-
((( الوثيقة العثمانية في ميزان التحليل والنقد الموضوعي )))
-
في الأونة الأخيرة دأب الكثير من الباحثين والكتاب المعاصرين على التعلق بالوثائق التاريخية.. والإعتماد عليها بإعتبارها مصدراً أساسياً للمعلومات والحقائق .. فضلاً عن كونها في تقديرهم الأسلوب الأمثل لتوثيق ما تتضمنه الدراسات والبحوث والمقالات من معلومات أو ما لايرقى إلى مستوى الحقيقة والمعلومات من إحتمالات وإستنتاجات.
وزاد في أهمية هذا التوجه لدى الباحثين ما استقر في وجدانهم وترسخ في عقولهم من أن الإعتماد على شئ من الوثائق وتدعيم آرائهم بها ينجيهم من أي مسألة ويعفيهم من أي نقد لما يعرضون من توجهات .. أو يكفيهم ذلك -وحده- للرد على أي مما يثارحول الموضوع نفسه من دراسة موضوعية أو نقدية.. أو نقض لفكرته من الأساس بناء على ما يقدمه باحث آخر من آراء تستند إلى مصادر أخرى موثوق بها او ما يراه من تناقض في الأدلة التي قام عليها البحث الأول.
والمبدأ في حد ذاته لا يتصادم مع منهج البحث العلمي فالوثيقة بلا شك لها قوة الحجة ولها أهمية خاصة في هذا المجال .. ولقد كشفت لنا الوثائق عن حقائق ومعلومات ذات قيمة تاريخية مهمة وأصبح التوثيق ضرورة مهمة يلجأ إيها المؤرخون في حفظ المعلومات وصيانتها من الضياع .. ويعتمد عليها الباحثون في دعم ما يرونه من آراء.
ولكن الشئ المؤسف في هذا المجال هو الجهل الشديد بمعايير الضبط والتحليل لما جاء بالوثيقة .. أو التمحّل في إستنتاج أمور لا يحتملها النص أو يشير إليها ..توهم بعض الإحتمالات لأدنى ملابسة وذلك إذا أحسنا الظن بقارئ الوثيقة أو مستخدمها ولم نقل أنه قصد تزييف الوثيقة نفسها..أو اللجوء إلى ترجمة غير دقيقة للنص .. أو تطويع النص نفسة لما يتوجهة إليه الكاتب.. ويؤيد ما يذهب إليه أو يدعمه من رأي سياسي أو وجهة نظر علمية - الأمر الذي يذهب تماماً بمصداقية الوثيقة وبصحة المعلومات المنقولة عنها.
وفيما نحن بصدده الآن وثيقة احتفت بها مجلة ( الوثيقة ) التي تصدر في مملكة البحرين الشقيقة عن مركز الوثائق التاريخية.. وقد تضمنت رسالة عُُُـثر عليها في أرشيف رئاسة الوزراء العثماني بإسطنبول في دفاتر المهمة رقم 111 صفحة 731 .. ونشرت لها المجلة ترجمتين تتفقان في كثير من الأمور وتختلفان في القليل منها على أهمية هذا الإختلاف في مجال استجلاء الحقائق والإعتماد عليها في بحث علمي.. وقد كتب الدكتور علي أبا حسين مقالة في المجلة المذكورة العدد الأول ص 87 .. تحدث فيها عن موضوع العتوب بشكل عام مع التركيز على هذه الوثيقة ليؤكد من خلال ذلك أن تاريخ نشأة الكويت يعود إلى تاريخ هذه الوثيقة وهو عام 1701م .. ولكن الباحثين في مركز البحوث والدراسات الكويتية تصدوا بما لهم من خبرة في مجال التوثيق لدراسة الوثيقة المذكورة والتعليق على مقال الدكتور على أبا حسين بما يجلّـي الحقائق ..ويبرز من خلال إصدارات المركز لعام 1998م وهو كتاب ( الكويت تواجهة الأطماع ) فقد عرض الدكتور يعقوب يوسف الغنيم في هذا الكتاب نص الترجمةالأولى للوثيقة.. وكذلك نص الترجمة الثانية مع صورة للأصل ولا سيما الجزء الخاص بموضوع المقالة المكتوبة في هذا المجال .. ومع اهتمام الباحث بما بين الترجمتين من فروق لها دلالات مختلفة تماماً في المضمون والشكل .. جعلت الكثير من الحقائق مثار شك في صحة الترجمة واختلافها عن الأصل فأنه أعطى إهتماماً كبيراً كذلك لملحوظات كثيرة جاءت نتيجة دراسة علمية موضوعية للوثيقة نفسها نذكر منها هنا :
أولاً : للوثيقة ترجمتان وبينهما اختلاف واضح .
ثانياً: الوثيقة ( الرسالة ) موجهة من علي باشا والي البصرة ومؤرخة في تاريخ 21 من رجب 1113ه وهي تعادل 1701م وبالإطلاع على تاريخ العراق في فترة عام 1701م لم نجد ما يشير إلى حادثة هجرة العتوب إلى البصرة على الرغم من أن حجم هذا الحدث بما يصحبة من قوة عسكرية وبشرية ( 150 سفينة على ظهرها 6000 ألاف مسلح ) وما يترتب عليه من آثار بالنسبة لميناء البصرة يستدعي تسجيلة ( أنظر عباس الغزاوي .. تاريخ العراق بين إحتلالين .. الجزء الخامس ص 153 منشورات دار الرضى ..قم .. إيران 1953م ) حيث لا أثر لذلك مطلقاً.
ثالثاُ: لم يكن العتوب من العشائر التابعة لإيران كما ذكرت الوثيقة.
رابعاً: كان هؤلاء المذكورون بالوثيقة في طريقهم بالإستقرار نهائياً .. وهذا يختلف - كلياً - عن أولئك الذين قيل أنهم أتوا إلى أم قصر ثم رحلوا منها إلى الكويت في فترة تسبق هذه الفترة كثيراً .
خامساً: تذكر الوثيقة توجه هؤلاء إلى البصرة فقط .. فمن أين أتى بذكر أم قصر ؟؟؟
سادساً: في سنة 1701م كانت الكويت قائمة ودليل ذلك رحلة مرتضى بن علوان إليها عام 1709م ووصفه لها دليل على أنها نشأت قبل هذا التاريخ بالإضافة إلى ما هو معروف عن مسجد بن بحر الذي بنى بالكويت عام 1670م ..
سابعاً: ماذكرة لورمير عن الخليفات من وصف جيد لحالهم في دليل الخليج ج3 ص 1251 القسم الجغرافي يختلف تماماً عما ذكر عنهم في الوثيقة .. المذكورة
هذا بالإضافة إلى أنه ذكر أنهم مالكيون وليسوا بشافعيين أو حنابلة كما ذكرت الوثيقة وأن بيوتهم حوالي 210 بيت .. وهذا ايضاً مخالف بصورة واضحة لما جاء في الوثيقة من أعداد بيوتهم حوالي 2000 بيت .. وكان ينبغي أن يزيد عددهم لاينقص.
كما ذكر ( لوريمر) كذلك أنهم كانوا يعيشون في المدينة ويذهبون وراء أغنامهم في صحراء قطر مدة طويلة كل عام .. ثم يذهبون إلى رحلة الغوص التي تطول عادة أكثر من 4 أشهر فمن أين جاءوصفهم ( في الوثيقة ) بأنهم كانوا دائماً على المراكب وعملهم نقل التجارة ونقل أموالهم من ماكن إلى آخر ؟
هذا إلى جانب أن تاريخ آل خليفة معروف ولايحتاج إلى كل المحاولات التي تفسد الصورة الناصعة لهذا التاريخ.. والكويت والبحرين تربطهما منذ القدم من الروابط ما لا يمكن أن ننساه أو نتغافل عنه.
كذلك لم تكن هناك عشيرتان تسمى العتوب والأخرى تسمى الخليفة ومن ثم فإن ماجاء في الوثيقة لاعلاقة له بالعتوب الذين منهم الخليفة..
وهذا يضعنا أمام احتمالين :
1- وهو الأرجح أنها وثيقة غير صحيحة وضعت لأسباب كثيرة ليس هذا مجال بيانها.
2- أن هذه الوثيقة قد تكون وصفاً لأحداث جرت في الساحل الشرقي .. ولا علاقة لها بالكويت وأهلها.. نظراً لوجود وثائق أخرى تنقض ماورد في تلك الوثيقة التي أشرنا إليها .. ومن أراد الاطلاع على تفصيلات هذا الموضوع.. ففي الكتاب التى أصدره المركز بعنوان ( الكويت تواجه الأطماع ) للدكتور يعقوب يوسف الغنيم مما يجلَي الحقيقة .. ويؤكد عدم صحة معلومات هذه الوثيق تماماً بالنسبة للكويت وأهلها.
____________________
ذلك الرد من مركز البحوث الدراسات الكويتية على تلك الوثيقة العثمانية