الأمير خالد بن سلطان يروي تفاصيل استقبال الشيخ جابر الأحمد
الأمير خالد بن سلطان يروي تفاصيل استقبال الأمير الراحل في كتابه «مقاتل من الصحراء»
تتذكر المنطقة الشرقية السعودية، أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، باعتبارها أول من فتحت أبوابها لاستقباله بعد أن تعرضت بلاده للغزو العراقي في الثاني من أغسطس (آب) 1990، وحفرت ذاكرة الغزو أحداثا كانت الشرقية مسرحاً لها، فقد احتضنت المنطقة الشرقية بعد الغزو اكثر من مائة الف لاجئ كويتي تدفقوا بعد وصول أميرهم الى الخفجي، وبعد وصول نحو مائتين من أسرة الصباح الى المملكة عبر منفذي الخفجي والرقعي. وشهدت المنطقة الشرقية واحدة من أكبر ملاحم الأخوة والتعاضد بين أبناء الخليج، حين أخلى آلاف السعوديين منازلهم لايواء اخوتهم الكويتيين الذين تقاسموا معهم المأكل والملبس. وفي كتابه «مقاتل من الصحراء» يروي الفريق ركن الأمير خالد بن سلطان، الذي قاد العمليات المشتركة في حرب تحرير الكويت تفاصيل انتقال أمير الكويت الى السعودية، يقول الامير خالد بن سلطان: «في يوم الغزو المشؤوم، كان ابن عمي وصديقي الحميم صاحب السمو الملكي الامير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية في المملكة، مسؤولاً بطريقة مباشرة عن تأمين سلامة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وطبقاً لما رواه لي فيما بعد، فقد ذهب بنفسه الى الخفجي بناء على تعليمات خادم الحرمين الشريفين، ليكون في رفقة الشيخ جابر في سيارة كان يقودها بنفسه، أقلتهما الى داخل المملكة. ولأن تلك القصة لم يعرف عنها الا القليل فسأسردها هنا بشيء من التفصيل: علم الأمير محمد بالغزو العراقي في الساعات الأولى من صباح اليوم الثاني من اغسطس، وفي السادسة والنصف من صباح ذلك اليوم، تلقى مكالمة من احد ضباط مركز الحدود السعودي شمال مدينة الخفجي، يخبره أن أمير الكويت موجود في المركز ويرغب في التحدث اليه، مما أدهش الأمير محمد. ولكن اتضح له بعد قليل أن الشيخ جابر يود الاتصال بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز. واتصل الملك هاتفياً بالامير محمد وأصدر اليه تعليماته بأن يعرض على امير الكويت بأن يتوجه جنوباً إلى الدمام حيث يمكن ضمان أمنه وسلامته، فلم يكن من الحكمة ان يبقى في منطقة الحدود التي يمكن أن يجتاحها العراقيون في أية لحظة. قام الأمير محمد بمعاودة الاتصال بأمير الكويت وظل يحاول إقناعه على مدى ساعتين بمغادرة الحدود، أو الانتقال على الأقل، إلى قصر الإمارة في الخفجي حتى يكون في وضع أكثر أمناً.وأخيراً وفي الرابعة بعد الظهر، اقتنع أمير الكويت بضرورة مغادرة المكان، وانطلقا نحو الدمام في سيارة قادها الامير محمد وإلى جانبه أمير الكويت. كان يوماً شديد الحرارة من أيام شهر اغسطس، بلغ فيه القيض مداه، كما بلغ التعب والإرهاق من محمد أقصاه، فلم يكن قد ذاق للنوم طعماً منذ 24 ساعة. اما الشيخ جابر فبدا متماسكاً رابط الجأش، لكنه لم يتحدث كثيراً، كان متأثراً بالأحداث السريعة المتلاحقة، التي حفل بها ذلك اليوم، لقد كان الخطب جللاً، وأخيراً تمكن محمد الذي جهد في مغالبة النعاس، وكاد أن يغفو وراء عجلة القيادة عدة مرات، من الوصول بالأمير سالماً إلى قصر الضيافة الملكي في الدمام. وأمر بتشديد الحراسة على القصر ومضاعفة عدد الحراس، ومكث معه ساعتين، قبل أن ينتقل الى منزله لكي ينتزع قسطاً من النوم، لكن نومه لم يدم أكثر من ساعة، فقد تلقى مكالمة هاتفية من أحد المسؤولين في حفر الباطن يخبره أن عدداً آخر من أسرة الصباح نجح في التسلل عبر الرقعي التي تعتبر المنفذ الثاني الى المملكة. مكث أمير الكويت وحاشيته في الدمام مدة أسبوعين. وبلغ عدد الضيوف من أسرة الصباح في اليوم الأول 150 فرداً تقريباً، وأنضم إليهم على مدى الأسبوعين التاليين، ما بين عشرة وعشرين فرداً كل يوم، معظمهم في حالة من الذهول. فقد لاذ بعضهم بالفرار وليس معهم إلا ما يستر أجسادهم، من ثياب. ولما كان خادم الحرمين الشريفين حريصاً كل الحرص، على راحة ضيوفه، فقد أصدر تعليماته بأن يوفر لهم كل ما يحتاجون إليه من مستلزمات شخصية، ومنزلية، وتم تحويل أحد المباني القريبة الى مستشفى، صغير لتوفير الرعاية الصحية لهم. وكما تولى الأمير محمد رعاية امير الكويت وحاشيته، تواصلت جهوده كذلك في رعاية الأعداد الغفيرة من اللاجئين الى المنطقة الشرقية. فكان عليه أن يوفر لهم المسكن والأسرّة والمفروشات والمكيفات والطعام والخدمات الصحية، وما أشبه ذلك. ولحسن الحظ كان الوقت صيفاً، ومباني المدارس والجامعات خالية من الطلبة، فاستخدمت تلك المباني بالاضافة الى المنشآت الرياضية والشقق الخالية مأوى مؤقتاً لأولئك اللاجئين. وهبت لجان المتطوعين من كل انحاء المنطقة لتقديم شتى أنواع المساعدات الى اخوانهم الكويتيين، بل أن بعض السعوديين أخلوا منازلهم للكويتيين، وانتقلوا للسكن مع أقربائهم. وآثر فيما بعد، كثير من الكويتيين الذين لجأوا الى المملكة التوجه الى الرياض وجدة وأبها ومدن أخرى في العالم العربي، وبقي نحو 110 آلاف منهم في المنطقة الشرقية خلال ايام الأزمة».
__________________
تهدى الامور بأهل الرأي ماصلحت ***************** فان تولوا فبالاشرار تنقاد
|