في مرابع الذكرى
القبس / تم النشر في 2013/07/15
• «في مرابع الذكرى» كتاب رائع للسيد أنور عبدالله النوري، أعجبني أسلوبه ومضمونه، لأنه يحمل عِبراً وتاريخاً، لا يقبلان الاجتزاء.
في عرض شيّّق جدّاً، يكاد يكون فيلماً وثائقياً بسيناريو مشوق أو عرضاً سينمائياً مدعماً بخبرات عميقة والوثائق وذاكرة حاضرة بكل التفاصيل وأدق التفاصيل. أسماء وفرجان (أحياء) وشعر وشفافية في الرواية والصدق وموضوعية قست ربما على النفس شيئاً بالاعتراف والإدراك، هكذا سطر أخي الكبير الأستاذ أنور النوري، أطال الله في عمره، في آخر مؤلفاته «في مرابع الذكرى».
قرأت عن صدور الكتاب وبحثت عنه في الكويت وخارجها، إلى أن خاب السعي وحانت الفرصة أن أتحدث مع الأخ أبومناور أثناء رحلة علاج للاطمئنان عليه، وهو في مدينة حملت ذكرياته الأولى خارج لندن في ريكسم، وعاصمة ضبابية احتضنته حين كان طالب بعثة وملحقاً ثقافياً في ما بعد. وجدت نفسي بين سطور الكتاب من نواحي الغربة والبرد الشديد والطموح وحماسة طلابي، تطغى عليه تقلبات وثورات أوضاع الوطن العربي. فقد كانت حقبة الأخ أبومناور جزءاً من سمات الستينات والسبعينات والثمانينات، كلها تشابهت، ما عدا الأحداث اختلفت والظروف تغيرت، إلى حد ما.
«في مرابع الذكرى»، كتاب غاية في الجمال، فالسرد الدقيق لأحداث الستينات وتحدياتها من مد قومي شيء، و«استنفار» تيار ديني بقيادة مجلة المجتمع، التي تحتل اليوم دون غيرها مكاناً مرموقاً بين أوساط السلطة.
رواية تلو الرواية تجمعت في سرد أبومناور، ولكل منها وقفات تستدعي القراءة بتمعن دقيق، فهي حملت في طياتها تاريخ من خاضوا التحدي طلاباً في ثانوية الشويخ، ومن ثم أصبحوا أساتذة في المدرسة نفسها! وأصبح في ما بعد أساتذة الثانوية من كبار المسؤولين في الدولة. أبومناور الذي تخصص في الكيمياء استطاع أن يطفئ، بصفته أميناً عاماً، أكثر من صدام سياسي ونزعات عنصرية بين أسرة جامعة الكويت التي يفترض أنها تمثل النخبة المثقفة!
من السرد الروائي تتضح صورة الوضع آنذاك، فالمتعلمون ذاك الوقت كانوا قلة محدودة، ربما لذلك الكل أخذ في الترقي بسرعة مذهلة كما أشار إليها الأخ أبومناور الذي أدخل الأخ أنور مجال المصارف من أكبر أبوابها، وهو أهل لها، فأصبح رئيساً لمجلس إدارة البنك الصناعي. ولكن اللافت أن البنك لم يخرج إلى اليوم من عباءة الأصدقاء! وتلي ذلك دخول المعترك السياسي وزيراً للتربية أثناء فترة الحل غير الدستوري لمجلس الأمة.
الأمر اللافت والذي يبعث على الإعجاب أن الأخ العزيز د. حسن الإبراهيم ظل منسجماً مع ذاته منذ كان مديراً للجامعة، وبعدها وزيراً للتربية. فقد حدد مساهمته في الجامعة ضمن فترة زمنية معينة، وتلا ذلك إعفاء نفسه بهدوء من حقيبة «التربية».
الكتاب حمل عبراً وتاريخاً لا يفرح لهما ربما الكثير، ولكنه تاريخ لا يمكن اختزاله أو استقطاع أجزائه. وللحديث بقية، فالمساحة لا تتسع، فذكريات أبومناور تحتاج إلى مقال آخر.
خالد أحمد الطراح
__________________
للمراسلة البريدية: kuwait@kuwait-history.net
|