02-09-2012, 01:12 AM
|
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,662
|
|
المربي عبدالحميد صالح محمد الفرس - القبس
القبس - تم النشر في 2012/02/16
في مستهل لقائنا مع استاذي ومعلمي الكبير المربي الفاضل عبدالحميد صالح محمد الفرس، تذكرت كلمة «من علمني حرفا كنت له عبدا»، كان حقا علي التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع اليه والاقبال عليه، وان لا ارفع صوتي في حضرته، ولا اجيب احدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا اتحدث في مجلسه عن احد، ولا اغتاب عنده احدا، وان ادافع عنه اذا ذكر عندي بسوء، وان استر عيوبه، واظهر مناقبه، ولا اجالس له عدوا، ولا اعادي له وليا، فاذا فعلت ذلك شهدت لي ملائكة الله بأني قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس، وانا احمد الله عز وجل دائما ثم اشكره على هذا اللقاء مع من ادين له بالفضل، ولم اسمع منه الا خيرا.
قال المربي الفرس: لقد قدروا عمري عندما دخلت المدرسة الشرقية عام 1941 بثماني سنين أي من مواليد 1933-32 وكان تقدير العمر بالشكل والطول للأولاد من ادارة المدرسة، وأنا من مواليد الشرق - حي الميدان الذي كان لسباق الخيل وتقام فيه الحفلات والعرضات الشعبية، ومن هنا جاء هذا الاسم، وكان بيتنا مقابل بيت أسيري، وبالقرب من الطمبورة مجموعة من العمانيين الزنوج من سواحل شرق أفريقيا معهم آلات الطرب خاصة ظلوف الأغنام التي تحيط بنصف أحدهم، كان ينشدون ويصفقون مع البخور، تقام في ليالي الجمع، وينشدون التواشيح والأدعية.
وبالقرب من بيتنا بائع البرجوته (الشاي والسكر والأواني وأدوات الخياطة، والمصابيح)، وبالقرب من بيوتنا أيضاً ماكينة عبدالستار آغا علي للطحين، وعلى سطح منزلنا «وارش» الفاصل بين البيتين.
الدراسة والتدريس
قال الفرس: درست عند ملا تقي جزءاً من القرآن الكريم، ثم انتقلت الى مدرسة سيد حسين الطبطبائي، كان يرتدي على رأسه غترة خضراء اللون، ثم درست عند الملا بلال، كان رحمه الله يدربنا على التفك (أي البندقية)، وأعتقد أن أصل الكلمة تركي (تفنك) ويطلب منا السير على الأقدام، وتجمعنا خلف بوابة الشامية بطريقة عسكرية راقية مع بعض التمرينات، ومن ثم درست في المدرسة الجعفرية وكان مديرها سيد محمد حسن، وناظرها ميرزا حسام، وابنه لديه مصور العصري في سوق واجف.
ومن مدرسينا: محمد العمر، ومحمد الكندري. وانتقلنا الى «الشرقية» بعد أن تبادل والدي بيته مع بيت الشيخ يوسف بن عيسى القناعي بإضافة ألف روبية، اعطى لوالدي سكنا فريج هلال المطيري قرب المقبرة، كنا نصطاد الطيور بواسطة الصلابة على سور المقبرة، كانت عبارة عن اعواد من شجر الرمان وخيط وحبل تمتاز بالصلابة فتصيد كل طائر يقع عليها ولا تقتله.
وأتذكر في فريجنا كراجا للمرحوم صالح جمال عبدالله جمال، وعبدالله الملا شركاء في وكالة السيارات والادوات الكهربائية، ولصالح جمال سيارة «هتسن» في فريجنا، وسيارة ثانية لــعبدالرحيم العوضي، والثالثة لــعلي الناهض، وبالقرب من الكراج منزل احمد برتقالي (دشتي).
ومن ذكرياتي لهذا الحي أني رسمت لوحة زيتية موضحاً بعض المعالم وموقع البحر، سوق شرق الحالي.
وقال: ثم درست في ثانوية الشرقية، والمباركية حتى عام 1949 و«المعلمين» سنة واحدة في غرفة كانت لتجميع البرم (جمع: برمة وهي وعاء من الفخار يسع خمسة غالونات من الماء)، كان راتبي بعد التخرج 400 روبية وقبلنا الذين تخرجوا وكان راتبهم مائة روبية، وبعد الاضراب توحد الراتب الى 1000 روبية، وأتذكر من طلاب مدرسة خالد بن الوليد الابتدائية خلف منطقة المباركية من الغرب: محمد عبدالهادي جمال، أمير عبدالرضا، بدر القطامي، داود ومحمد المسلم، وأحمد الهارون واخوه عبدالوهاب، وغازي النفيسي، ومحمد الدخيل وكان مرحا وشقيا، ومحمد مدوه كذلك، والفنان خالد العبيد، وبعدهم أنت يا جاسم.
اضاف الفرس: كان ناظر المدرسة المرحوم صالح شهاب، وهو الذي شجعني على العمل في التدريس كمدرس فصل، وهو مدرسي والاب الروحي، وهو الذي شجعني على ترك السجائر واخذ العلبة مع الكبريت من جيبي وكسرها، وطلب مني وعداً بعدم تكرار ذلك، ومن ثم حضرت دورات في بيروت، وعملت في الوسائل التعليمية ودورة في لندن للتخطيط، وعملت وكيلا لمدرسة الفنطاس وناظرا في الرميثية، واخيراً في مدرسة معن بن زائدة اقمت فصولا للضعفاء وكبار السن. ولا انسى موقف المرحوم النائب السابق سامي المنيس عندما حضر الى المدرسة بهذه المناسبة ومعه بعض اعضاء مجلس الامة، لمشاهدة هذه التجربة عام 1977 ثم التقاعد.
شرق الاثرية
وتحدث عن الحي الشرقي من الديرة العاصمة فقال: فيه مواقع اثرية مثل قصر دسمان الذي اسسه الشيخ جابر المبارك الصباح عام 1904 حاكم الكويت (1916 - 1917) وفي هذا الحي منطقة دسمان على امتداد رأس عجوزة، وشارع يمتد من القصر حتى ساحة الصفاة، وكلمة دسمان تعني البئر المالح، وشماله وشرقه البحر سكن الشرق عوائل كثيرة منهم: آل الصباح - الرومي - النصف - الغانم - المطيري - المضف - القطامي - الاستاد - ابل - اسيري - أرتي - بن نخي - بهبهاني - الحلواجي - العوضي - الرضوان - السنان - الشمالي - الطاحوس - الفرس - شمس الدين - اليوحة - الهولي والوزان.. الخ وفيه النادي الشرقي من عام 1954 والمدرسة الشرقية، والسينما - والمتنبي المدرسة المشهورة.
وأتذكر شاوينا (شاوي المطية أبو رجا) وحلاقنا أبو صفر وخبازنا كان يبيع الباجلا والنخي أيضاً، والمطهر (الختان) عبدالكريم غلوم حسين، وحفرة لتجميع مياه الأمطار حفرة الخباز والعبكل.
بوم الناقة
أضاف: ناقة من مواقع النجوم، تعرف عند العرب بالعناق أو السها، كان «بوم الناقة» ملك والدي صالح محمد الفرس، وبوم آخر لعمي الكبير علي بن محمد الفرس، كانت تلك الأبوام الكويتية تنقل مياه الشرب من شط العرب جنوب العراق، أبوام خصصت لهذا العمل بنيت على يد الأستاذية، أي المعلمين من القلاليف، تمتاز بتصميم خاص ومجهزة بخزانات خشبية تسمى «توانكي»، وكل بوم فيه حوالي عشرة من هذه الخزانات مجهزة بـ 2 صواري (دقل) للأشرعة ترفع بواسطة الفرامن (جمع فرمن)، وهناك سفن أخرى كانت مشهورة لنقل المياه منها: بوم سردال للتاجر أحمد الخرافي.
- بوم الدوبه للتاجر حمد الصقر.
- بوم بونيان، وبوم المنجي، ومطيران وجيناوي، بنيت وصنعت على يد أكبر صناع السفن مثل أحمد بن سلمان، وسفن أخرى كبوم الدعيج، بوم عبداللطيف بن عيسى، ابن فرحان، ابن فهد، الخميس، حيي، معرفي.
وقال الفرس: رحلة هذه الأبوام تبدأ مع ظاهرة المد التي تحدث كل 24 ساعة مرتين، تخرج من النقع وتصل الى مصب شط العرب قاطعة جزيرتي بوبيان ومسكان، ثم بحر خور عبدالله وتستغرق الرحلة من 10 - 15 ساعة، تملأ الفناطيس (الخزائن)
بعد 3 ــــ 4 ساعات، ويتوجه النوخذة الى مركز الجمارك العراقية مصطحباً معه مستندات السفينة للحصول على اذن المغادرة بعد ان يدفع مبلغاً رمزياً بمنزلة رسم مقابل الحصول على المياه العذبة، ومن لم يدفع يعتبر مخالفاً للقانون، لا يستطيع الخروج، وهنا تخضع السفينة لعقوبات الحجز أو دفع غرامة.
العودة تكون مثقلة
قال عبدالحميد الفرس: أما رحلة العودة فتكون مثقلة بعد التعبئة، لأن السفينة فيها 10 خزانات، وكل واحد يتسع لحوالي 4000 ــــ 5000 غالون، فأكثر من %90 من جسم البوم تحت الماء، وتصل الأبوام الى النقع الممتدة من القبلة الى الشرق، فيصيح النوخذة بكلمة «هرية» فيقوم البحار بانزال الشراع، وتجد الأشخاص الذين يتعاملون في نقل الماء من البوم منهم: الحمارة لديهم عدتهم الخاصة كالقرب، يشدونها على ظهر الحمار، وتجد الكنادرة يحملون المياه بالصفائح المربوطة بطرفي عصاة طويلة معلقة على الكتفين، و«العرباين»، أصحابها من المهارة يدفعونها بين المنازل، وهناك ربات البيوت يضعن الصفائح على رؤوسهن بدلاً من الانتظار، وتوفيراً لهن من الأجر والوقت، وهكذا تناقل أبناء وأحفاد النواخذة الحاج صالح الفرس، وعلي الفرس مهمة نقل المياه من شط العرب الى ان استملت الدولة مسؤولية توفير الماء، بعد ان أسست شركة تمتلك مجموعة من السفن الشراعية، وهذه سيرهم رحمهم الله تعالى:
ــــ صالح بن محمد الفرس بدأ حياته بالغوص على اللؤلؤ الى ان أصبح يملك سفينتين لجلب المياه العذبة، توفي عام 1957 عن عمر يناهز 95 عاماً.
- النوخذة الحاج علي بن الفرس كان يملك سفينته ثم تفرغ للعمل في مجال العقار، وقد توفي في منتصف الاربعينات من القرن الماضي.
ــ النوخذة الحاج محمد بن صالح الفرس المتوفى 1968، عمل في نقل المياه مع والده، ثم اصبح نوخذة الى ان ترك المهنة ليعمل في تجارة المواد الغذائية في حي المطبة في الشرق.
ــ محمود الفرس المتوفى 1992 عمل على بوم والده في نقل المياه، ثم عين امينا للصندوق لاحدى برك الماء.
ــ أحمد بن صالح الفرس، أصبح نوخذة في بوم الناقة المملوك لوالده.
ــ عبدالله بن محمد الفرس اصبح نوخذة بعد ان تدرب على يد عمه من الكويت الى مياه شط العرب.
ــ حسين محمد الفرس كان له نشاط ملموس في عملية جلب المياه العذبة من شط العرب.
ــ حسن بن علي الفرس اصبح نوخذة مع والده وادار السفن.
ــ الحاج جارالله بن علي الفرس رحمه الله ادار «بوم ماي» بنفسه وجلب المياه من شط العرب مرات عديدة.
ــ كاسب بن علي الفرس اصبح ربانا على احدى سفن شركة الماء الخاصة بالدولة على سفينة تسمى «المبني» لجلب مياه شط العرب.
مصادر مياه الشرب
واخيرا ذكر الاستاذ الفرس عدة مصادر لتوفير المياه العذبة قبل اكتشاف النفط، قال: هناك عدة مصادر منها مياه الامطار التي كانت تتجمع في البرك المبنية من الاسمنت في اغلب المنازل، والمصدر الثاني مياه الغدير التي تتجمع اثناء هطول الامطار في اماكن متعددة سهلة منخفضة ونظيفة، وهي منتشرة في الصحراء تسمى «الخباري»، والآبار الارتوازية كانت في الجهراء والفنطاس والفحيحيل، والشامية، وحولي، والشعب والدسمة وغيرها من المناطق.
كانت أيضا من المصادر المهمة للمياه، وكذلك المياه الصليبية في جنوب غربي مدينة الكويت تسمى «الصليبية» غنية بالمياه ولكنها تحتوي على نسبة من الأملاح، كان شط العرب هو المصدر الرئيسي.
ومنذ عام 1951 اتجهت الكويت الى تحلية مياه البحر المالحة وحولتها عذبة صالحة للشرب، فأنشأت أول محطة للتقطير، والآن هي من أكبر المحطات لتقطير المياه في العالم، ومياه الروضتين آبار حفرت في الشمال كانت صالحة للشرب ويتم التوزيع على المنازل، كانت الكويت قد شقت طريقها الى العيش الكريم في الأيام الصعبة والظروف القاسية بتكاتف ابنائها والتضحية بالنفس والنفيس، دون اللجوء الى طلب المساعدة من الغير خارج البلاد، وبالالتفاف والترابط والشجاعة والجرأة والتفاني وصلوا الى ما نحن فيه.. كنا ولا نزال اسرة واحدة.
|