تقرير البريطاني (فالانس) عن التعليم في الكويت -1939م
جريدة عالم اليوم 5/8/2007م
كتبه (فالانس) مقابل 35 جنيهاً!!
( تقرير بريطاني عن التعليم في الكويت )
في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين كان العمل يجري على قدم وساق لتنظيم التعليم في دولة الكويت، وكانت البلاد تحوي وقتئذ على أربعة مدراس نظامية للأولاد، ومدرسة للبنات، وبعض المدارس الأهلية الصغيرة، وكانت دائرة المعارف قد استقدمت بعض المدرسين العرب من فلسطين،
واستعانت ببعض المدرسين الكويتيين، وسعت لإدارة عجلة التعليم بأقصى سرعة ممكنة، وعندما نعرف أن الكويت لم تكن قد صدّرت وقتئذ برميلاً واحداً من النفط، وأن الحرب العالمية الثانية كانت على الأبواب نعرف أن قلة الإمكانات لم تكن لتمنع الكويت من اللحاق بقطار التعليم في العالم.
وفي خطوة رائعة استدعى الشيخ أحمد الجابر الصباح الحاكم العاشر للكويت سنة 1939م خبيراً بريطانياً يدعى (أدريان فالانس) بترشيح من المعتمد البريطاني العام في الخليج لزيارة المدارس الحكومية الأربعة في الكويت وقتئذ، وهي (المباركية، والأحمدية، والشرقية، والقبلية)، وتقديم تقرير مفصل عن حالة التعليم فيها، ودراسة أوجه القصور فيها، وتقديم اقتراحات يمكنها تطوير عملية التعليم فيها.
ونظراً لأننا لم نقرأ هذا التقرير منشوراً من قبل، ولأهميتها التاريخية، فإننا ننشر ترجمة كاملة له كما وردت في الوثائق البريطانية، وقد قدمت هذه الترجمة مع التقرير للشيخ أحمد الجابر:
·نصُّ تَقريرِ فَالانس: لقد فتشت مدارس الكويت الحكومية الأربعة، وقد كان تفتيشي للمدرسة المباركية بصورة أدق من تفتيشي للمدارس الأخرى، وها أنا أقدم تقريراً مختصراً عما رأيت. أستطيع أن أبدأ بالقول بأن فكرتي بصورة عمومية حسنة جداً، وقد كان الجو ملائما، وهذا دائماً له أثره الحسن.
1- بنايات المدارس جيدة ونظيفة، وحالتها العمرانية طيبة، ولكن نوع التدريس في هذه المدارس بطبيعة الحال أهم بكثير من نوع بنايات المدارس نفسها.
وتحتاج المدارس كثيراً من الأثاث، وأهمها الطاولات التي يستعملها الأولاد وتحتاج إلى التجديد أو التصليح، وقد بلغني بأن العمل في هذا سيجري خلال العطلات.
2- بخصوص الموظفين، فإني أرى أن الحكومة على صواب باستخدامها معلمين فلسطينيين، وتفضيلهم على المصريين والسوريين والعراقيين، وبفكري أن مدير المدرسة الفلسطيني يستحق الثناء الجزيل على إصلاح حال المعارف في الكويت خلال مدة الثلاث سنوات الماضية، وقد بان بأن أغلب المعلمين رجال ذوي كفاءة، وقد دهشت بصورة خاصة من كفاءة معلم الكشافة الفلسطيني، واهتمامه العظيم.
3- وقد ظهر أن للأولاد آداب طيبة، وعلى العموم فهم يتلقون تعليماً جيداً، وهم مجتهدون، وعلى الأخص الأولاد الذين في الصفوف الأولية، وصحتهم في الحقيقة أحسن من صحة أولاد مدارس حكومة البحرين إلا أن ملابسهم لم تكن نظيفة كما يرام.
4- الصفوف العالية والمتوسطة من المدارس كانت تحوي ما يقارب العدد الصحيح (من التلاميذ) إلا أن صفوف الأطفال كانت كبيرة جداً، وسأشير إلى هذه الصفوف الأولية فيما يلي من تقريري هذا.
5- إن درجة التعليم في الكويت لا توازي درجة التعليم التي وصلت إليها أفضل مدارس البلاد العربية الأخرى، وأفتكر أن هناك عدة طرق يمكن بواسطتها تحسين درجة التعليم، وسأبين هذه الطرق أدناه.
6- إن أول وأهم شيء يجب أن نجعله نصب عيننا عندما نريد تعليم الأولاد، وهو أنه لا يحصل التعليم الصحيح ما لم يكن الجسم صحيحاً، فالحاجة ماسة جداً لطبيب للمدارس، ولست أعني بذلك أن الطبيب الذي يجب أن يعتني بصحة الأطفال تكون له أشغال أخرى أيضاً، ولكني أقصد أن يكون الطبيب خاصاً للأولاد فقط، فإذا الحكومة كانت لا تستطيع تعيين طبيب كهذا عندئذ يلزم عليها أن تخصص راتباً مناسباً إلى أحد الأطباء الذين عندهم أشغالاً قليلة جداً،
ويكون من واجب الطبيب المعين أن يزور جميع المدارس يومياً، ويزور الأولاد الذين يتغيبون عن المدرسة أثناء المرض، ويحفظ سجلات منفردة عن صحة كل طالب مدرسة، ويحسن أن يكون مسؤولاً شخصياً عن صحتهم البدنية طول مدة حياتهم المدرسية، ويجب أن يكون الطبيب المعين مختصاً بمعالجة أمراض العيون، ويلزم عليه شخصياً أن يلقي محاضرات على كافة الطلبة، وفي كل المدارس بمواضيع الصحة، وبوجوب معالجة كافة أنواع المرض بدرجاتها الابتدائية، وعدم تركها مدة طويلة، ويلزم أن يعلم الأولاد، وأن هذه الإرشادات هي بشأن أمراض العيون خاصة.
ويجب أن يجب ينال الطبيب ثقة التلاميذ حتى يأتون إليه طوعاً، ومن تلقاء أنفسهم لطلب المعونة منه بدلاً من أن يحاولوا الهروب من أمامه، فإذا رغبنا أن ينال الطلبة الفائدة المرجوة من الأطباء يجب علينا أن نثقفهم بهذه الأمور بعين الطريقة الخاصة بالأمور الأخرى كما أنه من الواجب علينا أن نجهز لهم أطباء لا يخافون منهم.
وقد كان من المؤسف أن يشاهد في مدارس الكويت كثيراً من الأطفال الصغار محرومين من بصرهم أو على وشك الحرمان منه، والسبب الوحيد لذلك هو عدم وجود أحد يباشر المرض بدرجته الابتدائية أو يحذرهم من خطر إهمال المرض، فالأشخاص الفاقدين البصر أو الذين لهم نصف بصر فائدتهم للبلاد قليلة، وإني أقترح بأن كل ما يصرف من الدراهم الآن لإعداد طبيب لمدارس الكويت يرجع أضعافاً مضاعفة لمستقبل الرجال والنساء الذين يكونون بأحسن صحة في السنوات المقبلة، ولذا فإني أرى أن مسالة تعيين طبيب مدرسي هي من أول ضروريات الإصلاحات المدرسية.
7- والشيء الآخر الذي يجب علي ذكره هو ضرورة غرس الروح الوطنية في نفوس الطلبة، وأعني بذلك الروح الوطنية الخاصة بالكويت، وتقديمها على البلاد العربية عموماً، وقد تأثرت لما شاهدته من أن كثيراً من الأولاد في المدارس الأربعة كان يستعمل دفاتر تمارين تحمل على غلافها صورة حاكم أجنبي، واسم بلاد أجنبية.
يجب منع هذا منعاً باتاً، وإذا كان لابد من وجود صورة على دفاتر التمارين المدرسية فيجب أن تكون تلك الصورة لشيخ الكويت، وقد سرني وجود نشيد وطني من وضع أحد الكويتيين ينشده طلبة المدارس، ويتغنون به إلا أن ليس هناك تاريخاً للكويت يدرس هناك، ويجب إصلاح هذا الخلل فوراً.
إذ يجب أن يعهد إلى أحد الأشخاص تأليف كتاب تاريخ تدريسي يبحث في تاريخ الكويت فقط بأجرة يتفق عليها، ويجب أن يدرس للأولاد الصغار تاريخ الكويت قبل شروعهم بدراسة أي تاريخ آخر، ويجب أن يكون أسلوب الكتاب بسيطاً للغاية، وملائماً للصفوف الأولية بالمدارس، ولا نستطيع أن نترقب وجود أعلى درجات الوطنية في قلوب رعايانا ما لم نتخذ بعض الوسائل لتنشيط الروح الوطنية بهم في الوقت الذي هم طلبة في المدارس.
8- وفي الوقت الذي أتكلم فيه عن الروح الوطنية أحب أن أطرق موضوع الملابس المدرسية، فلقد أخبرني مدير المدارس الأربعة بأنه يحاول تدريجياً تشجيع الأولاد على لبس الملابس الأوربية إيثاراً لها على الملابس العربية، وأنه أحياناً لما يوزع الملابس مجاناً على الأولاد الفقراء في المدرسة يعطيهم ملابس أوربية، وإني متأكد من أن هذا خطأ كبير، فالملابس العربية جميلة ومحترمة لم يبدل لبسها لمدة قرون كثيرة،
وقد وجدت من الاختبار الطويل لها أنها من الملابس الأكثر ملائمة للجو الذي يعيش فيه العرب، ويلزم أن لا يتعلم أولاد الكويت احتقار ملابس أسلافهم بل العكس يلزم أن يعلّموا احترامها، وحفظها نظيفة، ولبسها بافتخار، ويجب ألا يخشون من كون أنهم لا تكون لهم قيمة إلا إذا ارتدوا الملابس الأوربية، فالإنكليز خصوصاً يقدرون الناس الذين يحافظون على لباسهم الوطني، ويتباهون به.
9- وتوصيتي الثانية تختص بتعليم الأطفال أو الأحداث، فيظهر أنه جرت العادة في كافة البلدان الشرقية أن يخصص كل المعلمين الجيدين لتعليم الأولاد الكبار، والمعلمين الرديئين لتعليم المبتدئين، وهذا خطأ كبير لأن تعليم الطفل أهم بكثير من غيره،
فهذه هي السنوات التي يتعلم خلالها النظافة والنظام وأساليب التفكير الصحيحة وما إلى ذلك، ونحن دائما نرى أننا لا نتمكن على تعليم الأولاد بنجاح في الصفوف المتوسطة والعالية بالمدارس أو رفع مستواهم الثقافي ما لم يحوزوا على الأساس الصحيح الذي هو القاعدة الوحيدة التي يمكن أن تؤسس عليه الثقافة العالية.
ويلزم دائماً أن يعين أجود المعلمين لأصغر الأولاد في كل مدرسة، وبخصوص قضية الكويت أود أن أوصي بشيء أكثر من هذا.. أود أن أوصي بعدم فتح صفوف للأطفال في أية مدرسة من المدارس الحالية (التي يوجد بها أولاد بلغوا 18 سنة من العمر وحتى 20 سنة من العمر)، ويلزم فتح مدرسة إعدادية خاصة ليدرس بها كافة الأولاد الذين يتلقون التعليم للسنوات الثلاث الأولى،
ويدرسوا في أي مدرسة أخرى، ومن المهم جداً أنه يعين فيها فقط أقدر المعلمين وأحسنهم وأصبرهم، وأن تكون هذه المدرسة مجهزة بكل اللوازم، وأن ينظر إليها كأهم مدرسة في البلاد، فإذا نفذ هذا الاقتراح ستكون النتيجة في مدة بضع سنوات تحسناً ملموساً في درجات التعليم في كافة الصفوف في المدارس الأخرى، وإذا أحبت حكومة الكويت فعلاً تحسين درجة التعليم في البلاد، فيكون باستطاعتها إنجاز ذلك بأسرع وقت، وذلك بشروعها من أساس نظام التعليم، وليس من قمته.
10- والاقتراحين الآخرين يختصان بتعليم الحساب واللغة الإنجليزية، والمقصود من تعليم هذين الموضوعين هو أنه بعد مدة وجيزة من المحتمل أن تعرض شركة النفط بعض الوظائف ذات الرواتب الطيبة على الأولاد والشباب الذين تعلموا تعليماً كافياً يمكنهم من إشغال تلك المناصب،
ومعرفة الطلبة الكويتيين بالحساب ليست جيدة بدرجة تستفيد منهم شركة النفط أو تمكنهم من الاشتغال بصفة كتاب لدى الحكومة أو المحلات التجارية، فإذا لم تتحسن درجة تعليم هذين الموضوعين في المستقبل القريب سنرى كافة الوظائف ذات الرواتب الطيبة في أيادي الأجانب عوضاً عن الوطنيين، وسيؤدي ذلك إلى سخط وتظلم أهل البلاد كما جرى ذلك بالماضي بالبحرين، والجهات الأخرى.
ويكون من الحكمة لو أقدمت الحكومة فوراً على استخدام معلم جيد بالحساب، وأن تعهد إليه تدريس الحساب في كافة المدارس، وأعني بذلك أن تجعل جميع معلمي الحساب الآخرين تحت سلطته، وأن تعطيه التعليمات بأن يرقى بكافة الدرجات الحسابية في المدارس بإدخال وسائل التعليم الحديث، وبمراقبة العمل شخصياً، وحال وصول هذا المعلم يجب عليه أن يتصل بالميجر (كلوني) لكي يستفسر منه عما تطلبه شركة النفط بخصوص الحساب.
وتدريس اللغة الانكليزية في المدرسة المباركية كما هو.. طيب وصحيح إلا أنه ليس متقدماً كثيراً، وللأولاد معرفة جيدة باللغة ضمن الحدود الضيقة لكتب التعليم المدرسية البسيطة التي يتعلمونها، ولا شيء آخر، وهذا ليس كما تتطلبه حاجة شركة نفط، فأحسن شيء هو استخدام إنكليزي ذو كفاءة للتدريس بالصفوف العالية، وإذا لا يمكن ذلك يجب حث المعلمين الحاليين أن يجعلوا مستوى تعليم تلامذتهم أرقى بكثير مما هو عليه الآن.
11- علي أن ألفت نظر الحكومة إلى مسألة كتابة الأولاد في مدارس الحكومة، فكتابتهم للعربية والإنكليزية رديئة بل للإنكليزية أردأ، وهذا مؤسف لأن حسن الخط من تقاليد العرب القديمة، والإنكليز يعتبرون سوء الخط كدليل على وضاعة التربية والتعليم، وكذلك فأن الولد العربي الذي خطه رديء لا يتمكن أبداً من إشغال الوظيفة لدى الحكومة أو البنك أو المحلات التجارية الذي هو مطمح كثير من طلبة مدارس الكويت،
وسبب رداءة الخط هو عدم استعمال الكراسات في المدارس لتعليم الخط، فالأولاد يتعلمون الكتابة بطريقة نسخ ما يكتبه معلموهم على السبورة أو بتقليد الحروف المطبوعة بالكتب، وكل هذا غلط، وأني أوصي بأنه يجب على كافة أولئك الذين في الصفوف الأولية في كافة المدارس أن يتعلموا العربية من الكراسات الصحيحة كما أنه يجب على كافة الصفوف الإنكليزية أن يتمرنوا بانتظام على الكتابة من الكراسات الإنكليزية،
وقد سبق أن أخبرت المدير عن أحسن الكراسات الإنكليزية لاستعمالها أما الكراسات العربية فبما أنه توجد الآن أنواع كثيرة مختلفة للخط العربي مدونة في الكراسات الموجودة، فإني أقترح أن تعرض على (سمو الشيخ) عدد من النماذج، وأن يقرر هو نوع الخط العربي الدارج في الكويت أو الملائم لحاجة أولاد الكويت، والمعلمون الذين يختارهم المدير لتدريس الخط إلى الأطفال يجب أن يتم اختيارهم بكل اعتناء، وبصورة خاصة من بين الرجال الذين كتابتهم جميلة، ويحسنون الرسم باليد.
وهناك سبباً آخر لرداءة الخط بالمدارس، وهو استعمال أقلام الرصاص بدل الحبر، وإني أوصي بأن يعوّد كافة التلاميذ أنفسهم على استعمال الحبر في حداثة سنهم، وتلاميذ الصفوف الأولية يجب أن لا يسمح لهم أبداً باستعمال أقلام الرصاص، فالكتابة بأقلام الرصاص غير مألوفة بالمدارس الإنكليزية.
12- أحب أن أذكّر بمداومة التلاميذ على الحضور المدرسي إذ لا يمكننا تعليم الأولاد كما يجب إذا كانت مداومتهم متقطعة أو غير منتظمة، ولذا فإني أوصي أن تستخدم كل مدرسة فراشاً خاصاً تكون وظيفته مراقبة داوم التلاميذ، ويكون من واجبه أن يطلع كل يوم على سبب تغيب كل ولد يوضع تأشير عن غيابه في قائمة الدوام،
ولا أظن أن والدي الأولاد يكرهون زيارة شخص كهذا إلى بيوتهم لهذا الغرض لأنه غالباً ما يكون الوالدين غير عارفين بتاتاً بعدم حضور أولادهم للمدرسة، ويكونون ممنونين إن أخبروا بذلك، وعلى كل حال يجب علينا أن ننظر في كفاءة الولد بالمدرسة قبل النظر في شعور الوالدين.
13- ولي بضع كلمات عن المدرسة المباركية إذ يوجد ميل لاعتبار هذه المدرسة أهم بكثير من المدارس الأخرى لأن في المباركية بعض صفوف أرقى مما في المدارس الثلاث الأخرى، وهذه النظرة إلى المباركية كانت نتيجتها عدم الاهتمام بالمدارس الأخرى إلى حد بعيد، فمثلاً ليس هناك معلم فلسطيني واحد في كل المدارس عدا المباركية،
وجميع الكشافة البالغ عددهم المائة هم من تلامذة المباركية، وهذا التمييز بين المدارس خطأ كبير، وإذا استمر فإنه يقضي على شعور التضامن الذي ينبغي وجوده بين كافة المدارس الحكومية، ويجب أن تعتبر المدارس الثلاث الصغيرة كمغذية للكبرى، وأنها مهمة مثلها، والتعليم في المدارس الصغيرة يجب أن يكون جيداً مثل التعليم الموجود في المباركية.
14- وأشعر بوجود نفس التمييز بين المعلمين الفلسطينيين والكويتيين بالرواتب، وبنظري أن رواتب المعلمين الكويتيين قليلة جداً بالنسبة إلى رواتب المعلمين الفلسطينيين، ولو أننا نعرف أن الفلسطينيين عليهم مصاريف سفر، وأن مصاريف معيشتهم بالكويت أكثر من مصاريف الوطنيين، ولكني أرى أن من الإنصاف عمل زيادة قليلة في رواتب المعلمين الوطنيين،
وإني أيضاً أشعر بأن راتب المدير قليل جداً إذا نظرنا إلى مسؤوليته عن كافة المدارس الأربع، وأنه خلال مدة ثلاث سنوات أجرى إصلاحات جمة في شؤون معارف الكويت، وأعتقد أن الحكومة تود تقدير خدمات المدير الماضية مالياً.
15- أفتكر أن من الصواب لو الحكومة عند استخدامها معلمين جدد أن توظف رجالاً تلقوا كل ثقافتهم في فلسطين في المدارس الحكومية، ولم يسبق لهم الاشتغال بوظيفة التعليم في أية بلاد، فمدارس الحكومة في فلسطين منظمة بصورة جيدة، ويلزم علينا أن نحصل على فائدة ذلك في الكويت.
16- وأخيراً من خصوص الشؤون السياسية في المدارس أرى أنه ليست للتعليم علاقة بالسياسة، وليس من المرغوب فيه أن يتدخل التلاميذ أو المعلمين بالأمور السياسية، ويجب التنبيه من وقت لآخر بالمدارس بأن كل معلم أو تلميذ يتدخل بالشؤون السياسية سيكون نصيبه الطرد من المدرسة، ويجب تنفيذ هذا القانون بدقة.
هذه هي توصياتي لإصلاح وتحسين حالة معارف الحكومة بالكويت بالمستقبل، ولكن ينبغي أن أضيف قائلاً أنه أثناء زيارتي للمدارس لاحظت نواقص طفيفة أخبرني المدير أنه شخصياً راجع السلطات بشأنها مراراً عديدة، ولكن لم يتحصل على نتيجة ما، والنواقص الطفيفة ولو أنها ليست لها من الأهمية ما يجعلها أن نضمنها هذا التقرير إلا أنها إذا جمعت معاً يكون لها تأثير مضر في كفاءة المدارس، ولذا فإني أفتكر أنه من الصواب أن يطلب من الشيخ إصدار أمره الشخصي إلى المسؤولين عن المحافظة على بنايات المدارس وممتلكاتها بأن تلتفت فوراً إلى طلبات المدير المعقولة فيما يختص بالشؤون المدرسية.
17- ولما إني الآن انتهيت من وصفي للأشياء التي شاهدتها في الكويت، فربما يسمح عني لو تكلمت قليلاً عن شيء ما رأيته، ولكن سيكون من اللازم إعداده قريباً إذا صارت الكويت مركزاً من مراكز صناعة النفط، وأعني بذلك التعليم الفني. في الوقت الحاضر لا يوجد شيء من هذا التعليم في الكويت،
والأولاد الذين يودون الحصول على وظائف فنية لدى شركة النفط يجب عليهم أن يشرعوا بالتعليم الفني من الآن، ولا أعرف عن نوايا الحكومة في هذا الشأن، ولكن إنشاء وتجهيز ولو مدرسة فنية صغيرة يتطلب كثيراً من النفقات، ولست أدري أيمكن توفير هذه النفقات أم لا؟، فإذا كان الجواب بالسلب فإني أقترح أن يطلب من حكومة البحرين حالاً أن ترخص بإرسال الأولاد الكويتيين إلى مدرسة حكومة البحرين الفنية،
وكذلك يمكن مخاطبة شركة النفط لتقديم المساعدة المالية لهذا الغرض، وقد رأيت مدرسة البحرين الفنية وقت العمل، وقد أثرت في نفسي تأثيراً حسناً، ويدير هذه المدرسة رجل إنكليزي، وروح العمل والكفاءة التي لهذه المدرسة كفيلة بتقديم تمرين ابتدائي جيد للشبان الكويتيين الذين يرغبون بعد ذلك الالتحاق بخدمة شركة النفط.
ونتذكر أنه خلال البحث الذي جرى بيننا وبين (مستر سكوت) بشأن الاشتغال في شركة النفط أكد ضرورة وجود درجة عالية من التدريب العملي بين الموظفين الشباب، ولكن أهم شيء يجب أن نجعله نصب عيننا هو أن التعليم الفني يحتاج شيئاً من الوقت، وأنه نظراً لذلك ينبغي علينا أن نشرع بتعليم الأولاد من الآن، وألا ننتظر إلى بعد حصول الشركة على النفط إذ أنه في ذلك الوقت يفوت الأوان.
أرى أني قد قلت كل ما استطعت قوله بشيء من الفائدة بشأن المعارف هنا، ولا يسعني إلا أن أقدم شكري وامتناني إلى فخامة رئيس الخليج بواسطتكم لتكليفه إياي القيام بهذا العمل، وأن اشكره، وأشكركم لحسن ضيافتكم لي طيلة أقامتي بالكويت).
وبعد أن قرأ الشيخ أحمد الجابر التقرير السابق أرسل مبلغ 35 جنيهاً إسترلينياً، وهي القيمة التي طلبها فالانس لتقريره كما ورد في رسالة سابقة من الوكيل البريطاني في الكويت، وأرفق ذلك برسالة جاء فيها:
(لقد اطلعنا على ما جاء بالتقرير من التوصيات الحسنة والآراء الصائبة، وفي الوقت نفسه أمرنا دائرة معارف الكويت بأن تجعل مناهج التدريس وغيره على ضوء توصية المستر فالانس).
وأخيراً عندما نقرأ هذا التقرير نجد فيه بعض التوصيات الصالحة للتطبيق حتى يومنا هذا (وهذا أمر نحيله لوزيرة التربية نورية الصبيح)،
وخاصة فيما يتعلق بتوفير طبيب خاص لكل مدرسة، ومتابعة غياب التلاميذ، والاهتمام بالتدريس في المرحلة الابتدائية، وتقدير معلميها، وما يتعلق بالملابس الوطنية في المدارس، ومنع استخدام أقلام الرصاص في المرحلة الابتدائية، وغير ذلك من التوصيات التي قد يكون من المفيد التفكير بها حتى بعد مرور حوالي سبعين عاماً على كتابة هذا التقرير؟؟
.
__________________
ومنطقي العذب للألباب مستلبٌ *** ومبسمي نضَّ فيه الدر والنضرُ لازم منادمتي وافهـم مناظرتي *** واسمع مكالمتي يفشو لك الخبرُ
|