كتبه : طلال الرميضي
يعد الأستاذ الراحل عبدالمنعم عيسى السالم من أدباء الكويت المبدعين في القرن العشرين الميلادي والذين لم يحظوا بالتوثيق والتسجيل وتغافلتهم الكتب الكويتية التي تناولت الأدب والتاريخ، حيث كان رحمه الله من رجال الثقافة والعلم، وله مساهمات أدبية ثرية تمثلت في إصدارين قيمين، أضف إلى ذلك الحضور الرائع في مجالس الأدباء بالكويت قديما.
وفي هذا المقال سنتعرف على شذرات من تاريخ هذا الأديب الكويتي المبدع الذي أحب القراءة والكتابة وأهملته كتب أبناء وطنه التي سجلت صفحات من تاريخ الأدب والثقافة بالكويت...
ولد الأستاذ عبدالمنعم عيسى السالم في عام ألف وثمانمائة وأربعة وتسعين من الميلاد «1311 هجري» بالكويت، ودرس في الكتاتيب الصغيرة المنتشرة آنذاك بالكويت والتي يقوم بها رجال الدين والذين يعرفون بالمطاوعة بتدريس الأولاد بعضا من تعاليم دينهم الإسلامي الحنيف والقراءة والكتابة ومبادئ الحساب، حتى ختم لدى المطوع وهي مناسبة سعيدة يحتفل بها أهل الولد بتخرج ابنهم من المدرسة، وقد تميز هذا الشاب الكويتي بالذكاء والنباهة وحب المطالعة، وبرع في العمليات الحسابية، كما تعلم رحمه الله عدة لغات كاللغة الإنكليزية والأوردية والفارسية بالإضافة إلى اللغة العربية، ساهمت هذه الثقافة في تكوين شخصيته المميزة والمجتهدة، حيث عمل رحمه الله في عدة مهن كاشتغاله بالتجارة وتملكه عدة محلات في سوق التجار الواقع داخل سور الكويت القديم وتاجر بالأقمشة والأواني المنزلية وأخيرا الشاي باشتراكه مع تاجر هندي اسمه جوتي لال. إلى جانب ممارسته للتجارة فقد عمل الأستاذ عبدالمنعم السالم بإدارة المحاكم بعد أن وثق فيه المغفور له الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس المحاكم آنذاك الذي لمس فيه الفطنة والذكاء وطلب منه أن يشتغل محاسبا بالمحاكم الكويتية، كما أولاه مأمورية محاسبة الغوص بإمارة الكويت وكسب خلالها شعبية كبيرة لدى أهل الكويت حيث التحق بالعمل لدى إدارة المحاكم في عام 1935م واستمر في عمله حتى تقاعد في مطلع عام 1961م.
توفي الأديب عبدالمنعم السالم في الأول من شهر مارس من العام 1968م 2 ذي الحجة 1837 هجري «بعد إصابته بأزمة قلبية دخل على إثرها مستشفى المواساة ليبقى بغيبوبة لمدة أيام قليلة حتى توفاه الله.
أدواره الأدبية المتميزة
كان الأديب عبدالمنعم السالم من رجال الأدب والتنوير والثقافة بالكويت ونلتمس ذلك من خلال التعرف على بعض من أدواره الرائدة آنذاك، حيث كان رحمه الله على علاقة طيبة مع مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبدالعزيز الرشيد المتوفى عام 1936 الذي لمس في شخصية عبدالمنعم حب المعرفة والاطلاع، وتوطدت العلاقة بينهم حيث طلب الشيخ الرشيد منه أن يكون وكيلا بالكويت لمجلته المشهورة «الكويت» والتي ابتدأ بإصدارها في شهر مارس من سنة 1928م واستمرت لمدة عامين حتى توقفت نهائيا. ووافق عبدالمنعم السالم على طلب الرشيد بأن يكون وكيلا لمجلته بالكويت لمن أراد أن يحصل على اشتراك فيها، وقد وصفه الشيخ عبدالعزيز الرشيد بالأديب على صفحات مجلته إيمانا بفكر وثقافة هذا الشاب الكويتي الطموح، ويذكر الأستاذ خالد سالم محمد في كتاب «رحلتي مع الكتاب» بأنه كان أول وكيل للصحف والمجلات في الكويت.
والجدير بالذكر أن الأديب عبدالمنعم كان لديه مكتبة ضخمة في بيته تضم مجموعة كبيرة من الكتب المختلفة المشارب والفنون والعلوم كالمعاجم والقواميس اللغوية والدواوين الشعرية.
وكان يستقطع جزءا من وقته في كل يوم للقراءة والمطالعة.
كما كان الأديب عبدالمنعم من رواد مجالس الأدب والعلم بحيث لا ينقطع عن زيارة أصحابه الأدباء والمفكرين والشعراء بحيث كان من رواد ديوانية الشيخ الأديب يوسف بن عيسى القناعي ومن أصدقائه نذكر القاضي عبدالعزيز قاسم حمادة والقاضي أحمد الخميس والأستاذ محمد الزبن رحمهم الله جميعا.
عبدالمنعم والشعر
كان الأستاذ عبدالمنعم السالم يقرض الشعر الفصيح وله الكثير من القصائد الجميلة التي تتسم بالسلاسة والعذوبة والجزالة، ولقد فقد الكثير من قصائده الشعرية على غرار الكثير من الشعراء بالكويت قديما، وقد دون الأستاذ عبدالمنعم بعض أشعاره في كتابه القيم «من كل شجرة ثمرة»، ونعرض نماذج من أشعاره التي قالها هذا الأديب الكويتي تقريظة لكتاب «دليل المحتار في علم البحار» للنوخذة الكويتي عيسى بن عبدالوهاب القطامي يقول فيه:
يا راكبا لج بحر الرزق تطويه
إن كنت تطلب علما في مجاريه
احذر يفوتك الأديب له
إن سئلت أن الفرق المجري وما فيه
وانصب لرزقك فيه متكلا
على إله الورى ما خاب راجيه
وادع لجامعه عيسى القطامي
كما هو مستحق بما خطت أياديه
أرسل المرحوم شملان بن علي هذه الأبيات الشعرية إلى الأستاذ عبدالمنعم قائلا:
حييت عبدالمنعم تحية من مسلم
تحية أولاكها من للمكارم ينتمي
لا غرو أن بلغتها من أفق يد الكرم
فأنت شمس للوفاء وفضلكم لم يكتم
فأجابه رحمه الله بقوله:
أهلا وسهلا بالذي حيا تحية مسلم
تحية من ماجد أنعم به وأكرم
من كان في أوطانه كالبدر بين الأنجم
أعني به شملاننا من للمكارم ينتمي
فخذ قريضا ناعما كمثل حب السمسم
جادت به قريحة تشكو لدهر مؤلم
مؤلفات الأديب عبدالمنعم السالم:
أصدر الأستاذ عبدالمنعم عيسى السالم رحمه الله إصدارين سنتناولهم بشيء من العرض والدراسة وفقا لما يلي:
1 - «تعال معي إلى الحرمين الشريفين»: كتاب صغير يتناول شرحا مفصلا لمناسك الحج والعمرة وفقا للمذاهب الأربعة لدى أهل السنة والجماعة جمعها المرحوم في إصدار مفيد من الحجم الصغير يحتوي على ثلاثين صفحة بالإضافة إلى الغلاف الخارجي، طبع هذا الإصدار والمطبوع غير مدون فيه سنة الطباعة والراجح أنه طبع في عام 1958 حيث إن مطبعة الحكومة بدأت نشاطها في عام 1956 وهذا ما قاله لي أحد أبنائه ويوجد تقريض لطيف من صديقه الشيخ أحمد الخميس رحمه الله نشر في الصفحة الأولى من كتاب «تعال معي إلى الحرمين الشريفين» يقول فيه:
هذا الكتاب لعبدالمنعم العيسى
إذ قد حوى نسكا فيه وتقديسا
فيه المناسك قد تمت لرائدها
وصاحب العلم لا يحتاج تدريسا
وبعد جمع له سماه جامعة
تعال معي ترى خيرا وتأنيسا
والكل يشكره من بعد طبعته
إذ صار يهديه إهداء أبو عيسى
وهذا الكتاب يهدى ولا يباع وكان أصحاب الحملات الكويتية
يأتون إلى بيت الأديب عبدالمنعم السالم بالشويخ لأخذ نسخ من هذا المطبوع قبل موسم الحج من كل سنة حتى وفاته.
والجدير بالذكر أن المؤلف قد حج مرتين وكانت الحجة الأولى على الإبل أما الحجة الثانية مع حملة المرحوم سليمان الفهد في منتصف الخمسينيات وذلك على باص أبوعرام.
2 - «من كل شجرة ثمرة»: أصدر رحمه الله في عام 7691 «7831هـ» وذلك قبل وفاته بسنة واحدة، والكتاب يحتوي على 214 صفحة من الحجم الصغير وطبع بالمطبعة العصرية بالكويت، وهو كتاب أدبي لطيف جمع خلاله المؤلف مجموعة من القصص والأشعار والأقوال المأثورة من التراث الإسلامي والعربي وكان لأهل الكويت نصيبا وافرا منها ويحتوي هذا الكتاب على فوائد أدبية كثيرة تنم عن ثقافة واسعة وذوق رفيع للمؤلف، بالإضافة إلى الاهتمام بنقل بعض أحاديث خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وأشعار الصحابة والفقهاء وأقوالهم بطريقة عرض شيقة تعكس جانب التدين لدى عبد المنعم السالم وحرصه على الثقافة الإسلامية.
كما أن السالم أورد أشعار وقصص من التراث الكويتي تكشف اعتزازه الشديد بوطنه، ومما أورده المؤلف في كتابه «من كل شجرة ثمرة» نماذج من قصائد الشعراء عيسى القطامي وإبراهيم بن خالد وإبراهيم بن سيار وخالد الفرج ويوسف بن عيسى القناعي وصقر الشبيب وحمد العسعوسي وعبدالله العمر الأصمخ الذي سجل له هذه الأبيات الشعرية النادرة والتي قالها في مدح الشيخ المرحوم سالم المبارك حاكم الكويت التاسع:
طلعت تزاور عن يمين الأمجد
وغدت تجر ذيول عكس المهتدي
هو سالم لكن أزال مأثما
وملازما أوقاته للمسجد
خدها كما قلتها لك مادحا
طلعت تزاور عن يمين الأمجد
كما دون حوادث تاريخية من ماضي الكويت والجزيرة العربية ليعطي القراء عبر ومواعظ وحكم من تراثهم العريق. ولكن نجد أن هذا الكتاب تشوبه الكثير من الأخطاء الإملائية في العديد من المواضع المختلفة فيه، ولعل ذلك راجع إلى أنه كتب في أواخر حياة الأستاذ عبدالمنعم السالم ولم يحظ بالمراجعة اللغوية الدقيقة. ومن خلال هذين الاصدارين اللذين أصدرهما نستطيع أن نتمكن من التعرف على جزء من شخصية هذا الأديب الكويتي الأستاذ الراحل عبدالمنعم بن عيسى السالم وميوله الأدبية التي تكشف لنا إيمانه الوثيق بالله وتدينه وسعة تفكيره وشاعريته المرهفة، بالإضافة إلى اطلاعه الواسع على الأدب العربي قديما وحديثا. وفي الختام لا يسعنا القول إلا رحم الله هذا الأديب الكويتي المبدع وأسكنه فسيح جناته جزاء حبه لوطنه ودينه والأدب.
< مراجع الدراسة:
1 - كتاب «رحلتي مع الكتاب» للأستاذ خالد سالم محمد، ط1، الكويت 2003م.
2 - كتاب «تاريخ الغوص على اللؤلؤ» للأستاذ سيف الشملان، ج2، ط2، الكويت، شركة ذات السلاسل للنشر 1989م.
3 - كتاب «تعال معي إلى الحرمين الشريفين» للأستاذ عبدالمنعم عيسى السالم ط1، الكويت، مطبعة الحكومة، د.ت.
4 - كتاب «من كل شجرة ثمرة» للأستاذ عبدالمنعم عيسى السالم ط1، الكويت 1967م.
5 - جريدة «عالم اليوم»، عدد 315، صفحة نسايم السور، تاريخ 21/1/ 2008م
6 - مجلة «الكويت»، العدد الأول، مارس 1928م.
عبدالمنعم السالم - أول وكيل للمجلات في الكويت
العرض العادي
