حكــــايـــة (تلفزيون الكويت) - ابراهيم الخالدي
إبراهيم الخالدي :
16/06/2009
يعود تأسيس تلفزيون الكويت إلى ما قبل الاستقلال، وبالتحديد سنة 1960م عندما أنشأ التاجر الكويتي مراد يوسف بهبهاني محطة تلفزيونية على نفقته الخاصة حيث استورد أجهزة بث تعرض بعض أفلام الصور المصورة، وبعض أفلام السهرة ذات الـ 16مم، ولما شعرت الدولة بقيمة التلفزيون استعارت أجهزة البث تلك من البهبهاني لمدة عام، وبدأت بالبث الفعلي في فبراير 1960م ثم اشترتها في 15 نوفمبر من ذات العام، وفي ذلك اليوم بدأ البث التجريبي للمرة الأولى لمدة أربع ساعات يومياً ، وكانت قوة المحطة آنذاك 100 واط، وبدأت بعرض أفلام قصيرة عربية وأجنبية ثم شرعت تذيع القرآن الكريم، ونشرة الأخبار بالإضافة إلى برامج تثقيفية للأطفال، والأخبار المصورة، والبرامج المختلفة، كذلك التصوير الخارجي حيث خرجت كاميرا التلفزيون من الأستوديو للمرة الأولى في 19 يونيو 1962م ، وذلك لتسجيل الاحتفالات الرسمية والشعبية التي أقيمت بمناسبة عيد الاستقلال الأول.
واستمر بث تلفزيون الكويت تجريبياً لمدة عامين حتى بدأ البث الرسمي في نهاية 1962م عندما اكتملت تجهيزات التلفزيون حسب ظروف تلك الايام، وقد تزايدت ساعات البث من أربع ساعات سنة 1963م بمجموع 28 ساعة أسبوعياً لتصل إلى 36 ساعة أسبوعياً، وفي أوائل 1966م زادت إلى 52 ساعة أسبوعياً ثم ارتفعت في أوائل أكتوبر من نفس العام إلى 58 ساعة أسبوعياً حيث يستمر البث من الخامسة مساء حتى منتصف الليل، وفي أيام الجمع يبدأ من الثانية بعد الظهر
ونترك تلفزيون الكويت خمس سنوات، ونحل في سنة 1967م عندما نشر استطلاعين عن تلفزيون الكويت نشر الأول في يناير 1967م، وذلك في مجلة العربي، والثاني في مجلة (الإذاعة والتلفزيون) المصرية، ونشرته في 26 أغسطس 1967م، وتصدر غلافها صورة جميلة للمذيعة الكويتية أمينة الشراح، وقد اطلعت على هذين الاستطلاعين، ونقلت منهما بعض المعلومات المفيدة عن حكاية تلفزيون الكويت.
استطلاع «العربي»
نبدأ مع استطلاع مجلة العربي، ففي ذلك الاستطلاع قال وكيل وزارة الإرشاد والأنباء وقتئذ (سعدون الجاسم):
(إن المولود الصغير أصبح يمشي ويتكلم ويملأ كل بيت في الكويت، وكلما كبر المولود كبرت معه نفقاته، ويكفي أن تعلم أن ميزانية التلفزيون بلغت اليوم 834 ألف دينار في العام، وهي التي لم تكن تتجاوز مبلغ 317 ألف دينار عندما وقفنا جميعاً نحتفل منذ خمس سنوات بوصول مولودنا الجديد، فالتلفزيون، وكل العاملين فيه يلقون كل تشجيع أدبي ومادي من الدولة، فهي لا تبخل عليهم بشيء، وتقدم لهم كافة الإمكانات التي يمكن أن تجعل من هذا الجهاز الحيوي جهازاً تربوياً وثقافياً وترفيهياً يخدم الجمهور، ويحلق به في آفاق بعيدة داخل وخارج حدوده بلاده.
ونحن نقدر الجهد الذي يبذله المسئولون عن التلفزيون والمشرفون على العمل فيه، وقد خطت البرامج خطوات واسعة إلى الأمام من حيث الموضوع والإخراج والتصوير، وقد تضاعفت ساعات الإرسال، ولا تزال الجهود تبذل في سبيل الوصول بالتلفزيون إلى مستوى لائق به بين الدول).
وعن تطوير عمل التلفزيون منذ بداياته يقول سعدون الجاسم:
(أرسلت البعثات من أبناء الكويت إلى الخارج لدراسة أحدث ما وصلت برامج التلفزيون في مختلف العواصم العربية والأجنبية، وعاد المبعوثون ليطبقوا العلم على العمل، وبدأت مرحلة بناء التلفزيون الكويتي على أحدث النظم العالمية ثم تلا ذلك خطوات كثيرة أخرى. كان أمام المسئولين والمشرفين على التلفزيون مهمة البحث عن الوجوه الجديدة التي ستقدم برامج التلفزيون. وجوه المذيعين والمذيعات مقدمي البرامج ثم وجوه الممثلين والممثلات الذين سيضطلعون بأدوار البطولة في التمثيليات الكويتية التي يخرجها التلفزيون في استوديوهاته، وكانت مهمة شاقة أقيمت لها المسابقات، وعقدت اللجان لاختيار الأصلح والأنسب).
وذكر الجاسم أنهم يستعدون لإدخال التلفزيون الملون في الكويت عندما ينضج كما يدرسون إمكان الاشتراك في البرامج التي تنقل عن طريق التلستار أي القمر الصناعي للتمكن من نقل البرامج الحية من مختلف أنحاء الدنيا إلى الكويت وقت حدوثها.
في تلك الفترة كان تلفزيون الكويت على ما يزال في موقعه القديم على شاطئ الخليج (قرب قصر دسمان) بانتظار أن يتم بناء المجمع الضخم الذي سيضم الإذاعة والتلفزيون معاً، وكان يضم ذلك الموقع ثلاثة استوديوهات لتصوير التمثيليات والبرامج، ويشرف على تهيئتها للبرامج والتمثيليات المختلفة مهندسو الديكور الذين وضع تحت تصرفهم مخزن ضخم يسمونه مخزن الألواح، وهي ألواح موجودة بمقاييس مختلفة تصلح للمناظر المتغيرة، وهناك مخزن آخر هو مخزن اللواحق (الإكسسوارات) الذي يحوي مجموعات كبيرة من الأثاث والمعدات والأشياء المختلفة التي يحتاج إليها مهندسو الديكور والمخرجون لاستكمال المنظر.
وهناك قسم خاص للأزياء، وآخر للماكياج، ولما زارت مجلة العربي قسم الأزياء وجدته مشغولاً بتصميم ملابس مسلسل (أسباب النزول) الذي يروي الأحداث التاريخية التي نزلت فيها آيات من القرآن الكريم، وقد بدأ التلفزيون بعرض هذا المسلسل في رمضان 1385هـ (1965م) ثم استأنف عرض بقية حلقاته في رمضان من السنة التالية.
ويعمل في هذا القسم فريق من مصممي الأزياء والخياطين، وفيه يرتدي الممثلون والممثلات الملابس التي تتطلبها الأدوار قبل الانتقال إلى القسم الثاني، وهو قسم تشكيل الوجوه وتزيينها (الماكياج) الذي يعتبر من أهم الأقسام التي يعتمد عليها التمثيل.
وفي قسم الماكياج وجدت بعثة العربي شاباً يتحول إلى شيخ عجوز، وهو الممثل الكويتي سعد الفرج الذي قدم تمثيلية عن ماضي الكويت البحري، واشترك بها التلفزيون الكويتي في مهرجان التلفزيون بالقاهرة الذي أقيم في نوفمبر 1966م.
ومن أقسام التلفزيون في ذلك الوقت قسم الهندسة الذي يتحكم في الإشارات المرئية والصوتية، ويقوم بضبطها وإعدادها وإرسالها إلى محطات البث، ويعتبر هذا القسم هو العمود الفقري الذي يرتكز عليه العمل كله في التلفزيون، ويضم عدة أقسام فرعية من بينها قسم تشغيل الاستوديوهات، وقسم الصيانة والتركيبات، وقسم النقل الخارجي، وقسم الإرسال الذي تتبعه محطتا الإرسال في منطقتي المطلاع والروضتين، ويتحدث رئيس مهندسي الإذاعة والتلفزيون في ذلك الوقت المهندس عبد الرحمن الحوطي عن منابع البرامج التي يبثها التلفزيون، فيذكر أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام أواها المنابع الحية كمباريات كرة القدم والحفلات وغيرها، وثانيها المنابع السينمائية أو البرامج التي يتم تصويرها على أفلام، وثالثها البرامج المسجلة التي يتم تسجيلها على أشرطة مغناطيسية.
ومن البرامج التي كان يقدمها تلفزيون الكويت في تلك الفترة برنامجا (دنيا الأسرة)، و(مجلة المرأة) التي اختصت بإعدادهما وتقديمهما السيدة فاطمة حسين، وبرامج (دنيا الطفولة)، و(طفولة ومرح)، و(مجلة الأطفال)، وتقدمها ماما أنيسة، وبرنامج (مع الشباب)، وهناك نشرات الأخبار، ومن أبرز المذيعين الكويتيين في تلك الفترة سالم الفهد، ورضا الفيلي، وجاسم الشهاب، وباسمة سليمان، ومنى طالب، وأمل جعفر، وهناك الآنسة أمينة الشراح التي لا يتجاوز عمرها التاسعة عشرة.
استطلاع مجلة مصرية
أما استطلاع مجلة (الإذاعة والتلفزيون)، فيبدأ بمقدمة طريفة عن أحداث المسلسل الكويتي الرائج في تلك الأيام عن (أبو جسوم الهارب) كما تتحدث عن مشاركة المتدربين الكويتيين في الدورات التي تعقد في البلاد العربية، وخاصة في مصر، وتحدثت المجلة إلى المذيعة الكويتية الشابة أمينة الشراح التي تعد من ألمع المذيعات الكويتيات، وأجملهن، وهي تقول عن عملها:
(إنني أحب عملي، وهو أحب شيء إلى نفسي، وأتمنى أن تخوض الفتاة الكويتية جميع المجالات لتشارك بدورها في نهضة بلدها مع أنها بدأت فعلياً بالمشاركة في بعض المجالات، ولا ينقصها شيء يعوقها خصوصاً، وأنها على قدر كبير من الثقافة والوعي).
برامج التلفزيون
وإذا شئنا معرفة البرامج التي كان يقدمها تلفزيون الكويت في أواسط الستينيات، فيمكننا الرجوع إلى حوار نشرته مجلة العالم اللبنانية في سبتمبر 1964م مع مدير التلفزيون في ذلك الوقت الدكتور يعقوب الغنيم، ولخصه في مقال صحافي له، وذكر فيه أن برامج التلفزيون تنقسم إلى ثلاث مجموعات كالآتي:
1
- المجموعة الأولى، وهي ثقافية، وتشتمل على برامج ثقافية وترفيهية موجهة للأطفال. وبرامج (عالم الحيوان)، وهو عرض لدنيا الحيوان وما فيها من غرائب وطرائف، و(حديث الأسبوع)، وهو مجموعة من المحاضرات الدينية والاجتماعية والاقتصادية، وبرنامج (رسالة) الذي يعرض إحدى المشاكل الاجتماعية التي يستفسر عنها الجمهور في رسائل، ويعالج هذا البرنامج المشاكل المعروضة فيها في قالب تمثيلي، فتعرض على المتفرجين بطريقة طريفة جديدة، ويناقش كل مشكلة معروضة أخصائي، وبرنامج (التثقيف الصحي)، وهو يعرض المشاكل الصحية ويناقشها، ويهدف إلى رفع مستوى المعرفة الصحية بين الجماهير، وبرنامج (مجلة المرأة)، وهو ركن خاص بالمرأة، ويهدف إلى الأخذ بيدها في طريق قويم، ويثقفها ويوضح لها شؤون بيتها ويوسع مداركها، وبرنامج (علم وفن)، وهدف هذا البرنامج توسيع مدارك المشاهدين وإطلاعهم على كل جديد في دنيا العلم والفن، وبرنامج (جولة الكاميرا) وهو خاص بنقل تطور الحياة في الكويت بشكل واضح من خلال زيارة الكاميرا إلى المصانع والمعامل والموانئ ومنشآت النفط لإطلاع المشاهدين على سير الحياة في بلدهم كما تنقل صورة حية عن نشاط الوزارات وأقسامها المختلفة في جميع المجالات.
2 - أما المجموعة الثانية فإنها برامج تعليمية، وفي طليعة هذه البرامج (تعليم اللغة الانجليزية) على الأصول القويمة، وهذا البرنامج تشرف عليه وزارة التربية والتعليم، بالاشتراك مع (المجلس الثقافي البريطاني)، ويلاقي استحسانا منقطع النظير في أوساط الجمهور، نظرا للإقبال الشديد من المشاهدين واهتمامهم بتعلم اللغة الانجليزية عن هذا الطريق، وخاصة أن الكويت أصبحت مركزا لتلاقي الكثير من الأجانب من مختلف الطبقات، وهذا ما يجعل لهذا البرنامج هذه الحظوة والاهتمام لدى الجمهور لأنه برنامج مفيد للغاية، خاصة بالنسبة إلى المواطنين الذين فاتهم تعلم اللغة الانجليزية في المدارس، وإننا نلمس هذا الأمر من خلال الاهتمام العام الذي يلقاه لدى الجمهور، وفي مخططنا أن نوسع نطاقه، بحيث يشمل أبوابا أخرى لا تقتصر على تعلم اللغة والتحدث بها، بل وأصول كتابتها أيضا، ويظهر هذا الاهتمام بمئات بل قل بألوف الرسائل التي ترد إلينا، وبالمخابرات الهاتفية التي تثني عليه وتطلب المزيد من دروسه، وكثير من هذه الرسائل والمخابرات الهاتفية تتضمن بعض الاستفسارات والأسئلة عن دروس سبقت.
3 - المجموعة الثالثة تتضمن برامج متنوعة، وهدفها التسلية والترفيه، ومن هذه البرامج: (ما يطلبه المشاهدون)، تلبية للرغبات التي يبديها المشاهدون، فنعرض الأغنيات والمشاهد واللقطات المحببة إلى نفوسهم ثم (المسلسلات الأجنبية)، وهي عبارة عن حلقات مسلية غربية، يتراوح عرضها بين ربع الساعة والساعة، وتتضمن الفكاهات والمغامرات ثم (سهرة الفن)، وهذا البرنامج يقدم من وقت لآخر، ويشترك في إحيائه الفنانون المحليون والفنانون الضيوف ثم هناك (مجلة التلفزيون) التي تضم أبوابا مختلفة في الرياضة والثقافة والعلوم والفنون.
ونختتم جولتنا مع تلفزيون الكويت بهذه الصور المنتقاة التي أخذناها من استطلاع مجلة (الإذاعة والتلفزيون)، وقد أهدانا عددها الخاص بالتلفزيون الكويتي الأستاذ محمد جبر الرشيدي.
|
العرض العادي
