لقد ظهرت في الآونة الأخيرة معلومات جديدة تخص أسرة الوزان وأعلامها عمومًا، ومن بينها معلومات عن شخصية مؤسسة لأسرة الوزان في الكويت، وهي شخصية الشيخ محمد علي حسين الوزان، أقدمها فيما يلي معززة ببعض الروايات والوثائق التي وصلتني عن طريق الدكتور خالد علي الوزان والعم عبدالرحمن علي الوزان والعم سليمان خالد الوزان والمهندس صلاح علي الفاضل والسيد عبدالعزيز سامي المعجل.
ولادته ونشأته:
ولد الشيخ محمد علي حسين الوزان في الزلفي أو عنيزة عام 1872م تقريبًا في أسرة تنتمي للشبارمة من الوهبة من تميم. ووالدته هي موضي بنت عبدالمحسن بن إبراهيم بن سلطان بن دخيّل المِعجِل، من النواصر التميميين أهل بلدة المِذنَب في القصيم. توفيت عام 1927م حسب وثيقة تعزية محمد الحمود الشايع لعبدالعزيز الوزان أخي محمد. كان والده علي يسكن الزلفي في منطقة القبليات قبل هجرته إلى عنيزة وسكنه فيها في بيت بقرب سوق الذهب، وعمل في دكان في محلة الذكير يبيع التمور، وقد انتقل للشماسية في فترة متأخرة من حياته ربما مؤقتًا. تلقى محمد تعليمَه على يد علماء عنيزة الشرعيين، وطلب العلم الشرعي في حائل. وله رسائل علمية وفقهية مع بعض علماء حائل لمّا تظهر بعد.(1)
صفحة من مخطوطة كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب عليها تملك الشيخ محمد الوزان، وقد تملكها بعده عدة طلاب من القصيم. وهي محفوظة في مكتبة الأمير سلطان بجامعة الإمام محمد بن سعود رقم خ/ 3645 (كتب عنها الدكتور خالد علي الوزان مقالة نشرها بمجلة الأقربون، سنة 2024م).
هجرته من عنيزة واستقراره في الفحيحيل
ولسبب غير واضح هاجر إلى الكويت وهو في سن الثانية والثلاثين تقريبًا واستقر في الفحيحيل سنة 1904م، وهي نفس سنة ضم الأمير عبدالعزيز آل سعود للقصيم.
أصبح الشيخ محمد إمام وخطيب مسجد الفحيحيل الذي بناه عبدالله ومحمد العجيل. ونشط في التدريس في مدرسة العجيل، وقيل إنه قام بتدريس الشيخ ناصر المبارك والشيخ سالم المبارك الصباح إلى جانب عدد من أبناء الفحيحيل، مثل نايف حمد الدبوس، وفلاح الهملان، وغانم جاسم الدبوس، وحمدان محمد العدواني، وبدر سلطان الدبوس، وصقر النويعير، وأحمد عبدالله العجيل، ومحمد خليفة الدبوس، وموسى جاسم الدبوس.(2)
بعث أبوه إليه من عنيزة أخواه تباعا عبدالله وعبدالعزيز وخاله محمد المعجل للاطمئنان عليه، وانتهى بهم المطاف إلى الاستقرار في أبوحليفة والفنطاس قبل أن يغادروا جميعا إلى مدينة الكويت ويستقروا في المرقاب. ولخاله محمد المعجل ذرية استقر بعضها حاليا في الدمام وانفرد فرع منهم في الاستقرار بالكويت ويسكنون الآن منطقة الفيحاء، وهم بيت محمد سليمان محمد عبدالمحسن إبراهيم المعجل.(3)
انتقاله من الفحيحيل إلى مدينة الكويت
انتقل الشيخ محمد بعد ست سنوات قضاها في الفحيحيل إلى الحي الشرقي بمدينة الكويت، وسكن في محلة الحاكة أو الرشايدة بقرب الصوابر سنة 1910م. وعمل إمامًا وخطيبًا في مسجد ابن هبلة الغانم لمدة لا تقل عن ثمان سنوات كما ورد في إقرار كتبه بنفسه سنة 1337هـ / 1919م. ونصه كما يلي:
«.... تحريره بأنه أنا يا محمد بن علي الوزان قد صلَّيتُ في مسجد ابن هبلة ثمان سنين، وأَبديت [بذلت] الجهد على أني لم أجد ورقة تُثبت وقفية هذا الدكان المذكور، فلم أجد على ذلك شيء وصلى الله على سيدنا محمد وآله في 15 شوال سنة 1337هـ . صحيح محمد علي الوزان (ختم).
شهد بذلك على إقرار محمد علي الوزان: ناصر أبو مطرك (ختم)».
إقرار الشيخ محمد علي الوزان مؤرخ في 15 شوال سنة 1337هـ / 14 يوليو 1919م.
انتقل إلى المرقاب سنة 1919م تقريبًا وأمَّ وخطب في مسجد حمود الشايع ثم مسجد الفليج حديث البناء فكان أول أئمته وخطبائه.
علاقته مع علماء الكويت ومنهجه العقائدي
نشأت بين الشيخ محمد علي الوزان والشيخ يوسف بن عيسى القناعي والشيخ أحمد الفارسي علاقة صداقة. ويروي الأستاذ عبدالله السَّدحان في مقابلة له مع الأستاذ سيف مرزوق الشملان أن الشيخ محمد علي الوزان حينما عَلِمَ أن المدرسة المباركية تُدرِّسُ الطلبةَ قصيدةَ البُردة للبوصيري اعترض على القناعي الذي كان مديرها، قائلا: إنها تحتوي على أبيات تتضمن شركا بالله، مثل قول البوصيري:
«يا أكرمَ الخَلقِ ما لي مَنْ ألوذُ به سواكَ عند حلولِ الحادثِ العَمَمِ».
وكذلك قوله:
«فإنَّ مِن جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ».
فقال الوزان للقناعي أن عِلْمَ اللوح والقلم عند الله سبحانه وليس عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فلا يجوز أن تقدم للطلاب ضمن المنهج التدريسي.(4)
ترشيحه لمنصب قاضي الشارقة
وفي عام 1341هـ / 1922م قبيل وفاته بسنتين تقريبا عُرِضَ على الشيخ محمد علي الوزان أن يقدم إلى الشارقة ربما لتولي منصب القضاء هناك، وذلك بتنسيق بين التاجرين محمد حمود الشايع، والمرحوم علي بن محمود من الشارقة. ولكن الشيخ محمد رفض تولي القضاء؛ ولم يمانع أن يقوم بالتدريس والإمامة والخطابة والوعظ، وذلك وفق ما تكشفه الرسالة التالية، وشاهدها:
«... ومن طرف محمد العلي الوزان؛ سلّمنا له خطه [أي الرسالة الموجهة إليه]، وكثير قنّعناه، ولا قَصَّر وافق؛ ويقول: "أخاف إنهم يحملوني القضاء وأنا ما أتحمّل! إن كان القصد إمام مسجد وقراءة قرآن أو قراءة الأولاد في الفقه والتوحيد أو قراءة ذكر ووعظ في المسجد فهذا أسِدّ، وغيره ما أقدر". وأنتم إذا لكم خاطر إنه يقدم عليكم عرفونا، وأنا قلت له إذا تحب اليوم تتوجه فأنا أسلم لك جميع حاجتك من نول [أجرة النقل على السفينة] ومصرف. وقال: "ما أتوجه إلا من بعد الجواب"».
ولا شك أن موقفه هذا ينم عن طبيعته وشخصيته التي تفضل البُعد عن السعي للمناصب وتحمل المسؤوليات الإدارية، وشراء راحة البال والرغبة في إبقاء الضمير خاليًا من أدنى شعور بالذنب. ومنصب القضاء ليس منصبًا هينًا.
رسالة من محمد الحمود الشايع في الكويت إلى علي بن محمود في الشارقة بتاريخ 21 صفر 1341هـ / 13 أكتوبر 1922م.
حياته الأسرية:
للشيخ محمد زوجتان إحداهما موضي علي عبدالمحسن [البسام] توفيت عام 1940م تقريبًا حسب وثيقة حصر الإرث، وله منها أحمد الذي ولد عام 1914م (ربما 1916م)، ونورة التي ولدت عام 1912م، ومنيرة وسبيكة وحصة. وزوجته الثانية هيلة بنت دوخي بن شلال الروقي العتيبي، وله منها هيا التي ولدت عام 1915م وتوفيت عام 1975م. ويبدو أن الشيخ محمد تزوج بعد نزوحه للكويت نظرا لتواريخ ميلاد أبنائه.
وثيقة حصر إرث الشيخ محمد علي الوزان من إدارة التوثيقات الشرعية بوزارة العدل. تظهر بها معلومات مهمة. مؤرخة في عام 1968م.
وللشيخ محمد من الإخوة عبدالله وعبدالعزيز اللذان عاشا في المرقاب، وعبدالرحمن الذي رجع إلى بريدة بعد مكوث قصير في الكويت، وحسين الذي كان قاضيًا في بلدة غزالة بحايل ثم في بلدة الحاير جنوب الرياض. وله أختان، الأولى عايشة تزوجت من أسرة العساف في الشماسية، والثانية لولوة تزوجت عبدالرحمن الضويحي وصار ابنه مدير فنادق السعودية في بعض الفترات.
تزوجت ابنة الشيخ محمد، هيا، من صالح العبدالعزيز السحيمي وانتقلت معه للجبيل. وتزوجت ابنته نورة من عبدالرحمن صالح السحيمي (ابن زوج أختها) وانتقلت معه للدمام وأنجبت عبدالعزيز وخالد وسليمان. تزوجت ابنة الشيخ الأخرى حصة من سليمان الأحمد وأنجبت عبداللطيف وناصر وهيا وشيخة. وتزوجت ابنته الثالثة منيرة من صالح الذربان وأنجبت عبدالله ومحمد ولولوة. أما ابنه أحمد فقد أفردت له مقالات في مجلة الأقربون وبعض الصحف.
وفاته:
توفي الشيخ محمد علي الوزان في العاشر من رمضان سنة 1342هـ الموافق 15 أبريل 1924م عن عمر ناهز الثانية والخمسين عاما. ولو مدّ الله في عمره لتغيرت بعض الأمور في حياته وحياة أبنائه، وبالأخص أحمد الذي فقده وهو ذو ثمان سنوات تقريبا. إن وفاته المبكرة وطبيعته المتحفظة وضياع وثائقه وكتبه أبعدت عنه الشهرة رغم استحقاقه لها.
مدرسة في مدينة المطلاع:
وقد كرمته دولة الكويت بإطلاق اسمه على مدرسة متوسطة للبنين في منطقة المطلاع.
_______________________________________
1- فوزية صالح بن سيف، تاريخ نزوح العائلات الكويتية العريقة إلى الكويت ودورها في بناء الدولة منذ نشأة الكويت وحتى وقتنا الحاضر، ط. 2، 2011، ص. 504.
2- فوزية صالح بن سيف، تاريخ نزوح العائلات الكويتية العريقة إلى الكويت، ص. 504.
3- انظر عبدالحميد سليمان المعجل، "الهجرة للزبير"، مجلة أسرة المعجل، العدد السابع، عام 1433هـ.، ص. 69. وإفادة السيد عبدالعزيز سامي المعجل.
4- عبدالله عبدالعزيز السدحان، برنامج صفحات من تاريخ الكويت، لقاء أجراه معه سيف مرزوق الشملان، تلفزيون دولة الكويت.