الأصمعي يجوب صحراء الكويت - فرحان الفرحان

[AHMAD]

الأصمعي يجوب صحراء الكويت (122 ــ 216هـ = 740 ــ 830م)

استهل الحديث عن الإمام الاصمعي باعطاء نبذة عن هذا العالم الجليل الذي نذر نفسه لخدمة اللغة العربية، فالاصمعي هو أحد كبار ائمة اللغة العربية في العصر العباسي الأول وقد كان من قبله في هذا الميدان أبو عمر بن العلاء وخلف الأحمر، وكان هو الثالث في هذا المجال، وكان منهم أبو زيد الانصاري وأبو عبيده ومحمد بن سلام الجمحي.
بين يدي كتابان من الكتب التي كتبت عن الاصمعي الأول: «الاصمعي اللغوي» تأليف د. عبدالحميد الشلقاني والثاني: «الاصعمي» د. أحمد كمال زكي.
كان المرحوم الزركلي قد ترجم للاصمعي وركز على كتبه ونشاطاته العلمية ولأهمية هذه الترجمة اضعها بين يدي القارئ الكريم برمتها لينتفع بها.

فالأصمعي (122 ــ 216 هـ= 740 – 831) هو عبدالملك بن قُرَيب بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد الأصمعي، راوية العرب، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان، نسبته إلى جدّه أصمع ومولده ووفاته في البصرة، كان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقى أخبارها، ويتحف بها الخلفاء، فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة، أخباره كثيرة جداً، وكان الرشيد يسميه «شيطان الشعر» قال الأخفش: ما رأينا أحدا. أعلم بالشعر من الأصمعي، وقال أبو الطيب اللغوي: كان أتقن القوم للغة، وأعلمهم بالشعر، وأحضرهم حفظاً وكان الأصمعي يقول: أحفظ عشرة آلاف أرجوزة وتصانيفه كثيرة، منها «الابل ــ ط» و«الأضداد ــ ط» مشكوك في انه من تأليف و«خلق الإنسان ــ ط» و«المترادف ــ خ» و «الفرق ــ ط» أي الفرق بين أسماء الاعضاء من الإنسان والحيوان، و« الخيل ــ ط» و«الشاء ــ ط» و«الدارات ــ ط» و«شرح ديوان ذي الرمة ــ خ» في 45 ورقة، في خزانة الرباط (1002د) و«الوحوش وصفاتها ــ خ» في مكتبة الدراسات العليا ببغداد (992 ــ 2) و«النبات والشجر ــ ط» وللمستشرق الألماني وليم أهلورد Vilhelm Ahlwardt كتاب سماه «الأصمعيات ــ ط» جمع فيه بعض القصائد التي تفرد الأصمعي بروايتها وأعاد أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون طبعها، محققة مشروحة، وسمياها «اختيار الأصمعي».
ولعبدالجبار الجومرد كتاب «الأصمعي حياته وآثاره ــ ط» ولعبدالله بن أحمد الربعي كتاب «المنتقى من أخبار الزصمعي ــ ط» غير تامفي كتاب الدكتور عبدالحميد الشلقاني «الاصمعي»:
هو ابوسعيد عبدالملك بن قريب بن عبدالملك بن علي بن مظهر بن رباح بن عمرو بن عبدشمس بن اعيا بن سعد بن عبد بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن اعصر بن سعد بن قيس عبلان.
وصلت اسرة الاصمعي من نجد واستقرت في منطقة الحفير، حيث الماء الوفير، وهي بين الكويت والبصرة. في هذا الحفير، التي حالها حال سفوان والروضتين، ادرك جدا الاصمعي «مظهر» و«اصمع» الرسول عليه الصلاة والسلام واسلما ومع تطور الاحداث ودخول خالد بن الوليد الى كاظمة، ثم الى البصرة، وصلت اسرة الاصمعي مع من وصل من الاسر العربية القادمة من الحجاز ونجد للاستقرار في هذه المنطقة الخصيبة.
وكانت الاحداث تتسارع وكانت متأصلة في هذه الاسرة الخطوط العريضة للبروز والزعامة العلمية والاجتماعية.
فقد كان جده علي تقلب في بعض الوظائف الحكومية منذ عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث كان يقرأ رسائل وكتب الخليفة على المنابر ليوصل امر الخليفة ورأيه الى الناس.
عندما انتقلت الولاية والخلافة الى علي بن ابي طالب رضي الله عنه ولى علي بن طالب «علي جد الاصمعي» على ادارة منطقة سفوان التي وصفها الحسن بن لغده في كتاب «بلاد العرب» صفحة 323 بالقول: فتمضي في الحزيز حتى تهبط ماء يقال له سفوان فيه بيوت مبنية كثيرة فيها شرك نصبه وسعد وبه تجار. وهنا نقول اذا كان علي جد الاصمعي قد كان حاكما على سفوان التي فيها تجار وبيوت مبنية كثيرة كما يقول الحسن بن لغده الاصفهاني فان والد علي هذا، وهو «مظهر»، قد عاش مع ابنه في هذه المنطقة، وكما يقول في كتاب «جمهرة الشاب العربي» لابن حزم ان مظهر قد دفن في كاظمة على البحرمعنى هذا ان هذه الاسرة من الجد الاول مظهر حيث ابنه حاكم على صفوان، فإن هذه الاسرة قد تمددت في طول هذه الصحراء القسيمة الممتدة بمحاذاة البصرة، وان اجداد الاصمعي وآباءه وهم من قريب وعبدالله الثاني ثم علي ومظهر الذي دفن على مقربة من البحر، فمن المؤكد انه دفن على مقربة من خور الصبية (على مقربة من تواجد القبائل في هذه المنطقة).
عندما انتقلت الاسرة الى البصرة على مقربة من الحكم وهناك ولد عبدالملك الاصمعي وتعلم، وفي هذه المدينة اخذت تتفتح قريحته، حيث ذهب الى المناطق الصحراوية لتلقف اللغة العربية ولا يمكن ان يذهب على الماشي او كما يقولون «عماي» بتشديد الميم.
ولهذا عندما اشتهر عن الاصمعي توجهه للصحراء العربية توجه الى الكويت لانها موطن ومسكن اقاربه، وكان جده حاكما على صفوان، وجده مظهر دفن في الكويت. اذن، هذا ما كان يورده ابن خلكان في كتابه وفيات الاعيان الجزء الثالث صفحة 347 عن وجود هذه الاسرة في ارض الكويت كاظمة وان علي بن مظهر كان حاكما على صفوان وما حواليها، معنى ذلك ان الاسرة تمددت.
وفي سؤالنا في اول البحث:
عندما كان الاصمعي يجوب صحراء الكويت، حالها حال جنوب العراق، كانت مسكونة وتوطن فيها البشر منذ القديم وكانت تميم الفقيم والرباب وبنو العدوية وبنو دارم آل الفرزدق وفروع من بكر بن وائل وعندما تراجع كتاب النقائض بين جرير والفرزدق الجزء الثالث صفحة 764 يقول حول قصة هروب الفرزدق عندما طلبه زياد والتجأ الفرزدق عند سيده من آل المرار من بني قيس بن ثعلبة نزل قصيبة كاظمة.
اذن، في هذه الارض كان هناك كثير من ابناء القبائل العربية، وهنا لا بد للاصمعي ان يقصد هذه المناطق للحصول على ما يمكن الحصول عليه من اللغة العربية.
وهنا انقل بعض ما اورده الدكتور عبدالحميد الشلقاني بالتالي:
كانت رحلات الاصمعي الى البادية مدرسة امدته بمعالم الحياة فيها، فاستعان بذلك على فهم الشعر واللغة، وتصحيح الاخبار، ورد كل قول الى قائله استناداً الى ما عرفه من طبيعة هذه الاماكن ومن طبائع ساكنيها، انظره يقول: قرأت على ابي عمرو بن العلاء، شعر المخبل السعدي، فلما بلغت قصيدته التي اولها:
ذكر الرباب وذكرها سقم
vمرّ فيها، فلما وصل الى قوله"
وأرى لها داراً بأغدرة السيدان
لم يدرس لها رسم
فقال أبو عمرو: قد رابني هذا، وكيف يكون هذا المخبل واغدرة السيدان وراء كاظمة؟!
وهذه ديار بكر بن وائل، ما ارى الشعر الا لطرفة! قال الاصمعي: فلم يزل ذلك في نفسي حتى رأيت اعرابياً، فصيحاً من بكر بن وائل ينشد من هذه القصيدة ابياتاً منها:
وتقول عاذلتي وليس لها
بغدٍ، ولا ما بعده علمُ
إن الثراء هو الخلود وإن
المرأ يكرب يومه العدمُ
ولئن بنيت الى المشقر في
هضْب تقصر دونه العصمُ
لتنقبنْ عني المنية إن
الله ليس كحكمه حكم

وسمع أبا عبيدة ينشد هذا البيت، وينسبه إلى حاجب بن زرارة:
شتان هذا والعناق والنوم
والمشرب الدائم في ظل الدوم
فلم يرق له هذا، لأن حاجباً نجدي، والدوم شجر ينبت بالحجاز، وفسر الدوم بالدائم.
ويقول في ثنايا الحديث عن رحلات الاصمعي هذه القصة:
تسوقه قدماه إلى وادٍ موحش، فيجد عجوزاً، فيحملها على الكلام قال: إني أراك معتنزة في هذا الوادي الموحش، والحلة منك قريب، فلو انضممت الى جانبهم، فأنست بهم قالت: «يا ابن أخي، إني لآنس بالوحشة، وأستريح الى الوحدة، ويطمئن قلبي الى هذا الوادي الموحش، فأتذكر من عهدت، فكأني أخاطب أعيانهم واتراءى اشباحهم، وتتخيل لي اندية رجالهم، وملاعب ولدانهم، ومندى أموالهم والله يا بن أخي، لقد رأيت هذا الوادي يشع اللديدين، بأهل ادواح وقباب، ونعم كالهضاب، وخيل كالذئاب، وفتيان كالرماح يبارون الرياح، ويجمعون الصباح، فأحال عليهم الجلاء قمّا بغرفة، فأصبحت الآثار دارسة، والمحال طامسة، وكذلك سيرة الدهر فيمن وثق به».
المعروف ان لكل شيء مفتاحا واسبابا وهذا ما انطبق على المتنبي من بعد، حيث لما هرب من عند كافور توجه الى دومة الجندل واقام فيها وفي الجرادي شهرا كاملا للاستجمام والراحة من عناء التعب من هذه الرحلة الطويلة منذ الهرب من كافور، والسبب ان المتنبي كان قد عاش في هذه المنطقة في طفولته وكانت له معرفة تامة بدروبها ومناطقها، وهذا ما ينطبق على الاصمعي، حيث كان جده مسؤولا وحاكما على صفوان، وصفوان فيها دكاكين وتجار وكانت صلة آل الاصمعي مرتبطة حتى تواجد الاصمعي وخروجه الى عالم الحياة والعمل، فكان والده يعرف هذه المنطقة واهلها معرفة جيدة انتقلت الى (عبدالملك اديبنا)، وهذا مما ساعد الاصمعي على تلقف المعلومة بسرعة وسهولة وكذلك الامن والامان عندما يتنقل في هذه الصحراء، حيث ضاع الفرزدق في منطقة «كراع المرو». هنا اكون قد وضعت ملامح لتنقلات ورحلات الاصمعي الى ارض الكويت ارض اجداده الحكام الذين دفنوا في هذه الارض.
هناك نقطة مهمة نسيت التعليق عليها ولهذا اضعها في الخاتمة، وهي ان الزركلي في كتابه عن حياة الاصمعي لم يأت على ذكر جده (مظهر والد علي) وهو موجود في اكثر الكتب لكن نقول سبحان الله «تفوت على العالم» معلومات كثيرة.
لهذا عندما ذكر الزركلي قال عبدالملك بن قريب بن علي ان اصمع وهنا بين اصمع وعلي مظهر المشهور الذي دفن في ارض الكويت للمعلومية.