أسلم، وأرجح إذا لم يعرف بالكذب.
لذلك نجد أكثر العلماء أعرضوا عن هذا العلم حفظاً لوقتهم لما هو أهم وأعلى درجة من علم النسب.
الفائدة الثانية والثلاثون:
هناك شح ظاهر جداً في مصادر علم النسب لقلة الذين يؤلفون فيه فالكتب القديمة لم تستقص جميع فروع وبطون القبائل خاصة القبائل الكثيرة مثل: قبائل منصور، وتميم ومذحج وغيرهم.
إضافة إلى صعوبة التنقل، وضعف الأمن، وبعد منازل القبائل عن مواطن المؤلفين خاصة الذين ألفوا في العراق، أو الشام، أو الأندلس، والقبائل الذي يؤلف عنها في نجد أو اليمن.
الفائدة الثالثة والثلاثون:
أشهر من دون في علم النسب قديماً، ووصلت إلينا كتبه هشام الكلبي (ت: 204ه) وهو وأبوه محمد بن السائب من أهل النسب غير أنهما في ميزان الجرح والتعديل من المتروكين الكذابين صاحبا نخلة فاسدة تتخذ الكذب ديناً، ومع ذلك اعتمد أكثر الذين جاءوا من بعده على كتبه، وهذا لا يعني أنه استقصى جميع فروع القبائل بل أن كتابه متقدماً لا يُفصل عن الفروع والبطون الموجودة في القرن الثاني وما بعده.
الفائدة الرابعة والثلاثون:
القبيلة هي التي تفرض نفسها على المؤرخين؛ وذلك إذا أصبحت قويّة، وذات فروع كثيرة، وكثر شعراؤها وفرسانها؛ فلا يمكن أن تكون قبيلة اشتهرت بالانتصارات، إلا ولها شعراء يتغنون بأمجادها.
وعلى ذلك يدون أخبارها المؤرخون، خاصة إذا كانت قريبة من المدن. كطيبة، ومكة، والكوفة والبصرة. وغيرها.
الفائدة الخامسة والثلاثون:
استعلا قبائل مضر، ومفاخرتهم على بقية القبائل والشعوب استعداء عليهم الناس، فكثرت الكتابة عن مثالبهم من الشعوبيين وغيرهم.وتسلط أبومسلم الخرساني عليهم في بلاد خرسان، وتشتت أمرهم وضعفت شكوتهم، ووقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عنهم.
الفائدة السادسة والثلاثون:
الأصل في مؤلفي المسلمين العدالة والصدق والأمانة فيما يذكرونه مما له صلة بعلم أنساب القبائل وأيامهم، ما لم يعرف عنهم الكذب، أو اتباع الهوى الذي له أثره الكبير في إخفاء الحقائق، والتحامل على الآخرين ويعرف ذلك عن المؤلف من خلال كتبه أو أقوال العلماء فيه، وهذا لا يعني أنهم لا يقعون في الخطأ، بل كل يؤخذ من قوله ويرد ما عدا المعصوم صلى الله عليه وسلم عنهم كما قال الإمام مالك - رحمه الله.
الفائدة السابعة والثلاثون:
من الضوابط المهمة في علم الأنساب. معرفة سبب التأليف عند المؤلف فهناك من يؤلف لنشر العلم والمعرفة، وهناك من يؤلف للتكسب، وهناك من يؤلف عصبية لقومه، أو طائفته، ويظهر أثر ذلك في الكتاب، وهذا أمر واضح لكل قارئ يهتم بالأنساب يعرف في كل مؤلف أو مقال أو نحو ذلك.
الفائدة الثامنة والثلاثون:
في مصادر علم النسب: لابد لأي باحث يكتب في علم أنساب القبائل أن يستقري جميع المصادر استقراء تامًا وإلا حصل في مؤلفه خلل وتعقب كبير ومن المصادر كتب التاريخ والأدب، وكتب الحديث وشروحها، وكتب التفسير، وكتب اللغة ومعاجمها، ودواوين الشعر، وكتب الرحلات، ومعاجم البلدان، وكتب التراجم والأعلام، وكتب الأنساب، وكتب المغازي والسير.
الفائدة التاسعة والثلاثون: يشترط في من يؤلف في الأنساب ما يشترط في غيرها من العلوم من الموضوعية والبحث العلمي ومن الأمانة والصدق والإنصاف واحترام آراء الآخرين المبنية على المنهج العلمي، وألا يهضم حق الآخرين، وألا يتصرف في نصوص المؤلفين لحاجة في نفسه. وغير ذلك من الشروط التي يجب توافرها في المؤلف أو الباحث. وللبحث صلة.
|