تاريخ قرية حولي
بسم الله الرحمن الرحيم
حَوَلِّي
قرية الأنس والتسلي
(من حصيلة الذكريات قبل الخمسينات)
كلمة شكر وتقدير
يطيب لي أن أرفع جزيل شكري وعظيم ثنائي إلى معالي وزير الإعلام الشيخ ناصر محمد الأحمد الجابر الصباح على ما شملني وأولاني من رعاية وتشجيع في شتى الأنشطة المتواضعة التي أراجعه بها.
إذا لا يتوانى أبداً في الموافقة على كل ما من شأنه خدمة الكويت وإعلاء شأنها.
كما وأخص بوافر الشكر جميع الأخوة في وزارة الإعلام من مسئولين، وخاصة الأخ حمد يوسف الرومي وكيل الوزارة المساعد لشئون الثقافة والصحافة والرقابة، الذي مهد الطريق لطبعه.
وكذلك أشكر مسئولي المطبعة وموظفيها على اهتمامهم في إخراج هذا الكتاب وطبعه ليظهر بالمظهر اللائق به.
كما ولا يفوتني أن أشكر جميع من ساهم معي في إدلاء المعلومات أو جمعها.
وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه وعاشت الكويت حرة أبية تحت ظل حامي نهضتها وقائدها الأمير المفدى وولي عهده الأمين.
مؤلف الكتاب
أيوب حسين الأيوب
اعتذار
إن ما شمله هذا الكتاب هو عبارة عن مجهود فردي متواضع حاولت فيه بكل قواي أن أقدم للقارئ الكريم صورة صادقة عما كانت عليه قرية (حولي) فيما مضى وحتى الخمسينات.. قرية كانت بالأمس لها طعمها الخاص وقيمتها الثمينة ومكانتها العظيمة في نفوس أهلها ومحبيها.
تلك الصورة التي استخلصتها من ذاكرتي وقد عدت بها قرابة أكثر من أربعين عاماً للوراء، وإنني أعلم تمام العلم بأنني لم أوف الموضوع حقه، ولو فعلت ذلك لكلفني من الجهد والعناء فوق ما أطيق. ولكنني اكتفيت بما سجلته هنا سواء مما اختزن في ذاكرتي وهو الأعم أو مما أخذته من أقوال الآخرين.
كما وأبدي أسفي الشديد لعدم حصولي على صور فوتوغرافية توضح ما تكلمت عنه ولكن استعضت عن ذلك ببعض رسوماتي التي قد تعطي القارئ فكرة عن الموضوع.
فمعذرة على ما فيه من قصور أو نقص أو نسيان والكمال لله وحده.
المؤلف
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فإنني لم أصل إلى المكانة التي تؤهلني للكتابة أو الخوض في تاريخ أي مكان كبلد أو قرية أو ما شابه ذلك. ومع صعوبة الحصول على مصادر كافية تتناول الحديث عما وددت الخوض فيه، فإن ذاكرتي أبت إلا أن تقودني إلى تحرير ما علق بها من معلومات خاصة عن قرية كان ظلها خفيفاً على نفسي، ولو بقدر يسير جداً، المهم فيه تسجيل شيء من تراث مضى وعفّى عليه الزمان فصار في طي الكتمان، أسجله هنا لكي تطلع عليه الأجيال الذين لم يعاصروا (حولي) عندما كانت قرية.
نعم أسجل بعضاً من ذكرياتي ومعلوماتي الخاصة عن قرية (حولي) منذ أن عرفتها في أواخر الثلاثينات وحتى أوائل الخمسينات يوم أن كانت تنطبق عليها صفات القرى بحق، إذ لا قصور شاهقة ولا عمارات، إذ لا طرقات معبدة ولا سيارات، إذ لا أسواق منمقة ولا حشودات، إذ لا تمدن بين الناس ولا أبهات.
بل هي قرية تتمثل بها البساطة بكل مفاهيمها وتتجلى فيها القناعة بجميع معانيها.
بيوت (حولي) يومها كانت تشعرك بالرخاء والطمأنينة والأمن لضعف أبوابها وانخفاض علو أسوارها وبساطة مبانيها.
- فما أحلى (حولي) حين تبدو معالمها صغيرة لقصادها وهم قادمون إليها من الكويت مشاة أو ركباناً يقتربون منها شيئاً فشيئاً فتستقبلهم مبانيها وأشجارها.
- وما أحلى (حولي) حينما تتمشى في طرقاتها المتربة وأزقتها الضيقة وبين بيوتها التي تشتم منها روائح الأطعمة المنبعثة من كل بيت قبيل الغذاء مما يفتح الشهية.
- ما أحلى (حولي) عندما تهب عليها الرياح والعواصف فتمحو آثار أقدام من مشى عليها من أناس وبهائم أو سيارات إن كانت هناك سيارات فتظهر أرضها نظيفة ناعمة كأن لم يطف عليها طائف ولم يمر عليها مار، وبعد هدوء الرياح تدب عليها الحياة متوانية بطيئة فتبدأ تلك الآثار بالظهور على تراب سككها شيئاً فشيئاً إلى أن تعود الأرض كما كانت عليه.
- ما أحلى (حولي) حينما تسمع صدى صيحات أطفالها وصرخات صبيانها بألعابهم المختلفة بثغاء الأغنام العائدة من مراعيها عند المساء.
- ما أحلى (حولي) لما يصل إليك من نباح كلابها كلما انتبهت من رقادك وأنت في الهجيع الأخير من الليل داخل (الكبر) -وهو الكوخ-.
- ما أحلى (حولي) عند صياح الديكة معلنة بزوغ الفجر وانفلات العصافير من أعشاشها.
- ما أحلى (حولي) إذا ما خرجت من مهجعك الدافئ صباحاً لترى الأعشاب النضرة والورود الطبيعية وقد علتها قطرات الندى ففاح شذاها في أرجاء الفضاء الرحب فتكسبه جمالاً فوق جمال.
أجواء جميلة حلوة تطفح بالسعادة والمحبة والسرور تسبح لخالقها وتحمده على حسن صنعه.
كل ذلك دعاني بل وشدني إلى تأليف هذا الكتيب المتواضع، عله ينال إعجاب قارئيه ويذكرهم بأكثر من هذا فأكون قد حققت شيئاً مما كنت أصبو إليه.
والله ولي التوفيق
المؤلف
أيوب حسين الأيوب
مخطط تقريبي لقرية حولي قديماً
هذا مخطط تقريبي لقرية حولي قديماً وقد أشرت بالخطوط المائلة على الأجزاء المسكونة فيها أو المحاطة بجدران أو أسيجة كالمزارع (وحوط) السدر. كما وبينت بها بالأرقام بعض المعالم والأمكنة المشهورة فيها قديماً حسب توقعاتي. مثل:
1- مزرعة بن عويد، 2- مزرعة الشيخ عبد الله الخليفة، 3- مسجد المسلم، 4- مسجد بن عويد، 5- الجادة الرئيسية، 6- المقبرة القبلية، 7- اليديده، 8- صيهد ضلع وضحة، 9- المطينة، 10- أثلة مسلم، 11- قصر الشعب، 12- أثل الخالد، 13- قصر بيان، 14- حوطة الشيخ عبدالله الجابر، 15- المقبرة الشرقية.
أما ما بين الخطين المتعرجين فهي: البحرة.
قرية حولي وموقعها
قبل الخوض في الحديث عن قرية حولي لا بد من الكلام عن تحديد موقعها فأذكر أنها قرية صغيرة تقع في جنوب مدينة الكويت ولا تبعد عنها إلا بما يقارب ستة (كيلو مترات).
وهي كسائر قرى الكويت المتناثرة على سواحل البحر إلا أنها أقرب القرى قاطبة إلى المدينة ولكنها قرية غير ساحلية، إذ يفصل بينها وبين بحر الشعب -الذي يحدها شرقاً- أرض خالية تقدر بمسافة (كيلو مترين) تقريباً تنمو بها الأعشاب أيام الربيع. وبعد بناء هذه الأرض وتعميرها مع بداية الستينات صار يطلق عليها الناس اسم (ميدان حولي) وذلك لأن أهالي (فريج الميدان) أي (حي الميدان) الواقع في الناحية الشرقية من مدينة الكويت قديماً، وبعدما استكملت الحكومة منازلهم في أوائل الستينات، سكن معظمهم في هذا البر الواقع بين منازل قرية (حولي) وبحر الشعب فأطلقوا عليه اسم حيهم القديم وظل هذا الاسم ملازماً لمنطقة ما بعد شرق (حولي) ومعروفاً لدى الناس جميعاً إلى يومنا هذا.
وأما (فريج الميدان) الأصلي الواقع بمدينة الكويت شرقاً فكان أصله من قبل أن يسكن ساحةً أو أرض فضاء تستغل في سباق الخيل والمبارزة وإقامة العرضات وما إليها من رقصات الحرب لذا سمي بالميدان.
وفي الجنوب الشرقي من قرية (حولي) تأتي قرية (الدمنه) التي قلب اسمها إلى السالمية عام 1953م إبان حكم المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح.
ولكن تسميتها الأصلية (الدمنه) قد عادت إلى القسم القديم منها في وقتنا الحاضر حسب يافطات إدارة المرور المنصوبة على مفترق الطرق وفي الميادين العامة هناك، وذلك بعد اتساع رقعتها.
وكانت (الدمنه) قرية ساحلية تبعد عن (حولي) بما يقارب ستة (كيلو مترات). ثم تليها شرقاً قرية (الراس) الواقعة على رأس الجون الذي يسمى (برأس الأرض).
وعن جنوب قرية (حولي) فتقع منطقتي (الرميثية) و(الرميث). وهما مكانان خاليان من السكن آنذاك ولا يوجد بهما شيء سوى بعض أشجار السدر التي تبدو للناظر إليها من فوق (صيهد حولي) وهي كالنقط السوداء نظراً لبعد المسافة بينهما. وفي الجنوب أيضاً تقع أرض السرة وهي مساحات شاسعة خالية من العمران إلا من بعض القصور.
وأما من الناحية الغربية فهناك قرية (النقرة) التي ترتبط (بحولي) وتعتبر امتداداً لها.
وعند الرجوع إلى قرية (حولي) القديمة فأقول إنها قرية صغيرة قد لا يزيد مساحة الجزء المبني منها عن (كيلو متر مربع) واحد تقريباً. ولهذا فقد حباها الله موقعاً مناسباً قريباً، وهواء طيباً عليلاً، وتربة زراعية، وآباراً مياهها صالحة للزراعة، وأشجاراً خضراء زاهية.
وسأبين فيما يلي ما حصلت عليه من معلومات أو أقوال أو ما علق بذاكرتي عن هذه القرية الصغيرة.
وخير من ساهم في الكتابة عن قرية حولي هو الأستاذ المؤرخ سيف مرزوق الشملان عند استعراضه لجميع قرى الكويت وجزرها في كتابه النفيس (من تاريخ الكويت) حيث قال:
(حولي): أقرب القرى إلى الكويت وتقع في الجهة الجنوبية منها. بعيدة عن البحر وفيها بعض المزارع والسدر. وعلى مرتفع منها يقع قصر بيان بناه الشيخ أحمد الجابر الصباح (الحاكم السابق) وهو الآن أطلال "أقول وقد هدم نهائياً وأقيم مكانه حالياً مستشفى مبارك".
وفي سنة (1349هجري - 1931م) بنى الشيخ أحمد الجابر في (حولي) مسجداً. وهواء (حولي) جميل لطيف. (انتهى).
ويقول أحد المسنين وقد عاصر (حولي) منذ صغره وسكن بها منذ نشأتها إلى يومنا هذا أن الجهة الشرقية من (حولي) كان اسمها فيما مضى (حويل) (بتسكين الحاء) ومع مرور الزمن شملها الاسم الكامل فصار يطلق عليها الاسم المشهور (حولي).
وأقول إن تسمية (حويل) ليست بغريبة على من يستغربها أو ينفيها لأن تصغير الأشياء هو من عادة أهل الكويت بل ومن عادة سكان الجزيرة العربية والخليج عموماً، وهو مما تؤكده اللغة العربية.
وعلى نمط (حولي وحويل) هناك (كوت وكويت) و (فنطاس وفنيطيس) و (سره وسريرات) وهناك (فحيحيل) وهي تصغير لكلمة (فحيل) المصغرة أيضاً من كلمة (فحل) وما إلى ذلك من الأسماء المصغرة لبعض الأماكن مثل (صليبيخات) و (نويصيب) و (شعيبة) و (بنيد القار) و (عشيرج) و (العديلية) و (الرميثية) إلى غير ذلك من الأسماء المصغرة.
وبعد إطلاعي على كتاب الفنون الشعبية لمؤلفه السيد الشاعر عبد الله عبد العزيز الدويش يقول في صفحة (32) ما يلي:
ويذكر أن اسم (حولي) أطلق عليها لأن أول من سكن تلك المنطقة وأقام فيها وزرع الخضار شخص من قبيلة العوازم اسمه (حولي) وقد أطلق اسم حولي على المغاص المذكور (هير حولي) تيمنـاً باسم المنطقة في الكويت لتشابهها في غزارة مائها.. الخ. (انتهى).
مياه حولي وسدها
ومما يذكره الأقدمون الذين قطنوا (حولي) عند تأسيسها أن مياه آبارها كانت عذبة وصالحة جداً للشرب مما ساعد على شهرتها وجعلها منتزهاً فاخراً ومحط أنظار عشاق النزهات، لدرجة أنه كثيراً ما يوصى العليل بالسكنى في ربوعها للاستشفاء.
ولكن ومع مرور الزمن لم تدم عذوبة مياهها طويلاً فخفت تدريجياً إلى أن طغت المرارة فصارت لا تصلح إلا للزراعة وسقي المواشي والبهائم فقط وهذه حال الآبار.
وقد قيل في ماء (حولي) نقلاً من كتيب (صفحات من تاريخ الكويت) للمرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي:
ماء الحولي مثله ما دارا لا في افنيطيس ولا في وارا
هذا وللمرحوم علي بن عبد الوهاب المطوع قليب أي بئر حفره وبنى حوله الأحواض والجدران ليكون وقفاً (سبيل) يستفيد منه الناس والرعاة وأصحاب البهائم إذ كانت مياهه حينذاك عذبة وصالحة للشرب وكان موقعه في الزاوية الشمالية لمدرسة (أم البنين للبنات) المطلة على شارع المثنى حالياً.
وهناك قليب آخر حفر على نفقة أحد المحسنين من سكان القرية ليكون وقفاً للمحتاجين وأصحاب الرعي أيضاً كان موقعه قبلي (حولي).
ولهذا صارت قرية (حولي) منتجعاً جميلاً ومربعاً لعشاق البر والخلاء يخرجون إليها سنوياً مع بداية كل فصل ربيع حيث اللهو البريء والترويح عن النفس بعد انقضاء عام كامل قضوه في غمرة من الأعمال الجادة داخل سور المدينة أو في البحار بحثاً عن الرزق.
وعن موضوع الماء فقد كتب الأستاذ سيف مرزوق الشملان في كتابه (من تاريخ الكويت) قائلاً:
بدأ تأسيس (حولي) في سنة (1324هـ – 1906م) حيث عثر فيها على ماء حلو عذب فلذلك سميت (حولي) نسبة لحلاوة الماء، ومنذ ذلك الوقت أخذ الناس في البناء، وقد حصل لاكتشاف الماء الحلو رنة عظيمة في الكويت حتى قال قائلهم:
ماء الحولي مثله ما دارا من حسنه قد تيه الأفكارا
وقد عارضه أحدهم قائلاً:
يا مادحاً ماء الحولي مسرفاً هلا مدحت الشط والأنهارا
ثم يضيف الأستاذ سيف: وفي الأخير تغير طعم الماء وصار غير عذب كما هي العادة في الآبار حيث يتغير ماؤها نتيجة لقلة الأمطار وكثرة الوارد عليها.
ويقول أيضاً:
"في السنة التي عثر فيها على ماء (حولي) عثر الغواصون على (تبرأة) وهي أن يجدوا محاراً كثيراً فيه لآلئ في أحد الأماكن التي يغوصون فيها ويسمونها (اهييرات) جمع (هير) وتكون بعيدة عن ساحل البحر وقد أطلقوا على ذلك (الهير) اسم (حولي) تيمناً باسم الماء الحلو الذي عثروا عليه قبله.
و (هير حولي) عميق الغور موحش يتعب الغاصة ويقول أحد البدو :
في حولي غبةٍ مالها والي غبةٍ سودا وحنا نغوص ابها
(انتهى)
هذا وقد جاء في كتاب الفنون الشعبية للسيد الشاعر عبد الله عبد العزيز الدويش تكملة للبيت السابق في حولي غبةٍ… الخ.
والردي يقول يا عمري الغالي والحجر إلي أقبل على إلقاء هربها
والبيتين هما لمحمد بن جريبه العجمي كما جاء في نفس الكتاب. (انتهى).
وبعد الرجوع إلى كتاب (تاريخ الكويت) لمؤلفه المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد والذي وضع حواشيه وأشرف على تنسيقه ابنه الأستاذ الفاضل يعقوب عبد العزيز الرشيد، وفي الباب الرابع من هذا الكتاب القيم تحت عنوان (قرى الكويت) وفي الباب الخامس تحت عنوان (بعض أماكن الكويت المشهورة) فإنه رحمه الله قد تكلم عن جميع القرى والمواقع سواء الآهلة منها بالسكان أو كالتي لم تسكن قط وذكر أيضاً جميع الجزر واحدة واحدة ما عدا قرية (حولي) التي لم يتطرق إليها في هذين البابين على الرغم من أهميتها وقربها وكثرة سكانها.
ولكنه رحمه الله أتى بشيء عنها كمورد ماء فقط في الباب السابع تحت عنوان (موارد الكويت المائية) حيث قال:
"كان الكويتيون أول ما نزلوا الكويت يشربون من آبار هي وسط المدينة وقد تحولوا عنها عندما أحاطت بها البيوت إلى آبار أخرى تسمى بالشامية في جنوب البلد الغربي، ثم هجروها بعد أن تغير ماؤها لقلة الأمطار وكثرة الوارد إلى (العديلية) و (النقرة) وهما موضعان متقاربان في الجهة الجنوبية وقد تركوها أيضاً لاستحالة مائهما وحفروا آباراً في أعلى الوادي الذي في أسفله الشعب فكان ماؤها عذباً زلالاً وقد حصلت لاكتشافه رنة في الكويت حتى سموه لحلاوته (حولياً) وأطلقوا هذا الاسم أيضاً على كل ما أعجبهم وكل شيء يستحسنونه وأفرط بعضهم ففضله على جميع المياه بقوله:
ماء الحولي مثله ما دارا من حسنه قد تيه الأفكارا
ولكن بعضهم عارضه فقال:
يا مادحاً ماء الحولي مسرفاً هلا مدحت الشط والأنهارا
ويختتم المؤرخ قوله عن مورد (حولي) قائلاً:
غير أن هذا الماء قد نكب أيضاً بتغيره وباستحالته إلى ماء أجاج أفقده الأهمية الأولى فأخذوا يجلبون الماء من شط العرب في السفن الشراعية…. الخ.
وقال الشيخ عبد العزيز الرشيد رحمه الله عن (الشعب) ما يلي:
الشعب (بكسر الشين: وهو سيل الماء بين الجبلين) هو اسم لوادي يفضي إلى البحر فيه أثل ونخل وسدر قليل. يبعد عن المدينة نحو ثلاثة أميال جنوباً وكان من المتنزهات أيضاً سيما لآل خالد، وقد رأى الشيخ سالم أخيراً أن يتخذه متنزهاً خاصاً له فبنى فيه قصراً على شاطئ البحر أقام فيه إحدى نسائه وكان يمضي فيه جل أوقاته لطلاقة هوائه وعذوبة مائه وجمال منظره، فقد أحاطت به كثبان الرمال التي يحاكي لمعانها ذهب الأصيل ويشرف المرء من أعلاها على منبسط فسيح من الأرض واسع الأطراف لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً، وقد أقام سالم فيه سداً من الرمل ليحفظ ماء السيل الغزير الذي ينحدر من أعلى الوادي فيبتلعه البحر وبذلك حفظ الماء وعاد السد بفائدة كبيرة ولو أقامه من الحجارة لكانت فائدته أعظم.
توفي سالم فحل محله فيه نجله الأكبر سمو الأمير الجليل الشيخ عبد الله السالم الصباح وقد بذل همه في إصلاحه حتى فاق ما كان عليه أيام أبيه وحتى امتزج جماله الصناعي بجماله الطبيعي.
ويتطرق المؤرخ نفسه عن شعب آل خالد قائلاً:
"وهناك شعب آخر أسسه آل خالد الكرام حديثاً سنة 1334هـ (بما يعادل 1916م) جنوب الشعب المتقدم، يأوون إليه للنزهة أيام الصيف والربيع وقد بنوا فيه قصراً وغرسوا أثلاً كثيراً، ويبعد عن المدينة نحو ثلاثة أميال ونصف". (انتهى).
ويقول الأستاذ حمد السعيدان في مؤلفه القيم (الموسوعة الكويتية) لم تكن (حولي) معروفة قبل 1906م عندما اكتشف فيها أول بئر للمياه العذبة، وتحول الناس عن مياه (أبو دواره) إلى مياه (حولي)، وتحولهم هو سبب التسمية.
ويقول: وليس كما فسر البعض من أن (حولي) نسبة للماء الحلو، إذن لماذا لم يقولوا (حلوي؟) نسبة إلى حلو!.
وعندما ظهر الماء العذب في (حولي) استبشر الناس وقالوا القصائد ومنها هذه الأبيات :
ماء الحولي مثله ما دارا لا في افنيطيس ولا في وارا
من حسنه قد تيه الأفكارا
فكان في هذا الشعر مبالغة واضحة، ورد عليه شاعر آخر قائلاً:
يا مادحاً ماء الحولي مسرفاً هلا مدحت الشط والأنهارا
ثم يتابع الأستاذ حمد السعيدان يقول:
ولم يلبث ذلك الماء المتجمع من الأمطار حتى انتهى وتغير طعمه وصار مالحاً. (انتهى).
وهناك بيتان من الشعر قيلا في ماء (حولي) بعد أن تغير طعمه وأصبح كماء بئر (أبو دواره) الواقع شرق مدينة الكويت -شرقي قصر دسمان- البيت الأول جاء على لسان الشيخ عبد الله الجابر الصباح ويذكر أنه من شعر (سيد عبدالوهاب حنيان) وهو صاحب مدرسة بالمناخ قرب جامع العدساني.
وأما البيت الثاني فقد زودني به السيد محمد سعود صالح المسلم وأظنه لنفس الشاعر. وهما :
يا أهل (الحولي) عظم الله أجركم إن (الحولي) عندكم قد بارا
جرتم علينا بالغلاء لمائكم واليوم أمسى (كأبي دوارا)
وقد جاء هذان البيتان بنفس قافية البيتين السابقين.
وقد يظن البعض أن الشاعر ما قالهما إلا متهكماً في أهل حولي فرحاً بما نالهم من سوء فجاء يعظم لهم الأجر أي يعزيهم بمياه آبارهم التي تغير طعمها من بعد أن كانت مصدراً من المصادر التي يتباهون بها، ولكن في الحقيقة أنه ما قالهما إلا مازحاً ومداعباً، يتبارى وإياهم ويتساجل في نظم الأبيات المرحة التي تدخل الفرح على النفس وهذه من عادات الشعراء قديماً في الكويت حيث تجري بينهم مساجلات شعرية يكتبونها على هيئة رسائل متبادلة، وتعتبر هذه من النوادر والملح في ذلك الزمان.
وأعود ثانية إلى قليب (أبو دواره) الواقع شرق قصر دسمان لأذكر ما قاله عنه الشيخ عبد الله الجابر الصباح بأنه مطوي بالصخر ومدور الشكل ويقع بقربه قليب آخر لعبد العزيز بن حسن بو سلطان وماؤه كماء (أبي دواره) (مروق) أي لا يصلح إلا للطبخ والبهائم والغسيل وهو سبيل لوجه الله الكريم.
وجاء في كتاب (محافظة حولي) ص 34 تحت عنوان (حولي) ما يلي:
ولقد كان لمياه آبار (حولي) امتياز آخر غير عذوبتها ميزها عن مصادر المياه الأخرى. ذلك أن مياه (النقرة) أو (الشامية) مثلاً آنذاك كان يصيب مذاقها تغير واضح نحو الملوحة أو المرارة بعد مضي فترة من الزمن وتصبح بالتالي غير صالحة للشرب.
إلا أن مياه آبار (حولي) استمرت عذبة لفترة طويلة من الزمن. ولما كان لميلاد مصدر جديد للمياه العذبة صدى في نفوس الناس وفرحة لا تعدلها فرحة فقد استبشر الناس بظهور المياه الحلوة المذاق في منطقة (حولي) على نحو لم يخبروه من قبل حتى أن بعض شعرائهم نظم فيها قصيدة جاء فيها : ماء الحولي.. الخ. (انتهى).
وفي منتصف الستينات تقريباً قدمت إذاعة الكويت قصيدة ملحنة عن ماء حولي غنتها مطربة تدعى حسب معرفتي إن لم أكن ناسياً (سليمة إسماعيل) حيث لم يذكر اسم مؤلفها الذي حاولت جاهداً الاستفسار عنه ولكن دون جدوى. فمنهم من قال أنها للشاعر العدساني، ومنهم من نسبها إلى الشاعر المرحوم فهد بورسلي ولكنني أستبعد ذلك لأنها قصيدة تتخللها بعض الركة في التعبير وعدم التناسق في الأبيات وأظن أن ذلك ناتج من سوء النقل مع كثرة التداول.
ماء الحولي مثله ما دارا من شربه قد ضاعت الأبصارا
ماي عجيب ليس يوجد مثله قد جاءنا من ربنا الغفارا
إن جئت عطشاناً فتلكي واردٌ تلكي حباً وعليه مطارا
يا مادح الشط أنت جز من مدحه ماءٌ نشاه الله من الأبيارا
وعليه درب الحرس من حوله اللي (يحرسو) ساعة الأخطارا
ماء الحولي مثله ما دارا من شربه قد ضاعت الأبصارا
تعليق:
(ومن تفسيري وفهمي حول هذه القصيدة أن ناظمها يدل على أنه عاش وشاهد هذا الماء وقت استكشافه فوصف الإقبال عليه. كما ولاحظ وقوف بعض حراس الأمراء عند تجواله حول هذا الماء. وقد يجوز أنه مع الفرحة وضع بجانب الماء (حب) لتشرب منه الناس ماء بارداً. ولكن الأمر المستجد أنه كيف يوضع فوق ذلك الحب (مطارة). أما (الحب) فهو زير من الفخار (والمطارة) قديماً هي كيس من القماش السميك بقياس 35 سم × 30 سم يبرد فيه الماء ليكون مستساغاً للشرب.
|