.. وتستمر مدرسة العثمان البحرية
أبرزنا فيما مضى من هذا الكتاب التعلم الذاتي لأجيال العائلة الواحدة لمهنة التنوخذ في الكويت بشكل عام، وفيما بين أجيال عائلة العثمان الكريمة بشكل خاص، وأوضحنا الاستعداد المتبادل للتعليم من قبل الجيل السابق والتعلم من قبل الجيل اللاحق لأساسيات مهنة ركوب البحر، فتوارثوها أباً عن جد، وتناقلوها أخاً عن أخ.
وبذلك نستطيع أن نعتبر هذه العملية التعليمية مدرسة بحرية متصلة الفصول، ففيها المبتدئ وفيها المتقدم بل المتقاعد، وهي في ذلك أشبه ما تكون بخط الإنتاج الذي يتصل أوله بآخره، فقد كان الجيل اللاحق يركب البحر متعلماً من الجيل الذي سبقه، ثم يستقل بنفسه.
وهكذا كانت بعض العائلات الكويتية بمثابة مدارس تعليمية تورث أبنائها حرفة "التنوخذ" جيلاً بعد جيل.
وها هي مدرسة العثمان البحرية قد خرجت أجيالاً متتابعة، وها هي كذلك تستعد لتخريج كوكبة كانت على وشك التخرج من حيث العمل في مهنة التنوخذ، ولكن الزمن لم يسعفها حيث انقطع السفر الشراعي في الكويت بانتهاء الحرب العالمية الثانية وتفرغ البواخر للنقل التجاري بعد أن كانت محجوزة للنقل العسكري فقط.
ولولا هذا التوقف لبلغ مرحلة التنوخذ ثلاثة آخرون كانوا قد تأهلوا للمهنة من خلال ركوبهم البحر لعدة سنوات مع سابقيهم من نواخذة العثمان وغيرهم.
لذا نتطرق إليهم بالتعريف * فيما يلي * إبرازاً لدورهم الذي توقف لأسباب قسرية لا اختيار لهم فيها, ولقد كانوا كذلك من أعمدة المكتب التجاري لعائلة العثمان.
السيد عبدالرزاق محمد سليمان العثمان
تاريخ الميلاد: 1926م.
تاريخ الوفاة: 1985م.
عدد سنوات العمل في مجال التنوخذ: 5 أعوام.
أهم السواحل التي وصلها في رحلاته: الهند واليمن والخليج والبصرة.
أهم البضائع التي كان يتاجر بها: الأخشاب والتمور والمواد الغذائية والاستهلاكية.
أبرز النواخذة الذين تدرب على أيديهم:
- النوخذة يوسف محمد العثمان.
نبذة عن عمله البحري :
ركب البحر كثيراً وبلغ درجة من المهارة والإتقان في صناعة ركوب البحر, جعلته "نوخذا شراع" أي مساعد نوخذة، وكان يقوم بكل الأمّاريات التي يقوم بها النوخذة وتوجيه المجدمي. وبالتالي كان يتم من خلاله توجيه بقية البحارة لإدارة شؤون السفر على ظهر السفينة وعلى البنادر التي ترسو بها وكذلك جميع المعاملات التي تحتاجها السفينة، ولم يعد له من التنوخذ سوى توجيه السكوني (قائد الدفة) لتحديد مجرى السفينة واتجاهها،الأمر الذي كان يقوم به النوخذة ناصر محمد, وقد تميز باستعانته بأهل الكويت في تكوين "يزوته" أي بحارته، ولم يكن بالضرورة هو الحال مع كثير من النواخذة الكويتيين الذين يضطرون أحياناً كثيرة على الاستعانة ببحارة خليجيين أو مهرة.
ركب متدرباً مع أخيه النوخذة يوسف محمد العثمان في البوم "موافج" ثم في بوم آخر اسمه "تيسير" تيمناً باسم بوم العثمان الكبير المسمى "تيسير" بعد أن تم بيعه، وقد نقل كثيراً من البضائع من الكويت وشط العرب إلى الهند قاصداً خاله صالح العلي الحمود الشايع، الذي كان مستقراً هناك لإدارة الشؤون التجارية لعائلته.
وقد عمل في وزارة الصحة العامة قبل تقاعده ووفاته.
السيد عثمان عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان
تاريخ الميلاد: 1927م.
تاريخ الوفاة: 11/1/2001م.
عدد سنوات العمل في مجال التنوخذ: ستة أعوام.
أهم السواحل التي وصلها في رحلاته: البصرة وشط العرب، والخليج واليمن والهند وإفريقيا.
أهم البضائع التي كان يتاجر بها: الأخشاب والتمور والمواد الغذائية والاستهلاكية.
أبرز النواخذة الذين تدرب على أيديهم:
- النوخذة أحمد عبداللطيف العثمان.
- النوخذة أحمد صالح السبيعي.
نبذة عن عمله البحري:
هو الابن الأكبر للنوخذة عبدالوهاب بن عبدالعزيز بن عثمان، وقد عمل بالتجارة وركب البحر متدرباً على التنوخذ، ولكن توقف السفر الشراعي حال دون ممارسته هذه المهنة. له أعمال طيبة في المجال الخيري تتضح من التأبين التالي:
الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية
ترثي عثمان عبدالوهاب العثمان
وقد أصدرت الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بياناً ترثي فيه السيد عثمان عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان * رحمه الله * جاء فيه:
"فقدت الكويت في شوال 1421هـ (يناير 2001م) عثمان عبدالوهاب العثمان، وكان من رجالات الكويت الأخيار الذين كان لهم دور مشهود في إعمار المساجد بناءً وتعبداً.
وكان * يرحمه الله * من جلساء العلامة المرحوم * بإذن الله * الشيخ محمد سليمان الجراح في مسجد السهول بمنطقة ضاحية عبدالله السالم.
كان * يرحمه الله * يمتاز بالأخلاق الفاضلة العالية والتواضع الجم مع الناس، والمساهمة في المشاريع الخيرية والسعي في بذل الخير وتلمُّس احتياجات الفقراء والمعوزين والغارمين.
وكان من عمار المساجد، لا يترك فرضاً ولا يقرب حراماً ولا يذكر أحداً بسوء، فإذا جالسه أحد أحس بالطمأنينة والسلام، وإذا سأله أحد وجد عنده من الأخبار والمعلومات المفيدة ما يسعده ويحوز إعجابه.
وكان * رحمه الله * امتدادا لوالده النوخذة عبدالوهاب العثمان، طيب الله ثراه فتعلم منه ونهل من أخلاقه وسجاياه، وربى أولاده أحسن تربية، فهم اليوم نماذج خيرة تمتاز بالأخلاق والتواضع والتواصل مع الناس، مثلما كان جدهم ووالدهم وأسرتهم الكريمة.
كان عثمان عبدالوهاب يمثل أخلاق رجالات الكويت القدامى، حاملاً روح الأسرة الواحدة، وكان قلبه يمتلئ حسرة حين يتحدث عن الكويت القديمة وأهلها ولا يرى امتداداً لأخلاقهم الكريمة وصفاتهم الطيبة.
ولله در عثمان العثمان العابد الزاهد الذي داهمه المرض فلم يجزع من قضاء الله وقدره، بل كان على الدوام صابراً محتبساً، إذ لم يكد يتماثل للشفاء حتى عاد يجر الخطى كل يوم ليؤدي الصلوات في المسجد حتى وفاته.
لقد كان أبو خالد، باراً بأهله ووطنه وعقيدته، وكان مثالاً يحتذى في الخلق والصلاح والتقوى.
والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية إذ تنعي عثمان عبدالوهاب العثمان لتضرع للمولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ..
والعزاء والسلوى إلى جميع أهله ومحبيه، وأن يجزيه الله تبارك وتعالى عما فعل وقدم
خير الجزاء".
وقد بنى – رحمه الله – مسجداً في السودان وآخر في بنجلاديش، وهو في ذلك ينتقي الأماكن التي يُعمِّر فيها بيوت الله تعالى، بحيث يعتمد في اختيارها على الأولوية في الحاجة، فأختار المناطق الفقيرة في البلاد البعيدة، لكي يكون إنفاقه في المكان المناسب.
السيد عبدالله محمد العثمان
تاريخ الميلاد:1929م.
عدد سنوات العمل في مجال ركوب البحر: أربعة أعوام.
أهم السواحل التي وصلها في رحلاته: الهند والخليج والبصرة وشط العرب.
أهم البضائع التي كان يتاجر بها: الأخشاب والتمور والمواد الغذائية والاستهلاكية والذهب.
أبرز النواخذه الذين تدرب على أيديهم:
- النوخذة عبدالحميد العبدالجادر.
- النوخذة يعقوب خلف اليتامى.
- النوخذة حسن علي الشطي.
- النوخذة إبراهيم عبدالرحمن العثمان.
نبذة عن عمله البحري:
ركب البحر من عام 1946 إلى 1949م، وبلغ من التدريب البحري ما جعله مؤهلاً لأن يكون نوخذا شراع (أي مساعد نوخذة)، وكان يقوم بجميع المعاملات البحرية والتجارية للسفينة في البحر والموانئ، غير أن السفر الشراعي قد توقف بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وتفرغت السفن التجارية لعملها الأصلي، وهو نقل البضائع التجارية، بعد أن كانت موقوفة للإستخدامات العسكرية لصالح الإنجليز.
وقد ركب البحر مع النوخذة يعقوب خلف اليتامى، فأمره أخوه الأكبر يوسف محمد سليمان العثمان بأن يأخذ ألفين "تولة" من الذهب من الكويت إلى الهند، لحساب كل من التاجر عبدالعزيز حمد الصقر, وعائلة الحمد، وقد نجح في إيصالها إلى الهند حسب الخطة المحددة له.
وبعد إنتهاء السفر الشراعي عمل في عمارة بيع الأخشاب ومواد البناء الخاصة به وبأخوانه يوسف وعبدالرزاق، وذلك في الفترة من عام 1950م إلى عام 1955م حيث التحق بالعمل في وزارة الكهرباء والماء في ذلك العام.
المكتب التجاري
العمل التجاري نشا ط تكاملي، فيه دورة تجارية معروفة لابد من اكتمال حلقاتها لكي يكون النجاح حليفها، فالعاملون في عرض البحر لابد لهم من سند تجاري يُنسق لهم تجارتهم، فيحسب ما لهم وما عليهم، ويقبض ويصرف.
وما كانت عائلة العثمان لتبلغ هذا الشأن في التاريخ البحري والتجاري في الكويت، لأكثر من قرن من الزمان، لولا تنظيم حساباتها التجارية، التي قام بها مكتب العائلة التجاري، الذي كان يديره المرحوم الحاج سليمان عبداللطيف العثمان( )، المسؤول الأول عن جميع إيرادات السفن واحتياجاتها ومصروفاتها، وكذلك جميع الأعمال التجارية داخل الكويت وخارجها من أخشاب وتمور وبضائع مختلفة.
إن دقة عمل المرحوم الحاج سليمان عبداللطيف العثمان كانت من الأسباب الرئيسة لنجاح الأعمال البحرية والتجارية لعائلة العثمان. وكان يساعده في ذلك أخوه صالح عبداللطيف العثمان وخاصة في ترجمة بعض البرقيات المكتوبة باللغة الإنجليزية.
ومن بعد المرحوم سليمان العثمان باشر أخوه المرحوم صالح عبداللطيف سليمان العثمان( ) إدارة المكتب التجاري.
ومن الجدير بالذكر أن المكتب التجاري كان يقع في ديوان عبدالعزيز بن عثمان على البحر مقابل النقعة، وبعد القسمة بين أفراد العائلة استمر سليمان عبداللطيف العثمان بإدارة المكتب.
وبعد وفاة عبدالعزيز بن عثمان انتقل الديوان - بالإضافة إلى المكتب - إلى ديوان عبدالوهاب العثمان في داخل الفريج. وتدريجياً تم فصل الأعمال التجارية بين أفراد العائلة، إلى أن انتقل المكتب إلى قرب سوق المناخ، حيث افتتح كثير من التجار مكاتبهم هناك.
وبعد هذا الفصل قام النوخذة عيسى عبدالله العثمان ابن شقيق المرحوم عبدالوهاب العثمان وزوج ابنته بإدارة المكتب، ثم من بعده قام المرحوم عثمان عبدالوهاب العثمان( ) بإدارة المكتب التجاري بمساعدة والده، وقد سافر عدة مرات بالبوم إلى الهند وعدن مع خاله أحمد عبداللطيف العثمان ومع النوخذة أحمد السبيعي لإعداده وتدريبه لكي يصبح نوخذة ولكن انتهاء السفر البحري الكويتي ودخول الكويت عالم النفط حال دون ذلك.
وقد كان بدر عبدالوهاب العثمان يساعد أخاه عثمان وهو من مواليد 1934م، وقد سافر أيضاً إلى الهند بالباخرة عدة مرات كلما تطلب الأمر ذلك، وذلك لبيع الذهب وتحويل الأموال إلى الكويت.
واستمر مكتب عبدالوهاب العثمان في سوق المناخ ثم انتقل إلى سوق التجار الحالي أمام قصر السيف وما زال هذا المكتب يعمل بإدارة أبناء عبدالوهاب العثمان بعد وفاته سنة 1987م.
وحتى يكون البحث في هذا الباب مكتملاً، لابد من الإشارة إلى بعض الأسماء المهمة لشخصيات عاشت العصر البحري من عائلة العثمان، وكان لهم دور مهم بشكل أو بآخر من خلال ركوب البحر أو التجارة في ذلك الوقت وهم:
1 – عبدالله إبراهيم العثمان: مساعد للنوخذة (نوخذا شراع).
2 – عبدالله غانم العثمان: عمل بالتجارة البحرية، وسافر بالباخرة إلى الهند في الشؤون التجارية للعائلة.
3– بدر عبدالوهاب العثمان: سافر بالباخرة إلى كراتشي عدة مرات في بداية الخمسينيات، حيث عمل بتجارة الذهب، وهو من مواليد عام 1932م.
|